Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت الكويت مهد المسيحية في الخليج؟

تحتضن سفارة بابوية تغطي كل دول "مجلس التعاون" واليمن... وفيها أطلق اسم "سيدة الجزيرة العربية" على أولى كنائس البلاد السبعة 1948 قبل أن يرفعها الفاتيكان إلى مقام "بازيليكا صغرى" تحت أعين "البابا" أخيراً

البابا بيوس الثاني عشر يبجل تمثال الكنيسة الكويتية 1949م قبل أن يهديه إلى "سيدة الجزيرة" (الفاتيكان)

ملخص

تقول السفارة البابوية الوحيدة في الخليج، إن الكويت "كانت على وجه الخصوص أول عضو في مجلس التعاون الخليجي يطور علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي، إذ أقيمت العلاقات الدبلوماسية الرسمية معها في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) 1968. وعلى مدى العقدين التاليين، جرى اعتماد السفراء البابويين في البلدان المجاورة في لبنان والعراق أيضاً لدى دولة الكويت".

 

لا يزال الجدل الفقهي حول بناء الكنائس والمعابد في الجزيرة العربية بوصفها مهد الإسلام غير محسوم بالنسبة إلى كثيرين، إلا أن الكويت، التي أقرت منذ وقت مبكر من تاريخها "حرية الاعتقاد المطلقة" في دستورها، شهدت ترميزاً للمسيحية فيها أخيراً، بمنح الفاتيكان أقدم كنائسها درجة "بازيليكا صغرى"، في خطوة وصفت بالتاريخية، جعلت من كنيسة "سيدة الجزيرة العربية" جنوب الكويت عميدة الكنائس في الإقليم.

واعتبر المطران ألدو براردي الخطوة تكريماً بابوياً، قال إنه "مصدر فخر للمسيحيين في الكويت، ويعكس تقديراً للحرية الدينية والحوار بين الأديان"، فيما وصف الأب سليمان حيفاوي القرار بأنه "علامة مضيئة في مسيرة الكنيسة ورسالة عالمية تبرز الكويت كنموذج للتسامح والعيش المشترك"، وذلك تعليقاً منهما على خطوة الفاتيكان المعلنة.

ويرى القانوني الكويتي فائز النشوان في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية" مبادرة الفاتيكان "رمزية لا أكثر"، فهو يشير إلى أن تعايش الأديان في الكويت ليس جديداً، ولا سيما في وقت قدر فيه المنتمون للديانة المسيحية في البلاد من مختلف الطوائف بنحو 20 في المئة، منهم نحو 270 كويتياً، وذلك من أصل مجموع عدد السكان البالغ 5 ملايين.

جدل خلف الستار

ورداً على المعارضة التي كانت أثارت ضجة في وقت مضى إزاء الترخيص لتوسعة إحدى الكنائس السبعة الموجودة في البلاد، قال "هناك رأي ديني يحترم في الكويت يحرم بناء الكنائس، ولكن الدستور هو الفصل والدولة التي تقرر، أما من كان يتكسب سياسياً من بعض القضايا مثل بناء الكنائس فهذا لا يعتد به"، مؤكداً أن التعددية جزء من "ثقافة الشخص الكويتي، فحتى المحافظون لا يحترمون من يقلل من شأن المخالف من الأديان السماوية".

في 2016، أثار قرار بلدية الكويت منح أرض لبناء أماكن عبادة مسيحية جدلاً واسعاً، إذ اعترض نواب ومستشارون قانونيون بشدة، واعتبروا الإجراء مخالفة للشريعة الإسلامية والدستور الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع. وذهب بعضهم إلى التأكيد بأن "الفقهاء متفقون على عدم جواز بناء دور عبادة غير إسلامية في شبه الجزيرة العربية"، بينما سارع مسؤول في البلدية إلى نفي تلقي أي طلب رسمي بهذا الشأن، وفق ما أفادت به وكالة "أنباء الفاتيكان" التي قالت إنها أخذت علماً بذلك التطور حينها.

اشتهر مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) قبل تعليق عمله مايو (أيار) 2024، بإثارة الجدل حول أي موضوع، خصوصاً المؤثر في حشد الرأي العام، ضد التيار المضاد.

وأعاد أمير البلاد الشيخ مشعل الصباح التعليق الموقت بأربع سنوات الذي وصفه بـ"القرار الصعب" لإنقاذ الدولة، التي قال إنها واجهت "من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله"، في حين تعهد بأنه لن يسمح "باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة".

لكن جماعات متطرفة قبل ذلك، مثل "تنظيم القاعدة"، أسست أصلاً خطابها الفكري على شعار "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، إلا أن تطورات عدة أعقبت ذلك الشعار، أظهرت أنها لا تستثني حتى المسلمين ولا المعاهدين من أهل الكتاب، إذ طاولت عملياتها الإرهابية بلداناً إسلامية عدة، بما في ذلك السعودية، التي تضم قبلة المسلمين، إذ إنها شهدت أشد موجة من تلك المواجهات في 2003 بتنفيذ التنظيم عمليات دموية فيها، بتحريض من دول أجنبية وإقليمية، جرى كشف الغطاء عنها لاحقاً.

لماذا "سيدة الجزيرة"؟

وبحسب ما أوردت نشرة الفاتيكان "فيدز"، فقد تمت ترقية كنيسة سيدة الجزيرة العربية في الأحمدي إلى رتبة بازيليكا صغرى بمرسوم بابوي، عقب التماس رسمي من الأسقف ألدو بيراردي الذي شدد على مكانتها الروحية الفريدة في حياة الكاثوليك بالكويت والخليج.

ويعكس القرار "حيوية الكنيسة ونموها المستمر في المنطقة"، وهي المتأسسة عام 1948 كأول كنيسة كاثوليكية في الكويت، قبل أن تشيد بصورتها الحالية عام 1957 بدعم من شركة نفط الكويت لتلبية الاحتياجات الدينية للوافدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأطلق الفاتيكان على اسم "سيدة الجزيرة العربية"، تيمناً بمريم عليها السلام، بوصفها رمز المسيحية الموقر مثل ابنها المسيح لدى المسلمين، كما هو عند النصارى، بهدف أن تصبح مرجعية لكل منطقة شبه الجزيرة العربية، ودشن البابا بيوس الثاني عشر تمثالاً رمزياً خاصاً بها باركه في الفاتيكان 1949 قبل أن ينقل إلى الكويت.

وينتقد المحافظون في المنطقة وبعض المهتمين حتى من غير المتطرفين، تمكين المؤسسات التبشيرية من توسيع نفوذها في المنطقة لاعتبارات ثقافية وسياسية أكثر منها دينية، إذ ينظر إلى النشاط المسيحي في مناطق عربية عدة منذ عقود مضت بأنه من أدوات القوى الناعمة المشبوهة للغرب. في حين كان الوجود النصراني واليهودي في المنطقة العربية عادياً، لا يثير أي ارتياب، قبل احتلال فلسطين، وتمدد التيارات الإسلامية المتطرفة بعد هزيمة 1967.

وسألت "اندبندنت عربية" سفارة الفاتيكان في الكويت عن أثر الترقية الجديدة في جانب العلاقات بين دول المنطقة والبابا، إلا أنها آثرت التأمل أكثر، وسينشر أية إجابة تفيد بها حين ترد.

منصة الفاتيكان في المنطقة؟

وتقول السفارة في موقعها على الإنترنت إن الكويت "كانت على وجه الخصوص أول عضو في مجلس التعاون الخليجي يطور علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي، إذ أقيمت العلاقات الدبلوماسية الرسمية معها في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) 1968. وعلى مدى العقدين التاليين، جرى اعتماد السفراء البابويين في البلدان المجاورة في لبنان والعراق أيضاً لدى دولة الكويت".

"في عام 2000، تم إنشاء سفارة بابوية جديدة ودائمة في الكويت لتغطية جميع دول شبه الجزيرة العربية".

في وقت لاحق تشير إلى أن دولاً أخرى في الإقليم أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع الفاتيكان، هي الجمهورية اليمنية في أكتوبر 1998، ومملكة البحرين في 2000، ودولة قطر في 2002، ودولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2007، فيما بقيت سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية من دون علاقات دبلوماسية رسمية مع الكرسي الرسولي، لكن الاتصالات الثقافية والسياسية بين الرياض والفاتيكان زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، ولا سيما عبر رابطة العالم الإسلامي، لدعم الحوار بين الثقافتين والبلدين بوصفهما ممثلين لأكبر شرائح المؤمنين بالديانات السماوية حول العالم، روحياً وثقافياً.

لكن لا تزال الانتقادات ضد السعودية قائمة برفضها الترخيص للكنائس على أرضيها، إلا أن هيئة حقوق الإنسان فيها تجيب عن ذلك بأن حرية ممارسة الأديان محفوظة في نطاق المساكن الخاصة، من دون ممارستها علنياً، "كي لا يستفز ذلك مشاعر المسلمين" في بلد يضم قبلتهم ومثوى نبيهم.

 إلا أن آراء يجري تداولها على نطاق ضيق، لا تستبعد مع الإصلاحات التي تشهدها الرياض وتوسعها في استقطاب المستثمرين، أن تكون أكثر مرونة في هذا السياق، في غير منطقتي مكة والمدينة.

 

من أين جاء مسيحيو الكويت والبازيليكا؟

ووثقت قناة "العربية" أن غالبية المسيحيين المواطنين في الكويت، وكذلك البحرين، ينحدرون من أصول تعود لجنوب شرقي تركيا، فيما يأتي الباقون من العراق وفلسطين.

فيما تشير المصادر المختلفة التي طالعتها "اندبندنت عربية" إلى أن الوجود المسيحي في الخليج بدأ في الخليج مع بدايات اكتشاف النفط في مطلع القرن الـ20، عندما استقرت أعداد من العمال الوافدين من أوروبا وآسيا وأفريقيا للعمل في قطاعات النفط والبناء والخدمات.

 كما أن بعض الأسر الخليجية، خصوصاً في الكويت والبحرين، تضم مواطنين مسيحيين حصلوا على الجنسية ويتمتعون بحقوق مدنية، مما جعل الوجود المسيحي جزءاً من النسيج الاجتماعي الحديث للمنطقة، وإن ظل محدوداً مقارنة بالجاليات الوافدة.

ونقلت "الرأي" الكويتية عن دراسة لإحدى الجامعات في الإمارة الخليجية أن "شخصاً يدعى سالومي وعائلته، ربما كان أول أسرة مسيحية حضرت على أرض الكويت، وكان قد جاء مع مبشر اسمه زويمبر في عام 1903 وأجرا دكاناً لتوزيع الإنجيل"، في عهد الحماية والانتداب البريطاني.

يشير الفاتيكان في تقرير له عن الوجود المسيحي في الخليج، إلى أنه يقتصر في الوقت الحالي على "العديد من المغتربين العاملين هناك. ويبلغ عدد الكاثوليك نحو مليوني مؤمن منتشرين في دول الخليج. وهم يأتون من خلفيات كثيرة التنوع: فالجاليات الفلبينية والهندية هي الأكثر تمثيلاً بأعداد كبيرة جداً. وهناك أيضًا كاثوليك من مصر ولبنان وسوريا وأرمينيا وعدد أقل يأتي من أوروبا وأمريكا الشمالية"، غير أنه لفت إلى أن تاريخه أبعد من ذلك، إذ جاءت المسيحية وفق الفاتيكان إلى شبه الجزيرة العربية في وقت مبكر من القرن الرابع بعد ميلاد المسيح، موضحاً أن "الحفريات الأثرية كشفت في السنوات الأخيرة عن بقايا كنائس مسيحية قديمة جدًا في مواقع مختلفة في الخليج والتي تعود إلى القرن الخامس الميلادي. هذه البقايا هي مجمعات رهبانية في الغالب، مما يدل على حقيقة أن الإيمان المسيحي كان منتشرًا في المنطقة خلال القرون الأولى".

تبقى الإشارة إلى أن "بازيليكا" التي أضحت لقباً تكريمياً موموقاً، هي في أصلها وصف لنوع من الطراز المعماري الملكي في العهد الروماني، قبل أن يغدوا سمة غالبة على الكنائس رفيعة الشأن في روما وأنحاء قليلة من العالم.

وتفيد مجلة "الآثاريين العرب" بأن "البازيليكا" تعد "النموذج الأقدم كمكان عبادة للمسيحيين، ومنها أخذت كل الأشكال المعمارية للكنائس حتى اليوم"، على أنها في الأصل بحسب المصدر نفسه "كلمة يونانية تنطق "باشيليك"، تطلق على مسكن الملك في العصر اليوناني"، أو على قاعة الاجتماعات في وقت لاحق.

وقررت أن الكنيسة الطولية ذات الرواق الواحد، التي تسمى "البازيليكا"، ظلت هي الطراز المعماري للكنائس حتى القرن الـ10 الميلادي، "وحافظت على مكانتها في الغرب حتى القرن الـ16 الميلادي، حينما أدخل عليها تعديلات لم تغير كثيراً من شكلها المميز".

أما بالنسبة إلى درجة "البازيليكا" مثل التي منحت للكنيسة الكويتية وسواها، فإنها في تقدير الباحثين ليست مرتبطة بالضرورة بالطراز، فقد يرى الفاتيكان منحها لكنيسة تتخذ شكلاً معمارياً مختلفاً، وإن كان اتحاد الشكل والمضمون هو الأصل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير