Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلخال... رنة خطوات القدم إلى القلوب

لبس السومريون الخلاخيل وكانت قيمتها تدل على المكانة الاجتماعية

الخلخال رمز الأنوثة الأكثر إثارة (غيتي)

اعتادت أمي أن تقول إنني أملك ذوق الغجر. كنت في صغري أعتبر الأمر شتيمة، إلى أن بدأت ملامح الغجر تكشف عن نفسها في رأسي وقلبي معاً، من أفكار الحرية واللامكان والبراري والخيام إلى الثياب الملونة والإكسسوارات الصاخبة، فأصبح الاتهام جميلاً وصفتي المحببة. وجاء بعدها شغفي بالخلخال.

يكاد يكون الخلخال من أول حواراتنا غير الجدية عندما تعرفت على الرجل الذي صار حبيبي وزوجي لاحقاً.

لا، لم يكن ذلك الرجل المفرط بالجدية يحاول أن يتغزل بي، بل كان حواراً وتحدّياً عبر الرسائل الإلكترونية عن تفكير الرجل والمرأة في بلادنا. كنت أحاول جهدي أن أستعيد الصورة النمطية عن أن الرجال العرب كلهم متشابهون، وقلت حينها في رسائل عدّة ما يلي:

"لست أغريك يا رجل، فأنا أعلم جيداً أنني أستطيع إغراء رجل عربي ... بخلخالي! وليس بقلمي وتدفق الحبر في شراييني".

***

... "وتعتقد أنك تغيظني وتحطّ من قدر خلخالي!"، لماذا تستفزني لاستعمال أنوثتي المغرورة الشرسة معك؟

أتهوى لعبة المسافات؟ أم التحدي؟

***

"مشكلتك أن مفهومك للإغراء عنوانه "جسد"

ولأنني أفهم الإغراء مسألة أخرى

أفتخر أنني مغرية

أريد أن أخاطب عقل رجل

ولكن أسمع صدى خلخالي يتردد

في أجساد رجال فارغة".

ليرد عليّ في رسائل عدّة أيضاً:

"لماذا... تزعمين استعباد الرجال بخلخال"

***

"كيف يكون مفهومي للإغراء جسداً

وأنا أحدثك عن سحر العقل وجاذبية الفكر

وكيف يكون مفهومك للإغراء مسألة أخرى

وأنت تحدثينني عن خلخال قدم"

***

"ببساطة يمكن الملاحظة

أن مفهومي للإغراء يتطلع

إلى أعلى الجسد ومضامينه

ومفهومك للإغراء يبدأ من أسفله وزينته"

***

"نعم أهوى التحدي

فلا مخالبك تخيفني

ولا خلخالك يغريني"

***

لتبدأ بعدها لعبة التحديات واللعب على الكلام والأعصاب...

ولكن في المحصّلة اعترف لاحقاً أن خلخالي كان يغريه وقلمي أيضاً!

ولكن... هل الخلخال مجرد زينة؟

أشعر أحياناً أنه كائن له حيّزه ومزاجه وموسيقاه. هو صوت يخرج من أسفل القدم ويرّن في الآذان، هو صوت القدم الآخر بعد صوت الخطوة، وقادر ربما على تحريك خيال سامعه.

الخلخال بنظر الرجل

"رنَّتْ بأُذني رنَّةُ الخلخالِ

وبلفتةٍ منّي رأيتُ غزالي

تمشي الهوينى والنجومُ توابعٌ

بدرٌ أرادَ الزهو بعد كمالِ

غيداءُ تخطو والرنينُ يزفُها

وَقْعٌ يميّزُ مَشْيَ ذات الخالِ"

هكذا وصف الشاعر عبد الرزاق أمين صوت الخلخال. وقال الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم

"وتبسمتْ، حتى أقول تبسمتْ

وتمايلتْ، فترنّم الخلخالُ

فكأنما الخلخال أحدثَ ضجّة

في خافقي وكأنها الزلزالُ"

فماذا يفعل صوت الخلخال في قلوب الرجال؟ هذا ما قالوه لـ"اندبندنت عربية".

يعتبر الرسام سعد شيبان أن الخلخال رمز الأنوثة الأكثر إثارة. ويقول "وُجد الخلخال منذ آلاف السنين ووضعته النساء في مختلف الثقافات ليضفي لمسة أنثوية على مَن تلبسه. وكانت النساء الراقيات يفضلن الخلخال الناعم، أما الغانيات وبعض الجواري، فيلبسن النوع الأكبر الذي تتدلى منه قطع معدنية ليصدر أصواتاً عند المشي ورنّة جميلة للفت انتباه وأنظار الرجال إليها".

الشاعر أدونيس الخطيب يقول إن الخلخال يمثّل بالنسبة إليه المرأة التي تعشق تفاصيل صغيرة لها وقع كبير، "لأنه من أكثر الإكسسوارات النسائية ذات الوقع الحميم والغامض والمباغت، وهو وسيط يقدم رسائل شعورية متنوعة من خلال الإشارة إلى جمال رجل وأصابع المرأة... وأنا أفضل النوعين الكبير والصغير بحسب المناسبة وبحسب اللباس... ولكن لا أفضل أن يكون له صوتاً كي لا يفصح خطوات المرأة... فأنا اعتبر أن صوته يجب أن يُسمَع بحاسة النظر فحسب".

أما السيد رالف ماضي، فيقول إن الخلخال لا يعني له الكثير، فهو "مجرد قطعة من الإكسسوارات النسائية، ولكن إذا خُيّرتُ بين الناعم أو الكبير، فطبعاً أرى أن الناعم يتناسب أكثر مع المرأة... ولا أحب أن يكون له رنين أبداً... وأفضل أن يكون لونه أبيض ومنقط وليس ملوناً".

في المقابل، يؤكد السيد غابي ناضر أنه يحب الخلخال كثيراً، فهو يذكّره بالمرأة الغجرية. وهو "أفضل الإكسسوارات النسائية التي أحب أن أراها على المرأة... وأفضله مصنوعاً من الخرز الناعم وله صوت خفيف، فهكذا أجده مثيراً، وهو يوحي لي بالمرأة المنفتحة".

الخلخال والمكانة الاجتماعية

لبس السومريون الخلاخيل وكانت قيمتها تدل على المكانة الاجتماعية وثراء السيدة.

ووجدت نقوش عدّة للخلخال في الآثار الفرعونية محفورة على الجدران والتوابيت. ويحفل المتحف المصري بعدد من الخلاخيل والأساور الرائعة المنقوشة بالتمائم والألقاب الملكية، إذ لبست أميرات القصور في زمن المصريين القدماء الخلخال في القدم أسوة بلبس الأساور في معصم وزند اليد. وكان الخلخال واحداً من أهم أدوات الزينة الفرعونية، مصنوعاً من الذهب والفضة والأحجار الكريمة للأميرات، متميّزاً عن خلخال عامة النساء من الشعب، المصنوع من معادن أقل كلفة مثل النحاس أو البرونز أو الحديد. وبعض أنواع الخلاخيل، كانت للنساء اللواتي يمتهنَّ الدعارة للتعريف بهن ببساطة.

وكان الرجال في ذلك الزمن يلبسون الخلخال المصنوع من الخشب أو العاج، ويحتوي على رأسين أحدهما رأس ثعبان والثاني رأس أسد.

في مصر أيضاً، كانت الأم التي يولد لها أبناء ويموتون، تتسوّل قطع نقود وتصنع منها خلخالاً تضعه في قدم صغيرها ليحفظ حياته، وهذه من العادات الشعبية التي ما زالت قائمة في بعض الأرياف.

ويعتقد بحسب بعض الدراسات التاريخية أن الخلخال انتقل من مصر إلى بلاد فارس والهند وآسيا عن طريق التجار، وانتشر في الهند لدرجة أن هدية العريس لعروسه يوم الزفاف تكون خلخالاً، ويكون ثمن أو قيمة هذا الخلخال الدليل الأكبر على كرم العريس ووضعه المادي. وكان يُظن أن صوت الخلاخيل يبعد الأفاعي ويخيفها.

أما بالنسبة للقبائل العربية القديمة قبل الإسلام، فكانت الفتيات لا يلبسن الخلخال إلاّ عندما يصبحن في سن الزواج كإعلان واضح عن بحثهن عن عريس. ويبدو أن الرجال حينها كانوا يكثرون من النظر إلى أقدام الفتيات ليعرفن من منهن جاهزة للزواج. وبالتالي، يكون صوت الخلخال جرس بداية للحياة الزوجية لدى الفتاة.

وكانت السيدات يربطن خيوط القصب حول الكاحل، إذا لم يستطعن الحصول على خلخال معدني أو ذهبي.

في عصرنا الحالي، دخل الخلخال عالم الموضة العصرية، خصوصاً في السبعينيات، بعدما خرج من عباءة الإكسسوارات والحلي التقليدية واستعملته الراقصات الشرقيات للزينة والصوت.

أنواع ودلالات

اعتبر البعض أن الخلخال إذا لُبس في القدم اليمنى، فإنه يدل على ميول جنسية مثلية أو أن التي تضعه غانية. ومن يلبسنه في اليسرى هن الزوجات والسيدات المحترمات. وقد اعتُمد هذا الإتيكيت إلى أن جاء مَن عبث بالفكرة وصار لبس الخلخال كالسوار، يُلبس بحسب مزاج صاحبته من دون دلالات.

والخلاخيل أنواع عدّة، منها ذات الخيطان الملونة المحبوكة والفضية والذهبية، التي تحتوي الأحجار الكريمة، والتي تتدلى منها أشكال نقود معدنية وأجراس صغيرة. ومنها الناعم والبسيط والهادئ الذي يلفت النظر بإغرائه الرصين، ومنها المزركش والصاخب الذي يدعو إلى الرقص والحركة.

اعتُبر الخلخال رمزاً للعبودية عندما أُلبس للجواري لتزيين الكاحل، أو للمتزوجة ليسمع زوجها خطاها ويراقبها أينما ذهبت، لكني أجد أنه لو كان كذلك لكان كبّل القدمين، إنّه تعبير صارخ عن المشي بحرية وإيقاع صاخب.

واعتُبر رمزاً للأنوثة والإثارة، يحضن الكاحل ويجعله مثيراً، كأنه يتواطأ مع القدم منافساً أماكن الزينة الأخرى.

ولكن أليس ما يتدلّى من العنق إلى الصدر ملامساً حيناً، وخجِلاً حيناً ومتمادياً أحياناً رمزاً مثيراً بصراحة مباشرة؟ أليس الخلخال أذكى في إيحاءاته؟

تقول أغنية فيروز "حبيت ما حبيت"، "رايحة جايي بالبيت طاوشني خلخالي"... أسمَعَت فيروز ضجرها في صوت خلخالها بكلمة واحدة.

أظن الخلخال أحياناً وحدة قياس لصاحبته. ففي حركته ورنينه، تعرف إن كانت سيدته بليدة أو متدفقة أو ضجرة أو مستعجلة أو هادئة أو مدعية أو منطلقة.

المزيد من تحقيقات ومطولات