Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تسعى بكين لتجاوز الدولار في المعاملات المالية الدولية؟

توسيع التعامل بنظام المدفوعات الصيني البديل لـ"سويفت" مؤشر إلى تراجع الثقة في العملة الأميركية

في الأعوام الأخيرة بدأت أنظمة منافسة تحصل على حصة من المعاملات المالية على "سويفت" (أ ف ب)

ملخص

في ظل هذا المناخ غير المستقر، تسعى قوى أخرى حول العالم للوصول إلى أدوات مالية بعيدة من الدولار بل وبعيدة من نظم الدفع والمداولات المصرفية المرتبطة بالدولار أو تهيمن عليها الولايات المتحدة.

 

مع استمرار تراجع سعر صرف الدولار الأميركي يتجه العالم نحو مزيد من بيع الدولار والأصول الدولارية واستبدال الذهب بها أو غيره تحسباً للاضطراب الناجم عن سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

في ظل هذا المناخ غير المستقر تسعى قوى أخرى حول العالم للوصول إلى أدوات مالية بعيدة من الدولار، بل وبعيدة من نظم الدفع والمداولات المصرفية المرتبطة بالدولار أو تهيمن عليها الولايات المتحدة.

في ظل تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، يتحسب كل طرف لما يمكن أن يتخذه الطرف الآخر من إجراءات تضره، ومن بين تلك الإجراءات، غير العقوبات وفرض التعريفة الجمركية وما شابه، تقييد الوصول لنظام التبادل المصرفي الشهير "سويفت" الذي يتحكم في معظم المعاملات المالية بين المصارف والمدفوعات والتحويلات حول العالم، وهو نظام رسائل مصرفية متبادلة يشترك فيه معظم القطاع المصرفي والمؤسسات المالية وغيرها.

ومنذ بداية تصعيد العقوبات على إيران قبل عقود ومنها حظر وصولها إلى نظام "سويفت" المصرفي في سياق تجفيف مواردها المالية الخارجية، بدأت دول عدة في تطوير نظم رسائل مصرفية بديلة لـ"سويفت"، لكنها ظلت محدودة العضوية والنطاق لاقتصارها على التعاملات الخارجية بعملة الدولة المعنية.

"سويفت" وتاريخه

معنى "SWIFT" هو اختصار بالأحرف الأولى للاسم "جمعية الاتصالات الدولية بين البنوك"، وهو نظام إلكتروني مشفر يقتصر استخدامه على الأعضاء لتبادل الرسائل الخاصة بالمعاملات المالية والخدمات بين البنوك والمؤسسات المالية حول العالم.

ولا يحتفظ النظام بأي أصول مالية وليس له رأسمال سوى موازنة تشغيله السنوية التي تأتي من اشتراكات الأعضاء والرسوم البسيطة.

والنظام عبارة عن برنامج كمبيوتر مغلق وضع لمصلحة المؤسسين قبل أكثر من نصف قرن ويتم تطويره باستمرار، ويخصص النظام رمزاً مما بين 8 و11 حرفاً (وربما أحرف وأرقام) تمثل تعريفاً حصرياً لكل بنك أو مؤسسة مالية مشاركة فيه مع بلدها وربما أيضاً فرعها في هذا البلد أو ذاك.

قبل "سويفت" كانت البنوك والمؤسسات المالية تستخدم "التليكس" في مراسلاتها في شأن تعاملاتها مع بعضها ومع عملائها، لكن "التليكس" كانت لديه عيوب كثيرة منها البطء الشديد وعدم أمانه التام لاضطرار المتعاملين به إلى استخدام رسائل مفصلة حول كل معاملة، وكان يعاني كثيراً مشكلات بسبب أخطاء بشرية في ترميز الرسائل أو فك شيفرتها بسبب طولها وتفصيلاتها الكثيرة.

وحسب كلية لندن للاقتصاد "LSE" لم يكن نظام الرمز الكودي مستخدماً في نظام "التليكس" أيضاً، وهو ما ميز "سويفت".

وعن تاريخ "سويفت"، تقول الجامعة "أخذ دعم شبكة مشتركة للمعاملات شكلاً مؤسسياً حين أسس ستة بنوك في جمعية ’الماليين الأوروبية‘ في لوكسمبورغ وباريس بنهاية الستينيات مشروع تبادل الرسائل".

وعام 1973 شارك 239 مصرفاً في 15 بلداً في إطلاق نظام "سويفت"، وعام 1977 وصل عدد المشتركين إلى 518 مصرفاً في 22 بلداً.

وهناك نحو 11 ألف مشترك في النظام من مختلف دول العالم، وواصل "سويفت" النمو سنوياً، ففي عام 2020 بلغ تشغيل النظام نحو 35 مليون رسالة يومياً، ارتفع الحجم في 2021 ليصل إلى 42.5 مليون رسالة يومياً، بزيادة 9.8 في المئة على العام السابق، لكن في الأعوام القليلة الأخيرة بدأت أنظمة منافسة تحصل على حصة من المعاملات المالية العالمية على "سويفت".

منافسة النظام المالي

وبدأت روسيا، بعد حرب ضمها جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014 في تطوير نظام بديل لـ"سويفت" لتفادي حظرها من النظام المالي العالمي على غرار ما حدث مع إيران.

في الوقت ذاته طورت الصين نظاماً آخر للمعاملات بعملتها الرينمنبي (اليوان) تحسباً لعقوبات غربية من ناحية، وأيضاً لتحصين تعاملاتها مع شركائها من دول آسيا والشرق الأوسط من أي اضطراب نتيجة استخدام نظام تهيمن عليه الولايات المتحدة.

وطورت روسيا قبل أكثر من عقد نظام نقل الرسائل المالية "أس بي أف أس" للمؤسسات المالية المحلية والعالمية، واشترك فيه عدد من المصارف والمؤسسات المالية من شركاء روسيا التجاريين، وهيمن على النظام التعامل بالروبل الروسي من دون الحاجة إلى الحسم مقابل الدولار في المدفوعات والتحويلات والمبادلات، لكن إذا أخذنا في الاعتبار عدد المشتركين في النظم الروسي يظل محدود النطاق والتأثير عالمياً.

في العام التالي 2015 طورت الصين نظام المدفوعات بين البنوك العابر للحدود "سي أي بي أس" الذي يشرف عليه بنك الشعب (البنك المركزي الصيني).

ويستخدم النظام كبديل لـ"سويفت" فتعاملاته تهيمن عليها العملة الصينية مع الشركاء التجاريين، خصوصاً الدول التي دخلت في مبادرة "الحزام والطريق".

هناك نظم تبادل رسائل مالية أخرى مثل "فيدواير" أي شبكة رسائل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، ونظام "ريبل" و"تشيبس" أي نظام مدفوعات إدارات الحسم بين البنوك، لكن استخدام تلك النظم يظل محدوداً مقارنة بـ"سويفت" الذي ظل نصيبه يقارب نصف المعاملات المالية العالمية.

توسع النظام الصيني

وشهدت الأعوام الأخيرة محاولات من جانب كثير من الدول للخروج من الأنظمة المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والغرب، تزامناً مع جهود لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في التبادلات المالية والتجارة العالمية، سواء من قبل مجموعة "بريكس" أو غيرها.

وزادت وتيرة ذلك التوجه بعد فرض أميركا والغرب عقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا قبل ثلاثة أعوام تضمنت تجميد الأصول الأجنبية الروسية بالدولار بمئات المليارات.

وبحلول منتصف أبريل (نيسان) 2025، وسع البنك المركزي الصيني نطاق نظام "سي أي بي أس" بزيادة عدد المشتركين فيه من خارج الصين، ليس فحسب في سياق زيادة نصيب العملة الصينية من التعاملات المالية العالمية وإنما أيضاً تحسباً لأي قيود أميركية وغربية على وصول الصين لـ"سويفت".

وفي خطوة وصفت في وسائل الإعلام الاقتصادية بأنها ثورة رقمية تهز النظام المالي العالمي ربطت الصين عملتها الرقمية بشبكة من 16 دولة، منها 10 دول آسيوية وست من الشرق الأوسط، تغطي ما يقارب 38 في المئة من التجارة العالمية خارج نطاق سيطرة الدولار الأميركي و"سويفت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجاءت المقارنات لمصلحة النظام الصيني الذي يمكن العملاء من تنفيذ التحويلات المالية في زمن قياسي لا يتجاوز سبع ثوان، متجاوزاً بذلك بطء وتعقيد النظام التقليدي "سويفت" الذي تأخذ المعاملات عبره ما بين ثلاثة وخمسة أيام عمل، كذلك فإن النظام الصيني يخفض رسوم التحويلات والمدفوعات والمبادلات بنسبة تصل إلى 98 في المئة عن رسوم النظام التقليدي.

وحسب التصريحات الرسمية الصينية يعتمد النظام الجديد على تقنية دفتر الأستاذ الموزع "DLT"، وهو ما يضمن الشفافية ويقلل الكلف، أيضاً النظام مزود بآليات تلقائية لمكافحة غسل الأموال، بما يوفر طبقات أخرى مكلفة من الرقابة والتدقيق على "سويفت".

بدأ التوسع في نظام "سي أي بي أس" في التعاملات بين الصين ودول مجموعة "آسيان"، وبلغت التسويات عبر النظام العام الماضي 2024 ما يصل إلى 5.8 تريليون يوان (740 مليار دولار) بزيادة 120 في المئة على تعاملات عام 2021، وزادت التسويات عبر النظام الصيني مع دول الخليج وبقية دول الشرق الأوسط بنسبة أكبر، وهناك الآن نحو 200 دولة تشترك في النظام الصيني المنافس لـ"سويفت".

دعم العملة والتحوط لسياسات الغرب

ويشكل نظام "سي أي بي أس" دعماً مباشراً لمبادرة "الحزام والطريق" التي يعدها الرئيس الصيني شي جينبينغ أولوية فترة رئاسته للصين، ويستخدم اليوان الرقمي فعلياً في تمويل مشروعات البنية التحتية والنقل والاتصالات الكمية في كل الدول المشاركة في المبادرة.

وحتى الآن، تكيف نحو 87 في المئة من دول العالم بالفعل مع النظام الصيني، وأصبحت بنوك عالمية كبرى مثل "أتش أس بي سي" وغيره مشتركة في النظام الصيني.

وبغض النظر عن جهود تدويل العملة الصينية بزيادة نصيبها من المعاملات المالية العالمية على حساب الدولار، فإن الصين تريد وقاية نسبة كبيرة من تعاملاتها من تقلبات الدولار ومن أخطار "سويفت".

قبل عامين نشرت "مؤسسة الدراسات العلمية" مدونة على موقعها جاء فيها أن الدافع الأهم لهذا التدويل هو الاستقلال عن النظام المالي العالمي والتجاري الدولي الذي يهيمن عليه الدولار، وتعزيز تجارة الصين الخارجية وحمايتها.

وأضافت المدونة "في حين أن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر للصين، فإن ما يقارب من نصف تجارة الصين يتعلق بسلع التجهيز، وهذا يعني أن الأجزاء والمكونات التي تأتي من دول شرق آسيا الأخرى تجمع في الصين من أجل تصديرها إلى الغرب، ونظراً إلى أن حركة المنتجات هذه لا تشمل الولايات المتحدة، فمن المنطقي إجراء هذه المعاملات الإقليمية وتسويتها باليوان ونظام الدفع الصيني، وهو ما من شأنه أن يساعد المصدرين والمستوردين على خفض كلف المعاملات وتقليل أخطار سعر الصرف الأجنبي المرتبطة باستخدام الدولار".

هناك أيضاً من يرى أن الصين تتحوط من محاولات الولايات تخفيض قيمة ديونها بالتخفيض القسري لقيمة الدولار، كما ذكر الاقتصادي المصري محمود علام في مقالات عدة على صفحته بموقع التواصل "فيسبوك"، ومعروف أن الصين تمتلك حصة كبيرة من سندات الخزانة الأميركية، إذ إنها من كبار الدائنين للولايات المتحدة مع اليابان وبعض الدول الأخرى.

اقرأ المزيد