Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السترات الصفراء في طرابلس... حراس المدينة وسلمية الثورة

نجح المتطوعون في نشر الطمأنينة بين الناس

برزت النسخة اللبنانية من رجال السترات الصفراء في مدينة طرابلس (غيتي)

في ساحة النور الطرابلسية، برزت النسخة اللبنانية من رجال السترات الصفراء les jillets jaunes، وعلى مدى الأسبوع الأول من الحراك الشعبي، نجح المتطوعون في نشر الطمأنينة بين الناس، وتقديم نموذج جديد من التعبير بعيداً من تحطيم الأملاك العامة أو إحراق الإطارات الملوثة للبيئة. كما قدمت صورة عن المجتمع الطرابلسي المتنوّع، وترسيخ تسمية "حراس المدينة" في وجدان أبناء الثورة من كافة الأعمار.

لا يمكن اعتبار الحراس تجمّعاً طارئاً على العمل الميداني، لأن نواة التحرّك الذي يعمل على الأرض اليوم هي مجموعة من الشباب التي تمرّست في العمل المطلبي والتعبير عن وجع مدينة طرابلس سواء في الشارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن الحراك الشعبي الحالي فتح الباب أمام جذب عدد كبير من المتطوعين لتأمين الساحة.

على مدار 24 ساعة يحضر متطوعو السترات الصفراء في الساحة، ويقسمون أنفسهم على دورتي عمل. تدفع الحماسة بعض المتطوعين إلى البقاء على أرض الميدان لأكثر من 18 ساعة، حيث يجزم أحدهم أنه ورفاقه موجودون في الساحة من السادسة صباحاً إلى الثالثة فجراً.

من هم حراس المدينة؟

ما إن أطلت أزمة النفايات في عاصمة لبنان بيروت بشهر أغسطس (آب) 2015، استنفر أبناء مدينة طرابلس لمنع شاحنات النفايات المهرّبة من دخول مدينتهم. وحققت مجموعة الشباب المتطوعين نجاحات كبيرة، أقلّها عدم تحويل طرابلس وشمال لبنان إلى مكب على يد بعض الانتهازيين. ويؤكد أبو محمود شوك، قائد الميدان، أن الحراس قاموا بتأمين الساحة لنزول المواطنين مع عائلاتهم وأطفالهم، لأن الإحساس بالأمان هو عامل أساسي في نجاح العمل المطلبي ونزول الناس للمشاركة وكسر حاجز الخوف.

يبلغ العدد الحالي لحراس المدينة 650 متطوّعاً عاملاً في الميدان، كما يوجد 160 متطوعاً على قائمة الاستعداد للمشاركة في مساعدة الناس. ومن أجل تفعيل العمل تم تقسيم المتطوعين تنظيمياً إلى مجموعات، عناصر إدارية ولوجستية للتدقيق في العمل وتدوينه، وأناس آخرون يتولون توزيع الماء والطعام، وآخرون مستعدون لتوزيع مظلات الأمطار، ومجموعات لحفظ الأمن ومراقبة 11 منفذاً على ساحة النور.

الكل متعاون

تحوّل الكراج الذي يتجمع فيه متطوعو حراس المدينة إلى خلية نحل، يزدحم فيه المتبرعون من أبناء المدينة. ها هنا سيدة تتبرع ببعض صناديق الماء، وهناك من يقدّم علب العصير، وآخر يتبرع بصندوق شوكولا لتوزيعه على الناس، أو بعض علب الشاي والفول السوداني.

ولم تقتصر المبادرة على الأفراد وإنما تجاوزتها إلى المؤسسات، ومن بينها المطاعم. ويلفت أبو محمود شوك إلى أن المحلات هي التي تبادر وتتصل لتسأل إذا ما كان هناك حاجة للطعام أو الماء، وقد برهن هؤلاء على كرم وضيافة أهل المدينة. ولم تقتصر التقديمات على الغذاء، بل تم وهب المظلات والأغطية البلاستيكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما إن تصل علب الطعام أو الوجبات، يتم استلامها وتسجيلها على الحواسيب، ومن ثم يستدعى المتطوعين، حيث يقوم كل واحد منهم بحمل كيس ورفع الإشارة الكشفية تعبيراً عن أنه أصبح مستعداً للخروج إلى الناس. بعد ذلك، يتم تشكيل حلقات من السترات الصفراء، يتوسطها الموزعون لينتشروا في الزوايا. تُعطى الأولوية لمسعفي الصليب الأحمر اللبناني، والهيئة الطبية الإسلامية، وعناصر الأجهزة الأمنية، ومن ثم المتطوعين. ومن ثم ينتقلون إلى توزيع الماء أو الحلوى على المتظاهرين.

ولا تقتصر المهام على توزيع الماء والطعام، إنما تسهيل تحرّك الشخصيات المتضامنة بين الحشود. فها هو الوفد المشترك من رجال الدين المسلمين والمسيحيين، يتم تطويقه بالسترات الصفراء، ليصل إلى المنصة ومن ثم الخروج. وكذلك الإعلاميين والفنانين، حيث اضطر الحراس إلى استخدام طريقة الحركات السريعة لإخراج المغني جوزيف عطية من بين المحتشدين من محبيه.

حارسات الثورة

في أوساط حراس المدينة حضور أنثوي كبير. جوزيفين الخوري ربة منزل من مدينة الميناء، تطوعّت لتسهيل حرية التعبير للناس، فهي تشعر بآلام الناس لأنها زوجة رجل عمره 72 سنة مضطر للعمل كسائق شاحنة للحصول على 500 دولار شهرياً بسبب عدم وجود ضمان للشيخوخة. كما أنها جدة لـ 35 حفيداً، لا تريد أن يبتعدوا عن ناظريها إلى بلاد الغربة. وتدعو جوزيفين جميع المتطوعين إلى العمل وعدم الحديث عن التعب لأن الوصول إلى النتيجة يتطلب التضحية.  

وفي الميدان، تتنقل بين الناس المتطوعة فاطمة صيداوي وهي معلمة لغة إنجليزية، انضمت إلى الحراس في اليوم الثاني للحراك عندما علمت أنهم بحاجة إلى عناصر تنظيمية إضافية في ظل الحشود الشعبية القياسية. وتلفت إلى أنها تسهم في عملية الانضباط، وعند ملاحظتها أي خلل تُبلغ عنه لاستدراكه. ولمست الشابة أن السترات الصفراء تحوّلت إلى عامل طمأنينة بين الناس ومنحتهم الأمل، كما أن الكثير من النساء والأطفال يعربون عن رغبتهم في التطوّع بسبب الانضباطية الكبيرة والخدمة من دون مقابل.

المصداقية تفتح الأبواب

يؤكد قائد ميدان حراس المدينة على التعاون مع شباب المنصة، ويجزم شوك أن الحراس لا يتدخلون إلا تنظيمياً، ولا علاقة لهم بمضمون الخطابات أو الأغاني والموسيقى التي تُذاع. إلّا أنه يتحدث عن الاستجابة لتمني عدم سب أي سياسي بكلام نابي، أو مدح أي سياسي لعدم استفزاز الناس ومضاعفة جهود التهدئة على عاتق الحراس. ويكشف عن وجود خطة B لاستدراك أي مشكلة يمكن أن تقع مستقبلاً.

دفعت النجاحات التي حققها رجال الصفراء، إلى فتح أبواب التعاون معهم من قبل الإدارة المحلية. ويلفت أبو محمود شوك إلى أن بلدية طرابلس وضعت كافة إمكانياتها في خدمة الحراس من أجل تنظيف الساحة، وكنسها وشطفها بالماء بصورة يومية متكررة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي