أتمت القاهرة خلال عام 2019 برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته خلال ثلاث سنوات بداية من عام 2016 وتختمه بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وتميزت السنة الأخيرة من برنامج الإصلاح الذي تبنته الحكومة المصرية بالتعاون وإشراف صندوق النقد الدولي، بظهور آثار إيجابية وأخرى سلبية وهو الحصاد الذي يحوي مزايا وإخفاقات.
وتتركز أبرز الآثار الإيجابية في الإصلاحات الهيكلية وعلاج الاختلالات المالية في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب التخلص من نسبة كبيرة من فاتورة الدعم وارتفاع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي، وبشهادة صندوق النقد الدولي وعدد من مؤسسات التصنيف الائتماني نجحت القاهرة في خطوات الإصلاح الاقتصادي، ما جعل المؤسسات الدولية لا تتأخر في رفع التصنيف الائتماني لمصر أكثر من مرة خلال 2019.
وكما قال المتنبي "ما كلُّ ما يَتَمنّى المَرءُ يُدركُه" لم تجن مصر من برنامج الإصلاح الاقتصادي ثماراً في جوانب عدة، حيث تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية على أرض مصر خلال 2019، مقارنة بما قبل بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب تفاقم فاتورة الدين الحكومي المصري بشقيه الخارجي والمحلي، علاوة على حالة من الركود التجاري وارتفاع الأسعار بصورة مبالغ فيها، رغم التراجع الكبير في سعر الدولار الأميركي خلال 2019، كنتيجة تدريجية لتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار (التعويم) بقرار حكومي منذ 3 نوفمبر 2016.
تضخم وارتفاع في الأسعار
وكان تأثير برنامج الإصلاح الاقتصادي قاسياً بشكل كبير على الفئات الأكثر فقراً واحتياجاً، فقرار "التعويم" تبعته موجات تضخمية وارتفاعات في أسعار السلع الأساسية تخطت حاجز الـ150% في بعض السلع، مقارنة بما قبل "التعويم"، بخلاف قرارات رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والغاز، وزيادة أسعار تذاكر قطارات السكك الحديدية ومترو الأنفاق على مدار السنوات الثلاث التي تلت قرار التعويم، ما أسهم في تقليص الدعم في الموازنة العامة للدولة.
وحصرت الحكومة ثمار الإصلاح خلال العام المالي 2019-2020 في عدد من المؤشرات، حيث أعلنت وزارة المالية تحقيق فائض أولي قدره 2٪ في 2019 مقابل عجز أولى 8.4٪ عام 2014، بالإضافة إلى تراجع معدل التضخم من 36% في نفس عام المقارنة إلى 3.4%، وارتفاع معدل النمو من 4.4% إلى 5.6%، وهو أعلى معدل نمو في مصر منذ 10 سنوات (بحسب الحكومة المصرية).
وتستهدف الحكومة تحقيق معدل نمو 7% بحلول عام 2022، كما أن قيمة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية ارتفع من 12 مليار دولار في 2015 إلى أن تخطى حاجز 45 مليار دولار مع مطلع 2019.
تراجع معدل البطالة إلى 7.5%
وأرجع محمد معيط وزير المالية المصري، بدء جني ثمار الإصلاح الاقتصادي إلى الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد على مدار السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب صلابة الشعب المصري وقدرته على تحمل الإجراءات الصعبة، وأضاف في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن "برنامج الإصلاح الاقتصادي ارتكز على رفع كفاءة الإنفاق العام وترشيد الاستهلاك وتوصيل الدعم إلى مستحقيه من خلال برامج فعالة للحماية والدعم الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجاً، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم".
وتابع الوزير المصري "طبقاً لمؤشرات ومعلومات الموازنة العامة للدولة انخفض عجز الموازنة من 16.5% في 2014 إلى 8.2% في 2019، بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع معدل البطالة من 13.3% في عام 2014 إلى 7.5% في العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح معيط أن "ما يميز هيكل النمو أنه أكثر تنوعاً وتوازناً، حيث يشمل جميع القطاعات، بما في ذلك التصنيع والسياحة والبناء والتجارة والنفط والغاز"، ولفت إلى أن "الاستثمارات والصادرات هي المحركات الرئيسة للنمو، حتى لو كانت تتسم بالبطء، حيث ارتفعت حصيلة الإيرادات السياحية في مصر خلال العام المالي الماضي إلى 12.5 مليار دولار، مقارنة بـ9.8 مليار دولار خلال العام المالي 2017-2018 بمعدل نمو28.2٪، بما يعكس انتعاش أنشطة السياحة، ويترجم الجهود التي تبذلها الدولة للنهوض بالسياحة بمفهومها الشامل، باعتبارها إحدى دعائم الاقتصاد القومي".
قرارات تحقيق الحماية الاجتماعية
ونتيجة الإجراءات الصعبة التي نفذتها الحكومة فقد تبنت في الوقت ذاته حزمة قرارات تسهم في توفير الحماية الاجتماعية للطبقات والشرائح الأكثر احتياجاً، وكذلك توجيه وزيادة المخصصات إلى قطاعات التعليم والصحة ورفع كفاءة الإنفاق العام وترشيد الاستهلاك وتوصيل الدعم إلى مستحقيه من خلال برامج فعالة.
وبحسب بيانات الموازنة العامة للدولة، ارتفعت مخصصات الصحة والتعليم من 115 مليار جنيه (نحو 7.1 مليارات دولار) عام 2014 إلى 210 مليارات جنيه (حوالي 13 مليار دولار أميركي) عام 2019، بالإضافة إلى زيادة دعم الغذاء من 39.4 مليار جنيه (نحو 2.5 مليار دولار) في 2014 إلى 87 مليار جنيه (نحو 5.4 مليارات دولار) عام 2019.
برامج الإسكان الاجتماعي
وتوسعت الدولة أيضاً، بحسب موازنتها العامة، في برامج الإسكان الاجتماعي، وقال وزير المالية محمد معيط في تصريحات صحافية سابقة، إن الحكومة نفذت أكبر برنامج إسكان اجتماعي لمحدودي ومتوسطي الدخل في العالم، موضحاً أنه جرى تسليم نحو 750 ألف وحدة سكنية كاملة التشطيب لأصحابها، وأن الجهاز المصرفي شريك أصيل في تنفيذ مشروعات دعم وتحسين مستوى معيشة المواطنين، حيث وفر البنك المركزي والبنوك التجارية التمويل اللازم بعائد مخفض وصل إلى 50٪ أحياناً، كما ضمت الحكومة نحو 100 ألف أسرة جديدة إلى برنامج "تكافل وكرامة".
وأشاد تقرير "موديز" بقدرة الحكومة المصرية على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بشكل سمح لها بزيادة الإنفاق على الاستثمارات وبرامج الحماية الاجتماعية من دون الإخلال بالمستهدفات المالية ومستهدفات الدين المعلن عنها.
أما على الجانب الآخر، فقد ارتفع حجم الدين العام الحكومي، سواء الخارجي أو المحلي، خلال سنوات الإصلاح، وتفاقم خلال عام 2019، وزاد رصيد الدين الخارجي لمصر بنسبة بلغت 2.3% خلال الربع الثاني من 2019، ليصل إلى 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) الماضي، مقارنة بنحو 106.2 مليار دولار نهاية مارس (آذار) 2019، بقيمة زيادة بلغت 2.5 مليار دولار، طبقاً لبيانات إحصائية نشرها البنك الدولي.
وعلى أساس سنوي قفزت المديونية الخارجية لمصر بنسبة 17.3% بقيمة زيادة بلغت 16 مليار دولار، حيث كانت قد سجلت مستوى 92.6 مليار دولار في نهاية يونيو 2018.
وصبّت توقعات صندوق النقد الدولي للدين الخارجي في مصر في كفة ترجح زيادته في العام المالي المقبل، لتصل إلى 109.7 مليار دولار، على أن تصل قيمة الدين الخارجي إلى 111 مليار دولار خلال العام المالي 2021-2022، وتوقع البنك تراجعها إلى 109.4 مليار دولار في العام المالي 2022- 2023، على أن تصعد مجدداً في العام المالي 2023-2024 لتصل إلى 112 مليار دولار.
أما الدين العام المحلي فقد ارتفعت أرصدته في مايو (أيار) 2019، إلى 4.107.9 تريليون جنيه (نحو 250 مليار دولار)، في نهاية ديسمبر 2018، بما يمثل 78.2% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، منه 85.3% ديون مستحقة على الحكومة، و8.3% على الهيئات الاقتصادية، و6.4% على بنك الاستثمار القومي.
وطبقا لتقرير البنك المركزي المصري، فإن صافي رصيد الدين المحلي المستحق على الحكومة بلغ نحو 3.504.8 مليار جنيه (نحو 218 مليار دولار) في نهاية ديسمبر 2018، بزيادة قدرها 383 مليار جنيه (نحو 24 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو (تموز) إلي ديسمبر من السنة المالية 2018/2019، وبلغ رصيد مديونيات الهيئات العامة الاقتصادية نحو 340 مليار جنيه (نحو 21 مليار دولار).
استراتيجية خفض الدين الحكومي
وتبنت الحكومة استراتيجية لخفض الدين الحكومي، بدأتها في العام المالي 2019-2020، وخلال السنوات الثلاث المقبلة تتوقع الحكومة مواصلة الخفض التدريجي لمعدل الدين الحكومي للناتج المحلي ليصل إلى 77.5% بنهاية يونيو 2022.
وأضاف أنه "مع بدء انخفاض أسعار الفائدة محلياً، يمكن التوسع في أدوات تمويلية طويلة الأجل من السوق المحلية، بدلاً من الاقتراض قصير الأجل، والتوسع أيضاً في إصدار السندات متوسطة وطويلة الأجل بدلاً من الأذون، بهدف زيادة عمر الدين، والحد من مخاطر إعادة تمويل المديونية القائمة، وهذا ما نستهدفه خلال موازنة 2019-2020".
تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر
ومع ارتفاع زيادة الدين العام شهد عام 2019 أيضاً تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنحو 1.8 مليار دولار، وبنسبة 23% خلال العام المالي 2018-2019، مسجلاً 5.902 مليار دولار، مقارنة بـ7.719 مليار دولار في العام المالي السابق له 2017-2018.
هذا التراجع في الاستثمارات أرجعته بنوك استثمار إلى أسباب محلية وعالمية، حيث قال تقرير صادر عن بنك استثمار "برايم"، إن "انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر للعام الثاني على التوالي، على الرغم من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بنجاح، جاء نتيجة انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً تحت وطأة تنامي مخاطر الاقتصاد العالمي، وتصاعد نزعة الحماية التجارية".
وأضاف "برايم" في تقريره، أن من بين أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وجود اختلالات هيكلية طويلة الأمد تقف في طريق الاستثمار، ومنها استمرار البيئة الحالية ذات أسعار الفائدة المرتفعة، والترتيب العالمي المتدني لبيئة الأعمال.
وقال محسن عادل، رئيس هيئة الاستثمار الأسبق، إن الحكومة المصرية سعت خلال عام 2019 إلى إجراء عدد من الإصلاحات التي من شأنها رفع ترتيب مصر في التقارير الدولية، خاصة المتعلقة ببيئة الأعمال وسهولة ممارستها، من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأضاف عادل أنه "رغم تأخر ترتيب مصر الـ120، في تقرير سهولة ممارسة الأعمال لعام 2019، إلا أن مصر صعدت 8 مراكز في الترتيب بعد تنفيذ إصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وتبسيط الإجراءات في 5 مجالات، هي تأسيس الشركات، والحصول على الائتمان، وحماية صغار المستثمرين، وسداد الضرائب، وتسوية حالات الإعسار (الخروج من السوق)".