ملخص
في أول ظهور له منذ تولي ترمب ولايته الثانية، شارك جاريد كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في اجتماع بالبيت الأبيض لمناقشة مستقبل غزة بعد الحرب، يأتي الاجتماع وسط أزمة إنسانية متفاقمة، مع استمرار غياب اتفاق لوقف إطلاق النار.
في ظهور هو الأول من نوعه منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولايته الرئاسية الثانية، ظهر صهره جاريد كوشنر الذي عمل مبعوثاً لترمب للشرق الأوسط خلال ولايته الأولى بين 2017و2021، في اجتماع أمس الأربعاء، في شأن الحرب في غزة، حضره أيضاً رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وفق ما جاء في وسائل الإعلام الأميركية، فإن اجتماع ترمب مع كوشنر وبلير في المكتب البيضاوي الذي حضره أيضاً المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، يتعلق بمناقشة مستقبل غزة بعد الحرب، في وقت لا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بعيد المنال، فيما يواجه سكان القطاع أزمة إنسانية عاصفة.
في حين لم يشارك كوشنر علانية في أي محادثات خاصة بغزة على مدار الأشهر الثمانية الماضية منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، لكنه لم يغب عن دائرة الرئيس الأميركي، إذ ظل يلعب دوراً خلف الكواليس في الأعوام الأخيرة، وخلال إدارة ترمب الأولى، قاد الجهود الخاصة بـ "اتفاقات أبراهام"، التي أرست علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وثلاث دول عربية، كما يمتلك أعمالاً وروابط مالية بالمنطقة.
عودة صفقة القرن
ظهور كوشنر وبلير في اجتماع البيت الأبيض يثير التكهنات في شأن الخطة التي يرغب ترمب في تنفيذها بالنسبة إلى غزة، فكوشنر هو صاحب ما يُعرف بمقترح "صفقة القرن" وهي خطة مثيرة للجدل شكلت رؤية إدارة ترمب الأولى للقضية الفلسطينية، فخلال مؤتمر استضافته المنامة عاصمة البحرين في يونيو (حزيران) 2019، عرض صهر ترمب الجانب الاقتصادي لخطة سلام أميركية لحل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
واقترحت الخطة التي وصفها كوشنر آنذاك بـ"فرصة القرن" جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار خلال 10 أعوام لمصلحة الفلسطينيين وخلق مليون فرصة عمل لهم ومضاعفة إجمالي الناتج المحلي. وتنطوي رؤية كوشنر على بناء قاعدة اقتصادية مزدهرة من شأنها أن تجعل الحل السياسي للصراع أكثر سهولة من خلال دفع الفلسطينيين لقبول التسويات السياسية. غير أن الخطة قوبلت برفض القيادة الفلسطينية التي قاطعت المؤتمر واعتبرت الخطة "رشوة اقتصادية" للتنازل عن الحقوق الوطنية، ففي حين سعى كوشنر إلى تسويق الخطة باعتبارها مشروعاً اقتصادياً إنمائياً للفلسطينيين والمنطقة، فإنها أثارت الجدل باعتبارها أداة ضغط لتصفية القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جانب آخر، فإن معهد بلير الذي أسسه رئيس الوزراء البريطاني السابق، أسهم في صياغة مشروع لتطوير خطة ما بعد الحرب في غزة، تضمنت إنشاء ما يسمى بـ"ريفييرا غزة" ومنطقة صناعية تحمل اسم إيلون ماسك، وقاد المشروع رجال أعمال إسرائيليون، مستخدمين نماذج مالية وضعتها شركة الاستشارات الأميركية "بوسطن كونسلتينج جروب"، وتم تطويره في سياق رؤية الرئيس الأميركي للاستحواذ على الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى منتجع.
وفي حين نفي معهد توني بلير للتغيير العالمي المشاركة في صياغة الخطة، لكن وفق صحف بريطانية فإن اثنين من موظفيه شاركوا في اتصالات خلال تطور المشروع، كما شارك الموظفون في مجموعة رسائل خاصة بالمشروع، ضمّت أيضاً شخصيات من شركة بوسطن ورجال أعمال إسرائيليين، بينما جرى تداول وثيقة صادرة عن المعهد بعنوان "الخطة الاقتصادية لغزة" داخل هذه المجموعة، بحسب ما أفادت صحيفة فاينانشال تايمز.
ولدى بلير اهتمام طويل بالمنطقة، حيث نسج علاقات عميقة خلال عمله مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط، التي جمعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، للتوسط في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بين عامي عام 2007 و 2015، ووفق مصادر تحدثت لموقع "أكسيوس" فإن بلير كان حاضراً خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن الشهر الماضي.
طرف ثالث لإدارة القطاع
يتفق بلير مع كوشنر وترمب في شأن رؤيتهما الاستثمارية لغزة وفي الوقت ذاته ضرورة خروج "حماس" من المشهد، وقال معهد توني بلير إنه "يتواصل مع الكثير من المجموعات والمنظمات المختلفة التي لديها خطط لما بعد الحرب في غزة"، لكنه لم يؤيد أي تحرك لنقل سكان غزة، وأضاف "إن عمل المعهد في المنطقة، منذ تأسيسه، كان دائماً مكرساً لبناء غزة أفضل من أجل الغزيين، وقد عمل توني بلير من أجل ذلك منذ مغادرته المنصب، لم يكن الأمر أبداً متعلقاً بنقل سكان غزة، وهو مقترح لم يكتبه المعهد، ولم يطوره أو يؤيده".
وقال بلير لمجلة بوليتيكو في أكتوبر الماضي إن كلاً من إسرائيل أو "حماس" لا ينبغي أن تحكما غزة، بل يجب أن تتولى سلطة طرف ثالث إدارتها في إطار اتفاق سلام، ومع ذلك لم يشر إلى تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، ما يمكن أن يلمح إلى خطة ترمب الأولى في شأن إدارة أميركية، وهو ما يتفق أيضاً مع الرؤية الإسرائيلية بحسب قول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، في حديثه إلى "اندبندنت عربية".
وقال الدبلوماسي المصري السابق إن لقاء كوشنر وبلير في البيت الأبيض يحمل عدة رسائل أهمها هو إصرار ترمب على أن غزة لن تعود للفلسطينيين وهو أمر مخالف للقانون والشرعية الدولية، كما أن هذا يمثل تحدياً لموقف الدول العربية والإسلامية التي اعتمدت خطة إعادة إعمار غزة بعد وقف إطلاق النار.
ويشير إلى أن كوشنر لم يغب قط عن تقديم المشورة لترمب في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ويضيف "هذه المرة الأمر أسوأ، فخطته الأولى عام 2019 كانت تشمل الفلسطينيين أما الآن فهناك رغبة لتحويل غزة إلى ريفييرا على حد قول ترمب دون سكانها".
ولفت حسن إلى مقترح مصر "فكرة لجنة الإسناد المجتمعي" التي تولي إدارة غزة إلى شخصيات فلسطينية مستقلة وقبل الخطة إلى كل من السلطة الفلسطينية و"حماس" وهو ما تتجاهله إدارة ترمب وشركاؤها.
وخلال فبراير (شباط) الماضي، اقترح ترمب سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع الساحلي بصورة دائمة، وندد خبراء حقوقيون والأمم المتحدة بهذه الخطة ووصفوها بأنها اقتراح "تطهير عرقي"، والتهجير القسري غير قانوني بموجب القانون الدولي.
وصور ترمب الخطة، التي لم يذكرها علناً خلال الأسابيع الماضية، على أنها فكرة لإعادة التنمية لتحويل غزة لـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، وتعيد هذه الخطة صدى فكرة طرحها كوشنر قبل عام، لإخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى واجهة بحرية.
لا دولة فلسطينية
وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركية أول من أمس الثلاثاء، قال ويتكوف إن الولايات المتحدة تعمل على إعداد خطة "شاملة للغاية" لمرحلة "اليوم التالي" بعد الحرب، وأضاف مبعوث ترمب للشرق الأوسط أنه يعتقد أن الحرب في غزة يمكن أن تنتهي خلال الأشهر الأربعة المقبلة، وأضاف "سوف ننهي هذا الأمر بطريقة أو بأخرى، وبالتأكيد قبل نهاية هذا العام"، وعندما سُئل عن خطة لحكم غزة بعد الحرب، قال ويتكوف "إنها خطة شاملة للغاية نعمل على إعدادها لليوم التالي، وأعتقد أن كثيراً من الناس سيرون مدى قوتها وحسن نواياها، وأنها تعكس الدوافع الإنسانية للرئيس ترمب في هذا الصدد".
وتزامن لقاء كوشنر وبلير في البيت الأبيض، مع لقاء لوزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر في واشنطن، وعندما سئل ساعر بعد الاجتماع عن الخطة المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية، قال إنه لن تكون هناك مثل هذه الدولة، بينما لم يعلق روبيو على التصريح.
ويعتقد حسن أن محادثات ويتكوف هي عملية تهدف للتغطية على ما تفعله إسرائيل في غزة من عملية تطهير عرقي، مشيراً إلى أنه رجل أعمال ليس لديه رؤية سياسية أو إستراتيجية للحل، وأضاف أن نتنياهو يرسل للمفاوضات وفداً غير مفوض باتخاذ القرارات وإنما للمناقشة فقط وهو ما يشير إلى غياب الرغبة الحقيقية في التوصل إلى اتفاق.