ملخص
تضمنت خطة ترمب ذات الـ20 بنداً بصورة واضحة لا لبس فيه إلزام "حماس" وضع أسلحتها خارج الاستخدام بصورة دائمة مع منح عفو كامل لمن ينزع سلاحه ويلتزم التعايش السلمي مع إسرائيل
مع قرب انتهاء المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار في غزة ودخول المرحلة الثانية نظرياً حيز التنفيذ يبرز ملف سلاح "حماس" كأكبر القضايا صعوبة، لكن بعد عامين من الحرب ماذا تبقى من سلاح الحركة وما مصيره؟
عندما أعلنت إسرائيل الحرب على غزة حددت الهدف الاستراتيجي لها في نزع سلاح "حماس" والقطاع بصورة عامة، وحاولت تطبيق هذا البند بالقوة العسكرية، لكنها لم تنجح، لذا ضمنت اتفاق إنهاء القتال بشرط تسليم الحركة الفلسطينية لسلاحها.
إجماع دولي أقرب إلى الالتزام
تضمنت خطة ترمب ذات الـ20 بنداً بصورة واضحة لا لبس فيه إلزام "حماس" وضع أسلحتها خارج الاستخدام بصورة دائمة مع منح عفو كامل لمن ينزع سلاحه ويلتزم التعايش السلمي مع إسرائيل.
ليس خطة السلام والازدهار وحدها التي تطالب "حماس" بنزع سلاحها، وإنما تنص وثيقة حل الدولتين التي قادتها السعودية وفرنسا على تسليم الحركة سلاحها إلى السلطة الفلسطينية، ووضعت هذا شرطاً أساساً لإطلاق مسار الدولة الفلسطينية المستقلة.
بدا واضحاً الآن أن هناك إجماعاً عربياً ودولياً على ضرورة نزع سلاح "حماس"، وحتى في إسرائيل لا يزال ذلك هدفاً لا تراجع عنه، وفي ظل جهود الاستقرار الحالية، فإن الحركة أمام اختبار تشعر بأنه حساس وتتعامل معه باهتمام بالغ.
ما أسلحة "حماس"؟
لعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما سلاح "حماس"؟ وماذا تبقى منه بعد عامين من الحرب؟ تحيط سرية غامضة بملف سلاح الحركة، ولم يسبق لها أن كشفت عن طبيعة عتادها العسكري وكميته، فهي تعتقد أن الحديث عن هذا الموضوع يوفر معلومات استخباراتية لإسرائيل عدوها الأول، لذلك حتى قادة الفصيل لم يسبق أن أدلوا بأية تصريحات نوعية في هذا الجانب.
معظم ما هو متوافر من معلومات عن سلاح "حماس" مبني على تقديرات إسرائيلية أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وتشير بياناته إلى قوة الحركة القتالية تضم كتائب وفرقاً قوامها يصل إلى 35 ألف مقاتل، جميعهم مدربون ومدججون بالأسلحة الموجودة في شبكة من أنفاق القتال والقيادة والسيطرة.
بحسب معهد الأمن القومي الإسرائيلي فإن عناصر "حماس" مسلحون بعشرات الآلاف من الأسلحة الخفيفة، مثل بنادق كلاشينكوف الهجومية وبنادق القنص والرشاشات وكميات كبيرة من القنابل اليدوية والعبوات الناسفة والأجهزة المتفجرة.
وتمتلك "حماس"، وفقاً لتقديرات المعهد الإسرائيلي، مجموعة متنوعة من قاذفات صواريخ "آر بي جي"، وأنواعاً مختلفة من صواريخ "كورنيت" القاتلة، والتي تشكل تهديداً للدبابات.
وتمتلك "حماس" 30 ألف صاروخ متنوعة بين قصير المدى حتى 10 كيلومترات، ومتوسط حتى 40 كيلومتراً، وطويل المدى حتى 250 كيلومتراً، مع عدد غير معروف من الطائرات من دون طيار للتصوير أو الهجوم أو الطائرات الانتحارية، ونحو 20 قاذفة هاون.
ماذا فقدت "حماس" في الحرب؟
جميع هذه التقديرات كانت قبل الحرب، ولكن بعد عامين من القتال تغيرت هذه الأرقام حتماً، إذ يقول متحدث الجيش الإسرائيلي إيفي ديفرين "دمرت قواتنا جزءاً كبيراً من مخزونات ’حماس’ الصاروخية ومنشآت إنتاجها، بما في ذلك البنية التحتية تحت الأرض المستخدمة للإنتاج المحلي، ومع ذلك احتفظت الحركة ببعض القدرات". ويوضح أنه "جرى القضاء على نحو 75 في المئة من كوادر ’حماس’، وتدمير المعسكرات والمقار والورش ومصانع الإنتاج العسكري فوق الأرض وتحتها، كذلك جرى القضاء على سلسلة القيادة إلى حد كبير، وأيضاً دمرنا 65 في المئة من شبكة الأنفاق، ولا يزال 35 في المئة من الأنفاق قيد التشغيل، وصادرنا أو حيدنا أو دمرنا الصواريخ المضادة للدبابات، إن كميات كبيرة من هذه الذخيرة قد انتهت، وهناك تقديرات بتحييد على 30 ألف مقاتل".
في إسرائيل هناك تضارب في شأن إنجازاتها في القضاء على قدرات "حماس" العسكرية، ولذلك لا تزال حتى بعد إيقاف الحرب تصر على نزع سلاح الحركة. ويقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "سيجري نزع سلاح ’حماس’ بالاتفاق أو الحرب، في المرحلة الثانية سنفكك سلاح الحركة وقطاع غزة سيصبح خالياً من السلاح، لقد دخلنا إلى رفح وسيطرنا على محور فيلادلفيا لوقف أي احتمالات لإدخال السلاح إلى غزة".
تحركات دولية
هذا التوجه بنزع سلاح "حماس" لم يعد إسرائيلياً، بل مطلب دولي، وجهزت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس وثيقة لوضع آليات لنزع سلاح "حماس". وبحسبها فإنه يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد تمويل وتوفير الخبرة اللازمة لنزع السلاح في غزة.
وأكدت القيادات الأميركية الذين زاروا إسرائيل خلال الأسبوع الماضي على نزع سلاح "حماس"، وهو ما شدد عليه الرئيس ترمب خلال خطابه أمام الكنيست، ثم نائبه جي دي فانس الذي قال إنه قرار نهائي لكن الأمر سيستغرق وقتاً ولا موعد نهائي لنزع السلاح. أما وزير الخارجية ماركو روبيو فقال "إذا رفضت ’حماس’ نزع سلاحها، فإن ذلك يعد انتهاكاً للاتفاق، وسيجري إرغامها على ذلك بتطبيق الإجراءات اللازمة".
وشدد المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر على ضرورة تسليم "حماس" سلاحها، لأن واشنطن تعد هذه الخطوة ضرورة لضمان أمن إسرائيل واستقرار المنطقة، وهذه الخطوة مرتبطة بإعادة بناء النصف الغربي من غزة الذي لا تزال الحركة تسيطر عليه.
في المحصلة الجميع متفق على نزع سلاح "حماس" من دون توضيح ما هو هذا السلاح الذين يريدون من الحركة تسليمه، ومن الجهة التي ستعمل على ذلك وستحتفظ بهذا العتاد، ومتى سيحصل ذلك؟
يجيب الرئيس ترمب عن هذه الاستفسارات قائلاً "لا يوجد جدول زمني قطعي لنزع سلاح ’حماس’، تنفيذ ذلك يعتمد على تطور الأوضاع ميدانياً وسياسياً، وليس هناك مسار صارم، سنرى كيف ستسير الأمور، وعلى الحركة القيام بما يقع على عاتقها خلال هذه المرحلة".
معضلة مصطلحات
في الواقع يواجه سلاح "حماس" معضلة مصطلحات كبيرة، ففي إسرائيل يستخدمون عبارة واحدة "نزع السلاح"، أما في خطة ترمب للسلام والازدهار فهناك مصطلح مختلف في المعنى والمضمون والتنفيذ، إذ تستخدم عبارة "على 'حماس' وضع أسلحتها خارج الاستخدام بصورة دائمة"، أما في وثيقة حل الدولتين فإن العبارة المستخدمة هي "تسليم السلاح للسلطة الفلسطينية".
لكل مصطلح من تلك معاني ودلالات وآليات تنفيذ مختلفة، إذ يشير المتخصص في مجال القانون الدولي أيمن أبو عيشة إلى وجود مفاهيم دقيقة للمعاني السياسية والعسكرية الكامنة خلف مفردات مثل نزع السلاح وتسليمه وإلقائه، وترسم كل كلمة حدوداً فاصلة بين المعنى العسكري للمقاومة والمعنى السياسي للسيادة. ويقول "الجدل حول سلاح ’حماس’ لا يمكن فهمه من دون التمييز بين المصطلحات الثلاثة التي أصبحت تتردد في الخطاب الدولي، فنزع السلاح يعني الاستسلام الكامل وإلغاء الإرادة القتالية والسياسية وهو ما ترفضه الحركات المقاومة تاريخياً". ويذكر أن "إلقاء السلاح، له دلالات رمزية أكثر من كونه اعترافاً بالهزيمة، ويعني إنهاء الصراع، بينما تسليم السلاح لا يعني الهزيمة بالضرورة، بل يشير إلى انتقال السلاح إلى جهة شرعية معترف بها، وهو السيناريو الذي يمكن أن يشكل مخرجاً سياسياً لـ’حماس’ إذا اختارت الانتظام في مشروع إعادة الإعمار".
وبحسب أبو عيشة فإن أمر التنفيذ مرتبط بأي الوثائق سيجري اعتمادها، هل خطة ترمب للسلام، والتي تحولت إلى وثيقة عالمية؟ أم وثيقة حل الدولتين التي قادتها السعودية وفرنسا؟ والفرق هنا أن الأولى تطالب بوضع السلاح وعدم استخدامه، والثانية تنص على تسليم السلاح إلى سلطة فلسطينية.
مشكلة أخرى
يبدو أن موضوع نزع سلاح "حماس" ليس مرتبطاً بأزمة المصطلحات فحسب، بل أيضاً بماهية السلاح الذي تريد إسرائيل من الحركة الفلسطينية التخلي عنه وتسليمه، هل خرائط الأنفاق أو الصواريخ، وربما البنادق الخفيفة والعبوات الناسفة؟
بالنسبة إلى نتنياهو فإنه يريد كل شيء حتى السلاح الخفيف الموجود بيد الغزيين من عائلات وعشائر لأغراض شخصية، لكن المؤسسة الأمنية في إسرائيل ترى غير ذلك، وتعتقد أنه بعد إنجازاتها في تدمير بنية الحركة العسكرية فإن الفكرة الآن في تسليم خرائط الأنفاق وتدميرها.
ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، "نزع سلاح غزة يعني تدمير أنفاق ’حماس’، 60 في المئة من أنفاق الحركة لا تزال قائمة في غزة، التحدي الرئيس لنا بعد عودة الرهائن سيكون التأكد من تدمير جميع الأنفاق، إما بصورة مباشرة، وإما عبر الآلية الدولية تحت قيادة الولايات المتحدة، هذا هو الهدف الأساس من تنفيذ المبدأ المتفق عليه لنزع السلاح".
كان كاتس واضحاً جداً، إسرائيل تريد تدمير الأنفاق سواء عبر جنودها أو من خلال المؤسسة المدنية العسكرية التي تديرها نحو 20 دولة لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، وهذا يعني تخويل جهة ثالثة لهذه المهمة.
نزع السلاح بدأ في غزة الشرقية
في حديث آخر لكاتس أوضح، "أصدرت تعليمات للجيش بالاستعداد لنزع سلاح ’حماس’ بوضع آليات لتدمير أنفاق الحركة في المنطقة الصفراء، وبالتوازي نجري حواراً مع ممثلي الولايات المتحدة في مركز المهام الإنسانية والعسكرية لتفكيك أنفاق الحركة في مناطق سيطرتها".
وفقاً للمعلومات الواردة، فإن إسرائيل بالفعل بدأت بمشاركة دول مشاركة في غرفة المهام العسكرية المدنية في تدمير أنفاق "حماس" في غزة الشرقية التي تقع خلف الخط الأصفر ولا يزال الجيش يسيطر عليها.
وفي ظل كل هذه الجهود ما موقف "حماس" في أحاديث قيادتها هناك تضارب وعدم ثبات على موقف واحد في شأن نزع السلاح، ولكن هناك مفاهيم عامة يُقرأ منها أن الحركة مستعدة للتخلي عن سلاحها، ولكن المشكلة في الكيفية والنوعية والجهة التي من المقرر أن تتسلمه.
"حماس" متفهمة
يقول القائم بأعمال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحية، "سلاحنا مرتبط بوجود الاحتلال والعدوان، وإذا انتهى الاحتلال فسيؤول هذا السلاح إلى الدولة، السلاح لا يزال موضع نقاش مع الفصائل والوسطاء، والاتفاق لا يزال في بدايته، لن نتخذ موقفاً من دون الموقف الوطني المتفق عليه".
أما عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق فيقول "مستعدون للتفاوض على المرحلة الثانية من خطة ترمب، الحركة ستسلم السلاح للدولة الفلسطينية القادمة. مستقبل الشعب الفلسطيني مسألة وطنية لا تقرر ’حماس’ وحدها فيها، من يحكم غزة سيكون بيده السلاح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن محمد نزال عضو آخر في مكتب "حماس" السياسي يقول "السلاح موضوع وطني عام، ولا يخص الحركة وحدها، فهناك فصائل أخرى فاعلة على الأرض تمتلك سلاحاً، لا يستطيع أحد الإجابة بنعم أو لا عن سؤال ما إذا كانت الحركة ستتخلى عن سلاحها".
ويؤكد متحدث "حماس" حازم قاسم بدوره أن "ما تمتلكه الحركة من أسلحة بسيط وجرى تضخيمه إعلامياً"، ورأى أن ملف نزع السلاح شائك ومعقد، لكنه قابل للحل ضمن مقاربة وطنية شاملة.
ذريعة لبقاء الوضع على حاله
بشارة بحبح رئيس لجنة العرب الأميركيين والمفاوض الفلسطيني الأميركي جلس مع قيادات "حماس" مرات كثيرة وناقش معهم ملف السلاح، يقول بدوره "الحركة مستعدة لتسليم أسلحتها الثقيلة إلى جهة فلسطينية أو عربية، إذا عرف نزع السلاح بأنه تسليم معدات ثقيلة أو معدات عسكرية يمكن أن تقتل أربعة أو خمسة أشخاص في آنٍ واحدٍ، فأعتقد شخصياً أن ’حماس’ ستكون منفتحة على ذلك، لكن في الوقت نفسه هم يصرون على أنهم يرغبون في الاحتفاظ بأسلحتهم الشخصية لحماية أنفسهم في حال تعرضهم لهجوم".
الباحث في القضايا الإسرائيلية فارس السرفندي لا يرى أية حلول لمسألة سلاح "حماس"، إذ يقول "الحديث الإسرائيلي عن نزع السلاح ليس سوى ذريعة للإبقاء على الوضع القائم في قطاع غزة لفترة طويلة، ونتنياهو يسعى إلى تكرار التجربة اللبنانية، من خلال السيطرة الجزئية والمستمرة على القطاع تحت عنوان الأمن ونزع السلاح". ويؤكد أن "اتفاق لبنان كان ينص على نزع سلاح ’حزب الله’، اليوم نرى النموذج ذاته يُعاد في غزة، إسرائيل تريد الحفاظ على الخط الأصفر بالتالي ستواصل استخدام هذا المبرر للإبقاء على الوضع القائم، بما في ذلك إغلاق معبر رفح ومنع إدخال المساعدات أو تقليصها".