Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان والعراق وسوريا… أزمات نظام وتسويات سلطة

التسويات السياسية المحلية في بيروت وبغداد معروفة لكنها صعبة وفي دمشق هي الأصعب

مدينة إدلب السورية بعد قصفها من قبل طيران النظام السوري في 4 نوفمبر 2019 (غيتي)

كما في سوريا كذلك في لبنان والعراق: أزمة نظام عميقة على سطحها أزمات سياسية ومالية واقتصادية. أزمة سوريا قادت إلى ثورة شعبية سلمية صارت حرباً داخلية وخارجية. أزمة كل من لبنان والعراق أدت إلى ثورة شعبية سلمية يُرجى ألا تصير حرباً تأكل الثورة وتزيد من خطورة الأزمة والتدخل الخارجي فيها. وكل من يسأل: لبنان إلى أين، والعراق إلى أين، يجد نفسه يعود إلى سؤال: سوريا إلى أين؟ إلى أين في اللعبة الداخلية التي عنوانها إعادة تكوين السلطة؟ وإلى أين في اللعبة الخارجية التي عنوانها الصراع الجيوسياسي وتركيز مراكز النفوذ؟ وإذا كان الصوت الصارخ في لبنان والعراق هو الرغبة في التخلص من "الأجندات" الخارجية المحصورة بطرفين إيراني وأميركي، فإن سوريا أسيرة أربعة جيوش أجنبية على أرضها: روسي وإيراني وأميركي وتركي. وإذا كانت التسويات السياسية المحلية في لبنان والعراق معروفة لكنها صعبة، فإنها في سوريا أصعب مع أنها محددة بقرارات في مجلس الأمن الدولية.

هكذا بدت الصورة في جنيف حيث بدأت أعمال اللجنة الدستورية لإعداد دستور سوري بإشراف الموفد الدولي غير بيدرسون الذي عمل للإتفاق عليها واعتبرها "باب التسوية السياسية". فالرجل المتفائل بحذر لم يكتم القول لمجلس الأمن "إن الهدف من اللجنة الدستورية هو التوصل إلى عقد اجتماعي جديد يساعد في إصلاح بلد محطم، وليس ذلك سهلاً". ولا منعته الدبلوماسية من توصيف الوضع كما هو: "عنف وإرهاب وانتشار جيوش دولية ومعاناة. وانتهاكات مروعة ومجتمع منقسم ويأس داخل البلاد وخارجها". وأقل ما يصاحب أعمال اللجنة الدستورية هو ثلاثة أسئلة: من يحاور من؟ ما هي مرجعية المباحثات الدستورية والسياسية؟ وهل انتهت الحرب؟

اللجنة الدستورية تتألف، في الشكل، من ثلاثة وفود: ممثلو النظام، ممثلو المعارضة، وممثلو المجتمع المدني. لكن الرئيس بشار الأسد ألغى عملياً الطرف الآخر في الحوار الذي سلّم به بضغط من الروس. إذ قال "إن المعارضين يمثلون أميركا وتركيا، وبعضهم يمثل الإرهابيين". والمرجعية التي هي "بيان جنيف" لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2254 سقطت على الطريق. فما كان "مسار حنيف" صار "مسار آستانا" الذي أصبح "مسار سوتشي". وما كانت شراكة أميركية - روسية في ترتيب التسوية صارت انفراداً روسياً مع "ضيفي شرف" هما إيران وتركيا. وها هو الرئيس بشار الأسد يقول "إن كل ما يحصل جزء من سوتشي ومرجعية سوتشي. تمثيل الأمم المتحدة يعطي بعداً ضرورياً، لكن هذا لا يعني أن تدخل جنيف على سوتشي، جنيف غير موجودة. عدنا إلى جنيف جغرافياً، أما سياسياً فنحن في سوتشي". وهو رفض الإشراف الدولي على الانتخابات بحسب القرارات الدولية، قائلاً "لا إشراف على الانتخابات إلا للدولة السورية".

أما نهاية الحرب، فإنها محل أخذ ورد. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن "أن الحرب في سوريا انتهت بالمعنى الفعلي". والرئيس فلاديمير بوتين خفف الأمر بالقول "إن الأعمال القتالية الواسعة النطاق انتهت بالفعل". لكن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ. الحرب على تنظيم "داعش" لم تنتهِ بإخراج "دولة الخلافة" الداعشية من الجغرافيا ثم بقتل أبو بكر البغدادي. والغزو العسكري التركي لشمال سوريا ثم لشرق الفرات بتفاهمات مع كل من الرئيس دونالد ترمب وبوتين هو فصل جديد في الحرب. وأدلب لا تزال تحت سلطة الإرهابيين التكفيريين. وماذا عن مئات الألوف بين معتقل وقتيل وجريح؟ ماذا عن الأزمة التي هي الأساس وعن أربعة جيوش وعدة ميليشيات على أرض سوريا؟

الواقع منذ بداية الحرب أن هناك معادلة ثابتة: كل الكلام على الحل السياسي وكل الفعل للحل العسكري. لا من طرف واحد بل من الطرفين معاً. فالمعارضة التي حاولت إسقاط النظام بالقوة فشلت سلفاً لمجرد الاندفاع في "عسكرة الثورة" قبل الحديث عن تخلي الدول الداعمة لها عن استمرار الدعم. والنظام خسر نحو 80 في المئة من الأرض وكاد يخسر كل شيء لولا الدعم الإيراني ثم التدخل الروسي المباشر والذي ساهم في استعادة 60 في المئة من الأرض. موسكو لم تكتم القول إنه "لولا تدخلنا لكان البغدادي خليفة في دمشق". والوزير لافروف أعاد التذكير بأن "النظام كان سيسقط خلال الأسبوعين لولا روسيا". أمّا وزير الدفاع سيرغي شويغو، فإنه اعترف بأنه "في سوريا كان علينا أن نتعلم كيف نحارب بطريقة مختلفة. اختبرنا 300 طراز من الأسلحة، طوّرنا بعضها وتخلينا عن 12 طرازاً ثبت فشلها بعدما كانت واعدة في التجارب".

لكن موسكو التي ربحت الكثير من خلال التدخل العسكري المباشر في سوريا، تحتاج إلى إنجاز تسوية سياسية وإلا خسرت معظم ما ربحته. فالرئيس بوتين يعترف بأنه "لا يمكن تحقيق حل نهائي من خلال العملية العسكرية مهما تكن نتائجها، ويجب العمل الآن على مسائل التسوية السياسية". ولا تسوية، وإن كان روسيا تدير اللعبة، من دون إرضاء اللاعبين الداخليين ولو ضعفوا مثل المعارضة، واللاعبين الخارجيين ولو صاروا خارج المعادلة مثل أميركا بعد الانسحاب بقرار من ترمب.

واللعبة أكبر بالطبع من "متاهة" اللجنة الدستورية، ومما يدور على السطح في لبنان والعراق.

المزيد من آراء