Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثقافة التظاهر وسمت العام 2019... والمثقفون العرب بين الفعل والتنظير

 الحياة الثقافية شبه معطلة في بلدان عدة... لكنّ حركة الإبداع  مستمرة

آلاء صلاح تخطب وتغني في ساحة الانتفاضة السودانية (يوتيوب)

لعل السؤال الذي يُطرح عند انصراف عام وإقبال عام آخر هو: تُرى هل تكفي الأشهر الاثنا عشر لصنع ثقافة تختلف بين سنة وأخرى؟ هل تُقرأ الحال الثقافية عبر تعاقب السنوات أم عبر الظواهر التي تترسخ طوال فترة زمنية لا يحصرها تقاطع السنين؟ معروف أن الثقافة حركة لا تنقطع، إنها تكمل نفسها بنفسها، غير عابئة بما يسمى زمناً. وقد يكون حصاد سنة هو من زرع سنة سابقة أو سنتين، وأكثر. فالسنة فترة قليلة نظراً إلى الفعل الثقافي الذي يتخطى تخوم الأيام والأشهر. ولو عدنا إلى نتاج سنة فقد نلمس تداخل هذه السنة في السنة السابقة، خصوصاً أن بعض الأعمال تنجز في الأشهر الأخيرة التي تتاخم الأشهر الأولى من السنة الآتية. غير أننا مع مضي السنة ومجيء السنة نسأل أنفسنا: ماذا قرأنا خلال سنة؟ ماذا شاهدنا من مسرحيات وأفلام ومعارض تشكيلية؟ أي ظواهر استوقفتنا وجعلتنا نعيد النظر في الواقع الثقافي الراهن؟ هل تحققت أحلام المثقفين والكتاب والفنانين أم أن عليها أن تنتظر سنة أخرى أو سنتين أو ثلاثاً؟ هل يمكننا أن نتصور كيف ستكون السنة الجديدة التي تقرع أبوابنا؟ لعبة الزمن قد تغدو عابرة في بعض الأحيان. هل تقاس الثقافة في اثني عشر شهراً وثلاثمئة وستين يوماً...؟ وعندما نقول: "أحداث" ثقافية، هل تنسحب هذه الصفة على كل ما يحصل من نشاطات في ميدان الثقافة عموماً؟ أليس هناك أشباه - أحداث وأعمال هي من الرداءة حتى أنها لا تستحق أن تسمى ثقافية؟ هل كل ضجيج يعني حركة وكل حصاد يعني قمحاً؟ مثل هذه الأسئلة تطرح عند نهاية كل سنة! وفي نهاية كل سنة يسعى الكثيرون إلى أن يجيبوا عنها. لكننا هذه السنة نوجه الأسئلة إلى سنة تختلف عن السنوات الأخرى، سنة يلتئم فيها المشهدان، الثقافي والسياسي، مشهد الشارع والمشهد الرسمي الراسخ دوماً، مشهد الحياة الثقافية اليومية التي صنعها ويصنعها الشارع والحياة الثقافية التي طالما عاشت في نوع من البرج العالي لئلا أقول العاجي.

هيمنة الذاكرة

أي سنة ثقافية كانت السنة 2019 عربياً؟ حين يُطرح سؤال مماثل يغمض المرء عينيه ليتذكر قبل أن يحاول العودة إلى الأرشيف والوثائق! ماذا يتذكر؟ في أحيان تندمج أحداث السنة المدبرة ببعض الأحداث السابقة! ولكن ماذا يتذكر المثقف العربي إذا أغمض عينيه لحظات؟ تُرى هل يمكن الكلام عن ثقافة عربية خلال هذه السنة المنصرمة؟ هل تتميز ثقافة هذه السنة عن ثقافات السنوات التي سبقت وثقافة السنة التي سوف تقبل؟ الحياة الثقافية العربية مستمرة كالزمن نفسه الذي لا يرجع إلى الوراء. أجيال تصعد وأجيال تتراجع. انحطاط هنا ونهضة هناك ومراوحة هنالك. انتظار لا يعقبه سوى انتظار. عواصم ثقافية تتوالى وبرامج لا تحصى ومهرجانات... ولكن رقابات أيضاً وهزائم فردية وأزمات خانقة وهموم وشؤون وشجون. أما المثقفون العرب فهم الغرباء الحائرون في وسط عالم يفتقدونه ويفقدهم مرحلة تلو أخرى. بعضهم أصبحوا مجرد متأملين في ما يحصل من حولهم وبعضهم يتوهمون أنهم يصنعون "الحدث" وهم ليسوا إلا متواطئين مع هزائمهم. وبعضهم أيضاً لا يضيرهم أن يكونوا في عداد مثقفي السلطة من غير تردد.

لا تستطيع هذه السنة العابرة أن تجيب عن كل ما يطرح من أسئلة، وربما علينا أن نؤجل بعض الإجابات إلى السنة المقبلة كما اعتدنا كمثقفين عرب أن نفعل. وإذا تراكمت الأسئلة سنة تلو سنة فإن المستقبل وحده قادر أن يجيب عنها!

 

نتكلم عن الحال الثقافية فنجد أنفسنا أمام اسئلة السياسة ... سنة 2019 كانت سنة سياسية بامتياز. ومهما حاول بعض المثقفين التبرؤ من الربيع العربي الذي اندلع منذ سنوات، وأحدث ما أحدث من تغيير على أكثر من صعيد، سلباً وإيجاباً، فأصداؤه ترددت خلال السنة 2019 وستظل تتردد في السنة المقبلة وما بعدها. حصلت مآس كثيرة، تدمرت مدن وقرى وأحياء ومعالم، هجّر الألوف من البشر، قضى الألوف تحت القصف وفي البحار وفي مخيمات النزوح. لكنّ ملامح تغيير حدثت في الذاكرة الجماعية وعلى الأرض، وبرز وعي جديد لم يكن ليبرز لولا هذا الثمن الباهظ الذي بذلته شعوب وأوطان ومجتمعات. هكذا لا بد من الوقوف أمام حركة الشارع أو ما سمي انتفاضات أو ثورات أو احتجاجات وتظاهرات في بلدان مثل الجزائر والسودان والعراق ولبنان. هذه الثورات التي انطلقت من الشارع والتي صنعها المواطنون مباشرة انطلاقاً من وعيهم السياسي والوطني الجديد، لم تخل من طابع ثقافي، لا سيما بعدما انخرط فيها مثقفون ينتمون إلى حقول عدة، سياسية وفكرية وأدبية وفنية. فهذه الثورات كانت رد فعل حياً وعفوياً على ثقافة السلطات في هذه البلدان، على السلطات السياسية والمالية والطائفية التي طالما استأثرت بإرادة شعوبها ومصيرهم. في شوارع الجزائر والسودان والعراق ولبنان حضر المثقفون الديمقراطيون والملتزمون جنباً إلى جنب مع الشعب العادي، مع العمال والموظفين الصغار والعاطلين من العمل والفقراء، ورفعوا أصواتهم عالياً وتظاهروا، وساهموا في ترسيخ ثقافة الرفض والاحتجاج وأدوا دوراً مهماً في صناعة الحدث. صحيح أن بعض المثقفين اكتفوا بمرافقة التظاهرات عبر كتابة المقالات والنصوص، لكنّ دورهم هذا الذي يمكن وصفه بـ"النظري" كان مهماً أيضاً، لا سيما في مواجهة مثقفي السلطة والمثقفين المذهبيين والمرتبطين بأجندة إقليمية.

اصداء الربيع العربي

 

كان لا بد من أن تهيمن ثقافة التظاهر وما حملت من وعي جديد على أنحاء عدة من الحياة الثقافية العربية، وقد تركت أثراً كبيراً في أوساط المثقفين والمبدعين العرب، نظراً إلى ما تحمل من آمال وأحلام، في زمن عربي مشبع بالخيبات والمآسي. لم يعد ممكناً فعلاً الفصل بين السياسة والثقافة في عالمنا العربي الذي يشهد المزيد من التحديات والأزمات. يكفي أن نقرأ التقارير التي ترفع عن أحوال العالم العربي على كل المستويات، لنشعر بحزن ممزوج باليأس. فالأرقام تشير إلى أننا نتراجع ونكاد نشرف على واقع مضطرب صنعناه نحن بأيدينا مثلما ساهم فيه الآخرون بدورهم! وإن كان اليأس لا يجدي ولا الحزن، لا سيما في مستهل سنة جديدة، فإن التفاؤل ضروري. وقد تكون الثقافة خشبة الإنقاذ! الثقافة كصناعة فردية أو جماعية، وليس كصناعة رسمية! الثقافة في ما تعني من نضال ومجاهدة وكفاح من أجل الحرية وتحقيق الذات والخروج إلى العصر والحداثة، من أجل الصعود من الدرك الذي أوقعتنا فيه السياسات التقليدية المفروضة علينا وغير النابعة من حياتنا اليومية والواقعية. هل نتشاءم في نهاية سنة ومطلع سنة أخرى؟ ربما علينا ألا نتشاءم حتى وإن كان كل ما من حولنا، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، يدعو إلى التشاؤم. فالعالم العربي تنتهبه الحروب الأهلية، الطائفية والمذهبية، أرقام الأمية تزداد عوض أن تتراجع، خريطة الفقر تتسع، النزوح والهجرة يبلغان أرقاماً عالية، التقدم العلمي والتكنولوجي ينمو ببطء... والأزمات المتعددة الوجوه لا تحصى. هل من الممكن إيجاد فسحة صغيرة للأمل؟ على الجواب ألا يخلو من طابع إيجابي: الأمل، أجل الأمل.

أحداث ووقائع

ليس من السهل رصد الأحداث الثقافية التي شهدها العالم العربي أو البلدان العربية عطفاً على "الاغتراب" العربي خلال عام. وعلى رغم "تعطل" الحياة الثقافية كلياً أو جزئياً في بلدان عدة مثل ليبيا ولبنان والسودان والعراق واليمن وسورية وأجزاء من فلسطين، فمن الواضح أن الحياة الثقافية بدت في حال من الاستمرار وحتى الازدهار في بعض الأحيان، خصوصاً أن عواصم ومدناً عربية عدة تتبادل حركة الإنتاج الثقافي، وفي مقدمها النشر الذي يجد متنفساً مهماً في معارض الكتب التي تتوالى عربياً. حتى المسرح والسينما يجدان حوافز عدة من خلال المهرجانات التي تفتح لهما أبوابها. وطبيعي أن تشهد الحياة الثقافية حالاً من المد والجزر، تزدهر حيناً، وتخفت حيناً آخر، وأن تشهد أيضاً رحيل أسماء مهمة في حقول الأدب والفن والفكر. إنها دورة الحياة الثقافية التي تشبه دورة الحياة نفسها.وهنا بعض العناوين:

 

احتفال الشارقة باختيار منظمة اليونسكو إياها عاصمة عالمية للكتاب للسنة 2019، إنشاء منتدى الجوائز العربية في الرياض بدعوة من جائزة الملك فيصل العالمية، وهو يضم 23 جائزة عربية تمنحها دول عربية، الاحتفال باليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، "استراتيجية وطنية للثقافة" مشروع أعلنته وزارة الثقافة السعودية ويتضمن 20 مبادرة منها صندوق ثقافي باسم "نمو"، مؤسسة الفكر العربي عقدت مؤتمرها السنوي بعنوان "نحو فكر عربي جديد"، وأصدرت تقريرها السنوي بعنوان"فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع"، فوز الروائية العمانية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية لعام 2019 عن روايتها "سيدات القمر" بترجمتها الإنجليزية، فوز الروائية هدى بركات بجائزة البوكر العربية عن روايتها "بريد الليل"، فوز الروائي المصري محمد عبد النبي بجائزة باريس للرواية العربية عن روايته "في غرفة العنكبوت" بترجمتها الفرنسية، فوز الشيخة مي آل خليفة والروائية اللبنانية علوية صبح والشاعرالعراقي علي جعفر العلاق والناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي والمفكر السوداني حيدر ابراهيم علي بجائزة سلطان العويس، فوزالقاصة الفلسطينية شيخة حسين حليوي بجائزة ملتقى القصة القصيرة في الكويت عن مجموعتها " الطلبية c 345"، فوز الروائي الفلسطيني يحيى يخلف بجائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي.

أسماء رحلت

 

وشهد العام 2019 رحيل عدد من المبدعين العرب ومنهم: الكاتب السوري محمد شحرور، الشاعر العراقي فوزي كريم، الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ، الشاعر الأردني أمجد ناصر، المخرج المسرحي العراقي سامي عبد الحميد، المخرج المسرحي اللبناني نبيل الأظن، الكاتب اللبناني خالد غزال، المؤرخ السعودي عبد الرحمن الشبيلي، الأديب السعودي عبد الفتاح أبو مدين، الروائي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، الرسام والكاتب الفلسطيني كمال بلاطة، الروائية اللبنانية مي منسى، المترجم الفلسطيني صالح علماني، الشاعر اللبناني غسان علم الدين، الرسام اللبناني أمين الباشا.

المزيد من ثقافة