Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني "بريكست" الجديد للاقتصاد والأعمال؟

الاتفاق يوفر ثقة اقتصادية تعيد لسوق العقارات البريطانية عافيتها... والفصام التام مع أوروبا يقلق الشركات

الأسواق تترقب تصويت البرلمان البريطاني على "بريكست" خلال الساعات المقبلة (أ.ف.ب)

تراقب الأسواق بحذر الساعات المقبلة حتى تصويت البرلمان البريطاني على اتفاق البريكست، الذي توصلت إليه، الخميس، حكومة بوريس جونسون مع الاتحاد الأوروبي لخروج بريطانيا من أوروبا في 31 أكتوبر (تشرين الأول). وتتطلع قطاعات الاقتصاد المختلفة لنهاية قريبة لحالة عدم اليقين على مدى أكثر من ثلاث سنوات منذ استفتاء عام 2016 الذي صوّت فيه البريطانيون لصالح الخروج من أوروبا.

وكان رد فعل الأسواق على إعلان الاتفاق ظهر أساسا بارتفاع سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، لكن تلك الفورة لم تلبث أن هدأت مع تصريحات المعارضة البرلمانية ضد الاتفاق. وتنذر الأيام المقبلة بحالة من "عدم اليقين" تشبه تلك التي أثرت سلبا على كافة قطاعات الاقتصاد البريطاني في كل مرة كانت رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي تأتي باتفاق مع أوروبا ويرفضه البرلمان.

وكل ما يهم الأسواق والأعمال والشركات الآن هو وضع نهاية لتلك الحالة، بتنفيذ البريكست باتفاق أو بدون اتفاق. وحتى يحسم أمر هذا الاتفاق، بدأت الشركات وقطاعات الأعمال المختلفة تبحث أوجه اختلافه عن آخر اتفاق توصلت إليه تريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي وتأثير ذلك الاختلاف على أعمالها.

مقارنة

قد يرى البعض أن الاتفاق المعدل لا يختلف كثيرا عن الاتفاق الذي أبرم في ظل رئاسة تريزا ماي للحكومة، باستثناء تعديل البند الخاص بوضع أيرلندا الشمالية وتجاوز الحاجز الجمركي داخل المملكة المتحدة والإبقاء على بعض القيود في البحر الأيرلندي على أن تظل أيرلندا الشمالية تتعامل مع الجمهورية الأيرلندية على أساس معايير السوق المشتركة لكنها تدخل في النظام الجمركي البريطاني.

إنما نظرة على البيان السياسي المرافق لاتفاق البريكست، الذي يعتمده بوريس جونسون، وإن كان غير لزم، توضح الفارق الجذري في التوجه بين اتفاق ماي واتفاق جونسون. فباستثناء الإشارة إلى "المنافسة العادلة" في التعامل التجاري والاستثماري بين بريطانيا وأوروبا بعد البريكست ـ وهي نقطة كان يعارضها جونسون لكنه قبِل بها في إطار اتفاق الحل الوسط ـ تختلف لغة البيان تماما عما قبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكاد يكون السياق العام هو ما يؤكد عليه جونسون وفريقه من أن هذا "بريكست ليس بالاسم فقط"، أي ألا تظل بريطانيا رهينة قيود بيروقراطية أوروبية بالمحافظة على كثير من الإجراءات واللوائح التي يفرضها الاتحاد مثلما كان أنصار البريكست ينتقدون تريزا ماي عليه.

ومن العبارات التي حذفت في البيان، وكانت في البيان السابق، تلك التي تشير إلى علاقات "وثيقة قدر الإمكان بين بريطانيا وأوروبا. وهذا ما يراه بوريس جونسون وفريقه من انفصال تام عن أوروبا وترتيب علاقات اقتصادية وتجارية على أساس اتفاقية تجارة حرة وليس على أساس علاقة خاصة"، تعني استمرار التقيد بإجراءات ولوائح أوروبية.

لهذا حذفت من البيان أيضا فقرة "البناء على الإجراءات الجمركية وتطويرها"، التي كانت تتهم تريزا ماي بأن قبولها بها يعني استمرار أوروبا ضمن الاتحاد الجمركي مع أوروبا بدرجة أو بأخرى. ويعني حذف تلك الفقرة ما يشير إليه البيان الذي اتفق عليه جونسون مع الأوروبيين من وضع معايير "حديثة ومناسبة" لعلامة المنشأ للسلع والبضائع.

وهذه النقطة بالتحديد ستعفي الأعمال والشركات البريطانية من صداع رهيب لإثبات منشأ بضائعها لتفادي نظام تعرفة جمركية أوروبي معقد.

وأيضا لا يوجد في البيان ما كان يشار إليه في البيان السابق من أن على بريطانيا أن "تدرس الالتزام بمعايير الاتحاد في المجالات ذات الصلة"، وهذا يؤكد توجه حكومة بوريس جونسون لقطيعة تامة مع البيروقراطية الأوروبية فيما يخص اللوائح والاجراءات للتجارة والاستثمار.

تباين التأثير

بالطبع لن يكون تأثير اتفاق البريكست المعدل متشابها على مختلف قطاعات الاقتصاد البريطاني، لكن القاسم المشترك هو أنه يعني نهاية مرحلة عدم اليقين وبالتالي توفير الفرصة لبريطانيا لضبط أوضاعها بدلا من انتظار ماذا سيكون عليه وضعها مع الاتحاد الأوروبي وبالتالي بقية العالم.

بالنسبة للاقتصاد البريطاني ككل، يتوقع الاقتصاديون أن يكون البريكست باتفاق دافعا لنمو الاقتصاد بنسبة 1.5% العام المقبل وبنسبة 2.2% عام 2021. ويتوقع أيضا ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل عصب الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تصل إلى 2% بحلول عام 2021.

ويأخذ ذلك في الاعتبار اتجاه بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) لتشديد السياسة النقدية، أي رفع الفائدة ثلاث مرات على الأقل لتصل إلى 1.5%. لكن من غير المتوقع أن يبدأ البنك في التشديد النقدي قبل منتصف العام المقبل.

ولعل قطاع الخدمات هو "المنسي" في هذا الاتفاق، إذ لم يشر إليه تحديدا مع أنه يمثل نحو 80% من الاقتصاد البريطاني. ويشعر العاملون في سيتي أوف لندن، حي المال والأعمال في العاصمة البريطانية، بأن اتفاق البريكست تركهم في وضع "القريب المهمل" وبالتالي لن تعدو فترة المفاوضات ما بعد الخروج باتفاق سوى فرصة لتلك المؤسسات المالية والبنوك الاستثمارية التي لم تنتقل بعد من السيتي كي ترتب أمور انتقالها.

وإن كان قرار ترك السيتي سيعتمد بالتأكيد على شكل اتفاقية التجارة والاستثمار النهائية بين بريطانيا وأوروبا والتي سيتم التوصل إليها بعد فترة 14 شهرا هي ما تبقى من الفترة الانتقالية. وبالطبع، مع توجه جونسون للانفصال التام، ستكون تلك فترة مفاوضات صعبة جدا خاصة للجانب البريطاني أكثر من الأوروبي.

ومن شأن الانفصال التام عن المعايير واللوائح الأوروبية أن يقلق المزارعين والصيادين، إذ إن ذلك سيجعل من الصعب عليهم الوصول للأسواق الأوروبية والمنافسة فيها. هذا ما لم يراع ذلك في مفاوضات الاتفاق النهائي طبعا.

أما قطاع التصنيع، فربما يكون تأثير الاتفاق المعدل عليه إيجابا، خصوصا أن قطاع صناعة السيارات سيظل قادرا على العمل في بريطانيا لإنتاج السيارات للسوق المحلية ولأوروبا. وإن كان متوقعا أن تبدأ تلك الصناعة في مواجهة فرض رسوم قد تكون 10% بعد عام ونصف العام.

أما قطاع العقارات البريطاني فهو أكبر المستفيدين من اتفاق بريكست، ذلك أن فترة عدم اليقين على مدى السنوات الثلاث الماضية أدت إلى شبه ركود في السوق مع إحجام البائعين عن طرح عقاراتهم وتردد المشترين بانتظار ما سيسفر عنه البريكست، وبالتالي طالت فترة البيع للمنازل وقل عدد صفقات البيع عموما.

والعامل الأهم في تحرك السوق العقارية هو "الثقة" في الاقتصاد، وما إن تستعاد الثقة بأي اتفاق كان للخروج من أوروبا يتوقع أن يعود النشاط للسوق العقارية البريطانية مجددا.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد