Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طريق حزب العمال إلى الحكم معبّد بالصعاب

إن الشقاق الحزبي السيئ الذي تسبب فيه نظام كوربين يجب أن ينتهي ويفتح الطريق لتلاقي اليسار الناعم والمتطرف في المنتصف

النائب العمالي السابق ماري كريغ يصف جيرمي كوربين بأنه "نرجسي" (أ.ف.ب)

هل يستطيع حزب العمال الفوز أبداً مرة أخرى؟ أتذكّر عندما طُرِح هذا السؤال في الثمانينيات من القرن الماضي في أثناء النقاش المُؤلم الذي خاضه الحزب بشأن مستقبله. اعتقدت بعض الشخصيات العمالية وقتها أن الحزب انتهى، ومع ذلك عاد في النهاية وفاز بأغلبية ساحقة في عام 1997 واحتفظ بالسلطة مدة 13 عاماً.

بعد الانتقال إلى الحي الحكومي في ويستمنستر عام 1982، حصلتُ على مقعد بجانب المنصة مع عودة حزب العمال ببطء من سنوات الضياع التي عاشها، وهو يواجه اليوم أزمة وجودية أخرى، ولا يمتلك أي امتياز إلهي للبقاء كقوة جادة.

يثير غزو بوريس جونسون المناطق المحسوبة على حزب العمال سؤالاً مؤلماً بالنسبة إليه: هل ما زال حزب الطبقة العاملة الذي تأسس قبل 120 عاماً تقريباً؟

أشعرُ أن كثيرين في الحزب استهانوا بحجم الأزمة، بما في ذلك بعض المتنافسين على خلافة جيرمي كوربين، لقد خسر حزب العمال أربع انتخابات على التوالي، وبدأ في ثمانينيات القرن الماضي باستعادة توازنه بعد هزيمتين.

وحتى في ذلك الوقت، كان طريق العودة طويلاً وشاقاً. تطلب الأمر شخصاً من اليسار، وهو نيل كينوك، لينفصل عن اليسار الراديكالي ويقود الحزب نحو الوسط.

في بعض الأحيان، كان التقدم شبيهاً بحركة السلطعون. مثلاً، بينما كان يحاول وقف حزبه عن دعم نزع التسلح النووي من جانب واحد، سألت كينوك عمّا إذا كان يدعم إجراءً أحادياً أو متعدد الأطراف، أجاب: "كلاهما". لقد كانت انطلاقة فوضوية، لكنه وصل في النهاية.

وبدعمٍ حاسمٍ من النقابات التي تقبّلت حينها، على عكس اليوم، أن على الحزب أن يتغير، أعاد كينوك أيضاً صياغة سياسة الحزب بشأن الاقتصاد والخدمات العامة وأوروبا. كما طرد أعضاء مجموعة المتشددين وأنصارها، الذين رجع بعضهم لاحقاً تحت تأثير جاذبية قيادة كوربين، ويعكس تردد كوربين في ضبط المتهمين بمعاداة السامية تناقضاً واضحاً مع إسراع كينوك بفصل عناصر تلك المجموعة.

غير أن كينوك لم يحصل أبداً على التقدير الذي استحقه. لقد استقال من منصبه بعد هزيمته الثانية في الانتخابات عام 1992. "فازت" في ذلك الوقت، مرة أخرى، عمليات الاتصال اللامعة التي أدارها حزب العمال بالحملة الانتخابية، لكن كما أخبرني أحد اللاعبين الرئيسيين: "لقد مُنينا بهزائم بارعة"، تطلب الأمر جرعة كبيرة أخرى من التحديث، في ظل توني بلير، ليُكمل حزب العمال رحلة العودة.

إن الدرس الذي استخلصه هو أن حزب العمال بحاجة إلى إقناع الناخبين الذين خسرهم، خصوصاً في الشمال والوسط، بأن رسالتهم قد وصلته. وهذا سيتطلب إجراء بعض التغييرات السياسية الكبيرة، وليس وضع دليل للسياسات يشبه دليل الهاتف من الألف إلى الياء.

ولاستعادة الصدقية الاقتصادية، يجب تقدير تكلفة المشاريع والخطط التي يعد بها حزب العمال في برنامجه الانتخابي بشكل صحيح، على عكس ما حصل مع قائمة وعوده التي لا تنتهي في الحملة الانتخابية الأخيرة.

ويحتاج حزب العمال إلى موضوع شامل ومتماسك حاضر في جدول أعماله كله من البداية إلى النهاية لمنافسة أي شيء يمكن لفريق "تصويت الخروج" البارع لجونسون أن يطبخه في الانتخابات المقبلة.

نصيحتي للعمال إذاً هي: لا تستعجلوا بإخراج مجموعة كبيرة من السياسات الجديدة التي تستهدف ملايين الناخبين الذين خسرتموهم، لأن جونسون سوف يسرق أفضل أفكاركم.

يجب على حزب العمال إعلان هدنة في حربه الطبقية، التي لا تثير إعجاب الناخبين الطموحين، كما ينبغي أن يعترف بأن بلير نجح في بعض الأمور، مثلاً في توظيف عملية اتصالات فعالة، بدلاً من الرفض التلقائي لكل ما فعله.

يجب أن يدرك العمال أن جونسون سيسعى لكسب جناح الوسط، لذلك يجب عليهم خوض معارك في مواجهته هناك، بدلاً من السماح له بالسيطرة على ذلك القطّاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا ينبغي للحزب أن يستهين بالانتخابات الأخيرة، معتبراً إياها "انتخابات على بريكست" لن تتكرر مرة أخرى، ما يعني أن التوجه الكوربيني سيكون أبقى من كوربين نفسه. إن الشقاق الحزبي السيئ الذي تسبب فيه نظام كوربين يجب أن ينتهي ويفتح الطريق لتلاقي اليسار الناعم والمتطرف في المنتصف.

لم يعد باستطاعة حزب العمال تحمّل تكلفة الصراع الداخلي، ويجب أن يركز على العدو الحقيقي، يجب أن يدرك أن أحزاب يسار الوسط في جميع أنحاء العالم تخسر أمام الشعوبيين القوميين، وأن يتعلم الدروس من تجاربهم، لن يعود حزب العمال إلى السلطة حتى يُنظر إليه كحزب وطني موثوق به لجهة حماية أمن البلاد.

وقبل كل شيء، يحتاج حزب العمال إلى زعيم قوي يكون مستعداً لمصارحة حزبه ببعض الحقائق الداخلية، كما  يجب أن يظهر وكأنه رئيس وزراء مؤهل للوصول قريباً إلى السلطة، علماً أن عليه أن يبدو كذلك في حقبة ستصبح أكثر رئاسية مع جونسون في الحكم.

وللتذكير فإن كوربين لم يظهر يوماً كرئيس للوزراء وقد تعرض لـ"هزيمة بارعة" في انتخابات عام 2017 أمام خصم ضعيف للغاية، هو تيريزا ماي.

تابعت أيضاً الديموقراطيين الأحرار من كثب على مر السنين، وحظيت ذات مرة بشرف مثير للريبة حين كنت الصحافي الوحيد الذي جاء لحضور مؤتمر صحافي للحزب.

بدا لفترة من الوقت، في ربيع هذا العام، كما لو أن حزب الديموقراطيين الأحرار الصاعد من جديد قد يكسر قالبه التقليدي ويبتعد عن الوسط دون أن يظهر كحزب جديد، لكنهم بدلاً من ذلك كسروا أنفسهم بتعهدهم المتسرع بإلغاء المادة 50 وقرارهم المتهور بدعم تنظيم الانتخابات التي يريدها رئيس الوزراء.

ورغم أن بعض الوسطيين العماليين قد يميلون إلى تشكيل حزب جديد، فإن التجربة الفاشلة لحزب "غيّروا المملكة المتحدة" لا تقدم مثالاً يحتذى، فقد خرج أعضاؤه البرلمانيون الأصليون البالغ عددهم 11 من مجلس العموم، وبات الحزب نفسه شيئاً من الماضي قبل عيد الميلاد. إن أي حزب جديد آخر سيفتقر إلى عنصر حاسم متمثل في قائد موثوق به.

بالتالي فإنه من المحتمل أن يظل معارضو كوربين في الحزب ليقاتلوا من الداخل، في الوقت الراهن على الأقل، وشأنهم شأن حزب العمال نفسه، أمامهم طريق طويلة جداً للوصول إلى بغيتهم.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء