ملخص
أكدت مصادر حكومية لبنانية أنه بعد جلستي مجلس الوزراء اللتين شهدتا اتخاذ قرار حصر السلاح وعرض خطة الجيش اللبناني لتنفيذ ذلك القرار صار الكلام عن مؤتمرات دعم لبنان أكثر جدية. إلا أن مراقبين يرون أنه على رغم كل الوعود فإن عقبات كثيرة لا تزال تحول دون تسهيل مسار انعقاد تلك المؤتمرات، وأولها سحب سلاح الميليشيات.
يعلّق لبنان آمالاً على ثلاثة مؤتمرات من شأنها رسم ملامح مستقبله في المرحلة المقبلة، أولها مؤتمر إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي لتعبئة الموارد اللازمة للبنى التحتية والمساكن وتحريك عجلة الاقتصاد، ومؤتمر دعم الجيش اللبناني لتأمين التمويل والقدرات اللوجيستية والعتاد بما يمكّنه من تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة، ومؤتمر "بيروت 1" للاستثمار لفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات وترسيخ ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وباستثناء تحديد الـ18 والـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعداً لمؤتمر الاستثمار الذي سيُعقد في بيروت، لا موعد بعد للمؤتمرين المتعلقين بالتعافي الاقتصادي والجيش اللبناني وإن كان الأخير بات انعقاده خلال الشهرين المقبلين أكثر ترجيحاً من دون تحديد مكان انعقاده أو التاريخ، لأن حسم هذا القرار مرتبط بموقف دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية، أما مؤتمر التعافي وإعادة الإعمار فيتوقف على قدرة الحكومة على تنفيذ قرار حصر السلاح وبسط سيادتها وتأمين الأمن والاستقرار. وتؤكد مصادر حكومية أنه بعد جلسة مجلس الوزراء في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، التي أقرت حصرية السلاح وجلسة الخامس من سبتمبر (أيلول) الجاري التي ناقشت خطة الجيش للتنفيذ، صار الكلام عن مؤتمرات دعم لبنان أكثر جدية.
السيادة أولاً
وتكشف المصادر الحكومية عن أن الحكومة اللبنانية تعمل على تسريع وتيرة الظروف المهيِّئة لعقد المؤتمرات الثلاثة، وتشدد على أن موضوع السيادة تتوقف عليه المحطات الثلاث، وهي مترابطة وتكمّل بعضها بعضاً، إذ لا يمكن تحقيق نهوض اقتصادي من دون استقرار أمني، ولا ترسيخ الاستقرار من دون مؤسسات قوية وبيئة استثمارية جاذبة، كذلك فإن نجاح هذه المسارات الثلاثة يتطلّب دعم الأصدقاء العرب والدوليين. وترى المصادر أن مؤشرات إيجابية توحي باقتراب موعد مؤتمر دعم الجيش بدءاً من إعلان الكونغرس الأميركي خصخصة مساعدات أمنية للقوات المسلحة اللبنانية بقيمة 14 مليون ونصف المليون دولار، بانتظار دفعة لاحقة بقيمة 190 مليوناً. وبحسب المصادر فإن دعم المؤسسة العسكرية بات ملحاً في ضوء الإجماع الداخلي والخارجي على ضرورة انتشاره في منطقتي جنوب وشمال نهر الليطاني، وسحب السلاح غير الشرعي من كل الأراضي اللبنانية ومن المخيمات الفلسطينية، وأنه يحتاج إلى المعدات وكثير من اللوازم اللوجيستية لتنفيذ هذه المهمة. وفي زيارات رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام الخارجية يتصدر مطلب دعم الجيش مواضيع البحث، وتكشف المصادر الحكومية أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عندما زار بيروت آتياً من الرياض، أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن فرنسا ترغب في رعاية مؤتمر دعم الجيش وأن أميركا تؤيد فكرة انعقاد المؤتمر وأن المساعي الآيلة لإقناع السعودية ودول الخليج الأخرى مستمرة، لأن نجاح المؤتمر مرتبط بموقفهم.
قانون الفجوة المالية
أما مؤتمر التعافي وإعادة الإعمار فتشرح المصادر الحكومية بأنه يتوقف على إقرار قانون الفجوة المالية الذي يتوقع أن ترسله الحكومة قريباً إلى مجلس النواب. كذلك فإن الاستقرار الأمني يبقى الشرط الأساس لتوفير فرص إقراره، وتذهب المصادر إلى أبعد من ذلك في الإشارة إلى أن ظروف انعقاد مؤتمر التعافي وضمنه إعادة الإعمار مرتبطة بمناخ تسوية معينة، وبمدى التقدم في قرار حصرية السلاح، وعن مؤتمر "بيروت 1" الذي يهدف بحسب المصادر الحكومية إلى جذب الاستثمار الخارجي وتأمين حضور شركات غربية وعربية لإعادة الثقة بالبلد وتأمين مداخيل إضافية، فإن الملف الأمني وتأمين الاستقرار يبقيان أولوية إضافة إلى توفير الأرضية اللازمة للاستثمار الخاصة بهيكلة القطاع المصرفي والإصلاحات الاقتصادية والمالية والقضائية. وتكشف عن أن هناك تصوراً للمؤتمر بألا يكون على طريقة المؤتمرات السابقة لجهة تحديد مشاريع وقطاعات واضحة يمكن أن تجذب المستثمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا إدارة ولا قدرة على التنفيذ
وزير الاقتصاد اللبناني السابق نقولا نحاس يستذكر مؤتمرات سابقة مثل "باريس 1 و2 و3 " ومؤتمر "سيدر" التي "انتهت بمنح لبنان 10 في المئة فقط مما وعدت به الدول المشاركة"، ليؤكد أن "مؤتمرات كثيرة عقدت من أجل لبنان ولم يُنفذ منها شيء". ويكشف نحاس عن أن "موازنة لبنان في البنك الدولي تبلغ مليار دولار لكنه لم يستطع يوماً استيعاب أكثر من 100 مليون في العام، بسبب النقص في الجهاز الإداري والتنفيذي والبطء في التعاملات والمماطلة"، ويؤكد نحاس أن "الإدارة تعاني نقصاً حاداً في عدد الموظفين البالغ حالياً 6 آلاف فيما المطلوب 15 ألفاً"، ويخلص إلى القول أن "لا وجود لدولة وليس لدينا سلطة".
ويشرح الوزير السابق أن "دولاً عدة تأخذ من البنك الدولي أكثر مما يُخصص لها في موازنتها، لأنها قادرة على تنفيذ المشاريع".
"الأمر ليس مرتبطاً بحكومة جديدة وعهد جديد"، يضيف نحاس ويسأل "هل الوزراء الـ14 قادرون على التغيير في ظل إدارة غير موجودة؟"، مشدداً على أن "لبنان يحتاج إلى مؤتمر مخصص لوضع إطار استثماري للقطاع الخاص وأن يُستتبع بإعادة بناء البنى التحتية التي لم تخصص لها مشاريع منذ 20 عاماً، ويسأل كيف يمكن لأي مستثمر في القطاع الخاص أن يتجرأ ويستثمر في لبنان في ظل وضع غير مستقر يتجدد كل ثلاثة أعوام؟ واعتبر أن "كلام رئيس الجمهورية جوزاف عون في القمة العربية والإسلامية في قطر عن السلام يشكل نقطة أساسية وجوهرية لتكون عامل جذب للاستثمار".
وانتقد نحاس النظام الحالي التوافقي، معتبراً أن "كل زعيم طائفة يشكل دولة وحده حتى بات لدينا ثلاث دول"، في إشارة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، ورئيس الحكومة.
ويتوقع نحاس "تكرار سيناريو إضاعة الفرصة مرة جديدة"، ويعتبر أن "المؤتمرات الثلاثة تحتاج إلى ضغط دولي حتى تنعقد والأمر متوقف على مسار بناء الدولة"، ويلمح إلى "عدم وجود توافق حول هذه المؤتمرات بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، لا سيما حول مؤتمر الاستثمار ’بيروت 1‘"، ويشدد على أن "لبنان لن يتلقى أي دعم أو مساعدات مالية قبل أن يثبت الجيش اللبناني أنه ممسك بالأرض بشكل كامل"، ويركز على "أهمية انتقال لبنان في السياسة كلياً من ضفة إيران إلى الضفة العربية"، معتبراً
أن "انعقاد المؤتمرات قبل تحقيق ذلك يعني نهايتها كسابقاتها من حيث الوعود التي لا تُنفذ".
حصر السلاح بات شرطاً عالمياً
تكتسب المؤتمرات الثلاثة المخصصة لدعم لبنان، بحسب الكاتب السياسي نبيل بو منصف، "أهمية كبيرة في هذه المرحلة، ويعمل العهد والحكومة الجديدان بقوة لحشد الدعم الدولي لها". وعلى رغم كل الوعود فإن عقبات كثيرة - يضيف بومنصف - لا تزال تحول دون تسهيل مسار انعقادها، وأولاها يصفها بـ"الشرط العالمي" والمتمثل بسحب السلاح كأولوية مطلقة لضمان تجاوب الدول الصديقة والمانحة، فإعادة الإعمار والاستثمار والدعم والمساعدات والجيش كلها مرتبطة بحسب بو منصف، بمسألة أساسية وهي حصرية السلاح لمصلحة الدولة اللبنانية ونزع سلاح "حزب الله" بالكامل، أما الشرط الثاني فهو إظهار خطوات ملموسة وعملية ومقنعة تتعلق بالإصلاح وخصوصاً الإصلاح المصرفي، ويتابع "من دون تأمين هذين الشرطين من الصعب توقع وعود زهرية على صعيد مؤتمرات الدعم، ولا أعتقد أن حسم المواعيد سيكون قريباً وقد نكون أمام مسافة زمنية غير قصيرة لإتمام شروط انعقاد المؤتمرات الثلاثة، ولا تقتصر أهمية هذه المؤتمرات على الشق الاقتصادي الإنقاذي والاجتماعي والمالي إنما أيضاً في تسليط الضوء على التفاف دولي حول لبنان واحتضان مسيرته السياسية والأمنية والعسكرية الجديدة والدفع قدماً باتجاه خطوات كبيرة تتناسب مع ما يُرسم للشرق الأوسط بكامله".