Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ممر ترمب" يجعل من أميركا جارة لروسيا وإيران معا

وجود أميركي مرتقب وصوله إلى تنظيم وحماية الحركة عبر ممر زنغزور الذي يربط بين شطري الأراضي الأذرية عبر الأراضي الأرمينية

تعتزم باكو إمداد الغرب بمواردها من الطاقة ومن آسيا الوسطى عبر ممر زنغزور (أ ف ب)

ملخص

علي أكبر ولايتي يهدد بتحويل "ممر ترمب في أرمينيا إلى مقبرة لمرتزقة الرئيس الأميركي".

وذكر ولايتي أن هذا الطريق قد يغير الوضع الجيوسياسي للمنطقة، لكن إيران، بحسب ما قال، تنوي "الدفاع عن أمن جنوب القوقاز" من دون مشاركة الروس.

موسكو وفي وقت تبدو فيه أنها في سبيلها إلى التخلص من مخاوفها بسبب احتمالات ظهور "الناتو" على مقربة مباشرة من حدودها مع أوكرانيا، يمكن أن تكون مهددة بظهور الوجود الأميركي في واحدة من أهم مناطقها الاستراتيجية في جنوب القوقاز، وهي المنطقة التي تتحكم في مسارات نقل النفط والغاز عبر هذه المنطقة.

ما إن تصاعدت الخلافات بين موسكو وباكو وكشف الرئيس الأذري إلهام علييف عن حقيقة مواقفه من روسيا، حتى بدا ما يشير إلى تخلي رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان عن كثير من تحفظاته تجاه أذربيجان وحليفتها تركيا "الخصم التاريخي" لأرمينيا منذ "مذبحتها التاريخية" عام 1915. وها هما علييف وباشينيان يشدان معاً الرحال إلى واشنطن ليلقيا بما بقي لديهما من عثرات ومطالب إقليمية متبادلة، على مائدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي نجح في حصاد ما زرعه بوتين وظل على رعايته لأعوام طوال. ولم يكن ترمب ليفوت هذه الفرصة التي جاءته على "طبق من ذهب"، ليجمع بين الزعيمين الأذري والأرمني تحت عنوان "إعلان السلام وممر ترمب للسلام والازدهار الدولي"، الذي قال ترمب في وصفه لهذا الحدث "إنه يوم تاريخي لأرمينيا وأذربيجان والولايات المتحدة والعالم".

مسودة معاهدة السلام

نشرت وزارتا خارجية أذربيجان وأرمينيا المسودة الأولية لاتفاقية السلام بين البلدين التي تتألف من 17 بنداً من بينها تخلي طرفي الاتفاقية عن مطالبهما الإقليمية، ويلتزمان الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها إلى جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما بعضاً. وأشارت الاتفاقية أيضاً إلى التزام كل من الطرفين بسحب ما تقدما به من دعاوى أمام المحاكم الدولية، مع إقرارهما بضرورة إحلال سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، وذلك إلى جانب ما أعربت عنه كل من أذربيجان وأرمينيا من عزم على استعادة العلاقات الدبلوماسية، وترسيم حدودهما الدولية بعد التصديق على الاتفاقية، فضلاً عن إقرارهما بضرورة عدم نشر قوات من دولة ثالثة على الحدود بين الدولتين وإحلال سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة. ونص الإعلان على عزم الطرفين "مطالبة الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحل مجموعة مينسك، التي تتفاوض الدول تحت رعايتها منذ عقود على تسوية النزاع حول قره باغ".

وحول موقف موسكو مما دار ويدور تحت رعاية واشنطن، وما وقعه الزعيمان الأذري علييف والأرمني باشينيان من إعلان مشترك حول العلاقات السلمية بين بلديهما، أعلنت ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية أن "روسيا تقيم بإيجابية جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين باكو ويريفان"، كما دعت موسكو أيضاً الأطراف الفاعلة من خارج المنطقة إلى "عدم خلق صعوبات جديدة" من أجل "تجنب التجربة المؤلمة للمساعدات الغربية في حل النزاعات في الشرق الأوسط". ولم تغفل زاخاروفا الإشارة إلى ما سبق وبذلته روسيا من جهد في الفترة الماضية لتقريب مواقف الطرفين، وهو ما قالت في شأنه إن "المرحلة الحالية من تطبيع العلاقات الأرمنية - الأذرية بدأت بـ"الدور المركزي" لموسكو في الفترة بين 2020-2022"، إلى جانب ما أشارت إليه حول دعوة موسكو الأطراف الفاعلة من خارج المنطقة إلى "عدم خلق صعوبات جديدة" من أجل "تجنب التجربة المؤلمة للمساعدات الغربية في حل النزاعات في الشرق الأوسط".

"ممر ترمب" وخطورته على الوجود الروسي في المنطقة

يشير نص الإعلان تحديداً إلى أهمية فتح قنوات النقل في المنطقة التي كانت مغلقة في أوائل التسعينيات. ومن النقاط الأخرى إنشاء ممر النقل "طريق ترمب للسلام والازدهار الدولي" (TRIPP)، وهو منطقة عبور طولها 43 كيلومتراً تربط المناطق الغربية من أذربيجان في جمهورية ناخيتشيفان ذات الحكم الذاتي عبر الأراضي الأرمينية الموازية للحدود الأرمنية - الإيرانية، بالوطن الأم في أذربيجان.

وقد جرت مناقشة هذه المسألة بصورة منفصلة خلال المحادثات الثنائية بين ترمب وباشينيان، ووافق خلالها رئيس الوزراء الأرمني على منح الولايات المتحدة حقوقاً حصرية لتطوير ممر زنغزور لمدة 99 عاماً قابلة للتجديد. وكانت وكالة "رويترز" و"سي أن أن" و"بوليتيكو"، سبق ونقلت عن مصادر لم تكشف عنها أن "واشنطن ستؤجر الطريق من الباطن إلى ائتلاف شركات يتولى مسؤولية بنيته التحتية وإدارته. وفي الوقت نفسه سيتم تشغيل مشروع TRIPP وفقاً للتشريعات الأرمينية"، وذلك إلى جانب ما وقعته الولايات المتحدة من اتفاقيات ثنائية مع البلدين حول تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا.

ولعل ذلك هو ما دعا الجانب الروسي إلى الإعراب عن كثير من تحفظاته التي تناولتها ماريا زاخاروفا، فيما أشارت إليه حول "استمرار عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوراسي، حيث ينظم أيضاً نقل البضائع العابرة"، وذلك إلى جانب ما دعت إليه من ضرورة مراعاة "وجود حرس الحدود الروسي على الحدود الأرمينية - الإيرانية". ولفتت زاخاروفا أيضاً إلى أن "الاتفاقيات الثلاث المبرمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بمشاركة روسيا لا تزال سارية المفعول في هذا المجال"، والتي لم ينسحب منها أي من الطرفين.

وذكرت المصادر الصحافية للكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، استمع خلالها إلى ما أوجزه عن نتائج الاجتماع الذي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأذري إلهام علييف في واشنطن. وأضافت مصادر الكرملين أن الرئيس بوتين أشار إلى "أهمية الخطوات التي تسهم في ضمان السلام المستدام بين يريفان وباكو"، وكما جرى في اتصالات الرئيس الروسي الأخرى مع حلفائه من رؤساء بلدان الفضاء السوفياتي السابق، أوجز بوتين ما دار من حديث مع ستيف ويتكوف المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي دونالد ترمب وما اتفقا حوله في شأن عقد القمة المرتقبة الروسية - الأميركية في ألاسكا بتاريخ الـ15 من أغسطس (آب) الجاري. ولم تشر المصادر الروسية لا من قريب ولا من بعيد إلى ما قد يكونان تناولاه حول الموقف من القاعدة الروسية الموجودة في غومري على مسافة 126 كيلومتراً من العاصمة يريفان، والشق الثاني منها الموجود في ضواحي يريفان.

ويقول مراقبون كثر تعليقاً على الوجود الأميركي المرتقب وصوله إلى تنظيم وحماية الحركة عبر ممر زنغزور، الذي يربط بين شطري الأراضي الأذرية عبر الأراضي الأرمينية المتاخمة للحدود مع إيران، إن موسكو وفي وقت تبدو فيه أنها في سبيلها إلى التخلص من مخاوفها بسبب احتمالات ظهور "الناتو" على مقربة مباشرة من حدودها مع أوكرانيا، يمكن أن تكون مهددة بظهور الوجود الأميركي في واحدة من أهم مناطقها الاستراتيجية في جنوب القوقاز، وهي المنطقة التي تتحكم في مسارات نقل النفط والغاز عبر هذه المنطقة. ومن ثم فقد أعرب هؤلاء عما يساور موسكو من قلق من احتمالات التدخل الخارجي في منطقة كثيراً ما اعتبرتها ضمن نطاق نفوذها، وإن أعربت عن ترحيبها بالاتفاق الذي ربطته بآمالها في أن يسهم بتحقيق السلام وعدم التحول إلى ما قد يتسبب في ظهور صعوبات ومشكلات للأطراف المعنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طهران تقول: الممر ليس ملكاً لترمب بل "مقبرة لمرتزقته"

أثار الوجود الأميركي المحتمل على الأراضي الأرمينية قلقاً في إيران. وعلى رغم ترحيب طهران بالاتفاق على نص معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان، أشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى العواقب السلبية المحتملة "لأي تدخل خارجي" على المنطقة. وفي مقابلة مع وكالة "تسنيم"، هدد مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي بما قاله حول أن "الممر ليس مملوكاً لترمب، وسيتحول إلى مقبرة لمرتزقته". وذكر ولايتي أن هذا الطريق قد يغير الوضع الجيوسياسي للمنطقة، ويهدف إلى "تقطيع أوصال أرمينيا". ويعرب ولايتي عن ثقته بأن موسكو "تعارض هذا الممر استراتيجياً"، لكن إيران، بحسب ما قال، تنوي "الدفاع عن أمن جنوب القوقاز" من دون مشاركة الروس.

ونقلت صحيفة "فيدومستي" الروسية عن المتخصص السياسي وعضو مجلس الخبراء الروسي الأذري رفيق إسماعيلوف تصريحاته حول احتمالات حل القضايا الخلافية القانونية المتعلقة بسير عمل اتفاقية تريب (TRIPP) بصورة منفصلة في إطار ثنائي أرميني - أميركي، مع مراعاة مصالح باكو، وذلك إلى جانب ما قاله حول أن "مواقف إيران من هذه المسألة تتلخص في أن مسألة سيادة أرمينيا تقلقها أكثر من قلق الأرمن أنفسهم. ومن الواضح أن طهران لن تتدخل علناً".

أما السياسي المتخصص في شؤون القوقاز أندريه أريشيف فقد كشف عما يساوره من قلق تجاه احتمالات أن تكون تصريحات الجانب الإيراني ذات طابع إعلامي ودعائي، بهدف الضغط على يريفان ومنع افتتاح الطريق. وأضاف أريشيف أنه "في الوقت نفسه وعند افتتاح ‘ممر ترمب‘ من المحتمل أن تشارك في المشروع خدمات إحدى الشركات العسكرية الخاصة الأميركية، إضافة إلى مقاولين أتراك من الباطن". كما أوضح "أنه إضافة إلى الجزء البالغ طوله 42 كيلومتراً من خط السكة الحديد جنوب أرمينيا، سيتعين بناء طريق سريع وخط كهرباء وكابل ألياف ضوئية وخط أنابيب غاز. وتعتزم باكو إمداد الغرب بمواردها من الطاقة ومن آسيا الوسطى عبره".

وأشار أريشيف كذلك إلى أن مشاركة الولايات المتحدة في العمل على هذا الجزء المهم من طريق النقل، والذي سيصبح أيضاً جزءاً من الممر الأوسط، وهو ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين من أوروبا إلى الصين متجاوزاً روسيا، بحسب ما أشارت صحيفة "فيدومستي"، قد تحدث تغييراً جذرياً في منظومة الأمن الإقليمي في المستقبل. وخلص أريشيف إلى القول إن الحاجة إلى الوجود العسكري الروسي في أرمينيا "قد تتلاشى مع مرور الوقت". كما نقلت الصحيفة الروسية ما قاله الباحث في معهد القوقاز غرانت ميكائيليان حول أن "تطبيق الوثيقة الموقعة يعني في الواقع فقدان أرمينيا سيادتها على جزء من أراضيها، وإن لم يضف عليها طابعاً رسمياً". ويعتبر أن "الخطر الأكبر في هذا السياق يتمثل في أن أذربيجان قد ترى في ‘ممر ترمب‘ منطقة خارج حدودها الإقليمية، وستصر على غياب ممثلي أرمينيا هناك، مما قد يهدد بإشعال حرب جديدة".

ومن اللافت في هذا الصدد ما يتردد حول مخاوف إيران من أن يصبح "ممر ترمب"، كما صار يطلق عليه بعد توقيع الاتفاق الأرمني - الأذري في البيت الأبيض، "منصة للوجود العسكري الأميركي والإسرائيلي" على مقربة مباشرة من حدودها الشمالية. وبهذه المناسبة، نقلت المصادر عن مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي ما قاله حول أن "إيران لن تسمح لحلف ‘الناتو‘ بالاقتراب من حدودها الشمالية"، في وقت ثمة فيه من يتناقل فيه ما يقال حول إن الممر "مصمم لتقسيم أرمينيا"، فضلاً عما يتردد في شأن أن روسيا وكأنما تشارك إيران "المعارضة الاستراتيجية" لهذا الممر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير