ملخص
بات اسم مدينة العلمين الجديدة هو الأكثر ترديداً في نشرات الأخبار وفي الأحاديث اليومية وفي عالم الترفيه أيضاً بمصر، حيث يروج لها كونها عاصمة صيفية للبلاد، ولكن هل هي مؤهلة بالفعل لتستقطب الجماهير طوال العام، وصالحة للمعيشة في ظل هذا الوضع الاقتصادي، كما تشير التصريحات الرسمية التي تعتبرها مدينة مخططاً لها لتكون مستدامة؟
تبدو مدينة العلمين الجديدة وكأنها تريند صيفي حاضر في مصر طوال السنوات الثلاث الماضية، فاسم المدينة يتردد على المسامع في التغطيات الفنية ونشرات أخبار السياسة والاقتصاد، وفي تدوينات المؤثرين ومشاهير الفن والمجتمع، وكذلك بين الجماهير، وكأنها المعادل الموضوعي لموسم الصيف، إذ إنها ملتقى الترفيه، وبوابة الاستقبالات الرسمية، والنزهات المدللة أيضاً، وكذلك وجهات لبعض الوظائف. مدينة العلمين الجديدة التي تعتبر قلب الساحل الشمالي في مصر أخذت كل الزخم، باعتبارها العاصمة الصيفية للبلاد، والمشروع الطامح، لأن تصبح مدينة تصلح لكل فصول السنة.
الدعاية والإلحاح اللذان تحظى بهما مدينة العلمين يظهرانها عادة على أنها مدينة الرفاهية والثراء، سواء في ما يتعلق بنوعية مشروعاتها وفرص العمل بها، أو تكلفة الخدمات، وكذلك الوحدات السكنية، ووسائل الانتقال، ونوعية الأنشطة المتوافرة، أي وجهة سياحية ومقصداً للاسترخاء يخص طبقة معينة بطقسها المثالي صيفاً وشواطئها الشديدة الجمال، وكونها من مدن الجيل الرابع الأكثر تطوراً وذكاءً مقارنة بغيرها.
على مستوى السياحة، توجد بدائل كثيرة تتمتع بنفس التميز، كذلك أنه لا ضير من أن توجد بقعة للاستجمام الفاخر على غرار مناطق كثيرة بالعالم من شرقه إلى غربه، فهذا ليس عيباً، بل يمثل تنوعاً مطلوباً، لكن في الوقت نفسه هذه الصورة تبدو متعارضة مع التصريحات التي تؤكد أنها مدينة صالحة للحياة طوال العام، فالبعض يعتقد أن طقسها البارد شتاءً ربما يعيق هذا الأمر وكذلك تكلفة المعيشة بها، ومدى توافر مصادر الرزق لمختلف الطبقات.
هل العلمين مؤهلة للمعيشة طوال العام؟
المدينة التي وُضع حجر أساسها في 2018 وجرى الانتهاء من مرحلة كبيرة بها بحلول عام 2022 أصبحت تتصدر الأنشطة الرسمية للحكومة، وكذلك في ما يتعلق باستقبالات وفود الزعماء، إضافة إلى الترويج لها مقصداً سياحياً، وأيضاً باتت منطقة جاذبة للمهرجانات الفنية بتنوعها وبينها الحفلات الكبيرة لما تتمتع به من تجهيزات متقدمة وبنية تحتية ومساحات شاسعة لإقامة المسارح التي تتسع للآلاف.
وتبدّلت سيرة العلمين من مدينة ارتبط اسمها بالحرب العالمية الثانية، حيث جرت على أرضها معركتان تصدت فيهما القوات البريطانية لنظيرتها الألمانية، ما أسفر عن مخلفات خطرة بينها حقول ألغام كانت تهدد حياة السكان، إلى مدينة نابضة بالحياة وأجندتها مليئة بالاجتماعات والاستقبالات والاحتفالات، وفنادقها يضرب بها المثل في الفخامة وفي الأسعار الباهظة كذلك، ما يطرح تساؤلاً هل المدينة مؤهلة للمعيشة طوال العام، وليست مدينة وظائف صيفية عابرة موقتة ترتبط بالإبهار الذي تخلقه أجواؤها الشاطئية الملونة والمبهجة؟
يرى الدكتور حسن مهدي، أستاذ الطرق والنقل بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، أن نسبة الإنجاز في المدينة ضخمة للغاية، والمشروعات المستهدفة تسير بوتيرة عالية. مؤكداً أنها تحوّلت إلى بقعة جاذبة، بفضل عوامل متعددة، بينها شبكة الطرق البرية، ومشروعات التوسعة. لافتاً إلى أنه يجري العمل أيضاً على إنشاء طرق جديدة، إضافة إلى أنه جرى قطع شوط كبير في مشروع القطار السريع، حيث سيصل إلى العلمين قريباً، وهو ما سيؤثر بصورة ملحوظة وإيجابية على عدد المترددين عليها والمقيمين بها.
ويشدد أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس على أن هذه المدينة تحقق فكرة الاستدامة بلا شك، وهي تعمل على مدار العام. منوهاً إلى الجامعات والمراكز الصحية، وكذلك ارتباطها باجتماعات الحكومة كمقر صيفي لها، وسرعة معدلات الإعمار المدروسة بناءً على التخطيط الجيد، كل هذه عوامل جذب تجعلها تسير في الاتجاه الصحيح.
وفي رأي مهدي فإنها تختلف كثيراً عن المناطق السياحية المعتادة في الساحل الشمالي التي لا تزيد على كونها قرى سياحية مرتبطة بموسم معين. موضحاً "غالبية القطاع الشمالي الغربي تنطبق عليه معايير المصيف الموقت، بينما مدينة العلمين الجديدة تتضمن مؤسسات تعليمية وثقافية وشركات ومولات تجارية، ومناطق خدمات متعددة، تجعلها مستديمة، وحتى في ما يتعلق ببرودة الطقس بعض الشيء في فصل الشتاء، فهي تظل أفضل من مدن كثيرة حول العالم يعيش سكانها في الجليد والصقيع، ولهذا فتوقعات معدلات التوطين بها ستكون عالية".
هل هي هجرة صيفية موقتة؟
لكن، على الجانب الآخر يبدو المهندس أحمد شاهين، باحث دكتوراه في تخطيط وتصميم المدن بجامعة القاهرة أقل تفاؤلاً في ما يتعلق بإعمار هذه المدينة طوال العام. مشيراً إلى أن الهجرة التي تحدث صيفاً إليها مرتبطة بكونها مدينة سياحية معتدلة الجو. متسائلاً لماذا لا تعقد الحكومة اجتماعاتها بالعلمين الجديدة في فصل الشتاء إذا كانت قد حققت بالفعل الهدف من كونها مدينة مستدامة وصالحة للمعيشة طوال العام بأكمله؟ لافتاً إلى أن هناك تحدياً رئيساً يتمثل في مدى إمكانية نقل كتل سكانية كبيرة، لتستقر هناك من دون معوقات، واصفاً أنشطة المدينة بأنها غير مستدامة، حيث إن بها جامعة واحدة فقط.
ويعود شاهين ويؤكد "أن المخطط المعلن عنه للمدينة جيد للغاية، لكن على أرض الواقع لا يزال هناك الكثير من الوقت والعمل، فمثلاً العاصمة الإدارية أكثر قابلية لفكرة الاستدامة على رغم بعد المسافة بينها وبين المناطق التقليدية في القاهرة، وعلى رغم معوقات النقل في العاصمة الإدارية، لكنها أمور يجري التغلب عليها في الوقت الحالي، فيما شبكة النقل الداخلية بمدينة العلمين على سبيل المثال لا تزال بحاجة إلى كثير من التطوير والتنوع".
وفقاً لتصريحات مسؤولين بالأمم المتحدة فقد جرى الانتهاء من تظهير ثلث المناطق المستهدفة في الساحل الشمالي الغربي، وكان ذلك قبل نحو 8 سنوات، وهو تحدٍ كبير، لكن مواجهته تسير بخطى جيدة بمشاركة جهات دولية عدة، وتعتبر مدينة العلمين الجديدة امتداداً للمدينة التاريخية التي تحمل الاسم نفسه، حيث تقع على مساحة 48130 فداناً، وتستهدف استقطاب ثلاثة ملايين نسمة وفقاً للتصريحات الرسمية، إذ إن هيئة المجتمعات العمرانية من أبرز الجهات التي تقف على إنشاء مجمعاتها السكنية ومرافقها. كما تتضمن مشروعات إسكانية متنوعة المستوى والأسعار وبعضها مدعم بالفعل، فهي تنقسم إلى مناطق سكنية وتاريخية وأثرية، إضافة إلى منطقة استثمارية، التي تتضمن مشروعات سياحية على الشواطئ، وهي تتبع إدارياً محافظة مرسى مطروح التي تقع شمال غربي القاهرة، فيما يتردد اسمها على أكثر من مستوى في الفترة الأخيرة، وتقترن بمبادرات وفعاليات سياسية واجتماعية ودينية أيضاً.
لقاءات سياسية وفعاليات فنية
قبل أيام قليلة للغاية أعلن أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، عن إطلاق مبادرة "صحح مفاهيمك" بحضور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، وهي المبادرة التي تهدف وفقاً للبيان الرسمي إلى "تصحيح المفاهيم الدينية والسلوكيات المجتمعية الخاطئة، وتعزيز قيم الانتماء والانضباط"، في حين تتعدد اجتماعات مجلس الوزراء بشكل عام هناك، إضافة إلى الجولات التي يقوم بها رئيس الوزراء للوقوف على معدلات تنفيذ المشروعات الكبرى على أرضها.
كما استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أسابيع قليلة أيضاً الدكتور حسن شيخ محمود رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية بالمدينة، وقبلها كان قد عقد الرئيس محادثات مع الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني في العلمين الجديدة كذلك لبحث المستجدات الميدانية في جمهورية السودان.
فيما ينطلق مهرجان العلمين كل عام بباقة متنوعة من الأنشطة الفنية مثل عروض الفرق الشعبية والتراثية التابعة لوزارة الثقافة، والحفلات الغنائية، كما أقيم العام قبل الماضي مهرجان الدراما احتفالاً بمرور 60 عاماً على إنتاج أول عمل درامي مصري، إضافة إلى فعاليات ومسابقات رياضية تلائم جو المدينة المعتدل، وعادة تنحصر الأنشطة الترفيهية من هذا النوع في شهري الصيف الأكثر حرارة يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، إذ تصبح العلمين الجديدة ملجأ ومهرباً من أجواء القاهرة المزدحمة والحارة، فهي تبعد نحو ثلاث ساعات فقط بالسيارة عن العاصمة.
وعلى ذكر السيارة فهناك انطباع سائد عن الحياة في مدينة العلمين أنها تفترض أن مرتاديها يجب أن يمتلكوا مستويات معينة من الرفاهية لتبدو تجربة المكوث فيها أكثر يسراً، وهو أمر لا يجده الدكتور حسن مهدي أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس شيئاً سلبياً أبداً. مشيراً إلى أن جميع دول العالم لديها مدن معينة تشتهر بالرفاهية الشديدة وبأنها تستقطب الأثرياء.
ويتابع مهدي، "السياحة عنصر الجذب الأساسي بمدينة العلمين التي تتضمن مرسى لليخوت كأداة لجذب المصطافين الأثرياء، إضافة إلى وجود حي رجال الأعمال، فكل هذه أمور تفيد البلد اقتصادياً، لأن الإنفاق في النهاية يحدث على أرض مصر، وكل هذه المشروعات توفر فرص عمل من كل المستويات، فهناك صناعات بسيطة تغذي المدينة أيضاً، ووجود شراكات حكومية مع المطورين العقاريين أصحاب الخبرات الطويلة، أسهم في تنفيذ المشروعات الإنشائية بجودة عالية من دون إهدار، وهي أيضاً مشروعات توفر فرص عمل متنوعة، كما أن تحلية مياه البحر تصبّ في مبدأ استدامة المدينة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما لا يزال باحث الدكتوراه في تخطيط وتصميم المدن، المهندس أحمد شاهين متحفظاً على مقومات المدينة الحالية، لافتاً إلى أن فكرة الاستدامة قد تتحقق مستقبلاً، لكن في هذا الوقت ينقصها على سبيل المثال مدارس تعليم أساسي متنوعة، قد تكون هناك مدرسة واحدة فقط وهي نقطة أساسية في فكرة توطين الكتل السكانية الكبيرة، فمن الطبيعي أن لا تتكيف الأسر التي لديها أطفال في هذا الوضع، وكذلك عدم وجود معاهد سواء متوسطة أو عليا نقطة ليست في مصلحة فكرة التعايش الدائم.
ويضيف شاهين، "كذلك الأنشطة الاقتصادية محدودة وتناسب شرائح معينة بعينها، وعدم وجود شركات متوسطة أو صغيرة بأعداد كبيرة يؤثر أيضاً في مدى تنوع فرص العمل، فحتى مناطق الأثرياء الشهيرة في دول العالم، تكون مجرد منطقة صغيرة وليست مدينة بأكملها، مؤهلة لأصحاب الثروات فقط، والأفضل هو أن يجري الانتهاء من مخطط الاستدامة بأقرب وقت لإنشاء خدمات تسهم في بناء مجتمع متكامل، وليس حكراً على طبقة بعينها".