شعبان عبد الرحيم... مؤدٍ شعبي بدرجة مشاغب سياسي

بعد سجل حافل بالأغنيات الشعبية وعلى إيقاع بدا رتيباً لكنه نال إعجاب المستمعين، رقد المغني الشعبي الأشهر في مصر، شعبان عبد الرحيم، على سرير في غرفة هادئة داخل مستشفى المعادي العسكري (جنوبي القاهرة)، قبل أن يطبق فمه، ويودِّع الدنيا صباح اليوم عن عمر ناهز 62 عاماً، تاركاً وراءه باقة أغنيات يحفظها المصريون عن ظهر قلب، أشهرها "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، التي أطلقها في حقبة التسعينيات، اتساقا مع موقف الدبلوماسية المصرية، ممثلة في وزير خارجيتها وقتها عمرو موسى، من إحدى موجات الانتفاضة الفلسطينية والمنتقدة لإسرائيل.

وقال مصدرٌ مقربٌ من المطرب الراحل إن حالته الصحية تدهورت فجأة، ما استدعى نقله إلى المستشفى، وأُدخل غرفة العناية الفائقة، لكنه فارق الحياة بعد توقف مفاجئ لعضلة القلب.

فيما قال حمادة أبو اليزيد، وكيل أول نقابة الموسيقيين، إن النقابة أُبلغت فجر اليوم بتدهور الحالة الصحية لعبد الرحيم ونقله إلى المستشفى، وتابع النقيب الفنان هاني شاكر حالة المطرب الشعبي لحظة بلحظة، وبعد الوفاة تدخلت النقابة سريعاً لإنهاء إجراءات الدفن، وتشييع الجثمان، حيث دُفن في مسقط رأسه بقرية "ميت حلفا" في محافظة القليوبية (شمالي القاهرة)، بينما سيُحّدد موعد العزاء خلال ساعات، بعد الاتفاق مع عائلة الفنان الراحل.

وصرَّح إسلام خليل، مؤلف معظم أغاني عبد الرحيم، أن المطرب الراحل كان قد أُصيب قبل شهرين بكسور مضاعفة في الحوض والساق والقدم، نُقل على إثرها إلى المستشفى، واضطر للجلوس على كرسي متحرك، ومن فوق هذا الكرسي أحيا حفله الأخير في السعودية، ضمن "موسم الرياض".

شعبان عبد الرحيم في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" (أ.ف.ب.)

وقال أصدقاء للفنان الراحل إن الحادث الذي تعرَّض له، سببه "خروف" كان قد اشتراه أخيراً، وذات مرة كان شعبان يضع له الطعام فركله الخروف وطرحَه أرضاً ما أصابه بكسور مضاعفة.

يُشار إلى أن شعبان عبد الرحيم وُلد عام 1957 في قرية "ميت حلفا" بمحافظة القليوبية، ونشأ في حي الشرابية بالقاهرة، ولم يكن يجيد القراءة والكتابة، وعمل مكوجياً في بعض الأحياء الشعبية، واسمه الحقيقي "قاسم"، واختارت له أسرته اسم "شعبان"، لأنه ولد في شهر شعبان، وبرزت موهبته في وقت كان ما يزال يمارس مهنة "كي الملابس"، وكان يحيي بعض الحفلات والأعراس الشعبية، وذات مرة سمعه أحد الأشخاص، فقرَّر أن يُنتج له ألبوماً غنائياً.

وحقق الألبوم نجاحاً كبيراً، وأصبح شعبان الأكثر طلباً في كل مناسبات الأحياء الشعبية في القاهرة ومحافظات مصر المختلفة، حتى ذاع صيته ووصل إلى السينما أيضاً بعد أغنيته الشهيرة "أحمد حلمي إتجوز عايدة"، ثم أغنية "أنا بكره إسرائيل"، التي سببت تفاعلاً كبيراً، وتحدثت عنها وكالات الأنباء العالمية، وقيل إن الأغنية أغضبت إسرائيل، ثم قدمت أغنية "هابطل السجاير"، وتوالت أعماله.

وتعمد شعبان أن تكون أغنياته على إيقاع واحد، تعتمد على كلمة "إييييييه"، ولذلك هاجمه كثيرون وانتقدوه، واعتبروا أنه لم يقدِّم فناً هادفاً، وأنه مجرد "موضة غنائية"، على الرغم من استمراره في هذا اللون بنجاح لسنوات طويلة، كما لفت الأنظار باختياره طريقة خاصة في الملابس، تعتمد على كثرة الألوان والنقوش، وكان يظهر روحاً كوميدية بسيطة في كل لقاءاته.

عبد الباسط حمودة في جنازة المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم (حسام علي. اندبندنت عربية)

واستثمرت السينما نجاح عبد الرحيم في الأغنية، حيث شارك بالتمثيل في أفلام، أبرزها "مواطن ومخبر وحرامي" بطولة صلاح عبد الله وخالد أبو النجا وهند صبري، وإخراج داوود عبد السيد، الذي راهن على موهبة شعبان، خصوصا أن الدور كان يتطلب موهبة فطرية وأداءً تلقائياً، كما شارك في أفلام أخرى، منها "فلاح في الكونغرس" و"أشرف حرامي" و"رشة جريئة" و"أمان يا صاحبي" و"طرب شعبي"، كما شارك في بعض المسلسلات، مثل "شريف ونص" و"صايعين ضايعين" و"بيت العيلة" و"قط وفار فايف ستار"، ومن مسرحياته المهمة "دو ري مي فاصوليا" مع الفنان سمير غانم.

عمرو موسى ينعي شعبان

وكان شعبان عبد الرحيم قد ذكر اسم عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، في أغنيته الأشهر التي تقول في جانب من كلماتها "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، ما دفع موسى إلى الحديث عن هذه الأغنية وأصدائها في مذكراته التي أصدرها قبل نحو عامين تحت عنوان "كتابيه".

واليوم، نعى موسى، المطرب الراحل، من خلال تغريدة له على "تويتر"، قائلاً "رحم الله شعبان عبد الرحيم، كان مصرياً طيباً يعيش ويؤدي ويمتع، كان يحب ويكره كما أغنيته الشهيرة، كان مؤدياً من نوع خاص، بعض من الفن وبعض من الطرافة المصرية مع قليل من السياسة"، وتابع موسى الذي تولى وزارة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك "خليط حفر لشعبان، مع (هييييته) الشهيرة، مكاناً في قلوب المصريين.. رحمه الله".