Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجنيس الأجانب بدأ في سوريا... فهل هناك موافقة أميركية؟

أولئك المقاتلون لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية وواحد من أكبر أسباب خشيتهم من العودة لدولهم هي مواجهتهم أحكاماً قضائية تتراوح بين السجن الطويل أو المؤبد أو الإعدام

أسس المقاتلون الأجانب أسراً في الداخل السوري (أ ف ب)

ملخص

"القيادة السورية توافقت مع الطرف الغربي والأميركي تحديداً بأن إلقاء هؤلاء المقاتلين خارج الحدود سيعود بكوارث على دول عدة، وسيحمل تهديدات أمنية بالجملة لها، وأن سوريا يمكنها أن تتكفل بهذا الملف وباحتواء هؤلاء المقاتلين الذين خبرتهم وتعرف كيف تديرهم وتتدبر أمرهم، باستثناء أسماء بعينها مطلوبة للتحالف الدولي".

علمت "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة أن السلطات السورية الموقتة شرعت منذ يونيو (حزيران) الماضي بحملة لتجنيس المقاتلين الأجانب بصورة فردية أو جماعية، في عدد قد يصل إلى 40 شخصاً يومياً تبعاً لعوامل عدة. وأفادت المصادر بأن عمليات التجنيس تلك بدأت بالجنسية التركستانية غالباً، وذلك ضمن تقسيمات إدارية وحيوية لم تعلن طبيعتها رسمياً ولم يجر ذكر تفاصيلها، وذلك على رغم أن واحداً من جملة الشروط التي افترضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في لقاء الرياض "التاريخي"، الذي عقد في منتصف مايو (أيار) الماضي، كان استبعاد المقاتلين الأجانب عن المشهد بل وعن سوريا نفسها عبر ترحيلهم، ضمن ما عرف وقتها بصفقة المطالب الخمسة، فما الذي تغير فجأة؟

ضوء أخضر أميركي

بالتزامن مع بدء عمليات التجنيس ومن دون إعلان رسمي، اكتفى الشرع بتصريح عام قال فيه إنه من الواجب الاعتراف بجميل هؤلاء المقاتلين الأجانب الذين نصروا الانتفاضة ووقفوا إلى جانبها بصدق وإخلاص. وقد جرت قراءة هذا التصريح في الأوساط السياسية حينها على أنه جاء عقب ضوء أخضر أميركي لتفعيل عملية دمج هؤلاء المقاتلين الذي يبلغون الآلاف ضمن هيكلية وزارة الدفاع، بمساع أنتجتها رؤية اللاعب الأبرز في الملف السوري ما بعد اتفاق الرياض، وهو السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توم براك، السياسي والدبلوماسي الجدلي الذي أجاد خلط أوراق المنطقة في مرات عدة وأجاد في الوقت ذاته الإدلاء بالتصريح ونقيضه، مما كان يجعل الجميع في حالة ارتباك حيال التصرف إزاء كل موقف تتعرض له المنطقة وسوريا ولبنان. فبراك هو صاحب نظرية عودة لبنان لسوريا كأداة لتهديد "حزب الله"، وهو تصريح أفضى من جملة ما أفضت إليه تصريحات أخرى نحو ارتباك إقليمي واسع، اعتبره بعضهم أنها "رؤية أنقرة لإعادة هيكلة المنطقة".

طلب استعجال واستعطاف

أخبار تجنيس بعض الأجانب دفعت أقرانهم إلى تقديم عريضة لوزير الداخلية تطالب بـ"حقوقهم في الجنسية السورية"، وقد كلف هؤلاء المقاتلون المراسل العسكري السابق في "جبهة النصرة" بلال عبدالكريم بالتحدث باسمهم ومتابعة رسالتهم، التي حملت مزيجاً من التمنيات والآمال والشروحات لوضعهم الحالي ورفضهم الدولي وتمسكهم في حقهم و"نصرة إخوانهم" في أرض الشام، وما نجم عن ذلك بالالتحام بالأرض والتزاوج من سوريات وولادة الأبناء وغير ذلك. وبهدف ضغط مقصود جرى تسريب تلك الوثيقة لوسائل الإعلام، علماً أن مراقبين رأوا فيها استعجالاً ملحاً، لما هو قادم أكثر مما هو عرض مظلومية ما عادت تحتمل الانتظار.

بطبيعة الحال، وقبل عمليات التجنيس الأخيرة وحتى اليوم ممن لم يتجنس، فأولئك المقاتلون لا يمتلكون أوراقاً أو ثبوتيات شخصية، كما أن معظمهم جردتهم دولهم الأم من جنسيتها، وواحد من أكبر أسباب خشيتهم من العودة لدولهم هي مواجهتهم بأحكام قضائية عنيفة تتراوح بين السجن الطويل أو المؤبد أو الإعدام، بحسب الدولة وقوانينها، لذلك هو خيار مستبعد للغاية بالنسبة إليهم، فضلاً عن أنهم أسسوا أسراً في الداخل السوري، وعلى رغم ذلك فإنهم لا يستطيعون التملك أو إجراء المعاملات القانونية أو العيش كمواطنين طبيعيين، وهذا كان صلب المشكلة بالنسبة إليهم. ولم تكن "هيئة تحرير الشام" تستطيع تقديم كثير لهم في هذا الشأن، حين كانت تسيطر على إدلب وتحكمها في شمال غربي سوريا قبل إسقاطها للنظام السابق، وانطلاقها نحو حكم سوريا بمفاصلها ومؤسساتها وقراراتها.

لذلك جاءت رسالة الأجانب لوزارة الداخلية محمولة ومدعمة بالعواطف، إذ قالوا فيها "تقاسمنا الخبز والأحزان والأمل في مستقبل حر وعادل لسوريا، ومع ذلك بالنسبة إلينا نحن المهاجرون، لا يزال وضعنا غامضاً، نطلب من القيادة السورية، باحترام وحكمة وبعد نظر وأخوة، أن تمنحنا الجنسية السورية الكاملة، والحق في حمل جواز سفر سوري".

وفق معلومات "اندبندنت عربية" فإن عدد من استشيروا في تقديم الطلب للقيادة السورية غير معلوم بدقة، لكنه جاء مناشداً باسم جميع الأجانب الذين يمثلون دولاً كثيرة، بينها باكستان ودول القوقاز والإيغور وإندونيسيا والمالديف وفرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى وغيرها. الداخلية السورية فعلياً تلقت الرسالة، لكنها تهربت من الرد عليها، مبدية أن صاحب القرار في هذا الشأن هو موقع رئاسة الجمهورية.

"لا يمكن التخلي عنهم"

يرى المتخصص في الجماعات الإسلام عبدالحميد صافي أن المقاتلين الأجانب كثيراً ما كانوا "العمود الفقري" و"رأس الحربة" في العمليات العسكرية لـ"هيئة تحرير الشام" في مواجهة "داعش" و"نظام الأسد"، وبقية الفصائل المناوئة للهيئة التي ولدت هي نفسها من رحم حركات جهات أخرى متقلبة ما بين "داعش" و"القاعدة"، وصولاً إلى ما صارت عليه حين حكمت سوريا. وهذا ما يجعل من التخلي عن الأجانب ضربة في مقتل للحركة التي تثق بهم بصورة مطلقة، وتحديداً دائرة قيادتها الضيقة. ويستدل على ذلك من مناصب كثيرة وحساسة لأجنبيين بين تركستان وإيغور وشيشان، وقسم منهم حظي بترفيعات عسكرية استثنائية لرتب عليا، بينها عميد ولواء.

ويتابع "القيادة السورية توافقت مع الطرف الغربي والأميركي تحديداً بأن إلقاء هؤلاء المقاتلين خارج الحدود سيعود بكوارث على دول عدة وسيحمل تهديدات أمنية بالجملة لها، وأن سوريا يمكنها أن تتكفل بهذا الملف وباحتواء هؤلاء المقاتلين الذين خبرتهم وتعرف كيف تديرهم وتتدبر أمرهم، باستثناء أسماء بعينها مطلوبة للتحالف الدولي وذلك شأن آخر، وبناء على التصور الذي قدمته سوريا للمبعوث الأميركي براك جرت الموافقة على دمجهم في الجيش على أن يجري ذلك وفق أسس دقيقة".

"داعش" وإسرائيل والصين

وفي الإطار ذاته، يرى الأكاديمي في العلوم السياسي أن وجهة نظر دمشق والموافقة الغربية عليها بعد مدة وجيزة من مطالب ترمب الواضحة باستبعاد الأجانب جاءت محمولة على ملف "داعش"، وما يمثله من تهديد مفتوح ومحتمل وقائم في أي وقت. ويضيف "هناك قناعة اليوم بأن المقاتلين الأجانب الذين يمثلون وحدات النخبة في الهيئة سابقاً هم خير من أثبت إمكان خوضه معارك في مواجهة ’داعش‘ وإلحاق هزائم بها، والغرب بطبيعة الحال يقرأ الملفات من زاوية المصالح لا زاوية الأخلاق".

ويكمل "المشكلة الآن في أوج تعقديها، فالسلطات والأجانب يرون أن الجنسية من حقهم بعد أعوام القتال الطويلة والمريرة، وهم القادمون من شتى بقاع الأرض تاركين خلفهم كل شيء بغية تحقيق الأهداف المطلوبة منهم بالمقام الأول، ترحيلهم يعني أمرين: الأول رد فعل دولي غير محسوب، هذا على اعتبار إن كان بالإمكان ترحيلهم فعلاً بعد البحث عن أية وجهة سيجري ترحيلهم إليها وماذا سيفعلون بعد ذلك، والثاني هو قدرتهم على التمرد على القيادة السورية ومؤسساتها في حال الاحتكام للسيناريو الأول. وبين هذين المسارين ثمة ما هو أكثر تشابكاً، الموقف الإسرائيلي من الفكر المتطرف المرتبط بالقدس من جهة، والموقف الصيني بالغ الحساسية من ملف المقاتلين الإيغور من جهة أخرى، وهو ما سيتيح للصين محاصرة سوريا في حال أبعدتهم أو استبقتهم، فهذا الملف من أكثر ما يؤثر في الأمن القومي الصيني، خصوصاً في ظل شبكة ترابط المقاتلين الإيغور الوثيق في سوريا مع الشبكات المتطرفة الانفصالية في الشرق الآسيوي".

تهديدات لجواز السفر السوري

لماذا تخاف دولة مثل الصين من كل الاحتمالات الممكنة في موضوع التجنيس؟ يرجع الأمر في ذلك، بحسب الخبير بالشؤون الصينية طريف عاصي، إلى أن التجنيس يعني بيانات جديدة، ويعني استمرار سلالات جديدة بالولادة تحمل جنسيات سورية خالصة من أصول قومية مغايرة، ويعني ذلك خطراً قريباً وبعيداً في ملف التنقل بين الدول وفق جواز السفر السوري، بعد رفع العقوبات وإزالة القيود. يقول عاصي "وهذا ما يتيح قاعدة تواصل تطرف عالمي أكثر اتساعاً عما كان عليه من قبل، والصين دولة حساسة للغاية، وتلك التطورات قد لا تأتي كما تشاء رياح السفينة السورية، فكما أنه من المفترض أن تزال مع الوقت عقوبات السفر عن السوريين، ولكن في القوت ذاته من المرجح أيضاً أن يتراجع جواز السفر السوري أكثر، وصولاً إلى مرحلة يخضع فيها لحظر كامل من دول متعددة، وحينها ستصبح تلك مشكلة كبرى ينقلها كل نظام للنظام الذي سيليه، وستختلط الأمور والأوراق، وتعيد الدول ترتيب حساباتها خوفاً، مما صدرته من أجانب كانوا معروفين لديها، واليوم صاروا يحظون ببيانات جديدة تمحو سابقاتها، إلا في حال خضع هؤلاء الأجانب لعمليات تسليم بيانات سرية وهو ما سيكون بمثابة نوع من الغدر، ونحن هنا نتحدث ضمن فرضيات معقولة، ولكن لا يمكن التكهن بها جذرياً منذ الآن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آراء متباينة بشدة

كما الحال أمام أية قضية سورية، فقد انقسمت آراء المتابعين بشدة، فبعضهم رأى أن "الطلب مشروع ومحق وهو جزاء بسيط للإحسان الذي قدمه هؤلاء المقاتلون، وبأن من حقهم أن يكونوا متساويين مع السوريين بعد ما قدموه من تضحيات كبرى في سبيل إسقاط النظام تاركين خلفهم كل شيء في بلدانهم، بل وتاركين حياة الهدوء والأمان ليقاتلوا في سبيل إعلاء كلمة الله وإسقاط أنظمة طاغية".

فيما رأى آخرون "خطراً داهماً في التجنيس خشية من استمرار مشروع تطرف لا يتجانس من طبيعة المجتمع السوري ومكوناته العرقية والطائفية الكثيرة"، معتبرين أن تجنيسهم سيعني أن سوريا فعلياً صارت ملاذ المتطرفين العالميين، مشيرين إلى "وجود فجوة حقيقية وعميقة بين نمط المجتمع التقليدي والمجتمع الذي ستكون عليه سوريا مستقبلاً". مع الأخذ بالاعتبار ما خلصت إليه "رويترز" وتقارير أممية حول مشاركة مقاتلين أجانب في مجازر الساحل في مارس (آذار) الماضي، ولكن بطبيعة الحال فإن هذين الرأيين ليسا ضمن الحسابات الجيوسياسية الكبرى للمصالح العالمية، ليبقى ملف التجنيس قائماً ومستمراً، ولتترك تبعاته إلى الأيام، فيكتشف السوريون عملياً لا نظرياً تأثيراته في بلدهم وحياتهم، على اعتبار أن الجزم المبكر غير ممكن ما دام السوريون أنفسهم منقسمين في الرأي حيال الأمر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير