Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وإدارة الزمن: صخب 2025 ومجهول 2026

لم يكن العام الماضي حاسماً بالمعنى الكلاسيكي إذ لم يشهد سقوط النظام ولا توقيع اتفاق نووي جديد ولا مواجهة إقليمية مباشرة تغير قواعد اللعبة

المواجهة العسكرية المحدودة مع إسرائيل عام 2025 أبرزت تحولاً تكتيكياً عملياً في السياسة الإيرانية (أ ف ب)

ملخص

عام 2025 تعرضت إيران لضغوط مركبة ومع ذلك لم تنفجر الدولة، ولم تقدم على مقامرة كبرى ولم تستدرج إلى معركة توقيت خاطئ. وهنا اختبر الصبر الإيراني في 2025 فلم يكن عشوائياً بل مخططاً له ومدروساً لاختبار ردود خصومها واستجابة النظام الدولي.

مع بدايات عام 2026 تكشف السياسة الإيرانية عن مدى قدرتها على إدارة الزمن كأداة نفوذ خلال العام الماضي، إذ لم تكن هناك حرب أعلنتها باستثناء حرب الـ12 يوماً التي تمثل مواجهة دفاعية استراتيجية قصيرة، ولا تسوية وقعتها، ولا اختراق استعراضي قدمته. ففي زمن تقاس فيه الدول بقدرتها على إحداث الصدمة اختارت طهران طريقاً مغايراً، أن تبقى وأن تنتظر وأن تدير الزمن بدلاً من أن تستهلكه.

إن 2025 لم يكُن عاماً عادياً في التاريخ الإيراني المعاصر لكنه أيضاً لم يكُن عاماً حاسماً بالمعنى الكلاسيكي، إذ لم يشهد سقوط النظام، ولا توقيع اتفاق نووي جديد، ولا مواجهة إقليمية مباشرة تغير قواعد اللعبة. ومع ذلك كان مفصلياً من نوع آخر، عاماً اختبرت فيه إيران حدود الصبر، صبرها وصبر خصومها على حد سواء.

وإذا نظرنا إلى حرب الـ12 يوماً داخل السردية الإيرانية، فسينظر إليها على أنها نقطة مفصلية من ناحية زمن الحرب وهذا النوع من التحول لا يحدث دفعة واحدة، ففي قلب مواجهة لم تتجاوز 12 يوماً اكتشفت إيران أن نموذجها التقليدي لإدارة الأزمات عبر إدارة الوقت لمصلحتها لم يعُد يضمن السيطرة. فخصمها الإسرائيلي فرض وقته وسياقه وأثبت أن الحسم السياسي والعسكري لا يحتاج إلى صراع طويل، كما في حربها مع العراق أو كما في سياسة النفس الطويل والزمن المفتوح خلال حروب الوكالة، بل إلى قرار سريع نافذ. وطهران لم تخسر الأرض لكنها فقدت ما اعتقدت بأنه ميزة مركزية، القدرة على التحكم بإيقاع إدارة الزمن وهي الخسارة التي لا تقاس بالأسلحة أو الجنود، بل بعقلية سياسية بنيت على منطق أن التحكم في الزمن هو أداة نفوذ وهو تحول مفصلي وأعمق من أية هزيمة مادية.

والمواجهة العسكرية المحدودة مع إسرائيل عام 2025 أبرزت تحولاً تكتيكياً عملياً في السياسة الإيرانية، فالنظام اختبر حدود خصومه ووازن بين التصعيد والانتظار، مما حول الزمن نفسه إلى أداة استراتيجية. ويبقى السؤال من منظور سياسي تحليلي هل ستستمر إيران في هذا النمط أم أن أحد المتغيرات الإقليمية قد يفرض تعديلاً سريعاً في استراتيجيتها؟

ولنلقِ نظرة على الداخل الإيراني، نجد أنه عام 2025 نعم تعرضت إيران لضغوط مركبة، اقتصاد مثقل بالعقوبات ومجتمع متوتر بلا أفق سياسي واضح وإقليم مضطرب تتقاطع فيه الحروب بالوكالة ونظام دولي يعيد ترتيب أولوياته بعيداً من الشرق الأوسط. ومع ذلك، لم تنفجر الدولة ولم تقدم على مقامرة كبرى ولم تستدرج إلى معركة توقيت خاطئ. وهنا اختبر الصبر الإيراني في 2025 فلم يكُن عشوائياً بل مخططاً له ومدروساً لاختبار ردود خصومها واستجابة النظام الدولي.

إيران ببساطة لم تكُن تبحث عن قرار عام 2025، بل عن مسوغات نجاة. كان عبوراً لسنة عالية الكلفة بأقل خسائر ممكنة وبأكثر خسائر فادحة في الوقت نفسه وترك الآخرين يستنزفون طاقتهم في إدارة أزماتهم الخاصة. وفي عالم يضيق فيه هامش التفكير السياسي الطويل اختارت طهران أن تبطئ الإيقاع وأن تحول الانتظار إلى أداة تمييع سياسية.

خلال عام 2025 أعادت إيران ضبط إيقاع الداخل بدقة، فلم يكن هناك انفجار شعبي، ولا أزمة اقتصادية مفتوحة، كل شيء محسوب لتثبيت الاستقرار الظاهري، فيما استخدمت طهران بحذر مكشوف شبكاتها الاستخباراتية لاختبار خصومها وقياس ردود الفعل الإقليمية والدولية، فحولت الزمن نفسه إلى أداة نفوذ دقيقة، وهذه ليست استراتيجية جديدة بالكامل، لكنها في 2025 بلغت درجة نضج لافتة ضمن تحركات السياسات الإيرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبدلاً من منطق "إظهار القدرة الردعية الصاخب" اعتمدت إيران منطق "الإيقاع البارد"، لا تصعيد يفرض رداً، ولا تنازل يفتح باب ابتزاز، ولا خطوة متقدمة تغلق باب العودة. كل شيء مؤجل، لكن ليس عبثياً بل مؤجلاً وبدقة. ويظهر أن هذا التأجيل يهدف أيضاً إلى اختبار ردود الفعل الدولية والإقليمية قبل اتخاذ أية خطوة كبرى. واللافت أن هذا النهج لم يكُن محصوراً بالسياسة الخارجية.

في الداخل على سبيل المثال لم تقدم الدولة على إصلاحات جوهرية، لكنها أيضاً لم تنزلق إلى قمع شامل يعيد إنتاج صدمة سياسية جديدة. فإدارة الاحتقان حلت محل حله وتحييد الانفجار حل محل معالجته. وهذا ليس نموذجاً للحكم المستدام لكنه نموذج للبقاء الموقت، مما احتاجت إليه طهران تحديداً عام 2025. ويمكن قراءة المشهد السياسي مع بداية عام 2026، إذ لا تبدو إيران دولة تستعد لحدث بل دولة تراهن على أن الحدث سيتأخر. وهذا الرهان ليس مبنياً على فائض قوة، بل على قراءة دقيقة لنظام دولي يعاني تشعّب الأزمات وتباطؤ القرارات. وفي مثل هذه الحال لا تكسب الدول التي تتحرك أولاً بالضرورة، بل تلك التي تدرك متى لا تتحرك. هنا يمكن ملاحظة أن إدارة الوقت في عقل السياسة الإيرانية أصبحت أداة قوة وليست مجرد وقت لظرف عابر.

وإدارة الزمن في الحالة الإيرانية ليست استراتيجية تصعيد ولا استراتيجية تسوية، بل استراتيجية تمركز طويل في المواقف كما في القرارات، وهي محاولة للبقاء داخل المعادلة من دون حسمها وللاحتفاظ بالقدرة على التأثير من دون دفع كلفة القيادة. وما تراكمه طهران اليوم ليس إنجازاً سياسياً، بل قابلية للاستخدام السياسي في لحظة لاحقة.

وإن الخطر الحقيقي لا يكمن في أن إيران قد تفاجئ خصومها بخطوة غير متوقعة، بل في أن خصومها ربما يكتشفون متأخرين أن نافذة الضغط التي افترضوا أنها مفتوحة كانت تغلق ببطء. وعندها لن يكون السؤال عن نوايا طهران، بل عن فشل النظام الدولي في إدراك أن الزمن نفسه كان ساحة الصراع. وهنا نجد أن أخطر أسلحة إيران اليوم ليس قوتها، بل قدرتها على جعل الوقت نفسه يوظف لمصلحتها قبل أن يتحرك خصومها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء