Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يثير نشر ترمب مزيدا من الحرس الوطني في واشنطن الجدل؟

يمتدحه البعض للحد من الجريمة بينما يراه آخرون خروجاً عن السوابق التاريخية

لعل أحد دوافع الاعتراض على نشر الحرس الوطني يعود إلى تذمر سكان واشنطن من سياسات إدارة ترمب في جوانب عدة (أ ف ب)

ملخص

تكمن المعضلة الكبرى في استدعاء الحرس الوطني في العاصمة واشنطن للتصدي للجريمة في أن الجيش غير مجهز للتعامل مع مسائل إنفاذ القانون على نطاق واسع وفقاً لمستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مارك كانسيان، فعلى رغم أن مهمتهم هي التعامل مع الاضطرابات الداخلية، فإنهم لا يتلقون تدريباً كافياً عليها، وبالتأكيد لا يتلقون التدريب المكثف والتفاصيل الدقيقة التي تتلقاها الشرطة، ولهذا يفترض بالحرس الوطني دعم الشرطة في إنفاذ القانون، وليس إنفاذه بنفسه.

منذ إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمره التنفيذي بنشر مئات من قوات الحرس الوطني في شوارع العاصمة واشنطن لم يهدأ الجدل حول قانونية هذا التحرك ومغزاه وتداعياته، ومع بدء وصول مئات أخرى من الحرس الوطني في ولايات جمهورية إلى المدينة تصاعد التوتر مرة أخرى، وثارت تساؤلات أوسع عما إذا كان قرار ترمب يمثل خروجاً عن الأعراف والأنماط السابقة؟ وما إذا كان سينشر الحرس الوطني في مدن ديمقراطية أخرى؟ فما هو الحرس الوطني؟ وما علاقته بإنفاذ القانون والشرطة المحلية؟ وهل من أهداف سياسية للرئيس ترمب؟

توتر مستمر

مع وصول مزيد من قوات الحرس الوطني إلى العاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا)، التي جاءت من ست ولايات جمهورية، ارتفع عدد القوات المنتشرة إلى نحو 1900 جندي في وسط المدينة، في وقت جاب فيه ضباط فيدراليون من إدارة مكافحة المخدرات وإدارة الهجرة والجمارك، لإجراء اعتقالات وصلت إلى 550 شخصاً بحسب البيت الأبيض، وهو ما يعتقد البعض أنها ستزيد من التوترات، بخاصة مع تجاوز قوات إنفاذ القانون مهام السلامة والحد من الجريمة إلى تنظيم حرية التعبير عبر إزالة لافتات احتجاجية.

 

وفيما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعتقلون يومياً في واشنطن بنحو 20 في المئة، تعهدت المدعية الأميركية العامة بام بوندي، على وسائل التواصل الاجتماعي، بجعل واشنطن العاصمة آمنة من جديد، وأشاد نائب الرئيس جي دي فانس بإعادة القانون والنظام، كما أوضح الرئيس ترمب نفسه أنه يتلقى الشكر والمديح حتى من الديمقراطيين الذين يشعرون بأمان أكبر في المدينة بعد انتشار قوات الحرس الوطني في أرجائها لدرجة أن المطاعم والمتنزهات عادت للازدحام، على حد قوله.

لكن العاصمة واشنطن التي يصل عدد سكانها إلى 700 ألف نسمة، كانت تعج في أجزاء منها بالاستياء من نهج ترمب، إذ هتف المتفرجون، خلال مباراة لكرة القدم الأميركية، مطالبين بالحرية لمدينتهم، وتبادل السكان مشاهد انتشار ضباط الهجرة، من أجل مساعدة المهاجرين على الابتعاد، وفي بعض الليالي كان الناس يطرقون الأواني أمام أبواب منازلهم في عرض صاخب يشير إلى تحديهم للإجراءات التي جعلت العاصمة الأميركية تبدو وكأنها أرض محتلة، على حد وصفهم.

ولعل أحد دوافع الاعتراض على نشر الحرس الوطني يعود إلى تذمر سكان العاصمة من سياسات إدارة ترمب في جوانب عدة، فخلال الأشهر السبعة التي انقضت منذ توليه منصبه للمرة الثانية، انهارت مدينة واشنطن ذات التوجهات الليبرالية التقليدية تحت وطأة رئاسته، بعدما تم تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين في المدينة، وتجرى إصلاحات شاملة لمؤسسات بارزة مثل متحف "سميثسونيان" لأسباب سياسية وعقائدية، ويتزايد حذر القادة المحليين من إغضاب الرئيس.

جدل قانوني

يمنح الدستور الكونغرس الأميركي بوضوح سلطة حكم مقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة) منذ تأسيسها عام 1801، لكن بعد خمس سنوات فقط من إحراق مثيري الشغب مساحات واسعة من المدينة عام 1968، صدر قانون الحكم الذاتي عام 1973، الذي منح الرؤساء صراحة سلطات طوارئ موقتة على شرطة العاصمة يمكن تجديدها من الكونغرس، ومنح في الوقت نفسه سكان المدينة انتخاب رئيس بلديتها ومجلسها، ولهذا استند الأمر التنفيذي للرئيس ترمب إلى بند من هذا القانون، يسمح له بتوجيه رئيسة البلدية في واشنطن بتقديم الخدمات التي تعد ضرورية لمعالجة ظروف خاصة ذات طبيعة طارئة، معتبراً أن هناك حال طوارئ إجرامية في المدينة، تستوجب وضع شرطة العاصمة تحت السيطرة الفيدرالية المباشرة.

لكن في وقت أقرت عمدة واشنطن موريل بوزر، بالوضع العسكري السائد في المدينة، إلا أنها اعترضت ضمناً على وجود ميليشيات مسلحة في عاصمة البلاد، ورفع المدعي العام للمدينة برايان شوالب دعوى قضائية يطعن في استحواذ ترمب على سلطة قائد شرطة العاصمة التي يبلغ عدد أفرادها 3100، مجادلاً بأن الجريمة مسألة محلية بطبيعتها، وأن ترمب لا يمكنه اللجوء إلى قانون الحكم الذاتي إلا لأغراض فيدرالية، كما تساءل عما إذا كانت هناك حال طوارئ كما يزعم الرئيس بالنظر إلى إعلان سابق من وزارة العدل، تؤكد فيه تراجع جرائم العنف في العاصمة واشنطن إلى أدنى مستوياتها منذ 30 عاماً وانخفاضها هذا العام بنسبة 26 في المئة أخرى، وفقاً لإحصاءات شرطة العاصمة.

 

وعلى رغم أن القاضية آنا رييس التي تولت القضية وتعد إحدى أكثر الأعضاء ليبرالية في المحكمة الجزئية الأميركية لواشنطن العاصمة، أبدت استعدادها للحكم لمصلحة شوالب، فإنها أقنعت وزارة العدل بالتراجع عن جهود ترمب لفرض سيطرته على إدارة شرطة العاصمة وتوصلت إلى تسوية تسمح لرئيسة الشرطة بالبقاء في منصبها.

ويرى المتخصص في مجال القانون في جامعة "جورج تاون" ستيف فلاديك أن ترمب في السياق التاريخي والدستوري الفريد لواشنطن العاصمة، نفذ بصورة قانونية صلاحية استخدام الحرس الوطني من دون تحويله إلى سلطة فيدرالية، وصلاحية الاستحواذ على بعض أصول شرطة العاصمة لمدة 30 يوماً في الأقل، وهي صلاحيات خاصة بمقاطعة كولومبيا، ولا يمكن استخدامها، في تحركات مماثلة في نيويورك أو شيكاغو أو أي مكان آخر في البلاد، لكن إذا حدث ذلك ستكون سابقة خطرة للغاية، ومع ذلك فالأمر التنفيذي من ترمب لا يجعله صحيحاً لأن الأميركيين لم يروا قط رئيساً يستخدم هذه الصلاحيات في هذا السياق المشكوك فيه.

ومع ذلك من المرجح أن ينتصر ترمب في الدعوى المرفوعة ضده إذا أحيلت القضية إلى محكمة الاستئناف الأميركية لدائرة مقاطعة كولومبيا أو المحكمة العليا، بناءً على مزايا قدرته في إعلان حال الطوارئ، إذ يوفر له القانون حرية في تحديد الخدمات التي يريدها من الشرطة، وهناك بالتأكيد مصلحة فيدرالية واضحة في الحفاظ على أمن عاصمة البلاد.

مكاسب سياسية

ويرى البعض أن الرئيس ترمب كثف دعواته لنشر قوات فيدرالية في العاصمة منذ تعرض إدوارد كوريستين، أحد موظفي الإدارة، للاعتداء في العاصمة الأسبوع الماضي أثناء محاولته إيقاف عملية سرقة سيارة، إلا أن ترمب، وكذلك المدعي العام لواشنطن، يجنيان مكاسب سياسية، إذ يواجه شوالب إعادة انتخابه العام المقبل في مدينة لم يحصل فيها ترمب إلا على سبعة في المئة من الأصوات، ومن شأن صراع مطول مع الرئيس أن يعزز موقفه قبل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي على اعتبار أن قرار الرئيس ترمب فرض السيطرة الفيدرالية على قوة شرطة واشنطن العاصمة ونشر قوات الحرس الوطني لدوريات العاصمة يعد خروجاً صارخاً عن الأعراف والسوابق، لأنه أول رئيس أميركي يفعل ذلك.

أما ترمب الذي أعلن للشعب الأميركي أن العاصمة اجتاحتها عصابات عنيفة ومجرمون متعطشون للدماء، وحشود متنقلة من الشباب المتهور، ومن مدمني المخدرات، والمشردين، وأنه لن يسمح بحدوث ذلك بعد الآن، فهو يستفيد أيضاً من الانطباع السائد بأنه يحارب حكومة محلية منهارة وقضاة مسيسين في محاولته قمع الجريمة، ويظهر نفسه بأنه يقدم خدمة للمدينة بوضع خطة موثوقة لكيفية مساعدة التدخل الفيدرالي لواشنطن العاصمة على تحقيق ما لم تستطع الشرطة تحقيقه بمفردها.

ما الحرس الوطني؟

يعد الحرس الوطني فرعاً خاصاً من القوات المسلحة الأميركية ويتمتع بصلاحيات فريدة للتعاطي مع الأزمات المحلية والصراعات الخارجية على حد سواء، وعلى مدى تاريخه الذي يبلغ نحو 400 عام، تحول الحرس الوطني من ميليشيات ذات مهام فضفاضة في المستعمرات الأميركية القديمة إلى قوة مدربة ومجهزة جيداً من الجنود غير النظاميين المدنيين.

ويخضع الحرس الوطني بخلاف القوات العسكرية النظامية الأخرى إلى توجيهات حكام الولايات، إذ يستدعى بصورة عامة للتعامل مع حالات الطوارئ، التي تنشأ في أي ولاية، مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير والحرائق الضخمة، لكن على عكس معظم القوات العسكرية الأخرى، يمكن للحرس الوطني أن يؤدي دور إنفاذ القانون المحلي في حالات استثنائية، ويمكن كذلك إرسال الحرس الوطني للقتال في مهام خارج الولايات المتحدة، وهو ما جرى بصورة متكررة خلال السنوات الماضية، كما حدث في العراق وأفغانستان.

إضافة إلى الأوامر التي يتلقاها الحرس الوطني من حكام الولايات يخضع لتوجيهات الرئيس الأميركي وقادة وزارة الدفاع الأميركية، وهو ما كان سبباً في إثارة الجدل خلال بعض الصراعات في العقود الماضية، إذ نشر ترمب أفراد الحرس الوطني في ولاية كاليفورنيا من دون موافقة حاكم الولاية غافن نيوسوم في يونيو (حزيران) الماضي، وأثير جدل مماثل حينما نشر الحرس الوطني عام 2020 لمساعدة السلطات في مواجهة الاحتجاجات المناهضة للعنصرية، كما استدعي، مرة أخرى، لاستعادة النظام بعدما اقتحمت مجموعات من مؤيدي الرئيس ترمب مبنى "الكابيتول".

يبلغ إجمالي عدد الحرس الوطني حالياً نحو 450 ألفاً يعملون في 54 إدارة منفصلة تنتشر في الولايات الخمسين، فضلاً عن العاصمة واشنطن وثلاثة أقاليم أميركية أخرى في غوام وبورتوريكو وجزر فيرجن.

ويخدم عديد من أفراد الحرس الوطني في الولايات التي يعيشون فيها بدوام جزئي، بينما يشغلون في الوقت نفسه وظائف في القطاع الخاص، ومع ذلك يلتزم عناصر الحرس الوطني أسبوع تدريب واحد شهرياً، إضافة إلى خدمة لا تقل عن بضعة أسابيع في السنة.

لمن يخضع الحرس الوطني؟

تتحكم قيادات الولايات والأقاليم الأميركية في الحرس الوطني للولاية في معظم الحالات، كما يمكن للرؤساء الأميركيين تحريك الحرس الوطني في حالات طارئة معينة حتى من دون تعاون من الحاكم أو موافقته، وبما أن واشنطن العاصمة ليست ولاية، فإن حرسها الوطني يتبع الرئيس مباشرة.

ومن النادر أن يصدر الرؤساء أوامر بالتحكم والسيطرة على الحرس الوطني في الولاية أو الإقليم من دون موافقة حاكم الولاية، وفي حين فعل الرئيس ترمب ذلك في كاليفورنيا هذا العام، رفض الرئيس جورج دبليو بوش السيطرة على الحرس الوطني في ولاية لويزيانا في أعقاب إعصار كاترينا بسبب اعتراض الحاكمة كاثلين بلانكو، كما يطلب حكام الولايات، في بعض الأحيان، أن تتولى الحكومة الفيدرالية السيطرة على وحدات الحرس الوطني الخاصة بها، كما فعل حاكم كاليفورنيا بيت ويلسون أثناء أعمال الشغب التي اندلعت في لوس أنجليس عام 1992.

ومع ذلك فإن قرار ترمب بفرض السيطرة الفيدرالية على العاصمة كرد فعل شامل على الجريمة التي وصفها مراراً بأنها خارجة عن السيطرة، على رغم التأكيدات الرسمية بتراجع معدلات الجريمة العنيفة، يعد خروجاً عن المهمة المقصودة للحرس الوطني من وجهة نظر خصومه وبعض خبراء القانون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تاريخ نشر الحرس الوطني

من المألوف أن يستدعي حكام الولايات أو الرؤساء الحرس الوطني في أوقات الاضطرابات، ولكن لم تكن هذه هي الحال دائماً، فقد كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة حذرين من التدخل العسكري في الشؤون الداخلية، وبحسب المحامي في برنامج الحرية والأمن القومي بمركز "برينان" التابع لجامعة "نيويورك" جوزيف نون، فإن من صاغوا الدستور كانوا متشككين للغاية في القوة العسكرية، لدرجة أن نقاشات حادة دارت في المؤتمر الدستوري حول ما إذا كان ينبغي السماح بإنشاء جيش وطني دائم، أم أن تعتمد الدولة الجديدة حصرياً على ميليشيات الولايات.

وفي نهاية المطاف قرر الآباء المؤسسون أن ميليشيات الولايات يجب أن تنشر في الشؤون الداخلية فقط في حالات الطوارئ، وهو ما أصبح يعرف لاحقاً بالحرس الوطني، ومنذ عهد جورج واشنطن، دعا الرؤساء جيوش الولايات إلى المساعدة في الشؤون الفيدرالية، وقاد واشنطن نفسه فرقة من الحرس الوطني لقمع انتفاضة سكان بنسلفانيا ضد ضريبة الاستهلاك على الكحول في ثورة الويسكي الشهيرة.

وفي بداية الحرب الأهلية، دعا الرئيس أبراهام لينكولن ميليشيات الولايات للمساعدة في قتال المتمردين الكونفيدراليين في الجنوب، لكن في التاريخ الحديث، أذعن الرؤساء عادة لرغبات الحكام في تقييم مدى ضرورة نشر قوات الحرس الوطني، غير أنه، خلال حركة الحقوق، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، استخدم الرؤساء، في بعض الأحيان، سلطتهم لإلغاء حقوق الولايات في تفعيل نشر الحرس الوطني، ومن بين الاستخدامات الاستثنائية، ما وقع عندما تحدى حكام الولايات الجنوبية أوامر المحكمة الفيدرالية بإلغاء الفصل العنصري في المدارس في أركنساس وميسيسيبي وألاباما، وتولى الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1957 قيادة الحرس الوطني في أركنساس لحماية الطلاب السود من حشود المتظاهرين البيض، وهو ما كرره الرئيس ليندون جونسون عام 1965 لحماية نشطاء الحقوق المدنية في الولايات الجنوبية.

وعلى مدى 60 عاماً لم يتجاهل أي رئيس أميركي حاكم ولاية ويطلب نشر قوات الحرس الوطني من دون موافقة الحاكم سوى في يونيو من هذا العام، حينما كسر ترمب هذا التقليد الراسخ بنشر آلاف من قوات الحرس الوطني في لوس أنجليس رداً على الاحتجاجات ضد مداهمات الهجرة، كما عزز ترمب رفضه الأعراف السياسية مجدداً بنشر الحرس الوطني في العاصمة واشنطن على عكس رغبات القيادة المحلية للتعامل على نطاق واسع مع قضية الجريمة في المدينة، وهو ما يعد نوعاً من تطبيع التدخل العسكري في إنفاذ القانون بحسب المتخصص القانوني جوزيف نون.

المعضلة الكبرى

تكمن المعضلة الكبرى في استدعاء الحرس الوطني في العاصمة واشنطن للتصدي للجريمة في أن الجيش غير مجهز للتعامل مع مسائل إنفاذ القانون على نطاق واسع وفقاً لمستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مارك كانسيان، فعلى رغم أن مهمتهم هي التعامل مع الاضطرابات الداخلية، فإنهم لا يتلقون تدريباً كافياً عليها، وبالتأكيد لا يتلقون التدريب المكثف والتفاصيل الدقيقة التي تتلقاها الشرطة، ولهذا يفترض بالحرس الوطني دعم الشرطة في إنفاذ القانون، وليس إنفاذه بنفسه، كما هو منصوص عليه في قانون "بوس كوميتاتوس"، الذي يهدف إلى الحد من التدخلات العسكرية الأميركية على الأراضي الأميركية، ونتيجة لذلك، غالباً ما يكون عناصر قوات الحرس الوطني غير مسلحين ولا يقومون بأنفسهم بعمليات اعتقال.

لكن مسؤولاً في الجيش أوضح أن القوات في واشنطن العاصمة قد تبدأ قريباً بحمل أسلحة، مما يثير قلق كانسيان لأن الشرطة مدربة تدريباً مطولاً على متى يمكنها استخدام القوة المميتة، وحتى في هذه الحالة تخطئ في استخدامها.

ويذكر كنسيان بتفاصيل مرعبة وقعت في أوهايو عام 1970 حين أمر حاكم الولاية آنذاك جيمس رودس أفراد الحرس الوطني بالرد على متظاهرين في جامعة ولاية كينت كانوا يحتجون على تصاعد التدخل الأميركي في فيتنام، حيث أطلق أفراد الحرس الوطني النار على حشد من المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة آخرين، ما سبب جرحاً غائراً في الذاكرة الأميركية الحديثة، تشير إلى الفارق الجوهري بين طريقة تعليم وتدريب قوات إنفاذ القانون حول كيفية تعاملهم مع المدنيين، وما يتعلمه جنود الحرس الوطني حينما يواجهون طرفاً آخر.

ويحذر كانسيان من أن الشرطة تنظر إلى الناس أمامها كمواطنين قد يسيئون التصرف، لكنهم في الواقع مواطنون، أما الحرس الوطني فينظر إلى الناس ويرى تهديدات يجب التصدي لها، مما ينذر بعواقب وخيمة، ولهذا فإن الحل يكمن في زيادة وجود الشرطة المحلية، بدلاً من إصدار أوامر للحرس الوطني بدوريات في العاصمة.

هل يرسل ترمب الحرس الوطني لمدن أخرى؟

عندما أعلن ترمب عن خططه لتعبئة الحرس الوطني في واشنطن أشار إلى أن مدناً أخرى ذات ميول ليبرالية مثل نيويورك وشيكاغو وبالتيمور وأوكلاند قد تكون التالية، وهي كلها مدن يترأسها الآن أميركيون من أصل أفريقي، لكن سلطة ترمب على هذه المدن أقل بكثير من سلطته على العاصمة. ومع ذلك قد يستخدم الرئيس المادة 12406 في الباب 10 من قانون الولايات المتحدة، وهو قانون فيدرالي يحدد دور القوات المسلحة الأميركية، والتي تسمح للرئيس بنشر وحدات من الحرس الوطني في الخدمة الفيدرالية لصد غزو، أو قمع تمرد، أو السماح للرئيس بتنفيذ القانون، وهو ما فعله ترمب عندما أرسل وحدات من الحرس الوطني إلى كاليفورنيا على رغم اعتراضات الحاكم غافن نيوسوم، وقال إنه استند إلى هذا البند لحماية موظفي الهجرة الفيدراليين وحماية الممتلكات الفيدرالية.

لكن في حال شيكاغو، التي تعرف بكونها مدينة ملاذ للمهاجرين، ربما يجادل ترمب بأن القوانين المحلية التي تمنع مسؤولي المدينة من التعاون مع مسؤولي الهجرة الفيدراليين تمنع الرئيس من تنفيذ القانون، ما يبرر الوجود العسكري، وهو أمر من المرجح أن يواجه تحديات قانونية إذا استخدم المادة 12406.

بيد أن هناك طرقاً أخرى يمكن لترمب من خلالها نشر قوات الحرس الوطني في المدن، إذ يمكن له تفعيل قانون التمرد، وهو استثناء من قانون "بوس كوميتاتوس" الصادر عام 1878 الذي يمنع، بصورة عامة، استخدام الجيش الأميركي في أغراض إنفاذ القانون المحلي، ما يجسد اعتقاداً أميركياً راسخاً بأن إشراك الجيش في الشؤون المدنية يشكل تهديداً للحريات الشخصية. لكن هناك شروطاً عدة لتفعيل قانون التمرد، بما في ذلك وجود تمرد أو عصيان أو عرقلة تنفيذ القانون، إذ قضت المحكمة العليا بأن الرئيس وحده هو من يحدد ما إذا كانت شروط القانون قد استوفيت، ولهذا يمكن لترمب أن يفعل القانون من تلقاء نفسه في حال حدوث انهيار في القانون والنظام، أو إذا لزم الأمر للدفاع عن الحقوق المدنية، إذ استخدم هذا القانون في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لفرض إلغاء الفصل العنصري في المدارس وحماية مسيرات الحقوق المدنية على رغم اعتراضات حكام الولايات.

وعلى رغم أن الجميع ينتظرون حكماً من قاضي المحكمة الجزائية الأميركية في قضية رفعها حاكم ولاية كاليفورنيا حول مدى قانونية استدعاء ترمب الحرس الوطني إلى ولايته، في يونيو الماضي، على أساس أن القوات انتهكت قانون "بوسي كوميتاتوس"، لأن الجنود شاركوا في إنفاذ القانون، واحتجزوا بعض الأشخاص لفترة وجيزة، إلا أن الحكم لن يكون ملزماً للولايات الأخرى، ومن شبه المؤكد أنه سيتم استئنافه في النهاية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل