ملخص
ارتفعت شعبية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مجدداً إلى مستويات 2013–2014، ليس بناءً على استطلاعات علمية، بل على "ترمومتر الشارع" أي إشارات اجتماعية وعاطفية يمكن رصدها من المزاج الشعبي، وحديث الناس، ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي.
على رغم غياب الاستطلاعات وشح الاستبيانات وقلة القياسات، فإنه يمكن القول إن شعبية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أعقاب "قمة شرم الشيخ للسلام: اتفاق إنهاء الحرب في غزة" عادت لتناطح مستويات عامي 2013 و2014 القياسيتين.
كلاسيكياً، قياس مستويات الرضا أو السخط، والتأييد أو المعارضة، لسياسي وسياسته، أو وزير وقراراته، أو رئيس وأدائه يحتاجان إلى منظومة من قياسات الرأي العام المستقلة أو المضمونة أو الموثوق بها، أو كل ما سبق، عبر استفتاء أو استطلاع أو تحليل مضمون لتعليقات وآراء الناس، للوقوف على اتجاهات المواطنين ومستوى تقييمهم لإجراءات أو قرارات أو سياسات تمس حياتهم.
وفي السياق الكلاسيكي ذاته، يبحر خبراء القياس ويغوص متخصصو الرأي العام في سجالات حول المسح الممثل وغير الممثل، والأعداد المقبولة لتكون النتائج ممثلة فعلية، ومعايير تصميم نموذج الاستبيان المثالي، وقواعد تحليل البيانات المعمول بها، إلى آخر جدليات المتخصصين في الأحوال التي تتاح فيها استطلاعات الرأي العام أصلاً.
بعد من الكلاسيكية
وخلال العقد ونصف العقد الماضيين، ابتعدت مصر من النهج الكلاسيكي في مسائل قياس الرأي العام لأسباب عدة، وسار الراغبون في القياس، أو استنباطه، أو استشفافه في مسارات بديلة مثل متابعة أحاديث الشارع، أو تحليل مضمون تعليقات محتوى الـ"سوشيال ميديا"، أو قياس نبض الشارع، لكن من دون الإمساك برسغ المواطن وبدء العد.
وبعيداً من مدى موضوعية أو كفاءة أو علمية سبل القياس البديلة، تبقى شائعة ورائجة، والأغرب، أنها أقرب ما تكون إلى الواقع، شرط إقصاء شوائب التهويل الموجهة والتهوين المسيسة.
وشعبية السيسي بين المصريين هذه الأيام تناطح السماء، لكنها مناطحة من نوع فريد، إذ إن بعضاً من مكوناتها يحوي معارضين سياسيين، ومنهكين بسبب أوجاع الاقتصاد، ومحبطين جراء الوضع العام سواء داخلياً أو إقليمياً أو دولياً.
ورؤى العين في الشارع واستراق السمع في المواصلات العامة والأسواق وقوة الاستنباط عبر التصفح المتأني المستمر لمحتوى الـ"سوشيال ميديا"، ولا سيما التعليقات تنبئ بأن شعبية الرئيس عادت. وعودة شعبية الرئيس في ضوء مؤتمر شرم الشيخ، الحافل بالأحداث، المتخم بالتفاصيل، المفعم بالإثارة، المحاط بالتكهن، المثير لقيل وقال الكوكب، تقول كثيراً عن الرأي العام المصري.
هذا الرأي العام الفريد في توجهاته، المختلف في محركاته أتعبه الاقتصاد، لكن لم ينل من قدرته على قراءة المشاهد السياسية والمعاني الدبلوماسية والرسائل المبطنة، مهما ادعى أنه منفصل عن السياسة، أو قال عن نفسه إنه غير مهتم إلا بقوت يومه وفرصة غده، استيقظ من غفلته، وعبّر عن فرحته، وجاهر بحب أو احترام أو شكر أو عرفان بـ"الريس"، وهو لقب الرئيس العامي الذي يطلقه المصريون على الرئيس وقت الوئام والامتنان.
مؤيدون ومعارضون ومحبطون
واللافت أن المجاهرين بينهم معارضون ومحبطون ومكتئبون. بين صدمات اقتصادية متتالية وتضييقات في المجال العام مزعجة، ورغبات يرى بعضهم أنها لم تلبَّ في شأن التعبير السياسي والتعددية الحقيقية وحرية الإعلام، وإنهاكات بسبب صراعات تحيط بالوطن مرة من الغرب، وأخرى من الجنوب، وثالثة على البوابة الشرقية، ناهيك عن تملك بعضهم مشاعر الغضب والحزن وقلة الحيلة جراء حرب غزة على مدى عامين، تأثرت شعبية الرئيس مرة صعوداً وأخرى هبوطاً طوال سنوات الحكم.
وعقب الاستجابة لرغبة شعبية عارمة في التخلص من حكم جماعة "الإخوان المسلمين" عام 2013، تفجرت شعبية وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي تفجراً لم تشهده مصر منذ ما يزيد على ستة عقود. وكما هو متوقع، ذهبت سكرة الرغبة العارمة في الخلاص من حكم الجماعة، وبعدها القلق البالغ من الإرهاب وافتقاد الأمن، ثم جاءت الفكرة بعد ضمان الخلاص وتحقيق الأمان. ومع الفكرة، جاءت سلسلة متصلة الحلقات من المصاعب الاقتصادية، والحلول التي يؤدي بعضها إلى مزيد من المصاعب، وتربص وباء عالمي، ثم حرب على الجانب الآخر من الكوكب، وأخيراً صراع على البوابة الشرقية، وفي تلك الأثناء بناء سد يهدد أمنهم المائي والحياتي لينال كل منها من آمال المصريين وطموحاتهم بالتوالي وأحياناً بالتزامن.
أيوب وسعر صدر التحمل
المواطن المصري البسيط، وأحياناً غير البسيط، يفقد سعة صدره في التحمل، ورجاحة عقله في التفهم حين يطول الانتظار، أو تتواتر المشكلات، أو يتملكه شعور بأن قوى العالم تتآمر حتى تبقي عليه غير قادر على النهوض. وأضيف إلى تلك التوليفة التي يتزعمها الاقتصاد شعور يكرهه المصري من دون أن يدري أنه يتعلق بحب الوطن بالضرورة، بأن مصر بعيدة من بؤرة الاهتمام أو فاقدة بوصلة الاتجاه.
من جهة أخرى، وعلى رغم سمعة المصري في الصبر لدرجة تضعه في مصاف المنافسة مع "أيوب"، فإن صبره في ما يتعلق بثمار الإصلاح ونتائج الاجتماعات والشراكات وآثار المبادرات، يبقى محل نقاش.
عام التعويم الجذري
هذه المشاعر والضغوط المتضاربة تتقاذف المصريين منذ عام 2016، عام التعويم الجذري الأول. ومع كل احتدام للمصاعب، تتأثر شعبية الرئيس سلباً، ومع كل انفراجة، ولو بسيطة، تتأثر شعبية الرئيس إيجاباً.
وآخر، أو ربما أحدث، استطلاع رأي أجري، بحسب المعايير التقليدية والمفهوم الكلاسيكي لقياس الرأي العام عن شعبية الرئيس، تحديداً تقييم المصريين لأداء السيسي، كان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016. وبحسب المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) قال 68 في المئة من المستطلعة آراؤهم إنهم راضون على أداء الرئيس بعد مرور 28 شهراً على توليه الرئاسية، أي إن نسبة الرضا انخفضت بعد ما كانت 82 في المئة في أغسطس (آب) من العام نفسه. وعن أسباب الرضا، جاءت قناة السويس الجديدة في المقام الأول، يليها تحسن الأمن ومواجهة الإرهاب، ثم شبكة الطرق والكباري، تليها مشاريع الإسكان. واللافت أن 22 في المئة من الراضين عن أداء الرئيس في ذلك الوقت لم يحددوا سبباً ما للرضا. أما أسباب عدم الرضا، فجاءت كالتالي ارتفاع الأسعار، ثم قلة فرص العمل، يليها عدم تحسن الأوضاع، ثم سوء الأحوال الاجتماعية، وأخيراً افتقاد العدالة الاجتماعية.
صعود وهبوط والمصري الفصيح
والأعوام التسعة التالية لهذا الاستطلاع تركت لشعور فطري ذكي بصعود الشعبية حيناً، وهبوطها حيناً. وبحنكة المصري الفصيح، نأى بنفسه عن تأكيد الأصوات التي نصبت نفسها، من دون أن يطلب منها أحد في الأقل مباشرة، "متحدثاً باسم الدولة والرئيس والحكومة" بأن "كله تمام"، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما هي عليه الحال. كما تابع، من دون شرط التفاعل أو التأثر بالضفة الأخرى، حيث قنوات وأصوات ولجان وأفراد لم تكل أو تمل من الطعن في كل كبيرة وصغيرة على أرض مصر، وقياداتها وحكومتها ومواطنيها.
وعلى ذكر الطعن المستمر، شهد عاما حرب القطاع جهوداً غير مسبوقة من قبل جهات عدة للتشكيك، ومحاولات بث الفتن، ونشر التشكيك، ونثر الريبة في ما يختص بدور مصر، إن لم يكن عبر مطالبة أكد الخبراء أنها غير منطقية لفتح معبر رفح بينما إسرائيل تغلقه وتسيطر عليه من الجانب الآخر، فبفتح الحدود المصرية أمام قوافل عابرة للدول تقول عن نفسها إنها "صمود"، ومسيرات تحدد هدفها بالزحف من أجل التحرير، وإن لم يكن هذا أو ذاك، فبالسؤال "البريء" لماذا لا ينطلق الجيش المصري ليحرر غزة وأهلها؟!
أوتار طاعنة
والدق على هذه الأوتار ذات النبرات الطاعنة، سار كذلك في طريق لوح ولمح إلى أن "مصر تستعد لاستقبال أهل غزة ممن سيُهجرون"، وأن "المصريين يشاركون في مخطط تفريغ القطاع من أهله"، وأن "مصر تتخلى عن دورها التاريخي والجغرافي والإنساني الداعم للقضية" وغيرها من أقاويل، دق عليها بعضهم بطريقة احترافية عبر قنوات إعلامية مزودة بخبراء استراتيجيين ومحللين عسكريين ومؤرخين متخصصين، ودق عليها بعضهم الآخر شعبياً على أثير الـ"سوشيال ميديا" عبر جيوش المحللين العصاميين الآكلين على كل موائد الصراع.
وعلى رغم عدم وجود أدوات قياس حقيقية للرأي العام، فإنه يمكن القول إن تحالف مصاعب الاقتصاد، مع حماسة عفوية، لكن غير واقعية لدعم أهل غزة، إضافة إلى الدق على الأوتار الطاعنة أثرت سلباً في شعبية الرئيس، في الأقل بين المصريين الذين ينهلون المعارف من الـ"سوشيال ميديا"، وكذلك الإعلام الموجه لمصلحة جماعات.
رأي عام فريد
وشهدت الأعوام الـ10 الماضية عدداً من موجات صعود وهبوط شعبية الرئيس. وكثير منها، ولا سيما الصعود، أدهش غير المصريين، ولم لا؟ والرأي العام المصري يستحيل توقعه، ويصعب فهمها لغير المعايشين.
المفكر والكاتب والسياسي مصطفى الفقي ألقى ضوءاً على طبيعة هذا الرأي العام في مقالة عنوانها "الديمقراطية والرأي العام المصري" (أغسطس 2023). وكتب "فريد هو دور الرأي العام المصري في حياتنا، فهو أقوى من الممارسة الديمقراطية بصورة لا نكاد نجد لها نظيراً في تاريخ الدول الأخرى. الرأي العام في مصر هو ’ترمومتر‘ اختبار لرصد الرأي العام في المنطقة العربية، وربما الأفريقية والإسلامية، من خلال القضايا ذات الطابع الإقليمي أو الدولي، والسبب في ذلك ببساطة هو أن المصريين شعب لا تخلو حياته من الصخب السياسي والثرثرة الاجتماعية التي تتولد عنها شلالات من النميمة التي ساعدت فيها وزكت وجودها الـ’سوشيال ميديا‘، لذلك فإن قياس الرأي العام المصري يمكن أن يعفي أحياناً الحاكم من الالتزام بالإجراءات الديمقراطية المعتادة، والخروج عن المألوف والقفز عليه للوصول إلى منظومة الرأي العام كما تحددها قنوات الاتصال التي ترفع تقاريرها إلى الحاكم".
واستعرض الفقي طرقاً غير تقليدية جربت في مصر على مدى عهود سابقة لاستطلاع الرأي العام من قبل الدولة، ومن بينها ما كان يُرفع إلى القيادة على هيئة تقارير، ومنها ما كانت تأخذ به القيادة وكأنها بديل للممارسات الديمقراطية، وإن كان لا شيء يحل محل الديمقراطية.
إشاعات ونميمة وثرثرة
وأضاف "ولأن الشعب المصري يلتهم الإشاعات، ويمتص النميمة ويهوى الثرثرة، فقد كان من الطبيعي أن تتحول هذه الأجزاء إلى رموز للعمل الإعلامي، وتؤدي إلى تشكيل سياسة الدولة الداخلية والخارجية في كثير من القضايا". وقال عن الإطار التاريخي للرأي العام المصري إنه "يشكل جزءاً مهماً من الهوية المصرية، وقدرة المصريين على تجاوز فترات انكماش الإعلام الوطني في ظل ضرورات قومية أو حاجات سياسية، فإذاً المواطن المصري يصنع بخياله روايات أقرب إلى الأساطير تمكنه من متابعة الأحداث وفقاً لقراءته الخاصة لها وفهمه لأبعادها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضرب مثالاً بقوله "إذا أردنا أن نقيس الرأي العام العربي، فلنقف في وسط ميدان التحرير، ونستطلع رأي عينة عشوائية من المصريين حول حدث معين يهم المنطقة العربية، فسنكتشف أن التعبير العام عن الموقف الشامل هو تعبير حقيقي يكاد يكون مقياساً دقيقاً لظاهرة الرأي العام في فترة معينة".
صعود اضطراري
وهذا التوصيف ينطبق على موجات هبوط وصعود شعبية الرئيس السيسي، ومن بينها على سبيل المثال موجة الصعود الاضطراري إبان بدء حرب غزة عقب عملية حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، حين استشعر المصريون بأن الخطر على الباب من جهة، وأن ضياع ما بقي من القضية (الفلسطينية) يلوح في الأفق. واستجمعت الغالبية قوتها وتناست تراوح مواقفها من سياسات الرئيس وأولويات الحكومة، واصطفت وراء الدولة ممثلة بقيادتها. وبالطبع بقيت أقلية "تعوم على عوم" الـ"سوشيال ميديا" وتسلم إرادتها وأولوياتها إلى محترفي التشكيك، لكن الاصطفاف الوطني انعكس إيجاباً على شعبية الرئيس.
ومع تفجر فكرة "ريفييرا غزة"، وتصاعد المطالبات الأميركية والإسرائيلية بأن تستقبل مصر أهل القطاع تارة تهجيراً موقتاً لحين "التطهير"، وأخرى باعتباره حلاً مستداماً لإنهاء ما بقي من القضية، عاود المصريون اصطفافهم المنعكس صعوداً لشعبية القيادة السياسية.
حدث بالفعل
وأشارت "اندبندنت عربية" وقتها (فبراير 2025) إلى أن "شعبية الرئيس تقفز مجدداً محققة مستويات أقرب ما تكون إلى عقد مضى. ولولا المجاهرة بالتأييد من قبل مواطنين عاديين كانوا حتى الأمس القريب يهاجمون قرارات الاقتصاد وينددون بأولويات الإنفاق، ولولا إشهارات الدعم وتدوينات التعضيد الصادرة من أشخاص معروف عنهم المعارضة العتيدة، ولو على صفحات الـ "سوشيال ميديا"، لظنّ بعضهم أن الحديث عن ارتفاع شعبية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مسيّس أو موجه أو منظم".
كما أشارت "اندبندنت عربية" في حينها إلى "تبخر الأوجاع والآلام الاقتصادية في هواء التهديدات الخارجية والأخطار الإقليمية. فما جرى في نوفمبر عام 2023 بعد أسابيع من اشتعال حرب غزة الضروس وأثناء التجهيز لانتخابات الرئاسة المصرية، كان مثالاً واضحاً صريحاً على تبدد الآلام شعبياً أمام التهديدات والأخطار، مما صب أوتوماتيكياً في مصلحة شعبية الرئيس".
حدث هذا بالفعل، وهذه المرة، تعود معدلات الشعبية، تبعاً للقياسات "الشعبية" للصعود المباغت والملحوظ، لا بنتائج استطلاعات أو قياسات، لكن بـ"ترمومتر الشارع". فـ"ترمومتر الشارع" يظهر ارتفاعاً واضحاً في درجات حرارة الاعتزاز والفخر بأن مدينة مصرية استضافت هذا العدد غير المسبوق من قيادات دول العالم شرقاً وغرباً، بما فيها دول لم يسمع كثير عنها في سباق الصراع العربي - الإسرائيلي، بين يوم وليلة. ويشير الـ"ترمومتر" أيضاً إلى عودة، ولو كانت موقتة، للحديث المشبع برضا عن الانتماء وشعور طال كبته بالفخر بسيطرة اسم مصر على عناوين الأخبار في سياق آخر غير "قروض الصناديق" و"مصاعب الاقتصاد" و"المكانة في ترتيب الحريات" و"الإسلام السياسي السلمي الذي يستحق الوجود" وغيرها من العناوين التي تضعها غرف أخبار عالمية على رأس الساعة في كل ساعة على مدى العقد الماضي.
أقوى رجل في العالم
وشعبية السيسي في موجتها المتصاعدة الحالية تتخذ من حضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب مراسم اجتماع شرم الشيخ حضوراً درامياً مؤثراً لا يزال يجذب المحللين ويستحوذ على ساعات البث وجهود التفسير. فإضافة إلى هضم كامل لحقيقة أن ترمب بات "أقوى رجل في العالم"، يعي المصريون أن حضور ترمب يعني كثيراً، وأن ما قاله عن مصر وأمن مصر "والسير في الحدائق من دون أن تسرق أو تضرب على رأسك بمضرب بايسبول" تعني كثيراً جداً.
كما يعي المواطن المصري البسيط بذكائه الفطري، وبعيداً من موقفه الشخصي من الرئيس الأميركي وسياساته تجاه إسرائيل أن ما يصدر عن "أقوى رجل في العالم" يؤثر في العالم بغض النظر عن شعارات التظاهرات ولافتات الاعتراضات. ولذلك، فإن تفاصيل ما جرى في شرم الشيخ، واتفاق "إنهاء الحرب" في غزة كمرحلة أولى، ومشاهد عودة الآلاف من أهل غزة لبيوتهم، ولو كانت مدمرة بالكامل، والحديث عن قرب بدء إدخال المساعدات، والتنويه عن مؤتمرات أو اتفاقات أو تحركات من أجل إعادة الإعمار جميعها يذكر المصريين بما أشيع وراج عن "ضلوع مصر في مخطط التهجير"، وهو الضلوع الذي ثبت وهمه بحجة "مؤتمر شرم الشيخ" وبرهان الاستعدادات لإعادة الإعمار وإدخال المساعدات والإسهام في شاحنات لنقل العائدين لبيوتهم "المهدمة".
فضح للجيوش
من جهة أخرى، أسفرت مجريات الساعات الأخيرة عن فضح لقنوات وجيوش إلكترونية احترفت مهمة التشكيك في الرئيس المصري. فمن جهة، أدت مشاركة دول عرفت بدعمها لجماعة "الإخوان المسلمين" وترسيخ حكمها لمصر ودعم محاولاتها للعودة في اتفاق شرم الشيخ، إلى إسكات كثير من الأصوات. ومن جهة أخرى، فضحت مجريات مؤتمر شرم الشيخ، وما كشفت عنه من رفض سياسي مصري كامل للتهجير، ما كان يجري الترويج له على منصات تلفزيونية و"سوشيال ميديا"، مما أفقدها ولو موقتاً متابعة وتصديق بعض المصريين لرواياتها.
وصبّ كل ما سبق في مصلحة صعود شعبية الرئيس المصري بين المصريين، بمن فيهم من سلم نفسه إلى تشكيك الـ"سوشيال ميديا"، ومن عضّ الاقتصاد جيبه واقتص من رغيفه، وكذلك من اعتقد بأن معايير دعم فلسطين وحقن دماء أهل غزة تقتصر على فتح الحدود من دون ضابط، وإرسال الجيوش من دون رابط، وتشجيع تظاهرات الغضب والهتاف على السلالم والميادين وعلى باب المعبر.
وعلى باب الرئيس، تدق الأكف، ويعلو الضجيج، لكن لا تتبعه رياح تثور، وجبال تدور، وبحار تهيج كما شدت أم كلثوم في رائعتها "على باب مصر"، لكن ما يتبع الدق المتمثل في موجة صعود شعبية كبيرة، انتظار لما هو مقبل، فعودة، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد، لملف الاقتصاد وانتظار انعكاس الأرقام الإيجابية على الجيب، وكذلك متابعة لـ "اليوم التالي" لاتفاق إنهاء الحرب في غزة، هل يدوم؟ وكيف يستدام؟ من يعيد الإعمار؟ وتتوالى الموجات.