Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجحت الإصلاحات في إحداث تغيير داخل المنطقة العربية؟

شملت مجالات مثل تمكين المرأة ورفع القيود المفروضة عنها سواء في الشغل أو غير ذلك مع توسيع الهامش الثقافي والإعلامي

هناك من يرى وجوب أن تترافق الإصلاحات مع تحضير أرضية شعبية مؤمنة بفكرة وضرورة التحول (أ ف ب)

ملخص

التغيير لا يرتبط فقط بالدولة وأجهزتها بل بمؤسساتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمشاركة الحكومية في تحديث القوانين، وتهيئة المجتمع للاندماج في التكنولوجيا والحداثة، عندها تصبح الإصلاحات متكاملة لدعم المؤسسات الأمنية والاقتصادية والثقافية والتربوية والصحية".

يثير توجه كثير من دول المنطقة نحو القيام بإصلاحات تدريجية لتفادي انفجار ثورات أو انتفاضات كبرى ضد أنظمتها، تساؤلات جدية حول مدى فاعلية هذه الخطوات في ظل الجدل السائد بين من يرى أنها "إصلاحات من فوق ولا تراعي المشاركة الشعبية"، وبين شق آخر يعتقد أن المهم الإصلاح وتفادي انهيار تام للأوضاع.

وشملت تلك الإصلاحات في المنطقة العربية مجالات مثل تمكين المرأة ورفع القيود المفروضة عنها، سواء في الشُغل أو غير ذلك، مع توسيع الهامش الثقافي والإعلامي والمشاركة، وذلك في خطوات تستهدف سد الفجوات بين الفئات الشعبية والنخب وغيرهما.

وأحيا اتخاذ المغرب على سبيل المثال أخيراً إجراءات تهدف إلى احتواء الأزمة التي تسببت فيها احتجاجات "جيل Z 212" هذا النقاش الساخن حول آلية التغيير التدريجي في المنطقة التي شهدت قبل نحو عقد من الزمن انفجاراً عنيفاً تجسد فيما يعرف بـ "الربيع العربي".

عملية تكاملية

وعلى رغم أن الإصلاحات التدريجية مكنت كثيراً من الأنظمة الحاكمة في المنطقة من التحكم في مسار التغيير وربح الوقت لتفادي الانفجار الذي يسود توجس حياله، إلا أن الجدل في شأن هذه الآلية لا يزال قائماً، فقد سعت دول خلال الأعوام الماضية، مثل السعودية، إلى التحكم في مسار التغيير من خلال إجراءات نجحت بصورة كبيرة في تمكين المرأة اجتماعياً وثقافياً، وأيضاً اقتصادياً من خلال "رؤية 2030" الطموحة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولقيت إشادة محلية وخارجية.

ورأى المستشار الدولي في القانون والسياسات التطبيقية أيمن البريكي أن "عملية التغيير ممكنة من خلال آلية الإصلاحات التدريجية اجتماعياً أو سياسياً ولكن بشروط محددة، أهمها ضرورة أن تكون الشعوب والنخب مُهيأة لعملية التغيير"، متابعاً أنه "في تونس مثلاً لم تكن النخب مهيأة للتغيير وللتنافس السياسي بالنظر إلى نحو 60 عاماً من الاستبداد والقمع، فهذا خلق نوعاً من العشوائية والتخبط في المسار السياسي انتهى بتدشين مسار آخر هدام عام 2021"، ولافتاً إلى أن "فكرة أن تكون هناك هندسة فوقية أو على المستوى العالي مهمة جداً وهي أساس أي تغيير تطبيقي وقادر على الدوام، لأن التغيير الذي لا يترافق مع أفكار أو تصورات يكون تأثيره محدوداً جغرافياً وزمنياً".

وشدد البريكي على أن "التغيير لا يكون من أسفل إلى أعلى أو العكس فقط، بل يكون من طريق عمل نخبوي فيه تخطيط وهندسة للتغيير وتحضير لأرضية شعبية مؤمنة بفكرة وضرورة التغيير ودعمه كسلوكيات وممارسات قانونية أو إدارية أو غيرهما، وبالتالي فالعملية ثنائية وفيها عمل ثنائي، لكن يجب أن نكون واضحين أن عدم وجود مجهود من أعلى من أي نخبة نتيجته الفشل والفوضوية على مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي".

البريكي الذي يدير أيضاً "مؤسسة الحوكمة المستدامة والتكنولوجيا" أكد أن "التغيير عملية تكاملية وغياب التصورات والأفكار يخلق حالاً من الفشل عندما يطرح الشعب مطالب تغيير ولا تكون هناك نخب جاهزة فكرياً وعلمياً، ومتسلحة بالأدوات التحليلية والفكرية يجعلها غير قادرة على فهم مشكلات المجتمع أو ما يصبو إليه، وبالتالي تضيع فرصة إحداث تغيير، وهذا ما حصل مثلاً في تونس في ظل التصحر السياسي والانغلاق الحزبي والسياسي لمدة 60 عاماً، لذلك يجب أن يكون هناك تكامل من الأعلى إلى الأدنى".

التشريك الشعبي

وأحياناً تواجه الإصلاحات التي تقرها السلطات في كثير من الدول انتقادات ولا سيما في علاقة تشريك المواطنين بصياغتها، خصوصاً في ظل الانغلاق السياسي الذي تعرفه بعض الدول، وهو انغلاق لطالما أطلق العنان لانتفاضات شعبية أو غير ذلك، لكن البريكي يرى أن "ما تقوم به الإمارات والسعودية من توفير الأدوات التكنولوجية وغيرها يدخل في إطار التشريك الشعبي في عملية التغيير، فعندما يكون لديك نفاذ إلى آراء ومواقف شعبك من خلال الأدوات اللازمة فإن ذلك يعطيك إمكان اطلاع دائم ومباشر على التحركات والتغيرات على مستوى المزاج العام والرأي العام، مما يجعلك قادراً على سلطة حاكمة وإدارة يمكنها التحرك وفقاً لنظريات علمية وحقائق مثبتة، ويجعلك أيضاً قادراً على إقرار تصورات مقبولة أكثر اجتماعياً".

وأردف المتحدث ذاته أن "الإصلاح من فوق وحده بالطريقة التقليدية وما قبل عصر المعلومات أسلوب غير ناجح، خصوصاً إذا ما لم يجر تجهيز أرضية شعبية ونخب ملتزمة بنشر الوعي على مستوى قاعدي، والأمر نفسه إذا جرت محاولة الإصلاح من قبل الشعب من خلال طريقة فوضوية تنتهي بإسقاط رأس النظام فقط من دون تهيئة النخب أو الشارع"، لافتاً إلى أنه "لا يزال هناك آليات تكنولوجية متوافرة، ولذلك فإن الإصلاح من أعلى هرم السلطة والطبقات العليا إلى المجتمع ممكن وقد ينجح، فالإصلاح ممكن في حال توافرت أدوات علمية وتكنولوجية تمكن من فهم المزاج العام، وبالتالي إعادة الإصلاحات وقياس مدى فاعليتها، وهذا ما ينقص المنطقة".

شروط

ويرهن محللون التغيير الفعلي والحقيقي لشروط محددة، على غرار ضرورة إرساء منظومة تشريعية وقانونية تساعد في الإصلاح، ولا سيما على الصعيد المجتمعي حيث واجهت المرأة والأقليات قيوداً على المشاركة، ويعتقد الباحث اللبناني المتخصص في الشؤون السياسية خالد زين الدين أن "الإصلاح من فوق غير كاف ما لم يقترن بالحوكمة الجيدة وتهيئة المواطن للمواطنة، أي الانتماء للوطن والهوية والعودة للمؤسسات والشرعية، فالتغيير اليوم لا يرتبط فقط بالدولة وأجهزتها بل بمؤسساتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمشاركة الحكومية في تحديث القوانين، وتهيئة المجتمع للاندماج في التكنولوجيا والحداثة، وعندها تصبح الإصلاحات متكاملة لدعم المؤسسات الأمنية والاقتصادية والثقافية والتربوية والصحية".

وتابع زين الدين أن "هناك أمراً مهماً للغاية وهو ضرورة تحديث القوانين من قبل المشرعين لتمكين المرأة من الحصول على حقوقها التعليمية والثقافية والصحية حتى تكون جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي والاقتصادي الوطني"، مبيناً أنه "لا يمكن تحديث القوانين إذا غابت حلقة من هذه السلسلة المتواصلة، لأن الاقتصاد والحداثة والهوامش الإعلامية والثقافية حلقة متدرجة تبدأ من تكريس تحديث القوانين والمحاسبة والمواطنة ودعم الاستثمار وتحديث البنى التحتية من أجل تغيير فعلي وحقيقي".

صعوبة بالغة

وتسود مخاوف من أن تكون الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والقانونية مجرد مسكنات مرحلية مرتبطة بنذر احتجاجات أو غير ذلك، خصوصاً في ظل حاجة المنطقة العربية إلى تغييرات جذرية لتفادي انفجار انتفاضات أو غير ذلك على غرار ما حدث عام 2011، فوقتها أدى حرق بائع الخضراوات محمد البوعزيزي نفسه في ولاية سيدي بوزيد إلى احتجاجات تنادي بالتنمية وإصلاح الاقتصاد والانفتاح السياسي، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول التي شملها ما بات يعرف لاحقاً بـ "الربيع العربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى الباحث السياسي محمد صالح العبيدي فيرى أن "هناك صعوبة بالغة في إحداث التغيير في المنطقة بسبب كثير من المعطيات وأهمها غياب الإرادة السياسية لتحقيق انفتاح، سواء من السلطات التي تحكم المنطقة أو المعارضة"، موضحاً أن "الصراع السياسي يعوق أية محاولة للإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي، ففي تونس رُفضت مبادرات مهمة دفعت بها السلطات من أجل تعزيز مكتسبات المرأة من خلال المساواة في الميراث وغير ذلك".

ويكمل العبيدي "ناهيك عن أن الانغلاق السياسي يقود عادة إلى انفجار ثوري لا مناص منه مثلما حدث في دول الربيع، لذلك لا نرى انفراجة سياسية الآن أو محاولات للتغيير بصورة سلمية وسلسة، فلا نرى عفواً على معتقلين سياسيين في دول عربية ولا تشريكاً للأحزاب والنقابات في صنع القرار، مما ينعكس حتماً على الاقتصاد والمنظومة الاجتماعية".

ومع ذلك يتوقع العبيدي أن "تنجح بعض الدول العربية في التغيير الجذري من خلال هذه الإصلاحات مثلما حدث في السعودية حيث توجد رؤية طموحة، بالتوازي مع استعداد مجتمعي للقبول بالتغيير ومسايرته، وهو أمر إيجابي، لكن هذا لا يحجب متاعب تواجهها دول أخرى للتغيير على غرار الجزائر وسوريا وليبيا وتونس، حيث توجد سلطات تتجاهل مطالب الشعب وخصوصاً السياسية منها".

أكثر من مسكنات

خلال الأعوام الماضية لم تسلم كثير من الدول العربية من الاحتجاجات على غرار الجزائر عام 2019 عندما تظاهر عشرات الآلاف رفضاً لاستمرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، وأيضاً للمطالبة بمكافحة الفساد وتحقيق التنمية، والتحقت المملكة المغربية أخيراً بركب تلك الدول من خلال التظاهرات التي نظمتها حركة ''جيل Z 212"، حيث أثار تردي منظومة الكهرباء والمياه غضب الشارع قبل أن تكتسي الاحتجاجات طابعاً سياسياً من خلال الدعوة إلى استقالة حكومة عزيز أخنوش، وقد أجبرت الاحتجاجات السلطات على اتخاذ قرارات من أجل احتواء غضب الشارع مما أثار مجدداً نقاشاً حول قدرة هذه الإجراءات والإصلاحات على التغيير.

وعلق الباحث السياسي المغربي عبدالمالك أهلال على الأمر بالقول إن "هذه الإصلاحات تمثل أكثر من مجرد مسكنات مرحلية، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة التحول المجتمعي الجذري، ويمكن وصفها بعملية تحديث تهدف إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، وتعد استجابة مدروسة للتحديات الداخلية والخارجية المتزايدة"، ذاكراً أن "هذه المبادرات التي تأتي من أعلى مستويات صنع القرار نجحت في تحقيق تغييرات ملموسة في حياة الناس، لكنها غالباً ما تبقي على الأطر القائمة لعملية اتخاذ القرار من دون تغييرات جوهرية".

وأشار أهلال إلى أن "ما نشهده في السعودية عبر 'رؤية 2030' هو تحول اقتصادي واجتماعي واسع النطاق لا يقتصر على مشاريع ضخمة مثل 'نيوم' بل يمتد ليغير وجه المجتمع عبر تمكين المرأة وفتح قطاعات ثقافية وترفيهية جديدة، وهذه الخطوات ليست تجميلية بل هي ضرورة اقتصادية لمرحلة ما بعد النفط، وقد أدت بالفعل إلى تحسين جودة الحياة وتوفير فرص جديدة".

ويرى أهلال أنه "في المغرب نجد نموذجاً أكثر تركيباً حيث تسعى الدولة إلى موازنة الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، كما يتضح في توجهات مشروع 'قانون مالية 2026' الرامية إلى دعم الدولة الاجتماعية وإصلاح الإدارة مع مبادرات سياسية دقيقة، وفي تقديري فإن مصادقة المجلس الوزاري أخيراً على إصلاح المنظومة الانتخابية، وخصوصاً إتاحة المجال للشباب للترشح كمستقلين بدعم مالي من الدولة، هي خطوة بالغة الدلالة وتمثل اعترافاً بوجود فجوة ثقة بين الشباب والأحزاب التقليدية، ومحاولة لفتح قناة تمثيل جديدة لهذه الفئة وتجديد النخبة السياسية".

وعد الباحث السياسي نفسه أنه "حتى في سياقات مختلفة، مثل الجزائر التي تركز على إصلاحات اقتصادية لتحفيز النمو، فإن السمة المشتركة تظل هي أن التغيير يقاد من الأعلى، والهدف دائماً هو تحقيق الاستقرار وتلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية الملحة وتجنب سيناريوهات الاضطراب، فهي إستراتيجية تهدف إلى بناء شرعية قائمة على الإنجاز والتنمية بدلاً من الاعتماد فقط على المرجعيات التقليدية".

واستنتج عبدالمالك أهلال أنه "في المحصلة لا يمكن وصف هذه الإصلاحات بأنها مجرد مسكنات لأنها تحدث تغييرات حقيقية ودائمة في بنية الاقتصاد والمجتمع، لكنها في المقابل ليست تحولاً جذرياً لأنها غالباً لا تمس جوهر آليات المشاركة السياسية الواسعة بل تمثل نموذجاً للتحديث الموجه الذي يقدم حريات اقتصادية واجتماعية، وأحياناً سياسية ضمن أطر محددة، ليبقى التحدي الأكبر على المدى الطويل هو ما إذا كان هذا النموذج مستداماً، أم أن المجتمعات التي تتذوق طعم الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي ستطالب حتماً بدور أكبر في تقرير مستقبلها".

بنى تحتية ضرورية

لكن العبيدي يرى أن "هناك شروطاً يجب أن تتوافر حتى تنجح محاولات الإصلاح من فوق، أهمها تمكين الشعب من بنى تحتية ضرورية تكنولوجية أو غيرها من أجل استكشاف مواقف وآراء المواطنين، وأيضاً توفير ضمانات لهم بقبول تلك المواقف والآراء وأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار"، موضحاً أن "بعض الدول العربية لا تزال بعيدة كل البعد عن استغلال المحامل الرقمية بسبب صعوبات مالية واقتصادية، وبالتالي فسعيها إلى التغيير من خلال إجراءات تبدأ من الأعلى لا يمكن أن ينجح إلا في حالات نادرة للغاية، ولا سيما في غياب أي انفتاح سياسي قادر على جعل المواطنين يفكرون بصوت عال".

واستدل العبيدي على "محاولات تونس قبل أعوام قليلة استشارة مواطنيها من أجل إصلاح التعليم عبر استشارة إلكترونية، لكن ولوج المواطنين إلى التطبيق آنذاك كان محدوداً للغاية بسبب البنية التحتية المتردية، ناهيك عن غياب الوعي بأهمية المشاركة وحتى الشعور بصعوبة التغيير من خلال هذه الآلية، ولذلك فهناك شروط يجب أن تتوافر في أية عملية إصلاح من فوق".

المزيد من تقارير