ملخص
وصفت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، وهي مجموعة من المتطوعين تعنى بتوثيق انتهاكات الحرب، المدينة بأنها باتت "مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات".
يجتهد المدنيون السودانيون العالقون وسط المعارك الطاحنة بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، والمحرومون أبسط مقومات العيش، للاستمرار في مدن محاصرة غرب البلاد لا تصل إليها أية معونة.
ودخلت الحرب في السودان عامها الثالث مسفرة عن مقتل عشرات الآلاف ومتسببة في مجاعة يعانيها ملايين المدنيين العالقين في مدن محاصرة، تُمنع عنها المساعدات وتنتشر فيها الأمراض والأوبئة، وقد تحدثت وكالة الصحافة الفرنسية إلى سكان ثلاث مدن تحاصرها قوات "الدعم السريع" في محاولة لانتزاع السيطرة عليها من قوات الجيش الموجودة داخلها، وهي الفاشر عاصمة شمال دارفور وكادوقلي وديلينغ في جنوب كردفان، وفي ما يلي شهادات ناجين تحدثت إليهم الوكالة.
"انعدم كل شيء"
في الفاشر "القصف مستمر طوال اليوم ولذلك فمعظم الوقت نكون داخل الملاجئ التي حفرناها قرب المنازل"، يقول عمر آدم الذي نزح من مخيم أبو شوك في ضواحي الفاشر إلى حي الدرجة في شمالها، مشيراً إلى ملاجئ غير آمنة يحفرها المواطنون في الساحات العامة وأمام المنازل ليحتموا من القصف.
وخلال الأشهر الماضية كثفت "الدعم السريع" هجماتها على مناطق سيطرة الجيش غرب البلاد وجنوبها بعد أن أحكم الجيش سيطرته على مدن حيوية في الوسط والشرق، وتحاصر "الدعم السريع" منذ 500 يوم الفاشر التي يقطنها نحو 260 ألف مدني نصفهم من الأطفال، في ظل انعدام شبه كامل للمساعدات الإنسانية، وفق الأمم المتحدة.
يضيف آدم "انعدم كل شيء هنا حتى الأمبز" وهو علف حيواني يصنع من قشور السمسم والفول السوداني، موضحاً أن كلفة الخروج من الفاشر أصبحت باهظة جداً، فضلاً عن كون الرحلة غير آمنة.
وأشارت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان دينيس براون الأسبوع الماضي إلى "تقارير عن عمليات قتل غير قانونية واختطاف واعتقالات تعسفية" بحق المدنيين أثناء محاولة الخروج من الفاشر.
جدار حول الفاشر
وأظهرت صور بالأقمار الاصطناعية حللها مختبر البحوث الإنسانية "هيومانيتاريان ريسيرش لاب" في جامعة "ييل" الأميركية، أن "الدعم السريع" بنت جداراً بطول 68 كيلومتراً حول الفاشر، وبات هناك مخرج وحيد من المدينة يتعرض فيه المدنيون للابتزاز في مقابل العبور، وتقول حليمة عيسى، الأم لثلاثة أطفال والتي فقدت زوجها في قصف مدفعي، إن أسرتها تعتمد "على وجبة التكية"، وهي مطبخ عام يقدم الوجبات المجانية للسكان، مضيفة أنه "حين تتوقف التكية عن العمل لا نأكل، وإذا مرض أحد الأطفال فلا علاج"، وبحسب "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر" فقد تجاوز سعر الأمبز مليوني جنيه سوداني (600 دولار أميركي)، وهو سعر لا تستطيع معظم الأسر تحمله.
ومن مستشفى الفاشر، واحد من المنشآت الصحية القليلة التي لا تزال تعمل بعد تدمير معظم البنية التحتية الطبية، تحدث أحد الأطباء طالباً عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، حيث يعمل بصورة مستمرة في المستشفى الذي لم يغادره منذ ثلاثة أشهر في ظل "نقص في الأدوية، فحتى الشاش الذي نغطي به الجروح انعدم". وتابع الطبيب "أصبحنا نستخدم قماش الناموسيات التي تحمي من الناموس لربط الجروح"، مضيفاً أنه "حتى الأدوات التي نستخدمها في معالجة الجروح وإخراج الشظايا أصبح تعقيمها صعباً للغاية مع انعدام المعقمات".
ووصفت "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر"، وهي مجموعة من المتطوعين تعنى بتوثيق انتهاكات الحرب، المدينة بأنها باتت "مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات"، وقالت في بيان الأسبوع الجاري إن "القذائف تنهمر كالمطر تاركة أجساداً تنتشل من تحت الركام بلا أسماء ولا وجوه، فقط أرقام في سجل طويل من المجازر".
صيدليات شبه فارغة
ويقول حسن أحمد، الطبيب المتطوع في مستشفى للأطفال، "يموت الناس كل يوم أمامنا، وقد كان من السهل جداً إنقاذهم في الظروف العادية"، مضيفاً "لا توجد أدوية والصيدليات شبه فارغة".
أما في جنوب كردفان فتطبق "الدعم السريع" حصارها على مدينة كادوقلي حتى بات سكانها يحصلون "على وجبة واحدة في اليوم، وفي كثير من الأيام فلا وجبات نهائياً، فنلجأ إلى أوراق الشجر والنباتات"، بحسب هاجر جمعة (28 سنة)، كما تحاصر "الدعم السريع" وحلفاؤها مدينة ديلينغ، ويفيد أحد سكان المدينة ويدعى مجاهد موسى (22 سنة) بأن "الأسعار تتضاعف يومياً" بصورة لا تقدر عليها معظم الأسر، مشيراً إلى أن كثيراً من السكان باتوا يفرون من المدينة المحاصرة لينتهي بهم المطاف لاجئين في القرى المجاورة.
وأفاد الصديق عيسى، المتطوع في إحدى مجموعات الإغاثة، بأن الأجهزة الأمنية استولت على شحنة من بسكويت الأطفال كانت أرسلتها "يونيسف"، في إشارة إلى الجيش الذي قام ببيع محتويات الشحنة في الأسواق، مشيراً كذلك مع شهود آخرين إلى احتجاز الجيش شحنة مساعدات أرسلها "برنامج الأغذية العالمي" من دون توزيعها على من هم في أمس الحاجة إليها.