ملخص
في محور كردفان واصل طيران الجيش شن غاراته الجوية على مواقع وتجمعات "الدعم السريع" بعدد من المناطق بولايتي شمال كردفان وغربها.
وتشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أوضاعاً مأسوية بالغة التعقيد والسوء إثر اشتداد المعارك في المحاور كافة باستخدام مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
تشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أوضاعاً مأسوية بالغة التعقيد والسوء إثر اشتداد المعارك في المحاور كافة باستخدام مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، فضلاً عن القصف الجوي بواسطة المسيرات القتالية، مما أدى إلى موجة نزوح جديدة على رغم الأخطار الأمنية، إضافة إلى سقوط ضحايا بسبب الجوع.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن الفاشر عاشت أمس الإثنين يوماً عنيفاً، إذ أطلقت قوات "الدعم السريع" أكثر من 300 قذيفة هاون و20 قذيفة "هاوتزر" باتجاه الفرقة السادسة - مشاة التابعة للجيش والأحياء السكنية الواقعة في الجهة الشمالية التي تضم مخيم أبو شوك للنازحين والدرجة الأولى ودار الأرقم ونيفاشا، مما أسفر عن وقوع إصابات وأحدث انفجارات قوية عدة وتسبب بتصاعد أعمدة الدخان.
وأشارت الفرقة السادسة – مشاة، في بيان إلى أن "الدعم السريع" شنت منذ الصباح الباكر هجوماً عنيفاً على المدينة من ثلاثة محاور بمشاركة مرتزقة كولومبيين، وتمكن الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة من صد الهجوم وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد والاستيلاء على عدد كبير من المركبات القتالية وتدمير أخرى.
من جانبه أكد المتحدث باسم القوات المشتركة للحركات المسلحة العقيد أحمد حسين مصطفى أن الأوضاع في مدينة الفاشر مستقرة وتحت السيطرة الكاملة في مختلف المحاور العسكرية، على رغم القصف العنيف الذي تشنه "الدعم السريع". وأوضح في بيان أن القوات الميدانية تمسك بكامل زمام المبادرة داخل المدينة وتتصدى بفاعلية لمحاولات التسلل أثناء القصف المدفعي، موضحاً أن المدنيين تعرضوا لسقوط قذائف عشوائية أدت إلى سقوط ضحايا أبرياء.
انهيار كامل
في الأثناء قالت "شبكة أطباء السودان" إن الفاشر تشهد أوضاعاً صحية بالغة الخطورة جراء القصف المدفعي المكثف من "الدعم السريع"، مما تسبب في سقوط أعداد كبيرة من الجرحى بينهم أطفال ونساء حوامل. وأوضحت الشبكة في بيان أن حياة العشرات من المصابين أصبحت رهينة لتوفر الدم بصورة عاجلة، لافتة إلى أن التبرع بالدم في هذه اللحظات هو الفارق بين الحياة والموت. وحذرت الشبكة من أن استمرار القصف والنقص الحاد في الإمدادات الطبية يهددان بانهيار كامل للمنظومة الصحية في الفاشر، منوهة بأن بعض المصابين في غرف العمليات لم يحصلوا حتى الآن على ما يكفي من الدماء لإجراء الجراحات العاجلة.
موت ونزوح
في حين أكدت غرفة طوارئ مخيم أبو شوك وفاة ستة أشخاص من أسرة واحدة بعد تناول "الأمباز" (يستخدم علف للحيوانات) لسد رمقهم من شدة الجوع في وقت تشهد فيه مدينة الفاشر هذه الأيام موجة نزوح متزايدة، في ظل تصاعد العمليات العسكرية، وتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية بصورة غير مسبوقة. وذكر مواطنون أن عشرات الأسر غادرت المدينة على رغم الأخطار التي تحيط بطرق العبور، إذ بث أفراد من "الدعم السريع" مقاطع فيديو مصورة وهم يوقفون أفراداً نازحين للتحقيق معهم، ومن ثم إطلاق الرصاص عليهم للتشكيك في كونهم أفراداً يتبعون للجيش أو حلفائه من الحركات المسلحة، فضلاً عن اختطاف تلك القوات ست نساء مع أطفالهن من مخيم أبو شوك شمال المدينة، وسط حال من الذعر والقلق بحسب مصادر في المخيم.
واتهمت "شبكة أطباء السودان" قوات "الدعم السريع" بتصفية 13 شخصاً بطريقة وحشية في منطقة خزان قولو على طريق الفاشر - طويلة بولاية شمال دارفور، بينهم خمسة أطفال وثماني نساء وكبار سن، معتبرة الحادثة حلقة جديدة من مسلسل التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها تلك القوات ضد المدنيين العزل في دارفور. وأكدت الشبكة أن استهداف الأطفال والنساء وكبار السن يبرهن على اتباع سياسة ممنهجة للتهجير القسري على أسس عرقية، وهو ما اعتبرته جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
ويعد طريق الفاشر - طويلة أحد الممرات الحيوية التي يستخدمها النازحون في محاولاتهم للفرار من مناطق القتال، وقد شهد خلال الأشهر الماضية حوادث متكررة من الهجمات المسلحة التي تنسب إلى "الدعم السريع" أو المجموعات المتحالفة معها، ما جعل التنقل عبره محفوفاً بالأخطار.
حصار خانق
تعاني مدينة الفاشر ظروفاً إنسانية وصحية سيئة وانعداماً للغذاء بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه "الدعم السريع" على المدينة منذ أكثر من 15 شهراً، وسط دعوات محلية وإقليمية ودولية لرفع الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى آلاف المواطنين. وفي وقت سابق أعلنت الأمم المتحدة أن 89 شخصاً في الأقل قتلوا خلال 10 أيام، جراء هجمات نسبتها إلى "الدعم السريع" على مدينة الفاشر المحاصرة ومخيم أبو شوك المحاذي لها.
ودعت لجان مقاومة الفاشر إلى التحرك العاجل لفك الحصار المفروض على المدينة بالقوة، معتبرة أن الاعتماد فقط على صمود الأهالي من دون تدخل فعلي يشكل خطراً على مستقبل المدينة وسكانها.
ومنذ أشهر تشهد حاضرة شمال دارفور - الفاشر معارك شبه يومية بين الطرفين، إذ تسعى "الدعم السريع" إلى السيطرة على المدينة عبر الهجمات المتكررة، في حين تصدت قوات الجيش الهجمات، ويأتي ذلك في ظل وضع إنساني كارثي، إذ تشير تقارير إنسانية إلى أن المستشفيات هناك تعمل بأقل من 30 في المئة من طاقتها بسبب شح الأدوية والمعدات، فيما يواصل المدنيون دفع الثمن الأكبر نتيجة الاستهداف المباشر للأحياء السكنية والمرافق الحيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قصف جوي
في محور كردفان واصل طيران الجيش شن غاراته الجوية على مواقع وتجمعات "الدعم السريع" بعدد من المناطق بولايتي شمال كردفان وغربها، بخاصة غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان وتخوم مدينة بارا بالولاية نفسها، فضلاً عن مناطق النهود والخوي وأبو زبد بغرب كردفان بهدف تدمير القوة الصلبة لـ"الدعم السريع" وزعزعة تجمعاتها وخططها.
في غضون ذلك اتهمت حكومة ولاية شمال كردفان "الدعم السريع" بقصف متطوعين للهلال الأحمر في محلية جبرة الشيخ بواسطة مسيرة، مما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص وتدمير مركبات. ودان مفوض العون الإنساني بولاية شمال كردفان محمد إسماعيل عملية القصف، مبيناً أن الهجوم استهدف فريق الهلال الأحمر بمنزل مدير تنفيذي في الأندرابة التابعة لمحلية جبرة الشيخ، بعدما فشلت المسيرة في إصابة أي أهداف بمدينة الأبيض بسبب أنظمة التشويش. وبين اسماعيل أن فريق الهلال الأحمر كان في مهمة تتعلق بجمع ودفن جثث مسلحي "الدعم السريع" جراء المعارك في منطقة الأندرابة. ودعا لحماية العاملين في الحقل الإنساني وألا يكون المتطوعون والعاملون وممتلكات الجمعية هدفاً لهجمات أطراف القتال.
ويدور منذ أكثر من شهر في ولايات إقليم كردفان الثلاث شمال وغرب وجنوب قتال ضار في محاور عدة بين الجيش وحلفائه من جانب و"الدعم السريع" من جانب آخر.
تحديات إنسانية
إلى ذلك أفادت تقارير رسمية بازدياد أعداد النازحين من ولاية غرب كردفان بصورة مستمرة باتجاه المناطق الأكثر أماناً، وبحسب مفوض العون الإنساني بولاية غرب كردفان المنا دفع الله فإن أكثر من 32 ألف أسرة وصلت إلى مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان توزعت بين المجتمع المستضيف وعدد من معسكرات النزوح. وأشار إلى أن أكثر من 43 ألف أسرة أخرى ما زالت عالقة في عدد من محلياًت غرب كردفان بانتظار الوصول إلى مناطق أكثر أماناً. وأكد دفع الله أن هذه الأعداد المتزايدة تعكس حجم التحديات الإنسانية الضاغطة، داعياً إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الوطنية والدولية والإسراع في التدخلات العاجلة لتلبية حاجات النازحين في الأبيض. وأوضح أن أولويات المرحلة المقبلة تتركز على تعزيز التنسيق مع الشركاء، وتسريع الاستجابة للأسر الأكثر هشاشة، وإعداد خطط طوارئ مرنة، إلى جانب تطوير قدرات الكوادر العاملة بالمفوضية لإيجاد حلول مستدامة تخفف من معاناة النازحين والوافدين.
أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم
منذ اندلاع الحرب المستمرة منذ أكثر من 28 شهراً أصبحت ولايتا شمال وغرب كردفان من أبرز مناطق النزوح الجديدة في البلاد، إذ تحولت مدينة الأبيض إلى وجهة رئيسة لعشرات آلاف الأسر الفارة من مناطق القتال في غرب كردفان ودارفور، مما أدى إلى ضغط هائل على الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية في المدينة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن السودان يشهد حالياً أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، إذ تجاوز عدد النازحين داخلياً أكثر من 10 ملايين شخص حتى منتصف عام 2025، مع أوضاع إنسانية متردية جراء نقص الغذاء والدواء والمأوى، في وقت تواجه فيه منظمات الإغاثة تحديات كبيرة في الوصول إلى المتضررين، خصوصاً في المناطق الريفية التي لا تزال تشهد أعمال عنف أو صعوبات لوجيستية، وهو ما يجعل مدناً مثل الأبيض ملاذاً رئيساً للنازحين.