Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف في دارفور ... جدل تقرير المصير

الصراعات في الإقليم ليست وليدة عهد الحكومات الوطنية وحدها

 عوامل عدة ساهمت في تغذية فكرة الانفصال التي تبنتها الحركات المسلحة سابقاً (غيتي)

تأخذ حادثة مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، بُعد الصراع القَبلي الراسخ في الإقليم. وهو صراعٌ أعمق من الحادثة التي خلَّفت 24 قتيلاً، حيث تخرج من عباءة تعصُّب المجموعات العرقية والإثنية.

وبعد أن كان تصنيف الاقتتال بين عرب-زُرقة في إشارةٍ إلى الانتماء إلى عرقٍ عربي وآخر أفريقي، منذ اندلاع شرارة الحرب عام 2003، انتقل إلى نزاع القبائل من أصلٍ واحد تختلف مسمياتها، وتتساوى في حجم الغضب في القُرى والمدن ومعسكرات النازحين.

وإثر هذه الحادثة وجَّهت الإدارة الأهلية بولاية غرب دارفور انتقادات للسلطان بحر الدين سلطان دار المساليت وطالبت بسحب الثقة عنه ومصادرة ممتلكاته، مع تصاعد المطالبات بحق تقرير المصير، خصوصاً أنَّهم كقبيلةٍ ظلوا يتعرضون للقتل والتشريد.

المعضلة التي ستواجه الحكومة الحالية أنَّه ما زالت تبرز من تحت رماد هذه الأحداث هذه المطالبات بعد زوال أدوات التسكين التي كانت تستخدمها الحكومة السابقة.

مراجعات الواقع السياسي

المطلع على تاريخ منطقة دارفور يجد أنَّ الصراعات في الإقليم ليست وليدة عهد الحكومات الوطنية وحدها، بل بدأت منذ أربعينيات القرن العشرين بنزاعات الرعاة والمزارعين حول المياه.

أما في عقد السبعينيات، فقد ظهرت حركات تدعو إلى انفصال الإقليم عن السودان، وتصاعدت مطالب الانفصال إلى محاولات عسكرية عام 2003 في عهد حكومة الإنقاذ.

تصاعدت حدة الصراع نتيجة لعوامل ساهمت فيها طبيعة ولاية دارفور في تقاطع حدودها الدولية الممتدة مع تشاد وأفريقيا الوسطى وارتباطها بطرق برية مع ليبيا ومصر.

هذه الخصائص مع الضغوط البيئية مثل الجفاف والتصحر وارتفاع النمو السكاني، ساهم في نشوء النزاع بين السلطة وسكان الإقليم بسبب تدهور الحكم المحلي.

وبشكلٍ عام يمكن القول إنَّ تصاعد العنف وتحوله إلى عنف سياسي هو الذي خلق من دارفور مسرحاً إضافياً لنزاعات السودان، الموزعة على عدد من أقاليمه في الجنوب والشرق والجنوب الأوسط في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق.

 على طريق الأزمة

وقبل أن يتم الاستفتاء على وضع دارفور الإداري قامت الحكومة والحركات المسلحة بعدد من المفاوضات لإرساء قواعد السلام في الإقليم. وكان التوقيع على اتفاقية أبوجا في 2006 بين حكومة السودان وحركة/ جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، أهم ما حقّق من جهودٍ لوضع حل دائم للنزاع في دارفور. ومن ثم دور الوساطة الإقليمية بخاصة الوساطة الأممية الأفريقية.

ونصَّت اتفاقية أبوجا على التزامات عدة، هي التعويضات بالنسبة إلى النازحين واللاجئين وتوفير الأمن لهم وعودتهم طوعياً إلى مناطقهم التي هُجِّروا منها، ومحاكمات مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في حق أهل دارفور بعدالةٍ وشفافية، وإجراء مصالحاتٍ بين مكونات أهل دارفور، وهناك استحقاقات في ما يتعلق بالتنمية والسلطة والثروة.

كانت هناك ملفات كثيرة على رأسها ضرورة إعلانٍ حقيقي لوقف إطلاق النار، ومن ثم التسوية الكاملة للجانب الأمني للقضية بحيث يتم تجريد ميليشيات الجنجويد من السلاح، وتجريد ميليشيات الحركات المسلحة وإدماجهم في المجتمع وفي الأجهزة الرسمية، بعد استيفاء كل الاستحقاقات تأتي مسألة تحديد الوضع الدائم لدارفور.

محفزات الانفصال

 ثمة عوامل عدة، ساهمت في تغذية فكرة الانفصال التي تبنتها الحركات المسلحة من قبل، بالإبقاء على الإقليم كوحدةٍ إدارية واحدة مستقلة ساهمت فيها عوامل عدة.

أهم هذه العوامل، مساحة إقليم دارفور والتي تبلغ 510 آلاف كيلومتر مربع، تُحدُّ بتشاد بحدود طولها 600 كلم، وتمتد الحدود إلى أفريقيا الوسطى. وهذه الحدود تنبع أهميتها من وقوعها كفاصلٍ بين الدول التي كانت تسيطر عليها بريطانيا شرقاً والدول التي كانت تسيطر عليها فرنسا غرباً.

أما داخلياً، فتُحد دارفور بولاية كردفان وبحر الغزال والولاية الشمالية. وينقسم الإقليم إدارياً إلى ثلاث ولايات هي: شمال وجنوب وغرب. كما تحكّمت طبيعة القبائل في تأجيج الصراع في جنوب السودان من قبل، فإنَّ دارفور ظلَّت مؤهلةً بالمستوى ذاته لتكون شعلةً إثنيةً ملتهبة على الدوام، خصوصاً أنَّ أغلب قبائل دارفور ترجع بأصولها إلى القبائل الأفريقية غير العربية.

أما البقية فقد هاجرت قديماً إلى المنطقة حيث تتباين نشاطات السكان الأصليين والمهاجرين بين النشاط الزراعي والرعوي، مما ولّد صراعاً اقتصادياً على موارد الماء ومناطق الزراعة والرعي، تمت إضافته للصراعات الإثنية.

وما من شأنه تعزيز فكرة الانفصال أيضاً، البعد الديني والتاريخي لمنطقة دارفور، التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة لأكثر من 50 قبيلة تعتنق كلها الدين الإسلامي على المذهب السني وتتميز بالنزعة الصوفية.

هذا العامل يوحدهم كقوة في دولة واحدة صغيرة، كانت من قبل بمثابة دولة مستقلة متمثلة في مملكة دارفور بنظامها الإداري وجيشها الوطني وعلاقاتها الخارجية، يتعامل معها العالم الخارجي كسلطنة مسلمة إلى آخر سلاطينها السلطان علي دينار، الذي حكم من 1898 إلى 1917 واشتهر بإرسال كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة على مدى عشرين عاماً.

التقسيم

في المقابل، عمدت حكومة الإنقاذ بعد مجيئها بسنواتٍ قليلة إلى تقسيم إقليم دارفور إلى ثلاث ولايات، ومن ثم إلى خمسٍ بعد أن كان موحَّداً. أضعف التقسيم قوة الإقليم، وتصاعدت مطالب الانفصال إلى محاولاتٍ عسكرية.

أما بعد مفاوضات السلام واتفاقية أبوجا عام 2006، تحولت المطالب من مطالب انفصالية إلى مطالب اقتسام السلطة والثروة. وتحويل مطلب الانفصال إلى ورقة ضغط استخدمتها الحركات في محاولات للإبقاء على دارفور كإقليم واحد استناداً على واقع المنطقة التاريخي، بينما أصرَّت الحكومة على قيام الاستفتاء على وضع دارفور الإداري على أن يتكون الإقليم من ولاياتٍ متعددة حتى تستحيل فكرة الانفصال والتي يتوقع تطبيقها إذا كان الإقليم واحداً.

وفي أبريل (نيسان) 2016، تمت عملية الاقتراع للاستفتاء حول وضع ولايات دارفور الخمس لتحديد وضعها، وعلى الرغم من الحملة الواسعة المعارضة للاستفتاء ،إلّا أنَّ النتائج أسفرت عن بقاء الإقليم على ما قررته الحكومة السابقة مكوناً من خمس ولايات، وإصرار النظام السابق على هذا التقسيم لأنّه يمنح الخرطوم سيطرة أكبر على دارفور، ولم تأبه الحكومة لمطالبات المواطنين بالمزيد من السلطة الإقليمية لوضع حدٍّ لما يعتبرونه تدخلاً من الخرطوم في النزاعات على ملكية الأرض وغيرها.

ما يعيشه أهل دارفور اليوم من ظروف سياسية واقتصادية وأمنية سيئة، إضافة إلى تهميش الإقليم على مدى عقود طويلة من قِبل الحكومات الوطنية، ونظرة الحكومات المتعاقبة لدارفور كمنطقة صحراوية غير غنية تقطنها قبائل بدوية، أدت إلى عدم الاهتمام بالمنطقة، مما دمّر بنيتها التحتية وضعف الوعي العام والصحة والتعليم والتنمية وضعف الولاء للسودان كوطن.

ومن ثم فاقم ازدياد مشكلات الانفلات الأمني، ضعف القوة العسكرية في تلك المنطقة. ونظراً إلى هذه التعقيدات وعلى الرغم من التطورات السياسية بزوال النظام السابق الذي اعتمد على الترضيات والاستقطابات وتجييش القبائل ضد بعضها، ومجيء الحكومة الانتقالية، فإنّه يُتوقع أن يستمر عدم الاستقرار بدارفور.

فالوضع الأمني والسياسي مبنيٌّ على تعقيدات الإقليم بشكلٍ أكبر من تغيير السلطة، لأنَّ أهل دارفور يعتقدون أنَّ التغيير خاص بالخرطوم من دون إقليمهم المكلوم.

المزيد من العالم العربي