Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قدرات "الحشد الشعبي" بين خطاب الردع والواقع الميداني

مقدرات غير مختبرة وسلاح متواضع… أين يقف الفصيل العراقي في المعادلة الإقليمية؟

قوة من "الحشد الشعبي" تشارك في عملية أمنية مع الجيش العراقي، في وديان جبل قر جوغ بقضاء مخمور جنوب محافظة نينوى (حساب الحشد على إكس)

ملخص

يرى مراقبون للشأن العراقي أن قدرة "الحشد الشعبي" على الردع تبقى خطاباً أكثر منها واقعاً عملياً، فغياب منظومات الدفاع الجوي والصواريخ الدقيقة يحد من أي تفوق استراتيجي. ويعتبرون أن قوة الحشد تكمن في مسك الأرض والسيطرة على الداخل، لا في خوض مواجهات كبرى مع قوى تمتلك تفوقاً تكنولوجياً مثل إسرائيل أو الولايات المتحدة.

أعاد تصريح رئيس هيئة "الحشد الشعبي" في العراق فالح الفياض، حول قدرة العراق على تجنّب الانخراط العسكري المباشر وفي الوقت نفسه امتلاك وسائل "الردع"، النقاش في شأن موقع هذه المؤسسة بين الدولة والفصائل. وإمكانيات الحشد العسكرية، وما إذا كانت تلك المؤسسة تمتلك القدرة على ردع أي استهدافات إسرائيلية للأراضي العراقية. وبينما أكد الفياض أن الحكومة العراقية نجحت في "تجنب محنة كبيرة" نتيجة "الحكمة والصبر"، لم يتردد في التلويح بقدرات أمنية واستخبارية للحشد تتيح له الرد عند الحاجة.

خطاب ردع أم ترويج انتخابي

يفتح هذا الخطاب الباب على أسئلة عدة حول طبيعته وتوقيته، وما إذا كان يعكس موقف الدولة العراقية في سياق محاولتها الحفاظ على التوازن الإقليمي، أم أنه أقرب إلى رسالة داخلية تستثمر "لغة المقاومة" لتعزيز موقع "الحشد" سياسياً وانتخابياً. وتأتي تصريحات الفياض الأخيرة في وقت يتزايد الحديث عن احتمالات التصعيد داخل العراق واحتمال تعرضه لهزّات أمنية أو ضربات محدودة، لكنها تزامنت أيضاً مع اقتراب الانتخابات، حيث تميل الأطراف كافة إلى استثمار الخطاب الأمني لتعزيز موقعها السياسي. لذلك، بدا أن خطاب "الردع" هذا أقرب إلى رسالة داخلية ذات طابع انتخابي منه إلى إعلان عن قدرة عسكرية مجرَّبة.

تسليح الحشد وقدراته

"الحشد الشعبي"، الذي تأسس عام 2014 لمواجهة تنظيم "داعش"، يضم وفق التقديرات الرسمية أكثر من 160 ألف مقاتل مسجل، موزعين على نحو 60 لواء وفصيلاً، تتراوح ولاءاتهم بين المرجعية الدينية في النجف والفصائل المرتبطة مباشرةً بإيران.
وعلى رغم تباين الولاءات تلك، إلا أن الفصائل الموالية لإيران تبدو وكأنها تملك السيطرة شبه الكاملة على المؤسسة، خصوصاً بعد انفكاك ألوية المرجعية في النجف وارتباطها مباشرة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة في عام 2020.

أما على مستوى التسليح، فيعتمد "الحشد" على مزيج من الأسلحة، فمن جهة حصل على منظومات أميركية وأوروبية من خلال التحالف الدولي وعبر تسليح الجيش العراقي خلال الحرب ضد "داعش"، ومن جهة أخرى يتلقى دعماً لوجستياً من إيران تمثل في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والصواريخ قصيرة المدى، والمسيّرات، التي استخدمتها فصائل عراقية تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" في ضرب أهداف داخل إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
ويمتلك الحشد بحسب التقديرات، خليطاً متنوعاً من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلاً عن دبابات روسية قديمة (T-72)، عربات "همفي" المدرعة أميركية الصنع والتي تركها الجيش العراقي أو حصلت عليها ألوية "الحشد" عبر التسليح الرسمي.
أما من ناحية القوة الصاروخية، فيمتلك "الحشد" بحسب تقارير صواريخ قصيرة المدى بعضها من إيران، وأخرى محلية الصنع بمدى محدود (20–50 كيلومتراً)، فضلاً عن طائرات مسيّرة للاستطلاع وأخرى هجومية بدائية بمدى قصير.

وفي أبريل (نيسان) 2024 أشار موقع Missile Threat (التهديد الصاروخي) إلى تزويد طهران وكلائها في العراق بصواريخ "فاتح -110".
في المقابل، تمكنت بعض الفصائل من إنشاء ورش تصنيع محلية لإنتاج صواريخ بدائية وطائرات مسيّرة محدودة المدى، إلا أن القدرات الفعلية للحشد تتمحور حول الخبرة القتالية الميدانية في معارك المدن وحرب العصابات، أما قدراته في مجال الحرب النظامية تبقى محل جدل واسع. فهو يفتقر إلى منظومات دفاع جوي متطورة، ولا يمتلك صواريخ دقيقة بعيدة المدى كالتي تملكها جيوش إقليمية أخرى مثل إيران أو إسرائيل.


قوة غير مختبرة

وتدفع تلك العوامل مراقبين إلى القول إن قوة "الحشد الشعبي" تكمن أساساً في قدرته على مسك الأرض والسيطرة على مناطق حساسة داخل العراق، أكثر من قدرته على خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع قوى إقليمية أو دولية تمتلك تفوقاً تكنولوجياً كبيراً.
على رغم هذا التنوع، تبقى قدرات "الحشد" في الدفاع الجوي والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى شبه غائبة، وهو ما يجعله قوة فعّالة لضبط الداخل ومسك الأرض أكثر من كونه قوة ردع استراتيجية قادرة على مواجهة جيوش متطورة كإسرائيل أو الولايات المتحدة.
ولم تُختبر قدرات "الحشد الشعبي" في مواجهة مباشرة مع قوة عسكرية كبرى، حتى في ذروة التصعيد مع الولايات المتحدة بعد اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس مطلع عام 2020، إذ لم يتمكن من تنفيذ رد نوعي، بينما اكتفت ما بات يطلق عليها تسمية "فصائل الظل" بسلسلة هجمات صاروخية بدائية استهدفت محيط السفارة الأميركية أو قواعد في أربيل من دون أن تحقق إصابات دقيقة. ومنذ اغتيال قادة بارزين في "الحشد" في عام 2024، انكمش الدور العسكري المباشر للفصائل، ما جعل حديث "الردع" يتخذ طابعاً خطابياً أكثر من كونه واقعاً عملياً، خصوصاً بعد عدم تدخل الفصائل المسلحة بحرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، على رغم التهديدات التي أطلقها قادة بارزون في تلك الفصائل.

دعاية انتخابية

وتأتي تصريحات الفياض الأخيرة بعد رد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، على التهديدات الاسرائيلية لقادة الفصائل في العراق، والذي أشار فيه إلى أن "أي اعتداء يستهدف أي عراقي يعد اعتداءً على العراق بأكمله". ويعتقد الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر أن تصريحات الفياض جاءت فقط كرد على خطاب نتنياهو، مبيناً أنها "لا تخرج من إطار محاولة التناغم مع الرأي العام العراقي، وتثبيت موقف إزاء التهديدات الإسرائيلية". ويضيف أن "مثل هكذا تصريحات تبيّن بشكل واضح محاولات التوظيف السياسي لها واستغلالها كدعاية انتخابية، خصوصاً أنه سيخوض الانتخابات المقبلة مع قائمة رئيس الوزراء" محمد شياع السوداني.

نهاية اللعبة المزدوجة

في الداخل العراقي، بقيت المعضلة الأبرز في طبيعة "الحشد" نفسه، فعلى مستوى الهيئة، يجري التعامل مع القوات الأميركية و"التحالف الدولي" بوصفها قوى صديقة تعمل وفق اتفاقيات رسمية، بينما تمارس بعض الألوية المسجلة ضمن "الحشد" عمليات مستقلة، ثم تعود لتختبئ خلف غطاء الدولة.
ومنذ وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، لم يعد العراق قادراً على الموازنة بين طرفي النزاع كما كان يفعل سابقاً. هكذا يصف الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر التحول في السياسة العراقية، مؤكداً أن مرحلة "إمساك العصا من المنتصف" قد انتهت.
ولا يتوقف التحليل عند البُعد العسكري، بل يمتد إلى ملفات سياسية واقتصادية، ويرى حيدر أن "حكومة محمد شياع السوداني تعاملت مع قضايا حساسة تحت وطأة الضغط الأميركي، لا بقرار سيادي خالص". ويشير إلى أن قانون "الحشد الشعبي" شكّل نموذجاً لهذا الضغط المتقاطع، فبينما مارست طهران "نفوذاً مكثفاً لتمريره بصيغة تمنح الفصائل استقلالية داخل الدولة، ضغطت واشنطن لسحبه وعدم التصويت عليه، وفي النهاية، كانت النتيجة أقرب إلى الرؤية الأميركية، لا إلى ما أرادته إيران". ويتابع أنه "حين يُراد استغلال الشرعية تُقدَّم الفصائل كجزء من الهيئة، وحين يُراد توجيه ضربة تُمارس العمليات باسم المقاومة. هذه اللعبة المزدوجة لم تنتهِ بعد، لكنها باتت مكشوفة أمام الرأي العام الدولي".
وتكشف المراجعة الميدانية، بحسب حيدر، محدودية ما يسميه الحشد "الردع"، فبعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس "لم تُسجّل ردود نوعية بحجم يُحدث فارقاً في موازين القوى".
وحتى الهجمات التي طاولت محيط السفارة الأميركية في بغداد بقيت رمزية وغير دقيقة، ويلفت حيدر إلى أن "الحشد قادر على مواجهة الإرهاب وجهاً لوجه، لكنه يفتقر إلى أدوات الحرب الحديثة مثل الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسار حكومة السوداني

ويتوسع حيدر في قراءته إلى الجانب السياسي، حيث يقول إن حكومة السوداني وجهت رسائل عدة عبر ملفات حساسة تشير بوضوح إلى "الرضوخ للضغط الأميركي" من خلال "إطلاق سراح المختطفة لدى 'كتائب حزب الله' إليزابيث تسوركوف، والاتفاق النفطي مع إقليم كردستان والذي جاء بضغط أميركي، فضلاً عن تشكيل لجنة للتحقيق في ملف النفط المختلط المرتبط بتهريب النفط الإيراني".
أما في شأن احتمالات التصعيد الإسرائيلي، فيرى حيدر أن "ضربة واسعة تبدو مستبعدة حالياً لانشغال تل أبيب وواشنطن بملف غزة"، لكنه لا يستبعد أن يُفتح هذا الاحتمال على المدى المتوسط، "مع انتهاء الترتيبات في غزة، وقد تبدأ بتصفيات لقيادات ميليشياوية شاركت في إطلاق المسيّرات أو الصواريخ على الاراضي الفلسطينية".

ازدواجية مفهوم الردع

من جهته، يرى رئيس المركز "العراقي– الأسترالي" للأبحاث أحمد الياسري أن الحديث عن "قدرة العراق على الردع" لا يعكس واقع الدولة الرسمية. فالقوات النظامية، كما يقول، تعاني من "هشاشة التسليح وافتقاد استقلالية القرار الأمني". لكن الياسري يبتعد في تفسير خطاب الفياض عن وصفه "خطاب ردع" بل يربطه بشكل أكبر في ترتيب الداخل العراقي قبيل الانتخابات التشريعية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، مبيناً أنه يحمل "رسائل انتخابية واضحة".
ويرى الياسري أن تلك تصريحات تأتي في إطار "رسائل داخلية موجهة إلى الجمهور الشيعي تحديداً، ومحاولة لاستثمار أجواء الانتخابات لتعزيز موقعه داخل هذا الفضاء". غير أن الإشكالية، بحسب الياسري، تكمن في موقع الفياض الرسمي بوصفه رئيساً لهيئة "الحشد الشعبي" وقيادياً في قائمة رئيس الوزراء الانتخابية، الأمر الذي "يربك المسار الذي يحاول السوداني تكريسه في علاقته مع واشنطن، إذ يسعى إلى تقديم نفسه كشريك يمكن الاعتماد عليه".
ويشير الياسري إلى أن "الائتلاف الذي يقوده السوداني هش بالأساس، فيما تعمل طهران على توزيع الموالين لها على أكثر من قائمة، من بينها قائمة السوداني نفسه، ولذلك لا يمكن فهم تصريحات الفياض إلا في هذا السياق، كجزء من رسائل كسب سياسي داخلي أكثر مما هي مواقف استراتيجية". ويضيف أنه "ليس الآن موعد الصواريخ، وليس من مصلحة إسرائيل في هذا التوقيت أن تفتح جبهة جديدة في العراق، هذه جبهة مؤجلة لحسابات تتعلق بتوازنات الإقليم والملف الفلسطيني".
ويتابع أن الفياض يحاول أن "يبعث بإشارات إلى الناخب المتعاطف مع غزة ليؤكد أن الحشد ما زال في صميم مشروع المقاومة".
ويعتبر الياسري أن "الحشد" "يمتلك القدرة على مسك الأرض وضبط الداخل، لكنه لا يملك أدوات التفوق التكنولوجي أو الاستراتيجي لخوض مواجهات عابرة للحدود"، وبخلاف إيران، يبقى الحشد "قوة محلية وظيفتها الأساسية حفظ التوازن الداخلي واستثمار الأزمات سياسياً، لا خوض معارك كبرى".
ويبدو أن خطاب "الردع" بات أقرب إلى أداة سياسية وانتخابية منه إلى واقع عسكري، فبينما تسعى الدولة إلى تقديم صورتها كشريك منفتح أمام الغرب، ويحاول رئيس الوزراء العراقي الحصول على أكبر قدر من المقبولية الدولية، والتي ربما تتيح له الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء لدورة أخرى بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، تواصل الفصائل استثمار لغة "المقاومة" لتعزيز حضورها في الداخل.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط