Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تزايد غير مسبوق للعنف والجريمة داخل المجتمع العربي في إسرائيل

جريمة قتل كل 32 ساعة أدت لتزايد الهجرة الداخلية والخارجية بسبب انعدام الأمن

لم تتجاوز نسبة كشف الجرائم لدى العرب في إسرائيل 20 في المئة، مقارنةً بـ 65 في المئة في الجرائم التي كان الضحايا فيها من اليهود (رويترز)

ملخص

يبلغ عدد ضحايا جرائم القتل لكل مليون نسمة في المجتمع العربي في إسرائيل، 120 قتيلاً، وفقاً لبيانات جمعتها الأمم المتحدة، وهو معدل فلكي مقارنة بالأردن، حيث يبلغ 10، ولبنان 22، وفي الضفة الغربية، هناك تسع جرائم قتل لكل مليون نسمة، في حين يُقتل بين المواطنين اليهود في إسرائيل ثمانية أشخاص لكل مليون نسمة.

عند الساعة الثالثة فجراً وخلال دقائق قليلة، اقتحم مجرمون منزلاً متنكرين بزي الشرطة وأطلقوا النار على رأس خالد (25 سنة) من المسافة صفر بينما كان نائماً في فراشه، وأصابوا شقيقه من ذوي الاحتياجات الخاصة بقدمه، وهددوا العائلة ولاذوا بالفرار بعدما عطلوا شبكة الكهرباء بالمنزل، وذلك لم يكن مشهداً في فيلم يتكلم عن المافيا ورجال العصابات، بل هو مشهد حقيقي عاشته قبل أيام عائلة عاصلة في مدينة عرابة البطوف بمنطقة الجليل شمال إسرائيل، حيث بات اقتحام المنازل وقتل الضحايا بين أبناء أسرهم وداخل غرف نومهم حدثاً مؤسفاً شبه يومي يعيشه الوسط العربي داخل إسرائيل، الذي شهد منذ مطلع العام الجاري مقتل 177 عربياً بينهم 11 خلال الأسبوع الماضي.

وأظهر استطلاع حديث للمجتمع العربي في جامعة تل أبيب أن 75.4 في المئة من المواطنين العرب يشعرون بأنهم يفتقرون إلى الأمان الشخصي، وقال 54 في المئة من المشاركين إن القضية الأكثر إلحاحاً التي يجب التعامل معها هي الجريمة والعنف في المجتمعات العربية، حيث اعتبروها في مرتبة إنهاء الحرب في غزة، مع تصنيف 23 في المئة لها على أنها القضية الأكثر إلحاحاً.

ومن الناحية النظرية،يتمتع "عرب 48"، كما يفضل كثير منهم أن يسموا أنفسهم، واليهود بحقوق متساوية، لكنهم يشكون باستمرار مما يقولون إنه "تمييز حكومي"، إذ ترى أسر الضحايا والمسؤولون العرب في إسرائيل أن تقاعس الشرطة هو أحد الأسباب الرئيسة للعنف المستشري الذي ابتليت به أحياؤهم ومدنهم.
ووفقاً لبيانات جمعتها الأمم المتحدة فيبلغ عدد ضحايا جرائم القتل لكل مليون نسمة في المجتمع العربي في إسرائيل 120 قتيلاً، وهو معدل فلكي مقارنة بالأردن، حيث يبلغ 10، ولبنان 22، وفي الضفة الغربية هناك تسع جرائم قتل لكل مليون نسمة، في حين يقتل بين المواطنين اليهود في إسرائيل ثمانية أشخاص لكل مليون نسمة.

وفيما يؤكد مركز "أمان" لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي وقوع جريمة قتل كل 32 ساعة في الوسط العربي، سجلت معطيات جمعية "مبادرات إبراهيم" لتعزيز المساواة والتماسك الاجتماعي اليهودي الفلسطيني في إسرائيل زيادة في جرائم القتل خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 13 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وزيادة بنسبة 127 في المئة عن عام 2022.


أسلحة جديدة

وخلال الآونة الأخيرة لاحظ الفلسطينيون تطوراً لافتاً وخطراً في أساليب جرائم القتل في الوسط العربي، فإضافة إلى تنكّر المجرمين بزي عناصر الشرطة الإسرائيلية واقتحام المنازل وتفخيخ المركبات وتفجيرها عن بعد، واستعمال صواريخ "لاو" ورشاشات ثقيلة، وصل الأمر إلى إلقاء القنابل باستخدام طائرات مسيرة، وهي أساليب مشابهة لتلك التي كانت شائعة في عصابات المجتمع اليهودي قبل أعوام، وأشارت حركة "حرية المعلومات" الإسرائيلية إلى أن "هناك ارتفاعاً كبيراً في الجريمة بمختلف أنواعها خلال ولاية حكومة بنيامين نتنياهو"، وهو ما أكده تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إذ جاء فيه أن "ظاهرة العنف والجريمة داخل إسرائيل منذ تولي إيتمار بن غفير منصبه في وزارة الأمن القومي أخذت أبعاداً لم يسبق لها مثيل، كما حدثت أيضاً زيادة في جرائم القتل لأسباب إجرامية وجنائية في المدن اليهودية".

وعلى رغم إعلان حال الطوارئ والحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وارتفاع نسب الجريمة داخل الوسط العربي في إسرائيل، فقد سارع بن غفير إلى توزيع عشرات آلاف قطع السلاح على الإسرائيليين تحت ذريعة توفير الأمن والأمان الشخصي في ظل الحرب، وقالت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية إن بن غفير يسهل إصدار تراخيص الأسلحة النارية للمواطنين ويزيد عدد المؤهلين للحصول عليها، "مما يشكل وصفة مضمونة لزيادة عدد الحوادث الإجرامية".

وبحسب الصحيفة فقد أدى تخفيف شروط الحصول على السلاح منذ بدء الحرب إلى إصدار 172 ألف ترخيص سلاح، وكشف تقرير رسمي صادر عن الشرطة الإسرائيلية قدمه مكتب الأمن القومي إلى لجنة الأمن القومي في الكنيست عن أن نسبة كشف الجرائم التي تقاس بعدد لوائح الاتهام المقدمة، لا تزال منخفضة بصورة لافتة، خصوصاً في جرائم قتل العرب، إذ لم تتجاوز نسبة الكشف 20 في المئة مقارنة بـ 65 في المئة في الجرائم التي كان الضحايا فيها من اليهود.


أرضية خصبة

وفي ظل فوضى السلاح وغياب الخطط الحكومية لمكافحة العنف والجريمة وتوغلها في المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، يرى بعضهم أن من يقف خلف هذه الجرائم غالباً ما تكون تنظيمات إجرامية تدير شبكات لتهريب السلاح والابتزاز المالي داخل بلدات عربية تعاني التهميش الاقتصادي وغياب الفرص، خصوصاً وأن بلدات عربية عدة تعاني معدلات بطالة مرتفعة، ومنظومات تربوية وصحية ضعيفة وبنى تحتية متردية شكلت بيئة خصبة لاستفحال ظاهرة الجريمة والعنف في المجتمع العربي.

ووفقاً لمديرة برنامج المجتمع العربي في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نسرين حداد حاج يحيى فإن "الغالبية العظمى من البلدات العربية تحتل أدنى درجات السلم الاجتماعي والاقتصادي، إذ يوجد 40 في المئة من الشباب العرب في الفئة العمرية ما بين 18 و22 سنة خارج إطار العمل والدراسة، ويعيش 43 في المئة من الشباب العرب في الفئة العمرية بين 18 و24 سنة ضعفا معدل الفقر لدى الشباب اليهود"، مشيرة إلى أن هذا يعد أحد الأسباب الكامنة وراء الارتفاع الحاد في معدلات جرائم القتل في الوسط العربي. من جانبها قالت الصحافية سوسن سرور، وهي مراقبة وناقدة للمشهد السياسي في إسرائيل، إن "التمييز الممنهج الممارس منذ عقود في التربية والتعليم، والرفاه الاجتماعي والتشغيل وسائر مجالات الحياة المدنية، أدى إلى فجوات عميقة بين البلدات العربية والبلدات اليهودية مهدت الطريق إلى اتساع دائرة الجريمة والعنف، وبينما يعمل جهاز الشرطة في إسرائيل على متابعة القضايا المتصلة بإنفاذ القانون وعالم الجريمة في المجتمع اليهودي، يتولى جهاز الأمن العام الداخلي (شاباك) الذي يفترض به أن يركز اهتمامه على القضايا التي تمثل خطراً أمنياً ذا خلفية قومية، بمتابعة شؤون المجتمع العربي، مما زعزع ثقة العرب تجاه جهات إنفاذ القانون بسبب تعامل السلطات الإسرائيلية معهم على أنهم جهة معادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقليصات كبيرة

وفي هذه الفترة الحساسة بالتحديد، حيث يعاني المجتمع العربي العواقب الوخيمة للحرب ويواجه حملات ملاحقة وتحريض غير مسبوقة، ومع ازدياد خطر التصعيد بين اليهود والعرب أكثر من أي وقت مضى، قررت الحكومة الإسرائيلية تقويض المجتمع العربي أكثر بدلاً من تدعيمه وإنعاشه، والمصادقة على قرار تقليص 15 في المئة من موازنات المجتمع العربي المخصصة وفقاً للقرارات الحكومية، وهي أكبر بثلاثة أضعاف من نسبة التقليصات العرضية في جميع الوزارات، وتتضمن الخطة الاقتصادية التي أعلنتها وزارة المالية، بحجة تمويل الحرب، خفوضاً ضخمة وخصخصة للشركات والخدمات، مع إنهاء البرامج وتقليص الدعم للمنظمات غير الربحية، وهو ما يعني فصل مئات الموظفين في الخدمة المدنية والإضرار بخطط التنمية وخطط مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، ناهيك عن الإضرار بالخدمات العامة والركود في تطوير البنى التحتية الجديدة.

ولا تشمل الموازنات المعدة للمجتمع العربي في الموازنة العامة للدولة، كسائر الموازنات، بل يجري تخصيصها في إطار قرارات حكومية، وفي ضوء المعطيات الخطرة طالب مركز "أمان" بتفعيل شامل وفوري للخطة الحكومية رقم (549) التي صادقت عليها الحكومة عام 2021، وتتضمن مكافحة الجريمة والعنف حتى عام 2026 و"محاسبة جهاز الشرطة على تقصيره ووقف تسييسه، على حد تعبيرهم.

ودعا رئيس المركز كمال ريان في جلسة لجنة مراقبة الدولة في الكنيست حول الجريمة والعنف واقتصاص الموازنات أخيراً إلى مضاعفة موازنات السلطات المحلية العربية لتقوية البنى الأمنية والاجتماعية، وإشراك شخصيات يهودية مؤثرة في حملات تضامن، وتوسيع التغطية الإعلامية للأزمة بوصفها "خطراً عاماً على الجميع لا شأناً عربياً داخلياً". وأكدت عضو الكنيست نعماه لازيمي أن العنف الشديد في الوسط العربي هو "نتيجة التخلي والإهمال والاستخفاف بالحياة البشرية النابع من العنصرية الشديدة"، مضيفة خلال جلسة اللجنة الخاصة لشؤون الشباب التي ترأستها أن "هذه ليست مصادفة بل سياسة حكومية يجب تجنبها من خلال القيام بأنشطة مكثفة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والاستثمار في الحركات الشبابية".

بدوره أشار المدير العام لمنظمة "أجيك – مركز النقب" سليمان العمور، وهي منظمة عربية يهودية للتغيير المجتمعي، إلى أن "غياب مثل هذه الحركات أو محدودية الوصول إليها قد يخلق فجوات كبيرة ويضيع الفرصة لدعم الشباب وتطويرهم".


على الهامش

وعلى رغم أن تنفيذ الخطط طوال الأعوام الماضية كان جزئياً وتضمن كثيراً من الإشكالات والتحديات، إلا أنه أسهم خلال الأعوام الأخيرة في تحقيق ارتفاع غير مسبوق في معدل تشغيل النساء العربيات وتقليص الفجوة بين نسبة العائلات اليهودية والعربية التي تعيش تحت خط الفقر، ووفقاً لجمعية "سيكوي-أفق" للمساواة والشراكة فإن التقليصات من مجمل موازنات المجتمع العربي "ضربة موجعة وسط توجه خطر وهدام من قبل الحكومة"، مؤكدة أن هذه التقليصات ستؤدي إلى "اتساع وتعميق الفجوات الاجتماعية وستضعف المجتمع العربي والاقتصاد بشكل عام".

وأشارت الجمعية في بيان إلى أن "دمج المواطنين العرب بصورة متساوية في جميع مجالات الحياة هو أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في إسرائيل"، وفيما يلقي بعضهم باللوم على النزاعات العشائرية والقضايا الأسرية في تأجيج جرائم القتل والثأر داخل الوسط العربي، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن نقص البنوك والسياسات التي تقيد الموافقات على المساكن الجديدة للعرب، مع انتشار الإقراض في السوق السوداء، وجرائم الحماية، وأنواع أخرى من الجريمة المنظمة، إضافة إلى العنف المميت، كلها عوامل جذرت دور عصابات الجريمة في الوسط العربي والتي استغلت استمرار الحرب على غزة وما يواكبها من انشقاقات وتفكك في البنية الأمنية والسياسية والاجتماعية وتردي الوضع الاقتصادي، وهو وفقاً لمراقبين يضع معالجة الجريمة في المجتمع العربي على الهامش وليس ضمن أولويات حكومة نتنياهو.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير