Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة "عهدين" ومشروع إقليمي؟

لا مهرب من مواجهة الحقائق الصعبة في لبنان والمنطقة، والتحديات الهائلة التي بقيت خارج النقاش، تحت سطح الصراع على الحصص في الحكومة

شكل الحريري حكومته الثانية في عهد الرئيس ميشال عون (غيتي)

ماذا بعد طفرة الانتشاء بفائض القوة السياسية لدى طرفين أساسيين في الحكومة، التي جرى تأليفها برئاسة سعد الحريري؟ ماذا لو كان الطرفان بالذات أكبر المساهمين في تأخير ولاية الحكومة حوالي تسعة أشهر، انطلاقاً من قراءات متسرعة، بعضها من منظار إقليمي واسع وبعضها الآخر من منظار محلي ضيق؟

لا مهرب من مواجهة الحقائق الصعبة في لبنان والمنطقة، والتحديات الهائلة التي بقيت خارج النقاش، تحت سطح الصراع على الحصص في الحكومة. ولا جدوى من اللجوء إلى خرافة "الحقائق البديلة" التي طرحها في السوق أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وليس سهلاً اختصار التحديات بالفساد والأزمات المالية والاقتصادية على الرغم من تعاظم الفساد وتنامي الأزمات المالية والاقتصادية.

فنحن في بلد منقسم، وإن تحدثنا عن حكومة وحدة وطنية جاءت في شكلها الأخير مختلة التوازن السياسي. ونحن نعاني من أحزاب عابرة للحدود بدل أن تكون عابرة للطوائف في الداخل. ومن المفارقات في هذه المرحلة أن القوى الإقليمية الكبرى وجدت فسحة في المناخ الدولي للتملص من الهيمنة المطلقة للقوى الدولية الكبرى وتوسيع هامش تحركها، في حين ازداد ارتباط لبنان بالقوى الإقليمية وصراعاتها واتكاله على القوى الدولية لمساعدته.

في خطاب عن "البيت المنقسم" قال الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن، الذي ربح الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر وحرر العبيد ومنع استقلال الولايات الجنوبية عن الولايات الشمالية، بعد الاستقلال الأميركي عن بريطانيا، "إذا استطعنا أولاً أن نعرف أين نحن وإلى أين نتجه، نستطيع أن ندرك جيداً ماذا نفعل وكيف نفعله". فكيف حالنا بالقياس على هذا المنطق المبني على الخبرة؟ وماذا يمكن أن تفعله الحكومة الجديدة القائمة على تسوية في الكواليس، أضيفت إلى التسوية السياسية التي جاءت بعهد الرئيس ميشال عون وحكومة الحريري الأولى فيه؟ ولماذا تسمى هذه الحكومة حكومة العهد الأولى في سنته الثالثة، إذ يصعب إخفاء المحاولات "الناجحة" لإضعاف أطراف مهمة في الحكومة؟

الواقع أن لبنان المنقسم في مأزق ثلاثي: لا اتفاق على معرفة أين نحن. أطراف تتصرف كأن لبنان لا يزال في موقعه القديم، وأخرى ترى أن موقعه تبدل، علماً أن التبدل في موقع لبنان ومكانه ومكانته يقضي على روحه. هل نحن أقرب إلى "محور الممانعة" أم إلى محور الاعتدال أم لا نزال بين بين، تحت عنوان "النأي بالنفس"؟

لا اتفاق على الاتجاه الذي نريد الذهاب فيه: هل يمكن، كما تطلب أطراف، الذهاب الكامل إلى "محور الممانعة" المحاصر إقليمياً ودولياً، وبالتالي دفع ثمن الدخول في الحصار مقابل سيطرة هذه الأطراف على السلطة؟ وإلى أي حد يستطيع لبنان أن يبقى في محور الاعتدال وتحمل كلفة الاصطدام الداخلي ومع قوى إقليمية؟

لا شيء يوحي بأننا نعرف جيداً ماذا علينا أن نفعل وكيف نفعله. إذ ليس في التسوية الأولى، ولا الثانية، تفاهم على برنامج عملي مفصل لمعالجة الأزمات البنيوية في النظام السياسي وفي السياسات المالية والاقتصادية. حتى الحديث عن "حكومة سيدر" والمشاريع التي تم بحثها في اجتماع باريس والتزام الدول المانحة والمؤسسات الدولية استثمار 11 مليار دولار، كما عن تقرير "ماكينزي" الذي كلف مليون دولار، يصطدم بعقبتين: واحدة من الفريق الرافض السياسات النيوليبرالية المالية والاقتصادية، التي يصفها بأنها "متوحشة" وتهدف إلى مزيد من إثراء الأغنياء وإفقار الفقراء. وأخرى من الفريق "الليبرالي" التقليدي، الذي يصعب عليه التخلي عن السياسات الضريبية والمالية والاقتصادية التي قادت إلى عمق الأزمات، وإلى دين عام يزيد عن 86 مليار دولار، وبالتالي إجراء الإصلاحات المطلوبة التي هي من شروط الحصول على المساعدات والاستثمارات.

عقدة العقد، التي أخرت تأليف الحكومة، لم تكن مجرد صراع على الحصص، بمقدار ما كان الصراع على الحصص تعبيراً عن الصراع على سياسة الحكومة وتوجه لبنان. وهو صراع أراده طرف قوي لتكون الحكومة حكومة العهد، وأريد لها أن تكون حكومة "عهدين": عهد الرئيس ميشال عون وعهد "الوريث" صهره وزير الخارجية جبران باسيل. وأداره طرف قوي حليف له تحت عنوان ما سماه حزب الله "مراجعة التموضع الإستراتيجي" للبنان. وعملت الأطراف الأخرى على أن يبقى لبنان في إطار الشرعيات الثلاث: اللبنانية الدستورية الميثاقية والعربية والدولية.

والصراع مستمر.

المزيد من آراء