ملخص
سيضيف الخفض الضريبي الهائل الذي أقره ترمب ومشروع قانون الإنفاق ما يقرب من 4 تريليونات دولار إلى ديون أميركا البالغة 36 تريليون دولار
يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التقليل من شأن أزمة القدرة على تحمل الكلفة في أميركا، ويواصل الادعاء بانخفاض التضخم والأسعار الإجمالية خلال ولايته الثانية. في تصريحات حديثة للصحافيين، قال ترمب، "أسعارنا على البقالة وغيرها تنخفض بشكل كبير جداً... إنها بالفعل عند مستوى أقل بكثير مما كانت عليه في عهد الإدارة السابقة".
الحقيقة أن التضخم السنوي بلغ 3 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وارتفعت أسعار البقالة بنسبة 1.4 في المئة بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر الماضي، وارتفعت أسعار المستهلك الأميركي بنسبة 1.7 في المئة في المتوسط خلال ولاية ترمب الثانية، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، لكن هذا مجرد متوسط، وإذا جرى تدقيق النظر، يتضح أن ترمب يستطيع أن ينسب لنفسه الفضل في انخفاض بعض الأسعار، لكنه يتحمل أيضاً مسؤولية ارتفاع بعض الأسعار.
يحدد مزيج معقد من العوامل سعر أي سلعة محددة، وكما يتذكر أي شخص درس الاقتصاد الأساس، يبقى العرض والطلب العاملين الرئيسين المؤثرين على أسعار المستهلك. لكن كلفة السلع، وأسعار الجملة، ومخاوف النقل والوقود، واللوائح، والعمالة، ومجموعة واسعة من الاعتبارات الأخرى، يمكن أن تؤثر على ما يدفعه الناس في نهاية المطاف في المتجر.
سياسات ترمب، ربما أكثر من أي رئيس آخر في الذاكرة الحديثة، أثرت بشكل مباشر على أسعار آلاف السلع الاستهلاكية، سواءً كانت أقل أو أعلى.
ما فعله ترمب لخفض الأسعار
لا تزال الأدوية المثال الأبرز على تأثير ترمب المباشر على خفض الأسعار، إذ ضغط بشكل كبير على شركات الأدوية لخفض الأسعار، وحذا حذوه الكثيرون.
وأعلن ترمب وإدارته أخيراً عن توافر بعض أدوية السمنة الرائجة بأسعار تبدأ من 149 دولاراً شهرياً، وهو سعر أقل بكثير من أسعارها المعلنة، والتي قد تتجاوز 1000 دولار. وأعلن عن صفقات مع شركتي "فايزر" و"أسترازينيكا" وشركات أخرى لتحديد أسعار الأدوية الجديدة عند مستوى "الدولة الأكثر تفضيلاً"، وهو أدنى سعر متاح في الدول النظيرة.
وعندما تولى ترمب منصبه، كانت أسعار البيض تشهد ارتفاعاً حاداً بسبب وباء إنفلونزا الطيور الفتاك الذي دمر أعداد الدجاج البياض.
وبلغت أسعار البيض ذروتها لتتجاوز 8 دولارات للدزينة في أواخر فبراير (شباط) الماضي بعد ارتفاعها المطرد خلال العام السابق، وبعد أسبوعين من تولي ترمب منصبه، أعلنت وزارة الزراعة الأميركية عن مبادرة لخفض الأسعار من خلال تعزيز الأمن الحيوي في مزارع إنتاج البيض، وتقديم المساعدة للمزارعين الذين فقدوا قطعانهم، ورفع القيود المفروضة على استيراد البيض موقتاً، ونجحت الخطة، وانخفضت أسعار البيض منذ ذلك الحين إلى ما يزيد قليلاً على دولارين للدزينة.
بالنسبة للنفط، فكك ترمب عديداً من لوائح التنقيب عن النفط التي زعم أنها ستزيد من إنتاج النفط الأميركي، لكن حتى الآن على الأقل، لم يحدث ذلك أي فرق يذكر، ومع ذلك، ضغط علناً على "أوبك+" في شأن الأسعار، وعلى رغم أن مجموعة الدول المنتجة للنفط نفت أي علاقة لترمب بقرارها، فإن التحالف رفع الإنتاج عدة مرات هذا العام، وانخفض سعر برميل النفط الأميركي إلى ما دون 60 دولاراً، بعد أن كان 75 دولاراً عند تولي ترمب منصبه.
وأرجع خبراء الصناعة قرار "أوبك" جزئياً إلى تأثير ترمب، مع أنهم يقولون أيضاً إن "أوبك" ربما تكون قد أجبرت على ذلك من قِبل دول تصرفت بشكل مستقل عن المجموعة.
وشهدت أسعار النفط تذبذباً بين الارتفاع والانخفاض مع انخفاض الطلب وصراعات الشرق الأوسط المتقطعة على مدار العام، وأعلن ترمب عن بعض السياسات التي قد تعود بفوائد طويلة الأجل على المستهلكين، لكن آثارها لم تتضح بعد.
لحوم البقر والفواكه
وقع ترمب الأسبوع الماضي أوامر تنفيذية خفضت الرسوم الجمركية على لحوم البقر المستوردة وغيرها من المنتجات الزراعية التي يزرع معظمها في الخارج.
قد يخفض هذا بعض هذه الأسعار، لكن تخفيضات الرسوم الجمركية تعيد أسعار الواردات إلى ما كانت عليه قبل أن يطلق ترمب حربه التجارية الشاملة.
بالنسبة للسيارات، ألغى قانون ترمب للسياسة الداخلية والضرائب، عدداً من العقوبات المالية على شركات صناعة السيارات التي لا تستوفي قواعد كفاءة استهلاك الوقود.
وهذا يوفر على بعض شركات صناعة السيارات الأميركية مليارات الدولارات سنوياً، وقد يخفض كلفة تصنيع السيارة بنسبة تراوح ما بين 3 و5 في المئة، وفقاً لما ذكره دان آيفز، المحلل في شركة "ويدبوش" للأوراق المالية، لكن هذا قد لا يترجم إلى انخفاض في أسعار المستهلك، لأن ترمب رفع أيضاً كلفة الرسوم الجمركية على شركات صناعة السيارات.
ما الذي فعله ترمب لرفع الأسعار؟
جاءت أكبر زيادة في الأسعار فرضها ترمب على المستهلكين على الإطلاق في شكل رسوم جمركية شاملة على سلع جميع الدول الأجنبية تقريباً.
أدى ذلك إلى رفع معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة إلى 13.6 في لمئة، ارتفاعاً من 1.2 في المئة خلال عام 2024، وهي زيادة ضريبية هائلة رفعت كلفة الأسرة الأميركية المتوسطة هذا العام بمقدار 1200 دولار، وفقاً لمؤسسة الضرائب ذات التوجه المحافظ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحساب معقد، لأن الرسوم الجمركية يدفعها المستوردون الأميركيون، الذين عادةً ما يحملون هذه الكلفة على تجار الجملة والتجزئة، وفي النهاية المستهلكين. قدر بنك "جيه بي مورغان" هذا الشهر أن المستهلكين يدفعون حالياً نحو 20 في المئة من كلفة الرسوم الجمركية، لكن عديد من الشركات أعلنت أنها لم تعد قادرة على تحمل هذه النفقات، وستجبر قريباً على رفع أسعار السلع الاستهلاكية.
لهذا السبب تقدر مؤسسة الضرائب أن متوسط الكلفة السنوية للأسرة سيرتفع بمقدار 1600 دولار بسبب رسوم ترمب الجمركية العام المقبل.
وستؤدي التخفيضات التاريخية في برامج شبكة الأمان الاجتماعي الأميركية، بما في ذلك برنامج "ميديسايد" وطوابع الطعام، إلى زيادة النفقات المباشرة لأكثر سكان البلاد احتياجاً، إذ سيضطر أولئك الذين يقل دخلهم السنوي عن 18 ألف دولار إلى إنفاق أكثر من 1 في المئة إضافية في المستقبل بسبب قانون ترمب لسياسة الضرائب والإنفاق.
وخفض مشروع القانون بعض الإعفاءات الضريبية الشائعة، بما في ذلك مبلغ 7500 دولار الذي كانت الحكومة تسهم به عند شراء العملاء للسيارات الكهربائية.
4 تريليونات دولار ديوناً إضافية
أيضاً، سيضيف التخفيض الضريبي الهائل الذي أقره ترمب ومشروع قانون الإنفاق ما يقرب من 4 تريليونات دولار إلى ديون أميركا البالغة 36 تريليون دولار، وفقاً لتقرير مكتب الموازنة بالكونغرس.
وأدى ذلك إلى اضطراب سوق السندات لفترة وجيزة في مايو (أيار) الماضي، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في عوائد سندات الخزانة الأميركية، التي تتداول في اتجاه معاكس للأسعار.
ووجه المستثمرون تحذيراً فعلياً بأنهم قد لا يرغبون في الاستمرار في تمويل خزائن الحكومة ما لم يحصلوا على المزيد من المال مقابل ذلك.
ومنذ ذلك الحين، انخفضت العائدات، لكن ليس بشكل كبير، فلا يزال عائد سندات الخزانة الأميركية القياسي لـ10 سنوات، والذي يؤثر على أسعار الرهن العقاري وبطاقات الائتمان وقروض السيارات، أعلى من 4.1 في المئة.
وأضر إنفاق ترمب وسياساته الاقتصادية بالدولار، الذي انخفض بأكثر من 8 في المئة هذا العام، وعلى رغم أن ذلك قد يعزز من جاذبية السلع الأميركية الصنع في الخارج، لكنه يجعل السلع الأجنبية أكثر كلفةً على الأميركيين.
في غضون ذلك، حاول ترمب بفعالية خفض الأسعار، واصفاً أزمة القدرة على تحمل الكلفة في أميركا أخيراً بأنها "كذبة" و"عملية احتيال كاملة". وأقر البيت الأبيض، على رغم إلقاء اللوم على جهات أخرى، بأنه لا يزال أمامه بعض العمل. وقال البيت الأبيض في بيان حديث، "لن تهدأ إدارة ترمب حتى كبح جماح ارتفاع الأسعار الناتج من سياسات الديمقراطيين بشكل كامل... نحن نحرز تقدماً، والأفضل لم يأتِ بعد".