ملخص
تلقى المستثمرون الرسالة بوضوح، فتراجعت سندات الخزانة الأميركية بأكبر قدر في نحو خمسة أشهر عقب تصريحاته، مما دفع عائد السندات لأجل 10 أعوام إلى الارتفاع مجدداً فوق أربعة في المئة.
وجه رئيس "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" جيروم باول تحذيراً صريحاً للمستثمرين بضرورة كبح توقعاتهم في شأن خفض سعر الفائدة خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مسلطاً الضوء على حال شد وجذب متنامية بين صانعي السياسة النقدية الأميركيين المنقسمين في نظرتهم إلى سوق العمل والتضخم.
في حين أوضح باول أن بعض المسؤولين يبدون قلقاً رئيساً حيال تباطؤ سوق العمل، يحذر آخرون داخل "الاحتياطي الفيدرالي" من أن التضخم المستمر سيحد من إمكانية تنفيذ مزيد من التيسير النقدي. وأن تجميد نشر البيانات الاقتصادية الرسمية خلال الإغلاق الحكومي المستمر يزيد من حدة هذا الانقسام.
ماذا قررت لجنة السوق المفتوحة؟
وجاءت تصريحات باول بعدما صوتت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بغالبية 10 مقابل اثنين لمصلحة خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح بين 3.75 في المئة وأربعة في المئة. وكان ذلك الخفض الثاني على التوالي، لكن للمرة الأولى منذ ستة أعوام شهد القرار اعتراضات في الاتجاهين، إذ دعا أحد الأعضاء إلى خفض أكبر بينما فضل آخر الإبقاء على المعدلات دون تغيير.
وفي تصريحات غير معتادة من حيث الصراحة، استخدم رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" البيان الافتتاحي لمؤتمره الصحافي بعد الاجتماع، لتأكيد أن خفضاً إضافياً خلال ديسمبر المقبل ليس أمراً محسوماً.
وقال باول "ليس من المسلم به إطلاقاً أن يحصل خفض آخر في سعر الفائدة خلال اجتماع ديسمبر المقبل، بل على العكس تماماً". وأضاف خلال إجابته عن أسئلة الصحافيين "هناك شعور متزايد الآن بأننا ربما ينبغي أن ننتظر دورة كاملة قبل اتخاذ خطوة أخرى".
كيف كان رد فعل الأسواق المالية؟
تلقى المستثمرون الرسالة بوضوح، فتراجعت سندات الخزانة الأميركية بأكبر قدر في نحو خمسة أشهر عقب تصريحاته، مما دفع عائد السندات لأجل 10 أعوام إلى الارتفاع مجدداً فوق أربعة في المئة.
وتظهر العقود الآجلة المرتبطة بسعر الفائدة المرجعي لـ"الاحتياطي الفيدرالي" أن احتمال خفض جديد خلال اجتماع السياسة النقدية المقبل خلال التاسع والـ10 من ديسمبر المقبل بات مرجحاً بدرجة متوسطة فحسب، بعدما كان شبه مؤكد.
وقالت المتخصصة في الشأن الاقتصادي داخل بنك باركليز البريطاني بوجا سريرام "من الواضح أننا لم نتوقع أن يكون هناك هذا القدر الكبير من المعارضة. الشيء الوحيد الذي يمكننا استنتاجه من المؤتمر الصحافي أنهم ناقشوا مسألة ديسمبر المقبل بعمق".
كان مسؤولو "الاحتياطي الفيدرالي" قرروا خفض أسعار الفائدة للمرة الأولى هذا العام خلال اجتماع سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد تباطؤ ملحوظ في وتيرة التوظيف أثار القلق في شأن سوق العمل. لكن كانت هناك مؤشرات إلى أن عدة مسؤولين يتوجسون من المضي بعيداً في سياسة الخفض.
فقد أظهرت التوقعات الصادرة بعد ذلك الاجتماع أن تسعة من أصل 19 عضواً في اللجنة توقعوا خفضاً واحداً إضافياً فقط هذا العام، من بينهم سبعة فضلوا عدم اتخاذ أية خطوات إضافية خلال عام 2025.
وجاء تصويت أمس الأربعاء ليكون الاجتماع الثالث على التوالي للجنة الذي يشهد اعتراضات من داخلها على القرار الجماعي، وهي سلسلة لم تحدث منذ عام 2019.
كيف يؤثر الإغلاق الحكومي على قرارات "الفيدرالي"؟
يأتي هذا الانقسام خلال وقت حرج للغاية بسبب الإغلاق الحكومي الأميركي الذي بدأ أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، إذ اضطر الاقتصاديون وصناع السياسة إلى الاعتماد على بيانات القطاع الخاص ومستوى الولايات بحثاً عن مؤشرات إلى اتجاهات التوظيف.
أعلنت شركات مثل "أمازون" و"جنرال موتورز" و"أبلايد ماتيريالز" أخيراً خططاً لتقليص أعداد الموظفين، لكن عمليات التسريح لا تزال محدودة عموماً، وفقاً لتقارير أسبوعية على مستوى الولايات حول طلبات إعانات البطالة، وهو ما شدد عليه باول أمس.
ومع ذلك، أوضح رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" بجلاء أي جانب من الجدل بين الوظائف والتضخم يقف فيه. فقد قلل من المخاوف في شأن الضغوط السعرية، وأكد أن لـ"الفيدرالي" دور في الاستجابة لتباطؤ التوظيف، حتى وإن كان ذلك ناجماً جزئياً عن سياسة الرئيس دونالد ترمب المتشددة تجاه الهجرة.
وقال باول "يجادل بعض بأن هذه مشكلة من جانب العرض ولا يمكننا التأثير فيها كثيراً بأدواتنا، لكن آخرين وأنا منهم، يرون أن للطلب دوراً أيضاً، ويجب أن نستخدم أدواتنا لدعم سوق العمل عندما نرى مثل هذا التباطؤ".
هل يلوح صدام جديد مع البيت الأبيض؟
إذا تبين لاحقاً أن تحذير باول في شأن ديسمبر المقبل يمهد لتوقف موقت في خفض الفائدة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تصاعد التوتر مع البيت الأبيض، إذ يواصل ترمب انتقاد باول لعدم خفضه الفائدة بالسرعة الكافية، وهي هجمات أثارت بالفعل القلق في شأن استقلالية البنك المركزي الأميركي.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة "آر.أس.أم" الأميركية للاستشارات الاقتصادية جو بروسويلاس إنه يتوقع أن "تستمر حالات الاعتراض كعنصر شبه دائم في الاجتماعات المقبلة"، مع تبدل الأعضاء المصوتين في اللجنة عام 2026، وتعيين ترمب لخليفة لباول الذي تنتهي ولايته خلال مايو (أيار) المقبل.
وأضاف "سنشهد تنوعاً كبيراً في الآراء حول المسار الذي ينبغي أن تسلكه السياسة النقدية، بالنظر إلى ما نراه من ضغوط البيت الأبيض على "الاحتياطي الفيدرالي" ليتماشى مع رغباته، والانقسامات الكبيرة حول الأخطار المرتبطة بالتضخم وآفاق الاقتصاد".