Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران... والنزول عن الشجرة

طهران باتت مجبرة على تقديم تنازلات جوهرية... والقبول بأن تكون شريكاً غير مسيطر

الرئيس الإيراني حسن روحاني يصافح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قبل اجتماع بمكتب رئيس الوزراء في طوكيو  (أ.ف.ب)

التطورات التي تشهدها المنطقة في الأيام الأخيرة، إن كان في اليمن أو العراق أو لبنان وحتى في سوريا، قد يكون من الصعب فصلها عن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة اليابانية طوكيو والمباحثات التي أجراها مع رئيس الوزراء شينزو آبي، وانطلاقاً من هذه التطورات يمكن اعتبار الزيارة مفصلية في تاريخ الأزمة الإيرانية في بُعديها الداخلي والخارجي، خصوصاً أن الحيثيات التي تلت هذه الزيارة لبلاد الساموراي كانت اتصالاً هاتفياً بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والوزير الياباني آبي، ما يعزز الاعتقاد بأن المباحثات التي أجراها روحاني مع آبي كانت على علاقة مباشرة بالجهود التي سبق أن بذلها الجانب الياباني لحل الأزمة واستكمالاً لزيارته إلى إيران في يوليو (تموز) الماضي.

إيران وشباك المطالب الأميركية

ولعل المؤشر الأبرز على جدية هذه الزيارة وعلاقتها بالأزمة بين طهران وواشنطن، عبرت عنه ردة الفعل السلبية التي صدرت عن جهات في التيار المحافظ الإيراني، وترجمها العديد من الصحف المحسوبة على هذا التيار التي حاولت الإيحاء بفشل هذه الزيارة وأنها تشكل "فخاً" يابانياً هدفه إيقاع إيران في شباك المطالب الأميركية فضلاً عن كونها بروتوكولية لا أكثر، في حين أن ما صدر عن روحاني في هذه الزيارة والخطوات التي قام بها وتقوم بها إدارته الدبلوماسية تنسجم مع المواقف التي أعلنها من طوكيو، عندما أكد "ليست لدينا مشكلة أو أزمة في إمكانية التباحث مع أميركا حول موضوعاتنا، إلا أن عليهم التراجع عن المسار الخطأ الذي تبنوه في السنة ونصف السنة الماضية، لا يجب علينا أن نقدم جائزة للمخطئ، إلا أنه في الوقت نفسه إذا أراد المخطئ تصحيح ما قام به لا يجب علينا قطع الطريق عليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما بين الإشارات التي بدأت القوى الإيرانية المؤيدة للمسار الدبلوماسي الذي تنتهجه إدارة روحاني عن إمكانية "حدوث تطورات إيجابية في الأيام والأسابيع المقبلة"، والحديث عن إمكانية التوصل إلى صفقة بين واشنطن وطهران "لا يكون فيها طرف خاسر"، وبين ما تشهده العديد من الملفات والأزمات الإقليمية من تطورات متسارعة تصب في مسار رضوخ إيران وتنازلها أمام المطالب التي ترفعها الحِراكات الشعبية والإرادات السياسية لبعض القوى المعارضة للنفود والدور الإيراني في المنطقة، يبدو أن النظام الإيراني قدّم الكثير من التنازلات على صعيد الصلاحيات الممنوحة للرئيس روحاني في إدارة الملفات السياسية العالقة بين إيران والإدارة الأميركية ودول المنطقة، وأن هذه التنازلات لم تكن ليحصل عليها روحاني لولا خطورة التحدي الذي أنتجته الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدن الإيرانية والاحتجاجات الواسعة التي اندلعت بسبب أزمة رفع أسعار الوقود "البنزين" وما حملته من تهديد وجودي للنظام، تضاف إلى التحديات التي سببتها الحركات الاحتجاجية والمطلبية التي تعم العراق ولبنان.

تفاهمات خلف الكواليس مع الإدارة الأميركية

ولعل مسارعة القيادة الايرانية لاستيعاب الآثار السلبية لتصريحات كبير مستشاري قائد حرس الثورة الجنرال مرتضى باقري حول لبنان التي حولت حزب الله إلى مجرد "عميل" ينفذ الأوامر الإيرانية على العكس مما حاول أمين عام الحزب على مدى سنوات ترسيخه من "شراكة وتحالف" بين إيران وحزب الله بقوله "إن صواريخ حزب الله ستنطلق لتدمير إسرائيل في حال اعتدت على إيران"، هذه المسارعة تكشف عن حرص إيران على الحفاظ على التفاهمات التمهيدية التي تجري خلف الكواليس مع الإدارة الأميركية للتوصل إلى نقاط تفاهم تساعد على بدء مسار الحوار والحل لمختلف الأزمات بين الطرفين.

مباحثات مع القيادة العُمانية

والرسائل الإيرانية المتعاونة لا تقف عند الساحة اللبنانية، على الرغم مما في هذه الساحة من اختلال في الموازين لصالح طرف على حساب آخر، إذ كانت لافتة الزيارة السريعة وغير المُجدولة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى سلطنة عُمان والمباحثات التي أجراها مع القيادة العمانية التي شملت أيضا وبرعاية منها قيادات في جماعة الحوثي، التي تدخل في إطار وضع آلية تعاون إيراني – حوثي، مع الخطوات التي تساعد في تسهيل الحل السياسي في اليمن بما يراعي الشروط الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ومواقف دول الجوار العربي ومصادر القلق لديها على هذه الساحة.

العراق... وقانون الانتخابات الجديد

التطور اللافت الذي من المفترض التوقف عنده ملياً، ما تشهده العملية السياسية الجارية في العراق تحت ضغط الحراك الشعبي، والخطوات الأخيرة التي قام بها البرلمان العراقي، الذي أقر قانوناً جديداً للانتخابات يلبي في مجمله مطالب الحراك ويضرب في آلياته الجديدة همينة الأحزاب على الحياة التشريعية في العراق، من خلال التخلص من القانون النسبي واللائحة المغلقة أو حتى المفتوحة، ما يعني خسارة هذه الأحزاب القدرة على التحكم في النتائج. على الرغم من بعض الثغرات التي جاءت في القانون الجديد، فإن يقظة ومراقبة القوى المدنية والشعبية التي تشكل عماد الحراك الشعبي قد تسهم في الحد من الاستغلال السلبي لهذه الثغرات، وبالتالي فإن العودة إلى القانون الأكثري وتقسم المحافظات إلى دوائر انتخابية سيسمح بإنتاج طبقة برلمانية وسياسية متنوعة لا تكون مغلقة على الأحزاب والقوى السياسية التي تتحكم بمصير العراق.

هذا النجاح للحراك العراقي على صعيد البرلمان وإن كان نسبياً، فإن نجاحاً آخر حققه، بقدرته على إجبار مرشح القوى السياسية إعلان انسحابه من السباق إلى تولي منصب رئيس الوزراء، فتخلي "قصي سهيل" عن طموحه الرئاسي، على الرغم من الدعم الواسع الذي حصل عليه من كتلة البناء، يشكل أيضاً نقطة إيجابية تحسب في خانة إنجازات الحراك الذي نجح حتى الآن في إسقاط مرشحي الأحزاب والقوى السياسية لتولي هذا المنصب.

طهران تواجه تعقيدات على الساحة العراقية

هذا التراجع الذي بدأت القوى السياسية العراقية المقربة من إيران ترضخ له بتأثير من ضغوط الشارع الشعبي الرافض للنفوذ الإيراني ودوره الذي صادر القرار العراقي بمختلف مستوياته، يأتي نتيجة إدراك القيادة الإيرانية التعقيدات التي تواجهها على الساحة العراقية، التي تفوق أي ساحة أخرى معنية بها، وباتت مجبرة على تمرير هذه التنازلات لقطع الطريق على خسارة أكبر قد تخرجها نهائياً من الساحة العراقية، وبالتالي فإن طهران ونتيجة تشعب التحديات التي تواجهها وسوء إدارة الملفات الإقليمية التي تتضافر مع سوء إدارة لأزماتها الداخلية خصوصاً الاقتصادية، باتت مجبرة على تقديم تنازلات قد تكون جوهرية والقبول بأن تكون شريكاً غير مسيطر أو مهيمن في هذه الملفات، من أجل الحد من الخسائر والبدء بالنزول عن شجرة الاستحواذ ومصادرة تطلعات شعوب المنطقة وحقها في إدارة أمورها بعيداً عن همينة طرف أو جهة خارجية أو داخلية مسحوبة على تلك الجهة الخارجية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء