ملخص
تخصص الحكومة الصومالية جزءاً صغيراً من موازنتها الوطنية للرعاية الصحية، مما يحد من توافر الخدمات الطبية الأساسية وبرامج الصحة العامة، وبما أن الإنفاق الصحي غالباً ما يقل عن 7 في المئة من إجمال الإنفاق الحكومي، فإن مجالات حيوية مثل التحصين لا تحصل إلا على تمويل محلي محدود.
حذرت وزارة الصحة الصومالية من ارتفاع وفيات الأطفال بعد عودة ظهور وباء الدفتيريا وهو مرض كان يعتقد سابقاً أنه تحت السيطرة عالمياً، لكنه ينتشر الآن بسرعة مع نقص اللقاحات وخفض المساعدات مما يعرض ملايين الأطفال للخطر. وقال مستشار الصحة العامة بوزارة الصحة الاتحادية عبدالمجيد سياد أن الوزارة سجلت أكثر من 2728 حالة دفتيريا و120 حالة وفاة مرتبطة بها، بمعدل إماتة أربعة في المئة، من المرافق الصحية في مختلف أنحاء البلاد حيث ظهر الوباء للمرة الأولى عام 2023 بين النازحين في منطقة مهداي، واستمر تفشيه من دون انقطاع منذ ذلك الحين، وبحلول عام 2025 أصبح واحداً من أخطر الأزمات الصحية في البلاد.
أضاف سياد أنه مع بلوغ معدل الوفيات أربعة في المئة، نحو 80 في المئة من المرضى دون سن الـ15 سنة لم يتلقوا معظمهم جرعة لقاح واحدة، موضحاً أن "هذا ليس مجرد تفش للمرض، بل هو عودة ظهور مرض كان ينبغي الوقاية منه"، إذ نشهد ارتفاعاً في عدد الحالات أربعة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وتابع "لا ينبغي أن يموت طفل بسبب الدفتيريا، ومع ذلك تحدث وفيات يمكن الوقاية منها في الصومال بسبب اكتظاظ المستشفيات ونفاد العلاجات المنقذة للحياة".
قلق عالمي
ولفت سياد إلى أن "هذا التفشي بمثابة تحذير ظهور الدفتيريا من جديد ما يؤكد أن النظم الصحية هشة ولا تصل اللقاحات إلى الأطفال المحتاجين إليها، ما لم يتم التحرك الفوري الآن فلن تكون هذه المرة الأخيرة التي يواجه فيها الصومال عودة مرض يمكن الوقاية منه، إذ يعكس ارتفاع حالات الدفتيريا في الصومال اتجاهاً أوسع نطاقاً يثير قلق متخصصي الصحة العامة في العالم"، مشيراً إلى تحذير المسؤولين من أن تفشي المرض ليس مجرد أزمة وطنية بل هو مصدر قلق إقليمي وعالمي، منوهاً بأن تفاقم حركة التنقل عبر الحدود في منطقة القرن الأفريقي وضعف الأنظمة الصحية يرفعان نسبة خطر انتشار المرض خارج حدود الصومال.
يصل الأطفال المرضى في حال حرجة إلى المستشفيات، ويعانون صعوبة في التنفس، مع نفاد إمدادات محدودة من مضاد الدفتيريا، ويرفض العاملون الصحيون استقبالهم بسبب عدم توفر الدواء الذي يحتاج إليه المرضى، كما تعاني المستشفيات ضغطاً شديداً، ففي مستشفى "دي مارتينو" العام في مقديشو، أفاد موظفون بأن حالات دخول مرضى الدفتيريا ارتفعت من 49 حالة خلال العام الماضي بأكمله إلى ما يقارب 500 حالة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، كما تضاعفت الوفيات هناك بأكثر من ثلاثة أضعاف.
توفير اللقاحات
من جهته، أقر وزير الصحة علي حاجي آدم بأن الحكومة واجهت صعوبة في توفير ما يكفي من اللقاحات بسبب النقص العالمي، وقبل أن يخفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب معظم المساعدات الخارجية في وقت سابق من هذا العام، كانت الولايات المتحدة المانحة الإنسانية الرئيسة للصومال، وتمول موازنة الصحة في البلاد بالكامل تقريباً من المساعدات الخارجية، مما يعرض النظام للخطر عند انسحاب المانحين.
وأوضح وزير الصحة أن انخفاض الدعم دفع مئات العيادات إلى الإغلاق، وفرق التطعيم المتنقلة إلى وقف عملياتها، وقد فاقم النقص العالمي في اللقاحات ومضادات السموم الأزمة، مما يعني أن الصومال لم يتلق سوى جزء ضئيل من الإمدادات اللازمة.
وقامت وزارة الصحة، بدعم من منظمة الصحة العالمية، بتدريب العاملين في الخطوط الأمامية وتوزيع كميات محدودة من مضادات السموم على المستشفيات، وتنفذ حملات تطعيم على نطاق ضيق في المناطق العالية الخطورة، لكن التغطية لا تزال أقل بكثير من المطلوب لاحتواء تفشي المرض.
تحذيرات مستمرة
وحذر مسؤولو الصحة العامة من أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة، قد يترسخ مرض الدفتيريا مرة أخرى، ودعوا إلى تجديد التركيز على التحصين الروتيني، وإعادة تشغيل خدمات الصحة المتنقلة، وزيادة الاستثمار المحلي في مجال الصحة لتعويض إرهاق المتبرعين.
وأفادت منظمة الصحة العالمية بانخفاض معدلات تحصين الأطفال عالمياً في الأعوام الأخيرة، نتيجة الصراع والنزوح ونقص اللقاحات والتداعيات الطويلة لجائحة "كوفيد-19"، وعودة الأمراض التي كان يعتقد سابقاً أنها في طريقها إلى التلاشي، بما في ذلك الحصبة والكوليرا والسعال الديكي، إلى الظهور مجدداً في البيئات المعرضة للخطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استمرار العدوى
يعد تفشي المرض الحالي للوباء استمراراً لتفشي عام 2023، وتم الإبلاغ عن 2542 حالة مشتبه فيها من الدفتيريا و119 حالة وفاة مرتبطة بها (معدل الوفيات خمسة في المئة)، وقد زاد عدد الحالات المبلغ عنها في الأسابيع من الأول إلى الـ38 من العام الحالي بنحو أربعة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وخلال الأسبوع الـ38 وحده تم الإبلاغ عن 118 حالة مشتبهاً فيها وحالتي وفاة (معدل الوفيات اثنين في المئة) في 21 مقاطعة.
تقيد الصحة والتغذية
أعاقت تخفيضات التمويل منذ بداية العام الحالي، بصورة خطرة، برامج الصحة والتغذية في الصومال حيث تشكل هذه التخفيضات تهديداً كبيراً لنظام رعاية صحية هش أصلاً، كما أفاد شركاء الصحة بأن نحو ثمانية مستشفيات، و40 مرفق رعاية صحية أولية، و16 فريقاً متنقلاً يشغلها ستة شركاء، قد علقت خدماتها موقتاً في 21 مقاطعة عبر تسع مناطق. ومن المرجح أن يتفاقم هذا التأثير إذ من المقرر أن يتوقف كثير من المشاريع الصحية بحلول ديسمبر (كانون الأول) عام 2025 ما لم يتم تأمين تمويل جديد، وقد أثرت هذه التخفيضات في مرافق صحية حيوية عدة في البلاد، تمثل شريان حياة لآلاف الأشخاص، وسيؤدي إغلاقها إلى فقدان ما يقارب 8 آلاف شخص إمكان الحصول على الرعاية الصحية، مما قد يسبب ارتفاعاً حاداً في وفيات يمكن الوقاية منها، إضافة إلى ذلك أدى انخفاض قدرة العيادات المتنقلة، التي كانت تخدم سابقاً المجتمعات النائية والنازحة، إلى حرمان أكثر من 350 ألف شخص من خدمات أساسية مثل التطعيمات والاستجابة لتفشي الأمراض والوقاية من الأمراض والرعاية الصحية الأولية. وتأتي هذه التخفيضات في وقت تعاني فيه الصومال أزمة تغذية متصاعدة بسرعة، مع ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد وسط انخفاض شديد في مواقع التغذية العاملة. وبحلول منتصف عام 2025، أدى نقص التمويل، المدفوع إلى حد كبير بتعليق الدعم المالي الأميركي، إلى إغلاق أكثر من 300 مركز تغذية.
الإنفاق المحلي
تخصص الحكومة الصومالية جزءاً صغيراً من موازنتها الوطنية للرعاية الصحية، مما يحد من توافر الخدمات الطبية الأساسية وبرامج الصحة العامة، وبما أن الإنفاق الصحي غالباً ما يقل عن سبعة في المئة من إجمال الإنفاق الحكومي، فإن مجالات حيوية مثل التحصين لا تحصل إلا على تمويل محلي محدود. ونتيجة لذلك يعتمد الصومال اعتماداً كبيراً على شركاء خارجيين، مثل التحالف العالمي للقاحات والتحصين لدعم شراء اللقاحات وتوصيلها. وعلى رغم هذه المساعدة فلا تزال تغطية التطعيم منخفضة في معظم أنحاء البلاد، بخاصة في المناطق الريفية والمتضررة من النزاعات، وقد أسهم هذا الاعتماد ونقص الاستثمار في تفشي أمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الحصبة وشلل الأطفال والكوليرا والدفتيريا، بصورة متكررة، والتي لا تزال تهدد الفئات السكانية الضعيفة وترهق نظاماً صحياً هشاً أصلاً.