Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة الاحتجاج الشعبي في الشرق الأوسط ألهمت حركة نسائية "خاصة"

صار في وسعي أن أستفيض في الكلام عن عدد الناشطين والمبادرات التي انطلقت منذ العام 2011 وهو أمر لم أعتقد منذ سنوات قليلة فقط أنني سأقوله بكلّ ثقة

 نوفا محمد، سيدة من الموصل فقدت ساقها في هجوم داعشي في 2016 وهي في الصورة أعلاه تجرب ساقاً اصنطاعية (أ.ف.ب.) 

تتغيّر مكانة المرأة في المجتمع من مكان إلى آخر لكن الإعاقة تمثّل تحدي إضافي بالنسبة للنساء في كل مكان- وإن شاءت الصدف أن تعيش المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تصبح هذه التحديات مضاعفة.

وبما أنني قضيت أول عقد من عمري في العراق، فأعلم من خلال تجربتي الشخصية أنّ إنجاب طفل من أصحاب الإحتياجات الخاصة يعتبر "كارثة". أمّا أن تكون الإبنة مصابة بإعاقة فـ"لعنة" تحلّ فوق رأس العائلات التي يُتوقّع منها أن تحني رأسها خجلاً. وُلدت في مدينة الموصل في العراق وما إن بلغت سنّاً سمح لي أن أفهم فكرة وصمة العار في المجتمع، أدركت كلّ ما اضطرّت أمي إلى تحمّله لأنها عجزت عن "حمل طفل طبيعي"، بسبب إعاقتي على ما يبدو. وتحمّلَت التعليقات ونظرات الإدانة، وجعلوها تشعر بأنها فاشلة.

وخلال نشأتي رأيت قلّة قليلة من ذوي الإحتياجات الخاصة، بل ربّما لم أرَ أيّاً منهم، فما بالك بالنساء أو الفتيات ذوات الإحتياجات الخاصة. وافترضت في ذلك الوقت بالتالي أنني كنت "مميّزة"؛ ولم أعرف سوى سيدة واحدة وُلدت بذراع واحدة- وهي من أفراد العائلة البعيدة. واحتجت إلى بعض الوقت كي أدرك أنها تعاني من إعاقة أساساً. لأنني كنت أعتقد حينها أنّ الإعاقة وصفٌ ينطبق فقط على من هم مثلي: أي من لا يقدرون على المشي. ولم يبدُ لي أيّ شيء خارج هذا الإطار إعاقة. وعندما أدركت ما المسألة لاحظت أنها تحاول جاهدةً إخفاء الأمر، لكنني رأيت فيها الكثير من القوة المختبئة وراء اضطراب ثقتها بنفسها.

فهي كانت ترتاد الجامعة وتقود السيارة وتفعل كل الأمور التي لا يعتقد كثيرون أنها ممكنة بذراع واحدة فقط. وأردت التشبّه بها. وهكذا تعلّمت عندما لم يكن عمري أكثر من ستة أعوام أنني مضطرة إلى أن أكافح وأقاتل من أجل الحصول على كل ما يحصل عليه الآخرون بطبيعة الحال وبلا جهد.

وتاريخياً، يفخر الأهل العرب بإنجاب الأبناء فيما يعتبرون البنات- اللواتي يُنظر إليهنّ على أنّهن الجنس الأضعف والعاجز- مصدر قلق بالنسبة إليهم إلى أن يتزوّجن فترتاح العائلة بعد أن تضع مسؤوليتهن بين يديّ رجلٍ آخر. وإن كنتِ بالتالي إمرأة عربيّة من ذوي الإحتياجات الخاصّة، فالفرص المتاحة أمامك للزواج أقلّ بكثير من النساء اللواتي ليست لديهن احتياجات خاصة ، ويشكّل زواجك بالتالي مصدر قلق إضافي بالنسبة للأهل.

وبالإضافة إلى التحديات التي يفرضها عليهنّ جنسهنّ، أمام النساء العربيات اللواتي يعانين من إعاقات فرص عمل أقل من أقرانهن الذين لا يعانون من الإعاقة. ويعود هذا الأمر جزئياً إلى مشكلة أكبر هي ضيق فرص الحصول على التعليم والعمل والوصول إلى المنشآت الطبية وإنشاء العلاقات الإجتماعية واحتمالات الزواج في أوساط محافظة من المجتمع لا تتمتع المرأة فيها بمكانة عالية بشكل عام مما يجعلها منعزلة وضعيفة.

ومع اجتياح الربيع العربي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2011، حدث تغيير في المنطقة وليس على الصعيد السياسي فحسب.

فقد بثّت التحركات الشعبية الأمل في الكثير من المجتمعات المهمّشة ولا سيما ذوي الإحتياجات الخاصة وبخاصّة النساء العربيات اللواتي يعانين من إعاقات.

وحملت المظاهرات معها مفهوم تحدّي الأعراف والتقاليد الشائعة وكانت النساء ذوات الإحتياجات الخاصة من أهم الرابحات في هذه المعادلة. لأنهن شرعن بالمقاومة وطالبنَ بحقوقهنّ في الحياة وحتى أنّهن قدنَ مبادراتهن الخاصة.

وفي كافة أرجاء المنطقة، تقتحم المرأة العربيّة مجالات خُصصت سابقاً لغير أصحاب الحاجات الخاصة. وفي المنطقة أمثلة لا تحصى عن نساء رائدات. ومنهن العراقية زينب العقابي التي ذاع صيتها على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها أرادت أن تكون "مصدراً للتغيير الذي يهزّ صلب المجتمع العربي وليس العراقي فحسب" بعد فقدانها لساقها في انفجار قنبلة قرب منزلها خلال الطفولة.

أما شهد الشمري، الكاتبة والأستاذة في الأدب الإنجليزي في الكويت، فشُخّصت إصابتها بمرض التصلب اللويحي في عمر الثامنة عشر، وألّفت كتاب "خواطر على الجسد" (وهو مجموعة من القصص القصيرة التي تخوض في صعوبات تصاحب قضايا الهوية والحب والإعاقة في الشرق الأوسط) عندما لم تعثر في عالم الأدب على أمثلة عن نساء مثلها.

وأصبحت آية أغابي ناشطة رائدة في قضايا الحاجات الخاصة في بلدها الأردن، قبل أن تتوفّى في شهر أغسطس (آب) المنصرم عن عمر 29 عاماً بسبب التهاب رئوي نادر. وأطلقت مشروعها الخاص الذي سمّته "الأردن المهيّأ" بهدف تسهيل تنقّل وتحرّك أصحاب الحاجات الخاصة في كافة مرافق البلد.

واللائحة تطول، مع علا عمّار وهي ممثلة مصرية تعاني من ضعف في الحركة أصبحت من أول النساء ذوات الحاجات الخاصة اللواتي حصلن على أدوار تمثيلية، إذ شاركت في بطولة فيلم "فستان ملوّن" في العام 2017، ومشاريع مثل الأربع بسكوتات، وهو مشروع لخبز الحلوى أسسّته أربع شابات مصابات بمتلازمة الداون في مصر بعد نبذ قطاع العمل لهنّ. وفي مصر أيضاً منتدى آي هيلب (أنا أساعد) الذي أسسته رشا إرنست، وهو منتدى إلكتروني يقدم خدمات مثل شراء وصيانة أجهزة طبية بأسعار مناسبة لكبار السنّ وذوي الإحتياجات الخاصة. وأستطيع أن أتكلم من دون توقّف عن المبادرات، وهو أمر لم أظنّه ممكناً منذ بضعة سنوات فقط.

وقبل أن ألتقي هذه النسوة، أردت أن أنشئ حيزاً ما نعبّر من خلاله ونعلي صوتنا. ولم أرد لغيري من الشابات ذوات الإعاقة أن يعشن تجربة مثل التي عشتها، لذا شاركت في تأسيس مجلة باللغة العربية تعنى بالشؤون اليومية لذوي الحاجات الخاصة. وبعد ذلك بقليل بدأت تردني رسائل من فتيات ونساء من ذوات الإحتياجات الخاصة اللواتي يشعرن بالضياع ويستمتن للاندماج في المجتمع بالطريقة الوحيدة التي يعرفنها وهي الزواج. ومن الواضح أنه فيما ترفع بعض النساء العربيّات مستوى التوقعات لذوات الإحتياجات الخاصة، ما زال الطريق أمامنا طويل.

والتمثيل مهم ولذلك من الضروري والأساسي أن تظهر النساء العربيات ذوات الإعاقة بوضوح في المجتمع. في حال حصل العكس، لن يتقبّل المجتمع أبداً أننا أفراد متساوون مع الآخرين وقادرون على تقديم مساهمات ثقافية ومهنية واقتصادية لمجتمعاتنا.

ريا الجادر صحافية حرّة شاركت في تأسيس أول مجلة عربية إلكترونية من نوعها تعنى بشؤون الحياة اليومية، اسمها "آفاق الاحتياجات الخاصة".   

© The Independent

المزيد من تحلیل