Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد العالمي يتجه نحو حافة الركود... هل تتكرر أزمة 2008؟

بلومبيرغ: جميع المؤشرات تؤكد أن الأسواق العالمية تقترب من تحول سلبي

متعاملون في بورصة وول ستريت بنيويورك (رويترز)

الأزمة تقترب بالفعل، ودخول الاقتصاد العالمي في ركود وشيك سوف يصبح أمراً واقعاً خلال الفترة المقبلة. هذا ما تؤكده مجموعة من المؤشرات والأزمات التي لم يتمكن الاقتصاد العالمي من التخلص منها حتى الآن.

وربما بداية الأزمة انطلقت بالفعل من الولايات المتحدة الأميركية التي تحولت مع تحركات الرئيس دونالد ترمب إلى أكبر مصدر للأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم في الوقت الحالي، لكن أزمات وحروب التجارة التي يشعلها ترمب ربما هي "القشة التي قصمت ظهر البعير".

الغريب أن الرئيس الأميركي هو أول من أشعل فتيل الحروب التجارية ويواصل فرض الرسوم التي لا تتحملها اقتصاديات الدول، ولكنه في الوقت نفسه يتجاهل تماماً الحديث والتحذيرات المستمرة التي تشير إلى أن الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية بالفعل، وأن التباطؤ الاقتصادي بدأ بالفعل، فهل يقصد ترمب أن يضع اقتصاد العالم على حافة الهاوية ويشهد العالم أزمة لا تقل عن الأزمة التي ضربته في عام 2008؟

الأزمة تنطلق من السوق الأميركية

جميع المؤشرات تؤكد أن الازمة سوف تنطلق من الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما تؤكده بالفعل البيانات الرسمية التي تظهر تراجعاً كبيراً في عدد من المؤشرات الأميركية.

فمع تراجع معدل البطالة الأميركي لأدنى مستوى في 50 عاما، قد يبدو من المحتمل أن يسهم المستهلك الأمريكي في تعويض آثار تداعي الاقتصاد، لكن لا تراهن على ذلك. لكن وفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، فإنه من الواضح أن الاقتصاد الأوسع نطاقاً ليس ضعيفاً فقط إنما هو مستمر في ضعفه هذا، حيث انعكس منحنى العائد على السندات، وانخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لآجل 10 سنوات إلى مستوى أقل من نظيره على السندات ذات العائد لمدة عامين.

وفي كل مرة انعكس فيها العائد على السندات في عصر ما بعد الحرب العالمية، كان الركود الاقتصادي هو الأمر التالي مباشرة، ولا يوجد أي استثناءات في تلك الحالة. وفي وقت سابق، قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، إنه كلما انخفضت معدلات الفائدة الحقيقية في وقت انعكاس منحنى العائد كلما طالت فترات ركود الاقتصاد وقفز معدل البطالة.

والعائد الحقيقي على سندات الخزانة الأميركية (العائد – التضخم) لآجل 10 سنوات عند -0.13%، وهو مستوى أقل من 2.2% التي سبقت الركود الاقتصادي الكبير من 2007 وحتى 2009 وهي الفترة التي شهدت انطلاق الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

انكماش مؤشر مديري المشتريات الصناعي

البيانات الرسمية تشير إلى انكماش مؤشر مديري المشتريات الصناعي في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي وسجل 47.8 نقطة، وعلى الرغم أن التشغيل في القطاع الصناعي يسهم بنحو 8.5% من إجمالي الناتج المحلي ولكن بإضافة قطاعات النقل والتخزين والتجزئة فإن إجمالي المساهمة ترتفع عند 30%.

وخلال الشهر الماضي هبطت وظائف قطاع التصنيع بمقدار ألفي وظيفة مقارنة بمتوسط المكاسب الشهرية عند 10 آلاف وظيفة في العام الماضي. وتراجع مؤشر مديري المشتريات الخدمي في الولايات المتحدة لأدنى مستوى في 3 سنوات في الشهر الماضي.

تقرير "لبومبيرغ"، أشار إلى أن البيانات التي جمعها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وكليفلاند إلى أن احتمالية ركود الاقتصاد عند مستويات تتسق بالفعل مع الدورة الهبوطية، كما انخفض مسح التوقعات الاقتصادية للرؤساء التنفيذيين لـ"بيزنس راوند تيبول" من مستوى 118.6 نقطة في الربع الأول من 2018 إلى مستوى 79.2 نقطة في الربع الثالث الماضي.

وخلال الشهرين الماضيين تراجع الإنتاج الصناعي، كما أن الإنفاق الرأسمالي يتراجع بسبب عدم اليقين الناتج عن الحرب التجارية، فضلاً عن القدرة الإنتاجية الزائدة.

ووفقاً للتقرير، توقع محللو "وول ستريت" منذ عام مضى أن ترتفع الأرباح التشغيلية لشركات مؤشر "ستاندرد آند بورز" بنحو 10% خلال العام الحالي، ولكنهم يتطلعون الآن إلى نمو 1.9%، إلى جانب توقعات بانخفاض الأرباح بنحو 4.1% في الربع الثالث الماضي.

كما يتم التخلص من السندات ذات التصنيف الائتماني غير الاستثماري (الخردة)، ما دفع فروق العائد على سندات الشركات ذات تنصيف الائتماني "سي.سي.سي" إلى مستوى 10.7% مقارنة بمستوى 6.7% في بداية العام الماضي، ما ينبأ بضعف الأرباح. وأيضاً يتواصل مسلسل تخارج المستثمرين من الشركات التي لا تحقق مبيعات قوية مثل "أوبر" و"وي ورك" وغيرها.

ويمثل إنفاق المستهلك الحقيقي نحو 70% من حجم الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة، وسجل تراجعاً في 7 فترات ركود من أصل 13 ركودا اقتصاديا حدث في أعقاب الحرب، بينما ارتفع 6 منها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أي تباطؤ في نمو إنفاق الأسر بالتزامن مع ضعف الإنفاق الرأسمالي والإسكان والتجارة الخارجية سيدفع الاقتصاد نحو التراجع.

تباطؤ قوي في معدلات التوظيف والأجور

على صعيد التوظيف والبطالة، فإن نمو الوظائف بدأ يتباطأ خلال الأشهر الستة الماضية مع متوسط نمو الوظائف الجديدة شهرياً عند 154 ألف وظيفة، مقارنة بمستوى 204 ألف وظيفة في الأشهر الستة السابقة لها.

كما أن متوسط نمو الأجور في الساعة تباطأ من مستوى 3.2% في العام المنتهي في أغسطس (آب) الماضي إلى مستوى 2.9% في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ومن الممكن أن يكون لتوقعات وثقة المستهلك تأثيرات كبيرة على مستقبل الإنفاق، وانخفضت كل من استطلاعات جامعة ميشيغان ومجلس المؤتمرات في الأشهر الأخيرة، وبالتالي الآن انضم أخرون للتحذير من احتمالية الدخول في ركود اقتصادي قريباً.

إنفاق الأسر الأميركية في تراجع مستمر

على صعيد التضخم، أظهر مسح حديث لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، انخفاضاً في توقعات المستهلك للتضخم، ويخشى البنك المركزي الأميركي أن تتوقف الأسر عن الإنفاق توقعاً لحدوث مزيد من هبوط الأسعار.

كما أظهر مسح جامعة ميشيغان انخفاضاً مستمراً في تقييم الأسر لظروف شراء السيارات والمنازل، كما وجد المسح أيضاً أنه اعتبارا من يوليو (تموز) الماضي، فقد توقع 59% من المشاركين أن تنخفض أسعار الفائدة على مدار الـ12 شهر المقبلة مقارنة بنحو 22% في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018.

وهبوط معدلات الفائدة وتوقع المزيد منه مستقبلاً يشجعان الناس على تأجيل الإنفاق وزيادة الادخار، من أجل الوفاء بأهداف التقاعد وغيرها من الالتزامات.

والاستقطاب المستمر للدخل والأصول يعني أيضاً المزيد من الأموال للأثرياء، الذين يمثلون جميع مدخرات الأسر تقريباً، ودخل أقل بالنسبة للمستهلكين من ذوي الدخل المنخفض. وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع إجمالي معدل ادخار الأسر من 1.9% في عام 2005 إلى أكثر من 8% في أغسطس (آب) الماضي، وسوف يستمر بلا شك في الارتفاع.

وهناك حوالي 28% من الأميركيين ليس لديهم احتياطيات مالية، مع وجود 18% فقط يمكنهم تغطية ستة أشهر أو أكثر من النفقات.

تقرير "بلومبيرغ" أشار إلى أن ارتفاع قروض السيارات والطلاب وبطاقات الائتمان يضغط على المستهلك لكبح الإنفاق، وقفز إجمالي قروض الأسر من 65% من الدخل بعد الضرائب في بداية الثمانينيات حتى 133% في 2007، وخفضت عمليات سداد وشطب قروض الرهن العقار نسبة تلك الديون ولكن فقط إلى مستوى 90%.

ومن المحتمل أن تعود الديون إلى معاييرها طويلة الأجل خصوصا أن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية مجبر على الادخار إذا كان لا يريد الاستمرار في العمل لفترة طويلة بعد سن التقاعد.

وبالتالي فإن الضعف الظاهر في قطاعات التوظيف وإنفاق المستهلكين في الأشهر المقبلة مع ظهور العوامل المؤيدة لقرب حدوث الركود الاقتصادي، فمن المؤكد أن يتحول الركود الأميركي إلى ركود يضرب اقتصاد العالم خلال الفترة المقبلة.

تداعيات الحروب التجارية تطال اقتصاديات كثيرة

في ملف الحروب التجارية التي يشعلها الرئيس الأميركي، فقد اتسع نطاقها لتمتد آثارها من خلجان أيسلندا إلى مصانع السيارات في اليابان.

وقبل أيام، تبادل محافظو البنوك المركزية ووزراء المالية حكايات كئيبة عن المعاناة الاقتصادية في اجتماعات فصل الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن هذا الأسبوع. كما أشار البعض إلى مدى تغير السياسة الأميركية عنها في أربعينيات القرن العشرين عندما شاركت واشنطن نفسها في تأسيس الصندوق.

وقال ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، إن الاقتصاد العالمي في ذلك الوقت كان قد تعرض لأزمات حادة على مدى عقد من الزمان جراء الحواجز الجمركية العالية والركود والحرب، ما دفع وزير الخزانة الأميركي آنذاك هنري مورجينثو للدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي.

وأضاف أن الرسالة الأميركية في ذلك الوقت كانت "أولا، لا حدود للازدهار. وثانيا، الازدهار المشترك بصفة عامة يفيد الجميع".

وقالت كريستالينا جورجيفا، العضو المنتدب للصندوق، إنه مع اقتراب اجتماعات الصندوق التي شاركت فيها دوله الأعضاء وعددها 189 دولة من نهايتها بدأت الآثار السلبية غير المقصودة للحروب التجارية تتضح. "فالكل خاسر" على حد قولها.

وقبل 15 شهرا بدأت الولايات المتحدة أكبر مستورد في العالم حربا مريرة بفرض رسوم على منتجات مستوردة من الصين أكبر دولة مصدرة في العالم. كما عمد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إعادة التفاوض على علاقات تجارية مع أطراف كثيرة من كبار شركاء واشنطن التجاريين بل وقلب بعض الاتفاقات رأسا على عقب.

وقدر صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن تداعيات هذا النهج ستبطئ وتيرة النمو العالمي في 2019 إلى 3% ليسجل أقل معدلاته منذ عشر سنوات. وهذه المعاناة ليست موزعة بالتساوي. فلا تزال الولايات المتحدة هي الأقل عرضة بين الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم لانخفاض الصادرات لأسباب منها قاعدة الانفاق الاستهلاكي الهائلة في السوق المحلية.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد