Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تريد طهران الحوار أم واشنطن؟

جدل سياسي يعكس انقساماً واضحاً بين المعسكر المؤيد للتفاوض والرافض له

إيران تقول إنها لن تذهب إلى امتلاك أو تصنيع السلاح النووي (أ ف ب)

ملخص

إذا ما كانت الأطراف الإيرانية جميعها تتمسك بالحوار وترى أنه الخيار الوحيد من أجل إنهاء الأزمات المتراكمة التي تواجهها إيران، فإن الجدل بين هذه الأطراف يرتبط بالجهة التي يجب الحوار معها، وهل الأولوية للحوار مع أوروبا أم مع الولايات المتحدة الأميركية؟

لم يحدث أن كان الجدل حول الحوار الإيراني - الأميركي بمثل هذا الوضوح والجرأة داخل الأوساط السياسية الإيرانية، وأن يتعصب كل فريق لرؤيته وقراءته لضرورات هذا الحوار، والأضرار التي تنتج منه أو عدم فائدته، وهو جدل دفع المرشد الأعلى في خطابه الأخير الذي اختار توقيته بعناية، للحديث عنه بلغة فيها كثير من الهدوء والنصيحة، مهد فيها الأرضية لإعلان موقفه الحاسم برفض مثل هذا الحوار الذي لا يحمل أية فائدة لإيران، ولا يمكن أن يمنع عنها أي ضرر في المستقبل.

هذا الجدل السياسي وما يعبر عنه من انقسام واضح بين المعسكر المؤيد للحوار والرافض له، يترافق ويتزامن مع وضع أكثر تقعيداً نتيجة الإجراء الذي قامت به عواصم الـ "ترويكا" الأوروبية التي أنهت مفاعيل قرار مجلس الأمن رقم (2231)، وفتحت الطريق أمام إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية التي عطلها هذا القرار.

خامنئي الذي صوب انتقاداته ضد سياسات الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترمب، ابتعد من أية انتقادات مباشرة لعواصم الـ "ترويكا"، تاركاً الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية الإيرانية التي يقودها بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي لتنشيط حواراتها مع هذه العواصم و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، على أمل التوصل إلى تفاهمات قد تساعد في الالتفاف على القرار الأوروبي وتأجيل مفاعليه، وتترك المجال مفتوحاً أمام تفاهمات جديدة ترضي الطرفين ولا تدفع الأمور نحو طريق اللاعودة.

وإذا ما كانت الأطراف الإيرانية جميعها تتمسك بالحوار وترى أنه الخيار الوحيد من أجل إنهاء الأزمات المتراكمة التي تواجهها إيران، فإن الجدل بين هذه الأطراف يرتبط بالجهة التي يجب الحوار معها، وهل الأولوية للحوار مع أوروبا أم مع الولايات المتحدة الأميركية؟

منشور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني حول موقف إيران من الحوار حين كتب "القول بأن إيران لا تفاوض كذبٌ، فقد كنا في وضع تفاوض عندما تعرضنا لجهوم عسكري، وإذا ما قُدم لنا اقتراح عقلاني وعادل يضمن مصالح إيران فإننا نقبله"، سبق في توقيته خطاب المرشد الأعلى، وعارض في مضمونه موقف خامنئي الرافض للحوار مع واشنطن، وسحب من الوفد الإيراني في نيويورك ورقة المناورة وإمكان كسر الجمود واتخاذ قرار يذيب جبل الجليد الذي يحول دون الحوار المباشر مع الجانب الأميركي، فالرهان الإيراني على إمكان تحقيق خرق في الموقف الدولي عبر الحوار مع العواصم الأوروبية، والذي برز بوضوح في موقف المرشد الأعلى، يعني الإبقاء على الأمور في دائرة الصفر، أو إعادتها لمرحلة ما قبل الهجوم الإسرائيلي - الأميركي على المنشآت النووية والعسكرية والأمنية في يونيو (حزيران) الماضي، ويفتح الطريق أمام عودة الخيار العسكري إلى الواجهة من جديد وحتى تعزيزه، في ظل ما سرّبه مدير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" رافائيل غروسي بعد لقاءاته المتوالية مع عراقجي في نيويورك، والذي أكد أن إيران قادرة على إعادة تفعيل برنامجها النووي.

وعودة خامنئي لدفع الشروط الإيرانية إلى الواجهة والتمسك بها يعني أن المرشد الإيراني ليس في وارد تقديم أية تنازلات أمام الضغوط الأميركية ومطالب إدارة الرئيس ترمب، وتأكيد خامنئي أن إيران بحاجة إلى كميات من اليورانيوم بمستوى تخصيب 60 في المئة، يعني نسف كل الأوراق التي سبق أن لوح بها المفاوض الإيراني والمتعلقة بالتراجع عن المستويات المرتفعة في دورة تخصيب اليورانيوم، بخاصة مستوى 60 في المئة وحتى مستوى 20 في المئة، والاكتفاء بمستوى 3.67 في المئة، شرط أن تكون على الأراضي الإيرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم الإشارة أو الرسالة الواضحة والمباشرة التي أعاد خامنئي التأكيد عليها بأن إيران لن تذهب إلى امتلاك أو تصنيع السلاح النووي، لكنه أعاد للواجهة معركة الشروط والشروط المقابلة بين إيران والإدارة الأميركية، فتمسك بحق طهران في امتلاك تكنولوجيا التخصيب على أراضيها وممارسته، وأنها ليست على استعداد لتقديم أي تنازل في البرنامج الصاروخي الذي يشكل قوتها الردعية في مواجهة أي اعتداء عليها، إضافة إلى تأكيد احتضان إيران حلفاءها في الإقليم وبخاصة "حزب الله" في لبنان، وإشارته إلى القدرات التي يملكها والدور الذي يلعبه وسيلعبه في المستقبل.

من الواضح أن تمسك المرشد الإيراني بشروطه قد أخذ في الاعتبار التداعيات التي ستترتب عليها، بخاصة في ظل التصعيد الذي تمارسه الدول الراعية لاتفاق عام 2015 في موضوع العقوبات الاقتصادية والعودة لتشديد الحصار، وإلغاء كل الإعفاءات أو غض النظر الذي مارسته خلال الأعوام الماضية عن الأنشطة التجارية والاقتصادية والمالية لإيران، والمؤشرات الأميركية المرتبطة برد الفعل على المواقف الإيرانية، سواء التي تدفع من أجل الحوار المباشر أو تلك المعارضة له، تشير وتكشف عن عدم اهتمام واشنطن بهذا الجدل، وقد يكون السبب في عدم الاهتمام هذا تكتيكياً أكثر منه إستراتيجياً، فهي تريد فتح صفحة جديدة مع إيران لكن بالشروط التي تريدها، وبالتالي فإن التكتيك الذي تمارسه يمنحها استكمال المسار الذي اعتمدته في إضعاف النظام الإيراني، وأن التفاوض في هذه المرحلة يمنحه فرصة لالتقاط الأنفاس والتخلص من الأزمات التي يواجهها، بخاصة في ظل تأكيد ترمب وإدارته نجاحهم في تطويق الخطر النووي.

وطالما أن التفاوض مع إيران قد لا يضمن المصالح الأميركية أو يحقق لها انتصاراً أو إنجازاً، فستمضي في سياسة الضغط على الاقتصاد الإيراني، وهذا الوضع القائم يضمن لواشنطن الإبقاء على إيران وبعيداً من الاستثمارات العالمية، ويحاصر مصادرها المالية في إطار نظام العقوبات القائم الذي تفرضه، وبدأ يتوسع من خلال إعادة تفعيل "آلية الزناد" في مجلس الأمن.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء