ملخص
وضع إيران حالياً مختلف عما كان عليه العام الماضي من الوقت نفسه، وهو ما يضع تحديات عليها أن تتعامل معها لتتفادى الانزلاق لجولة عسكرية جديدة تجرها إليها إسرائيل.
تقترب الدورة الـ 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة من الانعقاد، وهو المحفل السياسي المهم الذي يلتقى فيه رؤساء الدول لإلقاء كلماتهم في ما يخص رؤيتهم للشأن الدولي والإقليمي ولدور بلدانهم.
وهذه المرة الثانية التي سيحضرها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فقد كانت الأولى العام الماضي بعد توليه منصب أعلى سلطة تنفيذية في البلاد بأشهر قليلة، لكن أهمية اللقاء الفائت كانت أنه جاء في ظل محاولة طهران إبعاد نفسها من أن تكون في مرمى الأهداف الإسرائيلية، ووقتها كانت الضربات الإسرائيلية على "حزب الله" اللبناني والذي لم تتدخل إيران في حينها لدعمه أو رفع الضغط العسكري الإسرائيلي عنه، بل على العكس قبل سفره لنيويورك قال بزشكيان في أحد خطاباته "نحن أخوة للأميركيين"، وكان خطابه في الجمعية العامة منصباً حول الانفتاح والتفاهم من أجل المفاوضات مع الغرب، لكن الوفد الإيراني سيذهب هذه المرة والسياق الإيراني والإقليمي والدولي مختلف، فهذه المرة تعرضت إيران ذاتها للضربات الإسرائيلية ثم الأميركية، وأصبحت هناك سابقة وهي ضرب منشآتها النووية، كما تحركت دول الـ "ترويكا" الأوروبية من أجل تفعيل آلية "سناب باك"، وساءت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في أعقاب حرب الـ 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، على خلفية الهجمات واتهام طهران لتقرير الوكالة الذي قدمه رفائيل غروسي قبيل الحرب بأنه أعطى الذريعة لإسرائيل لمهاجمة إيران وإدانتها أمام المجتمع الدولي، كما اتهمت إيران مفتشى الوكالة بالتجسس لمصلحة إسرائيل وواشنطن، ووصل التوتر بينهما حد أنه أثير في داخل إيران بعض الأصوات المتطرفة التي دعت إلى اغتيال غروسي ذاته.
في هذا السياق كان التدخل المصري لتسهيل عودة الطرفين للتفاهم، وفي حين جرى إبرام اتفاق لوضع إطار جديد للعلاقة والتعاون ما بين إيران والوكالة إلا أنه هذه الخطوة الدبلوماسية التي أقدم عليها الطرفان منحت بعض الهدوء في العلاقات بينهما، وتستغلها إيران لإظهار حسن نياتها وشراء الوقت من جهة أخرى لتفويت تفعيل الـ "سناب باك"، لكن ما زالت هذه الخطوة هشة، فمن جهة ربطتها إيران بأي إجراء يتخذ ضدها ومنه تفعيل "سناب باك" حتى تنتهى صلاحية الاتفاق، ومن جهة أخرى هناك قضايا خلافية بين إيران وواشنطن يتمسك الطرفان بموقفهما على رغم أن واشنطن أكدت استعدادها استئناف المفاوضات مع إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ثم قد تكون مهمة بزشكيان في نيويورك هذه المرة صعبة للغاية، فلم يجر الإعلان عن أية اجتماعات ستعقد مع الوفد الإيراني والأوروبيين أو الأميركيين، ومع ذلك سيكون عليه إرسال التطمينات من جهة، ومن جهة تأكيد الانفتاح على المفاوضات، وربما يشير إلى الثوابت الإيرانية الخاصة بحق التخصيب المحلي، وربما يلمح إلى إمكان إجراء المفاوضات المباشرة مع واشنطن، فلا تزال هناك قضايا خلافية على مستوى الشكل والمضمون، أي أن إيران تريد مفاوضات غير مباشرة في حين تريد واشنطن مفاوضات مباشرة، وأما المضمون فإن القضية الرئيسة ما زالت عالقة بينهما وهي التخصيب الصفري الذي ترفضه إيران.
والجديد الآن في القضايا الخلافية ربما يكون الصواريخ الباليستية، فقد كانت الوسيلة الوحيدة الناجعة في رد طهران على إسرائيل خلال الحرب، وهو الدرس الذي لن تغفله إسرائيل، وقد أظهرت بعض التسريبات حول اجتماعات بنيامين نتنياهو وحكومته خلال الحرب، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن إيران ستصبح ثاني أكبر قوة في الصواريخ الباليستية، وكذلك أثار ماركو روبيو وزير الخارجية الأميركية خلال لقائه نتنياهو منذ يومين القدرات الصاروخية الإيرانية ومدى تهديدها، وهو ما رفضته طهران واعتبرته خطاً أحمر، فقد صرح رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بأن طهران لا تزال منفتحة على المحادثات النووية مع واشنطن، لكنه استبعد أي قيود على برنامجها الصاروخي، لذا قد تتحسب إيران أن تثير واشنطن في أية مفاوضات مقبلة مسألة القدرات الصاروخية، وهو ما ستحاول أن تتفاداه.
اجتماعات الجمعية العامة ستكون فرصة للالتقاء برؤساء الدول التي تتفاعل مع إيران، وهو ما ستحاول طهران استغلاله لاتباع دبلوماسية نشطة لدرء خطر العودة لقرارات مجلس الأمن، وإرساء أسس جولة جديدة من المفاوضات للتوصل إلى اتفاق تفاوضي في شأن البرنامج النووي الإيراني، لذا ربما على إيران استغلال الفرصة والتخلي عن بعض الشروط مثل المفاوضات غير المباشرة، أما شرط ربط صلاحية الاتفاق مع الوكالة بتفعيل "سناب باك" فربما تتمسك به طهران لشراء الوقت حتى انقضاء شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، وأما التخلي عنه فمرتبط بمدى احتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية من إسرائيل، لذا ستحاول طهران التأكيد خلال خطابها على الصراع الإقليمي وتداعياته على الأمن في المنطقة.
وضع إيران حالياً مختلف عما كان عليه العام الماضي من الوقت نفسه، وهو ما يضع تحديات عليها أن تتعامل معها لتتفادى الانزلاق لجولة عسكرية جديدة تجرها إليها إسرائيل.