ملخص
تعيش سميرة في المواصي ولم تشعر يوماً أنها في منطقة آمنة إذ تتكرر المجازر التي تستهدف الخيم، وتقول "لا يوجد أي شعور بالأمان، على العكس، الخوف مضاعف، فإذا لم تمت في الاستهداف المباشر، يمكن أن تموت من الإصابة بالشظايا لأنك تعيش في خيمة، وليس في بيت تمنع حجارته عنك الشظايا، وسواء كان القصف قريباً أو بعيداً فإن الشظايا ستصل إليك".
استأجر الأب حسام شاحنة وحمل عليها مستلزماته الأساسية وأخلى بيته الذي تقترب منه الدبابات الإسرائيلية بغية احتلال مدينة غزة بالكامل، وتوجه إلى المواصي في جنوب القطاع نازحاً هرباً من الموت، لكن عندما وصل إلى المنطقة الإنسانية حدث معه ما هو غير متوقع.
بعد خمس ساعات وصل حسام إلى المواصي، وبمجرد ما وطأت قدماه المنطقة الإنسانية أخذ يبحث عن مأوى يقيم فيه برفقة أسرته، يقول "أفتش عن بيت صغير بإيجار معقول، أو غرفة سكنية وإذا وجدت حاصلاً لا أمانع، حتى قطعة أرض محدودة المساحة لأبني عليها خيمة".
العودة إلى مدينة غزة
استغرق حسام 24 ساعة متواصلة في البحث عن مكان يحوله لمأوى بدل بيته الجميل الذي تركه وهرب من الموت، لكن محاولاته باءت بالفشل، يضيف "كنت أتفادى الهرب لحظة الصفر واقتحام الجيش غرب غزة، لذلك خرجت نازحاً للأسف كنت أعتقد أنني غادرت المدينة باكراً لأجد مكاناً يؤوي عائلتي لكن استنتجت أنه لا متسع لتضع قدم طفل صغير في المواصي".
تعب حسام من البحث عن مكان إيواء في منطقة المواصي وقرر العودة إلى مدينة غزة التي يخطط الجيش الإسرائيلي لاحتلالها بالكامل وتدميرها، ويستعد لشن هجوم بري كبير على أحيائها، يتابع الأب "لن نرحل من غزة ليس لأننا صامدون وحسب بل لأنه لا يوجد مكان يسع أعداد النازحين من مدينة غزة".
أقرت إسرائيل خطة لاحتلال مدينة غزة التي يعيش فيها 1.1 مليون نسمة، وطلبت من هؤلاء المدنيين الإخلاء والتوجه إلى منطقة المواصي في جنوب القطاع، قبل بدء الغزو الكبير.
نزوح عكسي
عندما استجاب عدد محدود من المدنيين الذين فقدوا بيوتهم في مدينة غزة ويعيشون حالياً في خيم بالية وقرروا التوجه إلى المواصي، وجدوا أن تلك المنطقة الإنسانية مكتظة بالنازحين ولا يوجد فيها متسع لبناء خيم إضافية وتفتقر لجميع الخدمات البسيطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عادت غالبية النازحين الذين غادروا غزة إلى المواصي، وبرزت ظاهرة "النزوح العكسي" ومعناها أن يعود المدنيون من المنطقة الإنسانية إلى مدينة غزة على رغم أن أكبر مجمع حضري في القطاع يشهد حرباً وتوغلاً برياً وقصفاً للأبراج.
تكلف حسام في رحلة نزوحه ثم عودته إلى غزة حوالي 2000 دولار، واليوم يعيش في شقة سكنية مهدمة لكنه يراها أفضل الموجود وأرحم الخيارات، ويعقب "أفضل بكثير من خيمة قماشية أو العيش في أماكن نزوح مكتظة وسط فقدان للخدمات المعيشية والصحية".
90 ألفاً غادروا غزة عاد منهم عدد كبير
نزح من مدينة غزة 90 ألف نسمة فقط، جميعهم توجهوا نحو المواصي وذلك وفقاً لتقديرات هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان"، لكن لم يستقر جميع هؤلاء في المنطقة الإنسانية واضطر عدد منهم إلى النزوح العكسي مرة أخرى والعودة إلى غزة.
يقدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن نحو 30 ألف مواطن اضطروا إلى النزوح العكسي، جميعهم عادوا إلى مدينة غزة حيث موطنهم الأصلي وبيوتهم التي يهدد الجيش الإسرائيلي باحتلالها وتدميرها.
الاكتظاظ أحد أسباب بروز ظاهرة "النزوح العكسي"، تقول ريما "المناطق الإنسانية مكتظة ولا يوجد فيها موطئ قدم لنصب خيمة، المواصي مزدحمة أصلاً بالنازحين من مدينتي رفح وخان يونس".
مساحة ضيقة ومكتظة
تبلغ مساحة المنطقة الإنسانية "المواصي" حوالى 12 كيلومتراً مربعاً أي ما يعادل ثلاثة في المئة فقط من مساحة قطاع غزة، وهي منطقة كانت في الأصل زراعية وتفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية وغير مهيأة لاستقبال النازحين.
بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي في رفح وخان يونس جنوباً وبيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وأجزاء من مدينة غزة شمالاً اضطر سكان تلك المناطق إلى النزوح نحو المواصي والعيش في خيم هناك.
حالياً يعيش حوالى 800 ألف في خيم بالية داخل المنطقة الضيقة التي يصنفها الجيش الإسرائيلي بأنها إنسانية، وتطلب تل أبيب من 1.1 مليون فرد إضافي الانتقال إلى البقعة الصغيرة نفسها، وهذا يجعل الأمر مستحيلاً، لذلك يرفض الغزيون النزوح ومن يقرر الهرب إلى هناك يعود في نزوح عسكي بسرعة.
توسيع
تعرف إسرائيل أن المنطقة ضيقة، لذلك قررت توسيعها قليلاً حتى بلغت مساحتها نحو 15 كيلومتراً مربعاً، لكن هذا التوسيع الذي يقدر بحوالى ثلاثة كيلومترات مربعة لا يمكن أن يعيش فيه 1.1 مليون نسمة تطالبهم تل أبيب بالرحيل إلى المواصي.
يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي "عملنا على توسيع نطاق المنطقة الإنسانية، وطلبنا من سكان مدينة غزة الإخلاء من دون تفتيش كما أشعرناهم بتوسيع المناورة البرية".
ويضيف "المنطقة الإنسانية ستجرى فيها أعمال لتوفير خدمات إنسانية أفضل، وإجراء ترميمات في المستشفى الأوروبي وبعض البنى التحتية الحيوية مثل مستشفيات ميدانية وخطوط مياه ومرافق تحلية مياه، إلى جانب توفير متواصل لمواد غذائية وخيم وأدوية ومواد طبية سيتم إدخالها".
مغريات لا تغري
المغريات البسيطة (مستشفى ومياه وطعام وخيم) التي يتحدث عنها الجيش لم تعجب الغزيين، وبخاصة أن إسرائيل بعد إعلانها عن تلك المحفزات شنت سلسلة غارات في المواصي أدت إلى ارتقاء عدد كبير من الضحايا.
تعيش سميرة في المواصي ولم تشعر يوماً أنها في منطقة آمنة إذ تتكرر المجازر التي تستهدف الخيم، وتقول "لا يوجد أي شعور بالأمان، على العكس، الخوف مضاعف، فإذا لم تمت في الاستهداف المباشر، يمكن أن تموت من الإصابة بالشظايا لأنك تعيش في خيمة، وليس في بيت تمنع حجارته عنك الشظايا، وسواء كان القصف قريباً أو بعيداً فإن الشظايا ستصل إليك".
ويقول علاء "يستهدف الجيش خيم الإيواء في المواصي غير آبه بتلاصق الخيم القماشية الرثة، أو وجود أعداد كبيرة من النازحين مما يخلف أعداداً كبيرة من الضحايا، الخيم لا تصمد أمام القذائف التي تحرقها في ثوان، وتجعل قماشها وقوداً لنار تشتعل بأجساد النازحين".
خطر في المواصي
منذ بداية الحرب قصف الجيش الإسرائيلي أكثر من 105 مرات منطقة المواصي الإنسانية مستهدفاً خيم الإيواء، وخلف آلاف الضحايا.
وخلال أغسطس (آب) الماضي، قتل في المواصي 952 نازحاً، وفي يوليو (تموز) الماضي سقط 1324، وفي يونيو (حزيران) الماضي بلغت أعداد الضحايا 1019.
يقول مدير دائرة نظم المعلومات بوزارة الصحة زاهر الوحيدي "أعداد الضحايا في منطقة المواصي تكشف بوضوح حجم التضليل الذي تمارسه تل أبيب التي تدعي أن المنطقة آمنة".
ويضيف "لا وجود لأية منطقة آمنة في قطاع غزة، والمناطق التي تؤوي الناس حالياً باتت مساحتها أقل من 12 في المئة من مساحة القطاع، والناس يتركزون في غرب مدينة غزة، وفي المحافظة الوسطى، وفي محافظة خان يونس، لكن إسرائيل تكرر استهداف خيم النازحين في هذه المناطق".
الشروط الإنسانية غائبة
تقدر مساحة الـ12 في المئة من قطاع غزة بحوالى 43 كيلومتراً مربعاً، لكن جزءاً من تلك المناطق في مدينة غزة التي يطالب الجيش بإخلائها نحو المنطقة الإنسانية في المواصي.
يقول مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإعلامية في الأراضي الفلسطينية عدنان أبو حسنة "هناك مئات الآلاف من الأشخاص في الشوارع لا يجدون مأوى لهم، والأوضاع باتت في منتهى الخطر، أية منطقة يتم إخلاء المدنيين إليها يجب أن تتوافر فيها الشروط الإنسانية الأساسية".
ويضيف "المواصي لا مأوى مناسباً فيها ولا غذاء كافياً، والمياه الصالحة للشرب نادرة، والرعاية الصحية ضعيفة والخدمات التي تضمن الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة غير موجودة، فضلاً عن عدم وجود ضمان الحماية من الأخطار والاعتداءات".