ملخص
أشارت الوزيرة إلى تجربة تخصيص مكتبة متنقلة داخل عربات الترامواي مزودة بمختارات من الكتب في شتى المجالات، بالإضافة إلى مكتبة رقمية يتم الدخول إليها عبر مسح رمز الاستجابة السريعة "كيو آر كود" تحت مسمى "قاطرة المعرفة"، وأوضحت أن هذه المبادرة يرافقها مشروع "حكواتي" في وسائل النقل.
صنع إعلان وزيرة الثقافة والفنون في الجزائر مليكة بن دودة، عن مشروع "حكواتي" في وسائل النقل جدلاً في الشارع ما بين مرحب وساخر، وغلب على السجال واقع حركة المرور في البلاد التي تعاني اختناقاً مزمناً لا سيما في المدن الكبرى عجزت عن فكه مختلف الحكومات المتعاقبة.
قالت الوزيرة بن دودة، وهي في طريقها إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر العاصمة، وقد ركبت إحدى عربات الترامواي، إلى جانب أطفال كانوا يطالعون كتباً مع أوليائهم، إنها تواصلت مع شركة "ترامواي الجزائر" واتفقت معها على تواجد حكواتيين في العربات للتعريف بالموروث الثقافي للجزائر، على أن تعمم التجربة تباعاً على باقي وسائل النقل.
وأشارت الوزيرة إلى تجربة تخصيص مكتبة متنقلة داخل عربات الترامواي مزودة بمختارات من الكتب في شتى المجالات، بالإضافة إلى مكتبة رقمية يتم الدخول إليها عبر مسح رمز الاستجابة السريعة "كيو آر كود" تحت مسمى "قاطرة المعرفة"، وأوضحت أن هذه المبادرة يرافقها مشروع "حكواتي" في وسائل النقل، مبرزة أنها تعمل على دعم المبادرات الثقافية وتعزيز حضورها في الحياة اليومية باعتبارها ركيزة لبناء مجتمع واعٍ ومبدع.
سخرية وترحيب
أثار تصريح وزيرة الثقافة والفنون سجالاً لا يزال متواصلاً، لا سيما على مستوى الفضاء الأزرق، فهناك من سخر من المبادرة على اعتبار أن ملف النقل في البلاد لم يتخلص من سهام الانتقادات التي تستهدفه من كل الجهات جراء اهتراء وسائل النقل وقدمها ولا سيما الحافلات، وكذا ضعف مستوى الخدمات التي يشرف عليها شباب من دون تكوين، إلى جانب الزحام الذي أصبح هاجس الجزائريين، وما يترتب عليه من توتر وقلق يصل حد الشجارات، بالإضافة إلى الاكتظاظ الذي بات مشهداً يومياً في الحافلات ومترو الأنفاق والترامواي والقطارات.
وكان للترحيب أيضاً مكان في مشروع الوزارة، إذ أثنى كثيرون على الخطوة واعتبروها بداية نحو تكوين جيل جزائري فخور بأصوله وتراثه وثقافته، وقالوا إن هذا الفن الشعبي أسهم في صون التراث اللامادي للبلاد من الاندثار، لأن الحكاية لم تكن ترفيهاً فحسب، بل وسيلة لبناء الوعي الجمعي ونقل الحكمة بأسلوب بسيط ومؤثر.
ويرى هذا الفريق أن الحكواتي عبر التاريخ أدى وظيفة تربوية وثقافية في المجتمع، إذ نقل القيم والعادات والتجارب الإنسانية من جيل إلى آخر، مما جعله حلقة وصل بين الذاكرة الجماعية والمخيال الشعبي، ودعوا إلى تمكين الحكواتي المعاصر من التكيف مع الوسائل الحديثة من دون أن يفقد روح الحكاية الأصيلة.
بين الأهداف والواقع
يعتقد الباحث في الشؤون الثقافية حكيم مسعودي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هذا النوع من المبادرات على رغم كون أهدافها نبيلة فإنه يفترض بها أن تخضع أولاً لدراسات ميدانية لمعرفة توجهات الجمهور في التفاعل معها، وكذا الوسائل المناسبة لتمرير هذه الرسائل الثقافية بحكم أن توجهات المجتمع اليوم أضحت تتجاوز الأطر الاتصالية التقليدية المعروفة إلى أطر أكثر ذكاء، وسبقها إلى هذا المضمار "جريدة الميترو" التي سرعان ما اندثرت لأن الزمن الاتصالي تجاوز تفكير أصحاب المبادرة، موضحاً أن نجاح هذه المبادرة الجديدة أو أية مبادرات أخرى من هذا القبيل مرتبط بمدى الذكاء الاتصالي لأصحابها، بالتالي لم يعد الأمر مرتبطاً فقط بالنوايا بل بالواقعية التي تضمن تحقيق الأهداف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل مسعودي "نحن اليوم في عالم رقمي، ويفترض أن يساير التوجه الثقافي هذا الواقع لتبليغ الرسائل، كما أنه يمكن توظيف الحكواتيين ضمن هذا المجال"، مشيراً إلى أن أية مبادرات من هذا القبيل يفترض بها أن تبنى على دراسات تضمن بلوغ أهدافها، وأية جهة تريد أن تحتل مساحة في أي فضاء اتصالي سواء في وسائل النقل أو في الجامعة أو مؤسسة ثقافية أو في الشارع، يجب أن تنطلق بعقلية تفاوضية، ما يعني أن تقدم خدمة ومنفعة مطلوبة لتحظى بفرصة تمرير الرسالة، وبغير ذلك ستكون الاستجابة سلبية، أو أن المستهدف بالرسالة لن يتلقفها أو سيرفضها، لاسيما إذا كانت خدمة كمالية في سلم أولويات أغلبية الشعب.
السلم من الأعلى
من جانبه يرى الإعلامي محمد دلومي، في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن مشروع الحكواتي الذي تود وزيرة الثقافة والفنون إطلاقه في وسائل النقل أشبه ما يكون بمحاولة صعود السلم من الأعلى، وقال إن المسؤولة الحكومية منفصلة تماماً عن الواقع بما أنها تستعمل سيارات الوزارة للتنقل إلى مكتبها، وتُفتح لها الطريق مثلها مثل أي مسؤول حكومي، وليست مضطرة لركوب حافلة تم إنتاجها في ثمانينيات القرن الماضي أو حتى في السبعينيات، والانتظار ساعات في زحمة السير بخاصة في ساعات الذروة، موضحاً أنه قبل تفكيرها في الترفيه عن الناس عبر الحكواتي كان عليها مناقشة تجديد قطاع النقل وحل مشاكل تكدس العمال والموظفين في القطارات والحافلات بالمدن الكبرى مع الجهات المعنية.
وتساءل "هل الناس في حاجة إلى حكواتي أم إلى متابعة نفسية بسبب الضغوط التي تسببها زحمة السير اليومية وتكدس الناس بخاصة الموظفين والعمال في وسائل النقل المختلفة؟ ثم ما جدوى هذا المشروع الذي أجزم أنه سيفشل قبل أن يبدأ، كما فشل مشروع المكتبات المتنقلة في عهد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، والذي صرفت فيه الملايين من دون أن يحقق أبسط الأهداف".
محاولات إحياء
من أجل إعادة إحياء هذه الشخصية، وفي إطار البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للكتاب بالجزائر، تم تنظيم مداخلة بعنوان "الحكواتي والحفاظ على التراث والذاكرة الشعبية"، إذ أبرز أستاذ الأدب الشعبي العيد جلولي، أن وظيفة الحكواتي الأولى تربوية تثقيفية موجهة بالأساس للأطفال والناشئة، والثانية ترفيهية من حيث أسلوب السرد وطريقته، والثالثة توثيقية لأن الحكواتي يوثق تراث بلده الذي لولاه لاندثر، داعياً إلى الاستفادة من الوسائل الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق هذا التراث في "زمن تغير فعلاً، وسرق أطفالنا إلى عالم التكنولوجيا".
كما تحدثت أستاذة التراث الشعبي زبيدة معمرية، عن الدور الاجتماعي للحكواتي الذي ينقل للمستمع ما يحدث في محيطه ويتناول أحداثاً تاريخية، مؤكدة ضرورة استرجاع التراث الحي المتمثل في شخصية الحكواتي، وقالت إن "كل حكواتي يموت هو بمثابة مكتبة تحترق"، داعية إلى جمع أكبر عدد ممكن من الحكايات التي يشترك فيها المخيال الشعبي الجزائري.