Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إمبراطور السيارات"... صعود لامع وهروب غامض

كارلوس غصن من رئيس عدة شركات قادها للنجاح التجاري لمتهم في اليابان

اختار كارلوس غصن اللجوء إلى لبنان إذ لا توجد اتفاقية تسليم بين بيروت وطوكيو (أ.ف.ب)

أنهت شركتا صناعة السيارات الفرنسية (رينو) واليابانية (نيسان) عام 2019 بتراجع قيمة أسهمهما بأكثر من الربع، وهروب رئيسهما السابق كارلوس غصن من الإقامة الجبرية في طوكيو بانتظار محاكمته إلى بلده الأصلي لبنان.

وفقدَ سهم (رينو) 24 في المئة من قيمته، بينما فقدَ سهم (نيسان) 28 في المئة من قيمته في المتوسط خلال العام، وكانت أسهم الشركتين فقدت ما يقارب ثلث قيمتها لدى القبض على غصن نهاية العام قبل الماضي، ويرأس غصن تحالفاً يضم (رينو ونيسان وميتسوبيشي).

ينتظر أن يتحدّث الرئيس السابق لشركة نيسان اليابانية لصناعة السيارات كارلوس غصن إلى الإعلام من بيروت كما وعد لدى وصوله إلى لبنان هارباً من الإقامة الجبرية في منزله بطوكيو بانتظار محاكمته في اتهامات بالفساد.

 

واختار غصن، وهو من أصولٍ لبنانية لكنه وُلد بالبرازيل ويحمل جنسيتها إضافة إلى  الجنسية الفرنسية، "اللجوء إلى لبنان"، ربما لأنه لا توجد اتفاقية تسليم بين لبنان واليابان، أو ربما للطريقة التي أُخرِج بها من طوكيو رغم المراقبة القضائية كما وصفتها وسائل إعلام لبنانية.

ومنذ القبض عليه بطوكيو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 بعد تحقيقٍ داخلي في شركة (نيسان) استمر أشهراً، يصر كارلوس غصن على "أنه بريء"، وأن مديرين تنفيذيين في (نيسان) "دبّروا له المكائد"، و"تآمروا عليه ولفّقوا تلك الاتهامات" للنيل منه.

وإثر وصوله إلى بيروت قبل نهاية العام الماضي بيومٍ واحدٍ أصبح هروب كارلوس غصن من طوكيو إلى بيروت "عنواناً رئيساً في وسائل الإعلام العالمية"، بالطبع ركَّز الإعلام اللبناني على القصة، وأفرد لها مساحةً واسعةً.

وذهبت إحدى وسائل الإعلام اللبنانية إلى نشر قصة تهريبه، وكيف أنّ زوجته أرسلت "فرقةً شبه عسكرية" متنكرةً في زي وعتاد فرقة موسيقية لإحياء حفل في بيته بطوكيو دُعِي إليه دبلوماسيون لبنانيون، ثم هرب الرجل في صندوقٍ يُستخدم للآلات الموسيقية، ومن مطار صغير في طوكيو غادر البلاد، وكانت نهاية رحلته بطائرة خاصة من تركيا إلى لبنان.

وترددت أخبارُ عن استقبال الرئيس اللبناني ميشيل عون لكارلوس غصن، ورغم نفي الإشاعة من قِبل المسؤولين فإنها انتشرت بشكل واسع، كذلك أعلن في بيروت أن غصن لن يواجه "أي تحقيقات"، لأنه "دخل البلاد بشكل قانوني سليم".

الإمبراطور والمحاكمة
كان من المُفترض أن يُقدَّم كارلوس غصن إلى المحاكمة بطوكيو في أبريل (نيسان) المقبل بتهم "الاحتيال المالي، وتبديد أصول للشركة التي يرأسها، وتحويل أموال إلى نفسه أو لشركات خاصة له بطرق فاسدة وبغير وجه حق".

لكن، غصن الذي يبلغ إجمالي رواتبه من (نيسان) و(رينو) و(ميتسوبيشي) وعدة شركات، إذ كان ضمن مجلس إدارتها، يزيد على 17 مليون دولار، والاتهامات تتحدث عن عدة ملايين من الدولارات، ما جعله يردد دوماً أن "اليابانيين يتآمرون ضده للحيلولة دون اندماج شركتهم مع (رينو)"، الذي كان يسعى إلى إنجازه.

كان الرجلُ المُلقب بـ(إمبراطور السيارات) مادة إعلامية غنية على مدى نحو ربع قرن، منذ انتقل من شركة (ميتشلين) الفرنسية لصناعة إطارات السيارات التي قاد أعمالها في أميركا إلى منصب الرجل الثاني بشركة (رينو) الفرنسية لصناعة السيارات العام 1996.

وبعدها وصفته وسائل الإعلام المحلية بـ(المدير قاتل التكلفة) إثر قرار إغلاق أحد مصانع (رينو)، ما أدى إلى احتجاجات عمالية في فرنسا أحرجت الحكومة وقتها، ومنذ ذلك الحين يتحدّث أغلب من عملوا مع كارلوس غصن عن طريقته "الديكتاتورية" في العمل و"عنجهيته" الشديدة.

وخلال سنوات، نشأ التحالف بين (رينو) و(نيسان)، وأرسلت (رينو) كارلوس غصن ليقود (نيسان) عام 1999، إذ تمكّن من منع إفلاس الشركة اليابانية بعدما ضخت (رينو) 5.4 مليار دولار في (نيسان).

 

وفي 2005 ترأس كارلوس غصن شركة (رينو)، وعاد من طوكيو وقد أعاد الشركة اليابانية إلى الربحية بعدما كانت على وشك الإفلاس.

ولم يُلق الرجل بالاً لما يسمى "التراث الشركاتي الياباني"، وأغلق مصانع للشركة، وسرّح عاملين، وألغى تعاقدات موردين غير أَكْفَاءٍ، حتى وصفه أحد المشاركين في اجتماع حملة أسهم (نيسان) عام 2000 بأنه "المُدمر".

لكن، كل ذلك لم يحل دون أن يصبح غصن "أيقونة" مجالس إدارات الشركات لكفاءته في الإنجاز حتى ولو بإجراءات قاسية، رغم أن مهارته ليست في القرارات الإدارية العليا فحسب، بل يقول من عملوا معه إنه يدخل أحياناً في التفاصيل، وحين يزور مصنعاً يحرص على تنبيه العمال إلى مكان يضعون المسامير فيه مثلاً.

وعلى مدى سنوات تمكَّن غصن من تقليل التكلفة، معززاً اتحاد (رينو ونيسان)، حتى إن بعض المصانع أصبح يُنتج موديلات سيارات (رينو نيسان) من نفس خط الإنتاج الواحد، ووسّع غصن نطاق التحالف لتنضم إليه شركة (ميتسوبيشي) التي كانت تعاني أيضاً، وتحسّن وضعها بعد انضمامها إلى تحالف (رينو نيسان).

وزاد من ضغط تكاليف الإنتاج لتحسين دفاتر شركات التحالف عبر إجراءات، مثل استعمال مكونات إنتاج واحدة في أنواع السيارات الثلاث توفيراً لتكلفة التوريد.

كانت النتيجة أنه في العام السابق على اعتقاله (2017) باع تحالف الشركات الثلاث تحت إدارته 10.6 مليون سيارة، ليأتي الثاني في الترتيب عالمياً بعد (فولكس فاغن)، ويتقدّم على شركة (تويوتا) اليابانية الشهيرة.

بؤرة الضوء
تلك النجاحات وبروزه الإعلامي جعلا شركات يابانية كثيرة تتوق إلى أن يكون كارلوس غصن مديرها، ليحقق لها التغيير الذي شهدته (نيسان).

ومع مطلع القرن كان غصن عضواً في مجالس إدارات شركات يابانية كبرى، مثل (إنترناشيونال بزنس ماشينز كورب)، و(ألكوا كورب)، و(سوني كورب).

 

وبالبحث عن اسمه كعنوان في موقع "أمازون" باليابان يظهر لك نحو 95 كتاباً عن الرجل، منها سلسلة كتب مصوّرة يابانية بعنوان "الحياة الحقيقية لكارلوس غصن"، بالطبع كل ذلك أكسب الرجل غيرة البعض في مجال الأعمال وغيره.

ففي 2013 استقال نائبه في (رينو) كارلوس تافاريز، بعد أن انتقده علناً، معرباً عن "الإحباط بشأن متى سيتقاعد غصن"، وفي 2015 اصطدم إمبراطور السيارات علناً مع إيمانويل ماكرون، وكان وزير الاقتصاد الفرنسي وقتها، حول دور الحكومة في إدارة (رينو)، بعدما زادت الدولة نصيبها في الشركة إلى 20 في المئة، وبذلك أصبحت الحكومة أكبر مساهم في الشركة الفرنسية، وأراد ماكرون حق الدولة في أن يكون صوتها أكبر في قرارات الإدارة.

لكن، شركة (نيسان) انزعجت وقتها، وكانت تصريحات غصن العلنية في الإعلام منتقدة توجه الحكومة وماكرون (الذي أصبح الآن رئيساً لفرنسا).

نهاية مرحلة
طريقة كارلوس غصن في اتخاذ القرارات المصيرية الكبرى في استثمار الشركات وكذلك الحرص على متابعة التفاصيل جعلا بعض من يعملون معه، سواء من كبار التنفيذيين أقرانه أو من تحت إدارتهم مستائين دوماً من نجاحه ونجوميته رغم "ديكتاتوريته".

وهذا ما ركّز عليه كارلوس غصن في الفيديو الذي سجّله حين أُفرج عنه بكفالة للمرة الأولى في أبريل (نيسان) العام الماضي، قبل أن يُعاد اعتقاله إثر إعلانه عقد مؤتمر صحافي يفضح فيه المؤامرة ضده.

في الفيديو، يتهم غصن تنفيذيين يابانيين كباراً بـ"التآمر عليه، وتلفيق التهم إليه لحرصهم على مصالحهم الفردية"، ويتهم الادعاء بأنه "متعاونٌ مع هؤلاء المسؤولين في (نيسان) لحبك الاتهامات التي وجهت إليه لتقديمه إلى المحاكمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك بالطبع بعدما قرر مجلس إدارة (نيسان) عزله، وكذلك (رينو) بعدها، وظل غصن قيد الاحتجاز ثانية قبل أن يوافق القضاء على خروجه بكفالة نحو 5 ملايين دولار، على أن يسلم جوازات سفره، ويظل "قيد الإقامة الجبرية" في بيته بطوكيو.

منذ ذلك الحين، لم يتمكّن غصن من الوصول إلى وسائل الإعلام، وخفت أثر الفيديو الذي نُشِر في أبريل (نيسان) على وسائل التواصل، لكن بعض المراقبين يرون أن الحكومة اليابانية لم تكن تريد لتلك المحاكمة أن تتم أصلاً، خشية أن تكون فرصة لاهتمام إعلامي يكشف عن مساوئ في قطاع الشركات باليابان.

والآن، حتى لو تحدّث غصن من بيروت، وكال الاتهامات إلى النظام القضائي وممارسات الشركات اليابانية فإن حديثه لن يكون بذات الإبهار الإعلامي الذي كان يتمتع به، وهو في أوج إنجازه ونجاحه.

فعلى الأقل، هو الآن "هاربٌ من العدالة"، رغم تأكيده من بيروت أنه "هاربٌ من الظلم وتسييس قضيته"، ولم يعد مغرياً إعلامياً كما كان.

هي إذن نهاية مرحلة لنجم سطع بشدة في قطاع صناعة السيارات العالمي، وخطف الأضواء في قارات العالم كلها، قبل أن يعود في نهاية مرحلة دورانه إلى موطنه الأصلي لبنان.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد