Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قاعدة روسية في أفريقيا الوسطى... هل يعيد بوتين أمجاد السوفييت بالقارة السمراء؟

"قمة سوتشي" تحيي آمال القيصر في توسيع نفوذ بلاده... والإمكانات الاقتصادية تحد من منافسة الغرب وبكين

"نجحت القمةُ في فتح صفحةٍ جديدةٍ من العلاقات بين روسيا وأفريقيا، إذ تخللها لقاءات مهنيَّة ووديَّة لكي لا نقول حارة"، هكذا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ختام قمة سوتشي (الروسيَّة – الأفريقيَّة)، الأولى من نوعها، بعد أن ابتعدت عنها بلاده بُعيد تفكك الاتحاد السوفييتي، لتعيد تموضع نفسها في القارة السمراء وسط منافسة شديدة مع النفوذَين الصيني والغربي الطاغي فيها.

ففي قمة سوتشي، التي شارك فيها كل الدول الأفريقيَّة الـ54، مثَّل 43 منها برؤسائها أو رؤساء حكوماتها، انعكس تنامي طموح القيصر الروسي في "مدّ نفوذ بلاده سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في القارة السمراء"، لتتجلى سريعاً أولى ثمارها مع إعلان رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أرشانج تواديرا أن بلاده "تفكّر في استضافة قاعدة عسكريَّة روسيَّة"، ما يعني أن روسيا بصدد امتلاك موطئ قدم عسكري أول في تلك القارة التي "تعد محط مطامع" للقوى الدوليَّة.

ووفق مراقبين، فإن الرؤيَّة الروسيَّة التي تجلَّت وفق إعلان الكرملين في قمة سوتشي، عبر إظهار أن لديها الكثير لتقدّمه للدول الأفريقيَّة، تعكس مدى "حرص بوتين على العمل لاستعاد نفوذ بلاده السوفييتي"، مزاحماً في ذلك "معاقل الوجود الغربي بالقارة"، لكن يبقى الرهان الأخير في هذا التحرك على الإمكانات الاقتصاديَّة المحدودة لبلاده في مقابل منافسيه الغربيين والصينيين.

قاعدة عسكريَّة في قلب القارة
غداة انتهاء القمة الروسيَّة الأفريقيَّة، أعلن رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أرشانج تواديرا أن بلاده "تفكّر في استضافة قاعدة عسكريَّة روسيَّة"، وتودّ من موسكو أن "تمدها بأسلحة جديدة".

ووفق ما نقلته وكالة "سبوتنيك"، فإن "وزارة الدفاع في بانغي تواصل العمل مع وزارة الدفاع الروسيَّة على هذه المسألة، من أجل دراسة الإمكانيات".

وجاءت تصريحات رئيس أفريقيا الوسطى بعد أشهر من توقيعه مع نظيره الروسي بوتين في أبريل (نيسان) الماضي، مرسوماً أرسلت موسكو بموجبه نحو 30 عسكرياً إلى بلاده، ضمن بعثة أمميَّة، للمساعدة في تحقيق الاستقرار بهذه البلاد. وبموجب القرار شمل الفريق الروسي مراقبين عسكريين وضباطاً في الجيش ومتخصصين في مجال الاتصالات العسكريَّة.

إلا أن تطوّر العلاقات العسكريَّة بين موسكو وبانغي في الدولة الأفريقيَّة التي تحتضن قاعدة فرنسيَّة، وتشهد منذ أواخر العام 2013 تدهوراً في الأوضاع على وقع مصادمات واشتباكات مسلّحة بين مسلحي حركة "سيليكا" الإسلاميَّة والجماعات المسيحيَّة المعارضة، شهدت تطوراً لافتاً في شهر أغسطس (آب) الماضي بعد توقيع حكومة البلدين "عقداً لتطوير علاقاتهما العسكريَّة".

ووفق صحيفة "التايمز" البريطانيَّة، فإن روسيا "باشرت عودتها إلى الساحة الأفريقيَّة في مطلع 2018 مع إرسالها أسلحة وعشرات المستشارين العسكريين" إلى أفريقيا الوسطى، الدولة التي كانت في ذلك الحين تحت النفوذ الفرنسي.

 

ووقّع الكرملين منذ ذلك الحين عدة اتفاقات تعاون عسكري، وأُفيد عن وجود عناصر من مجموعة "فاغنر"، وهي شركة متهمة بإرسال مرتزقة، ويقال إنها ممولة من إيفغيني بريغوجين المقرب من بوتين، في دول أخرى مثل ليبيا وموزمبيق، وكذلك في السودان ومدغشقر.

وذكرت "التايمز"، أن الكرملين "يعزز العلاقات الأمنيَّة والاقتصاديَّة مع الدول الأفريقيَّة، بعد خفوت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي"، مضيفة "أفريقيا الوسطى تحتضن منذ أشهر متعهدين عسكريين يقومون بحمايَّة الشركات الروسيَّة التي تعمل في مناجم الذهب والماس واليورانيوم في البلاد".

وخلال الأشهر الأخيرة لم تكن أفريقيا الوسطى الدولة الأفريقيَّة الوحيدة التي تتحدّث مصادر روسيَّة عن عزمها بناء قواعد عسكريَّة بها. ففي فبراير (شباط) الماضي، نشر موقع "تسار غراد" الروسي تقريراً قال فيه، إن 3 دول أفريقيَّة، "أبدت استعدادها" لنشر قواعد عسكريَّة روسيَّة على أراضيها، رغم نفي بعض تلك الدول ذلك في أوقات سابقة.

وذكر الموقع، دون تحديد المصدر الذي استند إليه، أن "ليبيا والسودان ومصر طلبت قواعد عسكريَّة روسيَّة على أراضيها"، وهو ما اعتبرته مجلة "نيوزويك" الأميركيَّة أن الأمر "فكرةٌ متكررةٌ للامتداد العالمي للقوات الروسيَّة".

ووفق صحيفة "إزفيستسا" الروسيَّة، فإن موسكو تمتلك على الأقل 21 منشأة عسكريَّة خارج البلاد، أبرزها يتمركز في أرمينيا وطاجيكستان وبيلاروسيا وكازاخستان، إضافة إلى قيرغيزستان وسوريا وفيتنام.

هل ستتمكن موسكو من العودة؟
عشيَّة انطلاق قمة سوتشي الروسيَّة الأفريقيَّة، قال الرئيس الروسي في مقابلة بثّتها وكالة "تاس" الرسميَّة "إن بلاده بصدد إعداد وتنفيذ مشروعات استثمارية بمشاركات روسيَّة بمليارات الدولارات"، معرباً عن اعتقاده بأن قمة سوتشي ستكون مماثلة لـ"منتديات التعاون الصيني الأفريقي"، التي أتاحت منذ العام 2000 لبكين الارتقاء إلى مرتبة الشريك الأول للقارة.

وسعياً منه لإثبات التزام موسكو، ذكر الرئيس الروسي خلال المقابلة "التعاون العسكري والأمني" والمساعدة على مكافحة مرض إيبولا وإعداد "مسؤولين أفارقة" في الجامعات الروسيَّة، مؤكداً أن كل المشروعات التي تعرضها روسيا ستتم دون أي "تدخل سياسي أو غير سياسي".

وفي سياق حملة التقرب هذه، أكد المتحدث باسمه أن أفريقيا "قارة مهمة" تقيم موسكو معها "علاقات تقليديَّة تاريخيَّة وحميمة"، في إشارة إلى حقبة الاتحاد السوفييتي.

لكن الزمن الذي كانت فيه موسكو تبسط نفوذها في جميع أنحاء القارة ولّى، وفي تلك الفترة، احتلت موسكو مكانة مميزة في أفريقيا من خلال دعمها الحركات المطالبة بالاستقلال من الاستعمار.

 

واتجهت مستعمرات فرنسيَّة سابقة مثل مالي وغينيا نحو الاشتراكيَّة منذ الستينيات. ولاحقاً، أصبحت دول مثل موزمبيق التي يزين علمها الوطني كلاشنيكوف، وأنغولا وإثيوبيا "دولاً شقيقة" للاتحاد السوفييتي. أمَّا اليوم، فوحدها أنغولا برئاسة جواو لورنسو لا تزال في هذه الفئة من الدول.

واقتصرت المبادلات التجاريَّة بين روسيا والقارة الأفريقيَّة عام 2018 على 20 مليار دولار، أي أقل من نصف حجم المبادلات الأفريقيَّة مع فرنسا وعشر مرات أقل منها مع الصين. وتشكّل الأسلحة القسم الأكبر من الصادرات الروسيَّة إلى أفريقيا، وهو من المجالات النادرة التي تتفوّق فيها موسكو على سواها في هذه القارة.

وأوضح السفير الروسي السابق يفغيني كورندياسوف العضو في المعهد الروسي للدراسات الأفريقيَّة أن روسيا تريد اليوم "تركيز جهودها على المجالات التي تتمتع فيها بتفوق تنافسي"، ومن المجالات المطروحة أيضاً بهذا الصدد النووي والمحروقات والتعدين.

والواقع أنه بعد خمس سنوات من العقوبات الغربيَّة الشديدة، موسكو بحاجة إلى شركاء وأسواق لإخراج نموّها من الركود.

وفي ظل التوتر المتصاعد مع الدول الغربيَّة، مثَّلت قمة سوتشي مناسبة لموسكو لتثبت أنها قوة ذات نفوذ دولي، لا سيما بعد استعادة موقعها في الشرق الأوسط من خلال دورها في سوريا.

غير أن المراقبين يقللون من حجم النفوذ الروسي في القارة، موضحين أن روسيا تعتمد "نهجاً براغماتياً أكثر مما هو استراتيجي"، خصوصا أنها تصل إلى القارة "متأخرة جداً".

إلا أنه وحسب شارل روبرتسون الخبير الاقتصادي الرئيسي في شركة "رونيسانس كابيتال"،  فإن "روسيا لديها ميزة تنافسيَّة، كفاءاتها في الأسلحة والهيدروكربونات أفضل من كفاءة الصين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق روبرتسون، لم تصل موسكو "متأخرة كثيراً"، إفريقيا "ستستمرّ في النمو، نموّها سيكون الأسرع في العالم بحلول العام 2030. قالب الحلوى يكبر".

ومن العاصمة الجزائريَّة، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2006 عمليَّة العودة إلى القارة، مقترحاً شطب ديونها مقابل إبرام عقد تسلّح ضخم. ومنذاك، تمثل الجزائر 80% من مبيعات الأسلحة الروسيَّة إلى أفريقيا.

واستُخدم الأسلوب نفسه عام 2008 في ليبيا، عبر عقد سكك الحديد وطموحات في مجال النفط. لكن الحرب الدائرة حالياً شلّت هذه الاستثمارات.

بين عامي 2017 و2018، وقّعت روسيا أيضاً عدداً من اتفاقات بيع الأسلحة مع سلسلة دول أفريقيَّة. بناء على شراكات من نوع "الأمن مقابل منافع اقتصاديَّة"، حسب أرنو كاليكا من المعهد الفرنسي للعلاقات الدوليَّة.

ويوضح كاليكا أن الفكرة هي تقديم وسائل "للحفاظ على النظام"، مقابل عقود من خلال الاستفادة من "الكلل لدى بعض الجهات الفاعلة الرسميَّة إزاء المُقرض الصيني والعلاقة التجاريَّة مع الصين"، لأن التبعيَّة الماليَّة حيال بكين تثير القلق في عواصم أفريقيَّة عدة.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات