Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصريون يكتشفون إرثهم الثقافي... بالرحلات

مبادرات فردية تهدف لنشر الوعي الأثري والتاريخي وحققت نجاحاً كبيراً خلال الأعوام الأخيرة

انتشرت خلال الأعوام الأخيرة كثير من المبادرات التي يقوم عليها أفراد بهدف نشر الوعي الأثري (مبادرة سيرة القاهرة)

ملخص

لماذا يقبل المصريون على مثل هذه النوعية من الجولات الثقافية؟ وما دوافعهم للذهاب برفقة هذه المجموعات بدلاً من الزيارات المنفردة؟ وما الذي يدفعهم لاختيار مبادرة بعينها للتوجه بصحبتها إلى جولة في مكان أثري؟

نظمت مبادرات متعددة في مصر خلال الأعوام الأخيرة جولات داخل مواقع أثرية وتاريخية مختلفة، يقوم عليها أشخاص مهتمون برفع الوعي الأثري واكتشاف مواقع فريدة تزخر بها القاهرة وغيرها ورؤيتها بصورة أخرى، فما بين المتاحف والمناطق الأثرية والشوارع القديمة في القاهرة، التي تفيض بمواقع ربما يمر عليها الناس بصورة دورية دون أن يكون لديهم علم بحكاياتها وتاريخها، تنطلق هذه الجولات التي أصبحت من الأشياء المألوفة داخل القاهرة خلال الأعوام الأخيرة.

يجتمع المشاركون ضمن هذه الجولات في نقطة معينة ويكون لها مسار محدد مسبقاً، إذ تبدأ الجولة بصحبة المتخصص الذي يبدأ في سرد تفاصيل المكان وقيمته التاريخية والفنية، وعادة ما تضم الجولة أشخاصاً لم يسبق لهم الالتقاء مسبقاً، لكن يجمعهم حب التراث والرغبة في التعرف عليه. ويجمع هذه المبادرات أنها تتم بجهود فردية بصورة كاملة ويقوم عليها أشخاص متخصصون في التاريخ والآثار، يجمعهم حب هذا المجال والرغبة في رفع الوعي بأهميته وتعريف الناس بالقيمة الكبيرة التي تتميز بها بعض المواقع، من خلال السرد المشوق الذي يقوم به القائم على الجولة.

إلى جانب المتاحف والمناطق الأثرية الشهيرة تقوم بعض هذه الجولات بالتوجه إلى مواقع بعينها ربما قد تكون أقل شهرة على رغم الأهمية التاريخية الكبيرة، مثل مناطق الحطابة والدرب الأحمر وسوق السلاح والمقاصيص وخان أبو طاقية ودرب قرمز، وغيرها كثير من المواقع التي تزخر بها المدينة، وفي الوقت نفسه قد يكون للجولة موضوع معين تدور في فلكه مثل قاهرة نجيب محفوظ أو قاهرة المماليك أو غيرهما من الموضوعات التي تستهدفها الجولة وتدور حولها.

لماذا يقبل الناس على مثل هذه النوعية من الجولات؟ وما دوافعهم للذهاب برفقة هذه المجموعات بدلاً من الزيارات المنفردة؟ وما الذي يدفعهم لاختيار مبادرة بعينها للتوجه بصحبتها إلى جولة في مكان أثري؟

بين التاريخ والثقافة

تقول ياسمين حسن (28 سنة) "ذهبت في مثل هذه الجولات مع أصدقائي أكثر من مرة، كانت البداية وأنا في عامي الأخير بالجامعة، إذ رشح لنا أحد الزملاء واحدة من هذه المبادرات، وبالفعل خضنا التجربة وكانت متميزة، فالذهاب إلى الأماكن التاريخية بصحبة متخصص يحكى لنا تاريخ المكان وتفاصيله يختلف تماماً عن الذهاب بمفردنا، وبخاصة أن من يقومون بهذه الجولات غالباً يتميزون بأن أسلوبهم سهل ويقدمون المعلومة في صورة حكاية".

 

بينما يشير عمر عبدالرحمن (30 سنة) "هذه التمشيات في المناطق التاريخية التي تنظمها بعض المبادرات من أكثر الأشياء المتميزة التي حدثت فخلال الأعوام الأخيرة، وأكثر من مرة شاركت فيها وخضت أكثر من تجربة بدافع الرغبة في التعرف على أماكن جديدة أو اكتشاف مواقع أثرية بصورة مختلفة. عادة يذهب الناس إلى المتاحف الشهيرة أو المواقع الأثرية المعروفة، بينما بعض هذه الجولات تجعلنا نستكشف مواقع غير معروفة، ولا تحظى بالشهرة نفسها على رغم أهميتها الكبيرة".

ويقول حازم السيد (41 سنة وأب لطفلين) "لدي اهتمام كبير بالآثار والتراث، وأحاول اصطحاب طفليَّ (10 و12 سنة) للمتاحف والمواقع الأثرية المختلفة للتعرف على جوانب مختلفة من تاريخنا وثقافتنا، أخيراً شاركت ضمن واحدة من هذه الجولات بصحبة أطفالي وكانت تجربة متميزة، إذ قام قائد الجولة بالشرح بصورة مبسطة ومفيدة جعلت الجولة أكثر ثراءً من ذهابنا بمفردنا. سأكرر التجربة مرات أخرى في مواقع مختلفة، وبخاصة أن ما يميز هذه الجولات أن كل أفرادها يكون لديهم اهتمام بالتراث والآثار".

العادات والتقاليد

من أولى المبادرات التي بدأت في تنفيذ الجولات داخل المواقع التاريخية والأثرية "سيرة القاهرة"، وكما يبدو من اسمها فقد استهدفت التعريف بجوانب من المدينة وإلقاء الضوء على مواقع قد لا تكون معروفة بصورة كاملة للناس، أو ربما يسمع عنها الناس بصورة سطحية على رغم أن لها أبعاداً وقصصاً وحكايات تستحق أن تُروى وأن يتعرف عليها أهل العاصمة.

مؤسس مبادرة "سيرة القاهرة" عبدالعظيم فهمي يقول "بدأت المبادرة بهدف تعريف الناس بتاريخ القاهرة وعدم النظر إلى مناطق منها برؤية السائح، فالقاهرة مدينة ألفية وهي العاصمة التي نجد بها تراكماً حضارياً ممتداً، فهي مدينة لها وجوه متعددة والجولات في دروبها وحاراتها لا تكون فقط بغرض اكتشاف الأماكن والآثار، لكن للتعرف على الحياة اليومية والعادات والتقاليد، ونفضل أن نطلق على نشاطنا تمشيات لا جولات، فالتمشية كلمة بها حميمية وتعني أن نتخلل في دروب المدينة وشعابها ونكتشفها وليس فقط حوافها المعروفة، فالقاهرة لها ثنايا متعددة تحتاج إلى أن تكتشف".

ويضيف "منذ أن بدأنا تمشيات القاهرة رافقنا فئات متعددة وأعماراً مختلفة، بالفعل هناك قطاع كبير من الناس لديهم اهتمام بالتعرف على القاهرة ورؤيتها بعين مختلفة، خلال الفترة الأخيرة ظهر كثير من المبادرات التي تقوم بالفعل نفسه، وهذا شيء جيد نتمنى أن يستمر في الانتشار، لكن المهم أن يكون القائم على هذه الجولات مستوعباً لمدى تراكم وتشابك تاريخ القاهرة، ولديه قراءة وفهم وتحليل حتى يستطيع تقديم هذه الخدمة الثقافية، الأمر هنا يتعدى التعريف السطحي للآثار، لكنه يمتد لوجوه القاهرة المختلفة، ومن بينها قاهرة الأدب وقاهرة السينما والتراث والمأثورات الشعبية والثقافات المتعددة، فكلها أوجه للمدينة من الضروري الاطلاع عليها".

من بين المبادرات التي اهتمت برفع الوعي الأثري من خلال الجولات داخل المناطق التاريخية والمواقع الأثرية كانت مبادرة "سراديب"، التي قام على تأسيسها ثلاثة أصدقاء باحثين في مجال الآثار والتاريخ جمعهم الهدف والفكرة التي تحولت إلى واقع بتنفيذ عدد من الجولات في مناطق مختلفة داخل القاهرة وخارجها على مدار أعوام عدة.

 

يقول الباحث في الآثار وأحد مؤسسي المبادرة حسام زيدان "خلال هذه الجولات لا يقتصر الأمر على شرح الجانب التاريخي، لكنه شرح لمصر وعمقها الشعبي والتراثي والديني، إضافة إلى العادات والتقاليد والأعراف. بصورة عامة نشر الوعي الأثري أكثر صعوبة من الوعي التاريخي، التاريخ يمكن الحصول عليه من الكتب والمراجع أما الأثر فلا بد من مشاهدته عن قرب وسماع حكايته، هنا يتحول من بناء صامت إلى حكاية لها روح وتفاصيل تجعل الزائر في النهاية يشعر بالفخر والانتماء".

بينما يشير إبراهيم محمد "خلال المدة التي قمنا فيها بتنظيم الجولات التي تمتد حتى الآن لنحو خمسة أعوام، وجدنا اهتماماً كبيراً من كل فئات المجتمع، إذ يشارك في الجولات الكبار والصغار والأسر والشباب وكل الأعمار، وهناك شباب شاركوا معنا بصورة مستمرة، ولاحظنا مع الوقت ارتباطهم بالأثر وزيادة درجة الوعي لديهم بقيمة وأهمية التراث والآثار، وهذا هو الهدف الأساس الذي كنا نطمح إليه منذ بدأنا هذه المبادرة".

فيما يوضح مصطفى حزين "هذه الجولات إلى جانب دورها في نشر الوعي الأثري، لها دور كبير في تنشيط السياحة وخلق حال من الرواج في بعض الأماكن. أثناء الزيارة قد نمر على ورشة أو متجر يبيع شيئاً تشتهر به المنطقة أو حرفة تراثية بعينها تميزها فيقبل المشاركون على الشراء منه، مما يمثل قيمة اقتصادية لسكان هذا الموقع تدفعهم إلى الحفاظ عليه باعتباره يمثل مصدر دخل لهم، وحاولنا أيضاً الانطلاق إلى خارج القاهرة ونظمنا رحلات لأكثر من مدينة مصرية من بينها الفيوم والإسكندرية ورشيد وغيرها للتعرف على آثارها وأهم ما يميزها، ففي كل محافظات مصر مواقع تستحق الزيارة".

توثيق الحرف التراثية

لا تقتصر الجولات الأثرية على فئة معينة من المجتمع، بل إن هناك بعض المبادرات عنيت بقطاعات بعينها وبخاصة الأطفال، لتعريفهم بالمواقع الأثرية والمتاحف وشرح تفاصيلها على يد متخصصين، مما يمثل قيمة كبيرة في رفع الوعي بقيمة وأهمية هذه الأماكن.

ومن بين هذه المبادرات التي استهدفت الأطفال في جانب منها كانت مبادرة "يلا على الورشة" لصاحبها مصطفى كامل، الذي اهتم بمجال الحرف التراثية وتوثيقها وتعريف الناس بها والعمل على إحياء ما قد يكون مهدداً بالاندثار، من خلال تنظيم جولات لبعض ورش الحرف التراثية الشهيرة بالتنسيق مع أصحابها الذين يقومون بتعريف الزائرين بطبيعة الحرفة وأهميتها ومراحلها المختلفة، حتى خروج المنتج النهائي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع نجاح التجربة جرى عمل جولات مخصصة للأطفال للتعرف على بعض هذه الحرف في تجربة جديدة وربما غير مسبوقة، وعنها يقول الباحث في التراث ومؤسس المبادرة مصطفى كامل "أهدف من خلال هذه الجولات إلى تعريف الأطفال بالفارق بين التراث المادي والتراث غير المادي، وإلى تعريفهم بأهمية صون التراث، وبالفعل نفذت جولات داخل مناطق متعددة في القاهرة التاريخية لمجموعات من ورش الحرف التراثية، وعند اختيار ورشة معينة لزيارة الأطفال لا بد أن تكون لها اشتراطات معينة، مثل أن لا يكون المكان به خطورة بأية صورة عليهم، وأن يكون هناك مساحة للجلوس، وأن يستطيع الطفل فهم طبيعة الحرفة، ونبدأ بشرح تاريخ الحرفة وأهميتها وربطها بالعصر الحالي، وفي النهاية نقوم بتنفيذ نشاط أو لعبة بعد الزيارة".

ويضيف "لاقت هذه الجولات نجاحاً وتفاعلاً كبيراً من الأطفال والأسر الذين حرصوا على اصطحاب أبنائهم إليها، وبصورة عامة تنظيم مثل هذه الجولات للأطفال أكثر صعوبة بمراحل من الكبار، باعتبار أن الطفل يحتاج إلى أن يُبهر ويُجذب انتباهه، إضافة إلى تبسيط المعلومة حتى يكون قادراً على استيعابها، لكن من خلال تجربتي فالأطفال لديهم اهتمام وشغف بالمعرفة ويحتاجون إلى اهتمام أكبر في هذا الشأن من الأسر والمدارس والمؤسسات المختلفة، باعتبار أنهم لا بد أن يدركوا أهمية التراث وقيمته باعتبار أنهم من ستؤول لهم مسؤولية الحفاظ عليه مستقبلاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات