Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنعكاسات حكومة بوريس جونسون على قطاعي السياسة الخارجية والدفاع

سوف يظهر مع مرور الزمن إن كان رئيس الوزراء سيختار أن يطيع ترمب أو أن يتبنى موقفاً مستقلاً

كان جيريمي كوربين أقرب إلى دونالد ترمب من بوريس جونسون، في ما يتعلق ببعض قضايا السياسة الخارجية والدفاعية. وتلاقت مواقف الرئيس الأميركي وزعيم حزب العمّال في معارضة حروب التدخل الغربية، والنفور من الناتو والإتحاد الأوروبي، وصعوبة انتقاد روسيا.

ولا شكّ في المقابل أنّ الرجلان اختلفا في الكثير من المجالات الأخرى- بدءاً بحقوق الفلسطينيين ووصولاً إلى الإتفاقات التجارية بين البلدين والعلاقات مع دول مثل فنزويلا وإيران.

لكن كل ما سبق لم يعد مهماً الآن، لأنّ السؤال المطروح حالياً يدور حول طريقة تعاطي بوريس جونسون من موقعه كرئيس للوزراء مع القضايا الدبلوماسية والدفاعية: فهل سيطيع أوامر ترمب أم يتبنى مواقف مستقلة حول القضايا الدولية الجوهرية؟.

يشكّل التوصّل إلى اتفاق تجاري يحكُم الفترة التي تلي تنفيذ بريكست ضرورة ملحّة بالنسبة لحكومة جونسون، وقال ترمب عدة مرات في هذا الإطار إنّ الإتفاق سيُبرم سريعاً. وفي معرض تهنئته للسيد جونسون بعد صدور نتائج الإنتخابات، صرّح أنّ المملكة المتحدة والولايات المتحدة أصبحتا قادرتين على إبرام صفقة جديدة "هائلة" قريباً.

لكن الموضوع ليس بهذه البساطة. فما زالت القضية الحسّاسة والخلافية حول نفاذ الشركات الأميركية إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية عالقة. وأثناء زيارته إلى المملكة المتحدة هذا الشهر من أجل حضور قمة زعماء الناتو، تمسّك ترمب بقوله إن الولايات المتحدة لا تريد هذا الموضوع "ولو قُدم لها على طبق من فضة".

لكن الهدف من تصريحه كان مساعدة السيد جونسون في حملته الإنتخابية. وأصدر الرئيس الأميركي تصريحات متناقضة حول هذا الموضوع. فأهداف التفاوض التي وضعتها إدارته ضمن وثيقة علنية تطالب "مؤسسات الدولة بعدم التمييز في المعاملة في موضوع بيع وشراء السلع والخدمات". كما تطالب "بنفاذ السلع الأميركية إلى كامل السوق" وباستحداث "أنظمة تعويضات حكومية " في قطاعي الأدوية والأجهزة الطبية.

ويجب ألّا نغفل عن تأكيد السفير الأميركي لدى بريطانيا وودي جونسون، صديق ترمب، هذا الصيف أنّ كل جوانب الإقتصاد سوف تُفتح أمام المفاوضات. فالولايات المتحدة تساوم بشكل قاسٍ وهو ما يعرفه أي بلد تفاوض معها.

وفي أي حال، ربما ليس باستطاعة ترمب أن يُهدي السيد جونسون الشروط  التي تناسبه في المفاوضات.  ولا يسع أيّ أحد واقعياً أن يتطلّع إلى إبرام اتفاق قبل الإنتخابات الأميركية، كما أنّ رأي اللجان النيابية الديمقراطية أساسي في أية صفقة.

ققد حذّر كبار أعضاء الحزب الديمقراطي ومنهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عدة مرات من أنّ الكونجرس سيعرقل أي اتفاق يهدّد عملية السلام في إيرلندا الشمالية. وما زلنا في حالة ترقّب لحدوث أي موجة عنف في المحافظة بسبب بريكست.

وصل قلق الولايات المتحدة في مسألة ترمب والناتو حدّ موافقة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالإجماع على مشروع قانون قدّمه الحزبان لإجراء تصويت يمنعه من الإنسحاب من الحلف. والأسبوع الماضي، حذّر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق الذي ترك منصبه منذ فترة قصيرة، خلال خطاب ألقاه في فعالية نظمتها مؤسسة خاصة أن ترمب "سيسلك طريق الإنعزال الكلّي" إذا أعيد انتخابه العام المقبل.

في المقابل، شدّدت حكومتا تيريزا ماي والسيد جونسون على التزام المملكة المتحدة بالناتو ولا إشارة على أنّ أي عضو آخر في الحلف يشككّ بهذه النية.

وأثار إيمانويل ماكرون الجدل الشهر الماضي حين وصف الحلف بأنه "ميت دماغياً" ويعود ذلك جزئياً إلى عجز الحلف عن التصدي لتهديدات ترمب المتكرّرة. واقترح الرئيس الفرنسي جملة حلولٍ منها أن تمسك ثلاثة دول أعضاء في الحلف بزمام الأمور من أجل حلّ المشكلة: وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة- وهو موقف أغضب أعضاء آخرون مثل إيطاليا وإسبانيا.

وفي موضوع الإتحاد الأوروبي، قيل إن السيد جونسون أراد تغيير التعهدات الدفاعية والأمنية في اتفاق بريكست.

ويتضمن الميثاق السياسي بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي التزاماً بـ"التعاون الوثيق في مهمات وعمليات إدارة الأزمات التي يقودها الإتحاد على الصعيدين المدني والعسكري". ويُعتقد أنّ لندن طالبت لاحقاً بالإشراف السيادي على طريقة توظيف أصولها الدفاعية.

لطالما تذمّر اليمين المحافظ من مبادرات الدفاع الأوروبية زاعماً أنّها تُضعف الناتو وأنها جزء من مؤامرة هدفها خلق دولة أوروبية عظمى. إنّما يُعتقد أن هدف رئاسة الوزراء من استخدام مسألتي الدفاع والأمن هو أنّهما تعطيانها أفضلية في المفاوضات على صفقات مختلفة يجب التوصّل إليها مستقبلاً.

وقامت تيريزا ماي بمحاولة شبيهة بهذه في السابق. فبعد تفعيل المادة 50، حذّرت رسالة أُرسلت بطلبٍ من مديري مكتبها نيك تيموثي وفيونا هيل أنّه في حال انسحاب المملكة المتحدة دون اتفاق "فمن الناحية الأمنية، يؤدي العجز عن التوصّل إلى اتفاق إلى إضعاف تعاوننا في مكافحة الجريمة والإرهاب".

لطالما عبّرت الأجهزة الأمنية والإستخباراتية البريطانية عن قلقها العميق إزاء استغلال مسألة الأمن كورقة للتفاوض. واضطرّت السيدة ماي للتراجع مؤكّدةً أنّ دور المملكة المتحدة في مسائل الدفاع المشتركة غير مشروط.

داخلياً، وعد حزبا العمّال والمحافظين على حدٍ سواء بمراجعة الإستراتيجية الدفاعية والأمنية. فكافة الأطراف تجمع على الحاجة إلى سياسة أكثر شمولية بسبب التهديدات الجديدة المتزايدة ومنها الحرب الإلكترونية والإرهاب الدولي واستخدام الدعاية والأخبار الكاذبة في الهجوم على المؤسسات الوطنية.

كما أنه على الحكومة العمل على التوفيق بين رؤيتها لـ’بريطانيا العظمى‘ من جهة والإنفاق المحدود على الشؤون الدفاعية من جهة أخرى، تُضاف إليه أرجحية انكماش الإقتصاد بدرجات مختلفة بعد بريكست، حسب شروط الإنسحاب، التي يعتبر الانسحاب ’دون التوصل لاتفاق‘ أسوأها وأكثرها ضرراً.

كانت إحدى الحجج التي استخدمت للدفع باتجاه الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي أنّ بريطانيا ستستعيد نفوذها السابق حول العالم. لكن التجارة ستقيّد سياسة حكومة جونسون. حتى أنّ انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان على يد الأنظمة الأجنبية سيفتُر تحت وطأة الحاجة الملحّة للتجارة.

لا بدّ أنّ السيد جونسون نفسه مدرك لهذا الموضوع. فمنذ ثلاث سنوات، حين كان وزيراً للخارجية، اتّهم السعودية باستغلال الإسلام والتصرف كأنها محرّك دمى في حروب بالوكالة. وسارعت رئاسة الوزراء إلى إسكاته عبر تصريحها أنّ "هذه ليست آراء الحكومة" التي تعتبر المملكة "شريكاً أساسياً بالنسبة للمملكة المتّحدة". وقال الناطق باسم السيدة ماي إن السيد جونسون سيلتزم بالموقف الحكومي خلال اجتماع مُقرَّر عقده مع وزراء سعوديين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بسبب الضرورات الإقتصادية، قاومت الحكومة البريطانية الضغط الأميركي. وأبرز مثلٍ على مقاومتها هو طلب واشنطن أن تُقصى الشركة الصينية المتعددة الجنسيات هواوي عن شبكة الجيل الخامس في المملكة المتحدة.

وأرجأت الحكومة البريطانية اتّخاذ قرار في هذا الصدد لكنها تتبع سياسة توسيع نطاق التجارة مع الصين كما أنها لا ترغب بمعاداة بكين.

وافتتحت حكومة ديفيد كاميرون هذه الحقبة المسماة "بالذهبية" في العلاقات التي استمرت في ظل حكومة تيريزا ماي والسيد جونسون بعدها. والمملكة المتحدة إحدى الدول الغربية القليلة التي تشارك في المبادرة الصينية المثيرة للجدل ’الحزام والطريق‘ وهي مبادرة مُتَّهمة بأنها إحدى وسائل توسيع رقعة الهيمنة الصينية.

ومن ناحية أخرى، لا تلعب العوامل المالية الواضحة أيّ دورٍ في اختلاف المواقف بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في التعاطي مع دولة أخرى هي إيران.

تطالب إدارة ترمب المملكة المتحدة أن تحذو حذوها وتنسحب من الإتفاق بين القوى الدولية وإيران في موضوع برنامجها النووي، وأن تنضم إليها في فرض العقوبات على طهران.

قاومت بريطانيا هذا الأمر حتى الساعة، وهي تعمل بالفعل إلى جانب فرنسا وألمانيا على وضع إجراءات "إنستكس" الذي يسمح للشركات بإقامة علاقات تجارية مع إيران مع تفادي العقوبات الأميركية.

وتحدّت هولندا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد الولايات المتحدة فانضمّت إلى منظومة "إنستكس". أمّا بريطانيا، فسيكون تمسّكها بسياساتها أو انصياعها لواشنطن هو المؤشر الذي يحدّد نوع علاقة حكومة جونسون مع الإدارة الأميركية.

وأثّرت الحاجة إلى إقامة العلاقات التجارية أيضاً على موضوع ساعد المحافظين في الفوز بالإنتخابات وهو الهجرة. فيما تبنى السيد جونسون ووزراؤه لهجة قاسية حول عدم السماح بدخول البعض، يجري التساهل في منح التأشيرات لمواطني البلدان الأخرى وتتوق الحكومة لإقامة علاقات تجارية مع دول مثل كوريا الجنوبية والهند. وأحد الأمثلة على هذا هو ارتفاع بنسبة 63 في المئة في عدد تأشيرات الدخول لدواعي الدراسة التي منحتها المملكة المتحدة للهند في غضون سنة واحدة فقط.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل