Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما تقتل إيران شيعة العراق

"حافظت طهران على صلاتها وعلاقاتها بالشيعة العراقيين من خلال الخط المذهبي"

في التاريخ الإسلامي كانت إيران على مدى ألفِ سنةٍ، سُّنية المذهب (شافعية وحنفية)، مع وجود أقلية شيعية. وبعد قيام الدولة الصفويَّة (1501-1722) فرضت المذهب الشيعي (الاثنا عشري) في عام 1507، وكان القتلُ مصير كل مَنْ يرفض الاعتناق. وهكذا جرت حمامات الدم المرعبة والبشعة بالمسلمين السُّنة، في كل المناطق الخاضعة للصفويين داخل وخارج إيران.

وطوال خمسة قرون، حافظت إيران على صلاتها وعلاقاتها بالشيعة العراقيين من خلال الخط المذهبي. ونذكر من الأسباب الرئيسة التي جعلت إيران تلتزم بهذا النهج التاريخي تجاه شيعة العراق، ما يلي:

أولًا: مراقد أئمة آل بيت النبوة، أولهم مرقد الإمام علي بن أبي طالب في النجف، وأبنه الإمام الثالث الحسين في كربلاء، والإمامين السابع موسى الكاظم، والتاسع محمد الجواد في بغداد، والإمام العاشر علي الهادي، والحادي عشر الحسن العسكري، والثاني عشر المهدي المنتظر في سامراء، والأخير غاب في سرداب منذ 1186 سنة، وما زال الشيعة ينتظرون خروجه.

إن النزعة الفارسيَّة بالتعلق بالماديَّات، تمثلت جلياً في النهج الصفوي، وذلك بتعظيم القبور ومنحها قدسيَّة خاصة توجب الحج إليها، وتقديم النذور بحضرتها، وطلب الحاجات منها. فالهدف الصفوي لا يتعلق وفق نطاق خلق الطقوس ومراسم وشعائر روحية، بل السيطرة الخفية من خلالها على المذهب الشيعي، وتوظيفه لغايات سياسية تصب في صالح ومصالح إيران.

ثانياً: المرجعيَّة الدينيَّة، التي يتعاقب على رئاستها علماء الشيعة الذين جلّهم من القوميَّة الفارسيَّة، ابتداءً من مرجعها الأول محمد بن يعقوب الكُليني (864-941)، وصولاً إلى علي السيستاني (1930). وتُعدّ مرجعيَّة الإماميَّة والحوزة العلميَّة في النجف، أحد أهم وأخطر معاقل التحكم الروحي لإيران بالعراق خصوصاً، وبقية الشيعة حول العالم عموماً. أمَّا حوزة قُمّ في إيران، على الرغم من أنها أقدم من حوزة النجف، لكن لم يترأسها عالم شيعي عربي قط.

ثالثاً: الطقوس ومراسم الزيارات، فقد صارت ممارساتها ضمن تعاليم المذهب الروحيَّة، الذي يجب الالتزام بها وتأديتها وفق تواريخها. والغاية الخفيَّة من تلك الممارسات، تكمن في حشد العرب الشيعة في صف مخالف عن بقية المسلمين، وامتداد واضح للتشيع الفارسي.

رابعاً: محاولة جعل حوزة قم بديلاً عن حوزة النجف، إذ حاولت إيران لأكثر من مرة، ومنذ العهد الصفوي، أن تكون لها المنزلة العلميَّة العليا، لكي تتمكن من خلالها الهيمنة على عموم الشيعة في كل أنحاء العالم، لكنها باءت بالفشل. ومن بين عوامل الفشل، الوضع النفسي المتعصب الذي لا تستطع العمامة الفارسيَّة إخفاءه في مقتها وكرهها للعرب.

إيران اليوم، وبعدما مدّت نفوذها داخل أربعة بلدان عربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن، فضلاً عن خلاياها التي وصلت إلى المغرب العربي، تجد نفسها قد حققت الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك إلى البحر الأحمر، وهذا ما لم تحققه منذ زمن الملك قورش الكبير (560-529 ق.م).

يدرك النظام الإيراني جيداً، إن هذا التمدد الذي اتخذ صيغة الإسلام السياسي، ما كان له أن يتحقق لو استمر العراق صادّاً مانعاً لمشروعها، إذ على الرغم من الصّلة القوية بين النظامين السوري والإيراني، منذ حكم الخميني (1979-1989)، و(الرئيس السوري السابق) حافظ الأسد (1971-2000)، وكذلك منذ تأسيس حزب الله في لبنان عام 1982. لم تتمكن إيران من تفعيل التمدد، إلا بعد أن خدمتها الظروف السياسية والأمنية الإقليمية وتوافقها مع المحتل الأميركي عام 2003، ثم بسطت هيمنتها بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق أواخر عام 2011.

معنى هذا، أن خروج العراق من القبضة الإيرانية، سيؤدي لا محال إلى انكفاء إيران، أو توقفها عن تفعيل مشروعها السياسي في المنطقة العربية، إذ لم يكن في حسبان النظام الإيراني أن ينتفض شيعة العراق بشكل عارم وقوي ضد العملية السياسية، التي استشرت فيها الطائفية والفساد والتخلف والقهر... إلخ. والصدمة بالنسبة إلى (المرشد الإيراني) علي خامنئي وبقية أقطاب إيران، أن العمود الفقري لهذا الحراك الشعبي هم الجيل الصاعد من الشباب، الذين يريدون وطنهم ومستقبلهم، متحررين من قيود الطائفية ورافضين للأحزاب الدينية السياسية. كما أن أهداف الشباب في التظاهرات والاحتجاجات جاءت لتكملة نهج المقاومة العراقية، بإسقاط العملية السياسية لكن بطريقة سلمية.

وبما أن النظام الإيراني يتغلف سطحياً بالإسلام، ويوظف المذهب الشيعي لغايات تصب في صالحه ومصالحه فقط، لذلك لم يتوان عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، إذ تحركت المجموعات المسلحة المرتبطة به، من العصائب والنجباء وبدر وغيرهم، وأردوا أكثر من 330 ضحية وتسببوا بسقوط 12 ألف جريح، إلى حين كتابة هذه السطور. ومع استمرار الانتفاضة الشعبيَّة وتلاحم شرائح المجتمع العراقي فيها، زادت إيران وتيرة العنف، ظناً منها أنها ستخمد جذوة الشباب، وترهبهم وتروعهم بكثرة بشاعة القتل، لا سيما في تفجير الجماجم بطلقات غازية مخصصة للاستخدام العسكري.

عندما تقوم إيران بقتل الشيعة العرب المنتفضين في العراق، بذريعة ارتباطات خارجية تحركهم من أميركا وبريطانيا، كما فعلت بالأمس القريب مع العرب السُّنة، بحجة أنهم دواعش أو بعثيين، فإنها تبرهن على نحو قاطع، أن أي خطورة فعليَّة تفكك من قبضتهم على السلطة، فإن المسلك الدموي هو السبيل الوحيد لفرض السيطرة والسطوة الإيرانية.

وعلى الرغم من أن السلوكية القاتلة هي حقيقة العقيدة الفارسيَّة في شؤون الحكم، إلا أنهم كشفوا أنفسهم بكل وضوح، إذ إن التظاهر بالالتزام المذهبي، غايته خدعة الشيعة العرب، واستخدامهم كجسر للوصول إلى سدة الحكم، ليتحكموا فيهم وفي أوطانهم، لمآرب وأهداف لا صلة لها بوحدة المذهب، بل تخدم وترسخ الوجود الإيراني السلطوي. كما كُتب على إحدى لافتات ساحة التحرير في بغداد، "يزيد قتل الحسين في العراق، وخامنئي قتل الشيعة في العراق".

عندما استخدم رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي (2006-2014)، القوة العسكرية بمهاجمة المرجع العراقي العربي آية الله محمود الصرخي الحسني (1964)، في الأول من يوليو (تموز) 2014، وقتل اتباعه وسحل أجسادهم في شوارع كربلاء، شكّل ذلك سابقةً، إذ لم يتجرأ أي حاكم في التاريخ السياسي العراقي الحديث، على هذا الفعل المشين، لكن المالكي فعلها. وهذه من سلوكيات إيران الدمويَّة، خصوصاً أن الصرخي دحض فتوى السيستاني في "الجهاد الكفائي"، لأنها ستؤدي إلى قتل المدنيين الأبرياء. وهكذا اليوم، تقوم إيران وموالوها بقتل شيعة العراق المنتفضين، من دون اكتراث إلى المذهب أو الإسلام.

بيد أن انتفاضة الشباب العراقي بشكل عام، الذين يرومون وجودهم حاضراً ومستقبلاً، وسيادة وطنهم سابقاً ولاحقاً، فإنها ستنهي المشروع الإيراني في أرض الرافدين، كما كانت نهايات إيران دوماً في العراق.

المزيد من آراء