Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأرشيف الوطني البريطاني لم يكشف ما يعتد به - والامور المثيرة للاهتمام ستبقى طي الكتمان

صورة التقطت في لندن، المملكة المتحدة. (غيتي)

المفاجئ في الكشف السنوي عن معلومات "سرية" في الارشيف الوطني هو أن كثيراً منها لا يستحق الحفظ. وهي غالباً معلومات غير مفاجئة - هي نوع من ثرثرة قد تنقلها أي منظمة إخبارية محلية. وهي فعلياً، بعيدة كل البعد عما يخاله المرء مصلحة وطنية. ولكنها، بكلمات أخرى، تذكير سنوي بأهمية حرية المعلومات. وتقضي معايير السلطات بالتستر على  كل شيء- ولو كان تَافِهاً- إلى حين وفاة المعني. 
وحريّ بنا إدراك أن الأمور المثيرة فعلياً للاهتمام تبقى عملياً سرية إلى ما لا نهاية، هذا إذا لم تُتلف. وثمة نوع من جهاز رسمي لكتم المعلومات عابر للأحزاب السياسية وللأجيال- وهو يلحق الضرر بنا جميعاً.
خذ مثلاً الـ"سبام فريترز" [وهو طبق مرتجل ظهر في الحرب العالمية الثانية جراء ندرة السمك حينذاك وتعذر إعداد الطبق الشعبي المؤلف من السمك والشيبس  وأتذكر، إلى حد ما، أن هذا الطبق ارتبط بحفل الذكرى الوطنية الخمسين في 1994 ليوم إنزال الحلفاء ، وأن الربط هذا استُقبل بالسخرية. وكان هذا الربط هذا في غير محله، وحسِب شخص في حكومة جون مايجور أن إحياء هذا الطبق المتحدر من مرحلة تقنين الغذاء هو فكرة لامعة للإشارة إلى التضحية الكبرى التي أقدم عليها أولئك الذي كانوا على شواطئ النورماندي التي غمرتها الدماء في يونيو (حزيران) 1944.
بكلمات أخرى، كانت يومذاك خطوة غبية، وليس مفاجئاً أن دام فيرا لين  أبدت استياءها أمام المعنيين كلهم. ثم نكتشف [في الوثائق التي لم تبقَ سرية] أن مارغريت تاتشر، حين كانت رئيسة وزراء، لم يكن رأيها إيجابياً في نيلسون منديلا على خلاف ما تقتضي مكانته حاكماً علمانياً مبجلاً. ففي اتصال هاتفي ببطل حقوق الانسان المفرج عنه في 1990، رأت ماغي أنه "منغلق"  إلى حد ما. وكان هذا رأيها في كل من لا يوافقها الرأي، أي في من لم يكن "واحداً منا"، على ما كان يقال يومذاك.
وبما أنها أمضت العقد الاخير وهي تقاوم فرض عقوبات على نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا ، ولم تظهر يوماً على مسرح تجمعات "رد ودج"  وهي ترتدي قميصاً كتب عليه " أفرجوا عن نيلسون مانديلا"، لا يسعني القول أنني فوجئت بأنها لم تكن على توافق مع ماديبا. وفي وسع قادة العالم ألا يستسيغ بعضهم بعضاً، وفي حال دونالد ترمب، قد لا يستسيغه أحد.
عليه، ليس هنالك ما يفاجىء]، ويتساءل المرء عن الأمور التَفِهة التي تُخفى اليوم علينا- وهذا يصح في مسائل أكثر جدية، أي في جوانب أكثر أهمية من البريكزيت. ففي نهاية المطاف، اضطرت حكومة ماي الى نشر تقويم الضرر الاقتصادي المترتب على البريكزيت، وكادت تُطاح لأنها لم تطلعنا على الاستشارة القانونية بشأن اتفاق البركسيت. ولكن من يدري، إذا فكرنا في الأمر، قد يصح هذا في فضائح ويندراش [فضائح سياسية بريطانية في 2018 إثر اعتقال ومصادرة حقوق أشخاص وصلوا الى المملكة المتحدة قبل 1973] أو النظام "المعادي"  الذي كانت تديره تيريزا ماي في وزارة الداخلية . حينذاك كذلك لم يُفاجأ أحد حين أميط اللثام عن هذه المسائل. وكان في محله اكتشاف عامة الناس ما جرى- ولكن لماذا كانت هذه المسائل سرية في المقام الأول؟ 
ويشعر المرء بأننا نعرف النزر القليل عما يفترض بنا معرفته عن البريكزيت. وحتى الاستشارة القانونية المنشورة  تبدو كأنها صيغة غير كاملة من المسائل.
في الأثناء، هنالك مسائل تاريخية على أنواعها لا تزال سرية جداً، وعلى الارجح ستبقى على هذه الحال في العقود المقبلة. ويبدو أن ثمة أربعة سجلات صفيقة من المواد التي تتعلق بـجاك ذي ريبر (تعود الى 1888) لا تزال سرية. ويرجح أننا لن نعرف يوماً حقيقة ميول  إدوارد الثامن السياسية وتعاطفه مع هتلر وألمانيا، ولا [حقيقة] مقاربة [الحكومة البريطانية] حرب الفولكلاند [في 1982]، ولا التجارب النووية في الخمسينات، ولا عدد كبير من فضائح التجسس البريطاني أو أوجه "السياسة الاوروبية" في التسعينات. وفي سياق آخر، يبدو أن مذكرات الممثل الراحل كينيث وليامز التي تعود الى 1965، خطيرة. فالمكتبة الوطنية البريطانية التي آلت إليها أخيراً حقوق ملكيتها، تحظر الإطلاع عليها. ويرجح أنها [المذكرات] جيدة.
وعندما يحين الأوان ، أشك في أن اللثام سيُماط عن معلومات]عن اجتياح العراق في 2003. وبالفعل، ذاع صيت حكومة بلير على أنها حكومة "صوفا" [أي حكومة تتخذ قرارات غير رسمية] وقراراتها غير موثقة، وأنها حكومة تستخدم ملصقات الملاحظات لتجنب التدقيق برغم أنها أقرت قانون "حرية المعلومات". وهذا  يفتقر الى الاخلاق ويستخف بالمعايير. والملاحظة هذه تصح في ملايين من الرسائل الإلكترونية التي محتها الحكومة والأجهزة العامة- على غرار مصرف إنكلترا و"الضابطة المالية " البريطانية- في السنوات الاخيرة، وكانت تتناول الأزمة المالية، وإنقاذ المصارف ، والركود، وائتلاف 2010 وغيرها من الأمور. ويرجح أن هذه السجلات فُقد أثرها للأبد، حتى إن أسرارها لم تودع الأرشيف.
ولم يكن تخزين الداتا واسترجاع المعلومات والبحث  يوماً على هذا القدر من السهولة. ولكن، للمفارقة، صار حفظ الأسرار ومحوها كذلك أكثر سهولة.  وفي 1956، حين أمر رئيس الوزراء أنتوني إيدن، نورمن بروك، سكرتير الحكومة، بجمع وإتلاف جميع السجلات الورقية عن التواطؤ مع فرنسا واسرائيل في مسألة السويس، أنجز المطلوب منه على أحسن وجه. واليوم، صار محو مواد محرجة ومؤذية ، أسرع، وهو فعال ونهائي، مما كان عليه اتلاف الوثائق. ولن يبقى لعامة الناس إلا  الامور الصغيرة والتَفِهة.

© The Independent

المزيد من آراء