Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عصابات الخرطوم "أشرس" بفعل الحرب

لم تعد تستخدم السكاكين والسواطير بل الأسلحة الرشاشة والمدافع الثقيلة لترعب العاصمة الغارقة في الفوضى والانفلات

لم تقتصر ظاهرة انتعاش العصابات المسلحة على العاصمة فحسب، إذ سجلت ولايات أخرى حوادث مشابهة (أ ف ب)

ملخص

لا يكاد يمر يوم أو أسبوع إلا وتقع حادثة نهب أو سطو مسلح مصحوبة بجريمة قتل، مما خلف خوفاً وقلقاً متزايداً لدى المواطنين الذين توقفوا عن الخروج من المنازل ليلاً، مع تكرر مداهمة العصابات للمنازل ليلاً والسطو عليها تحت تهديد السلاح وقتل كل من يحاول المقاومة.

مع تعاظم الآمال بعودة الحياة الطبيعية إلى العاصمة الخرطوم عقب تحريرها من سيطرة قوات "الدعم السريع" قبل أكثر من ثلاثة أشهر، أطل من جديد شبح ما كان يعرف بعصابات "9 طويلة"، ولكن في نسخة أكثر شراسة وعنفاً، لا تستخدم السكاكين والسواطير كما قبل الحرب، بل مختلف أنواع الأسلحة، الصغيرة والرشاشة والمدافع الثقيلة، لترعب الخرطوم مستغلة أجواء الفوضى والانفلات والسيولة الأمنية.

تعددت الحوادث من جريمة قتل في العاصمة السودانية من أجل نهب هاتف سيار، إلى الاختطاف تحت تهديد السلاح، ولا يكاد يمر يوم أو أسبوع إلا وتقع حادثة نهب أو سطو مسلح مصحوبة بجريمة قتل، مما خلف خوفاً وقلقاً متزايداً لدى المواطنين الذين توقفوا عن الخروج من المنازل ليلاً، مع تكرر مداهمة العصابات للمنازل ليلاً والسطو عليها تحت تهديد السلاح وقتل كل من يحاول المقاومة.

قتل ومواجهات

أبرز حوادث النهب المسلح تلك المواجهات الدامية التي خاضتها الأجهزة الأمنية مع عصابة مسلحة في سوق حي دار السلام بمحلية جبل أولياء جنوب الخرطوم، وأسفرت عن سقوط أربعة قتلى بينهم ضابط في الاستخبارات العسكرية وجندي وامرأة كانت قرب موقع الاشتباك وأحد المهاجمين، فضلاً عن إصابة ثلاثة أشخاص بجروح متفاوتة، وتمكنت القوات النظامية من القبض على أربعة من أفراد المجموعة.

أيضاً شهدت منطقة الحتانة في أم درمان مقتل أحد الشباب بالرصاص أمام منزله لمجرد مقاومته محاولة عصابة مسلحة نهب هاتفه المحمول، كذلك تعرضت بعض أسواق العاصمة عقب معاودة نشاطها الجزئي لسطو العصابات، مثلما حدث في شارع الحرية الشهير كمجمع لمتاجر الأجهزة والأدوات الكهربائية، الذي تعرض للدهم في ثاني أيام تدشين عمله.

 

ثم جاءت قبل أيام حادثة اختطاف أحد أصحاب محال الذهب من منزله في أم درمان بواسطة عصابة مسلحة نهبت كل ما يملك وألقت به في العراء على أطراف العاصمة الخاوية، في تطور جديد لأساليب الجريمة في السودان.

وتمكن فريق ميداني متخصص من المباحث المركزية بسوق صابرين في محلية كرري، من توقيف متهمين تورطا في جريمة نهب هاتف محمول تحت تهديد السلاح باستخدام بندقية "كلاشنكوف".

لم تقتصر ظاهرة انتعاش العصابات المسلحة على العاصمة السودانية فحسب، إذ سجلت ولايات أخرى حوادث مشابهة، وظهرت جرائم السطو المسلح والقتل لأجل السرقة في مدن أخرى.

وشهدت ولاية الجزيرة نهاية يونيو (حزيران) الماضي حادثة مروعة بمقتل طبيب صيدلي في محلية رفاعة برصاص مسلحين، وتم فصل رأسه عن جسده أثناء عودته من السوق إلى قريته، ولم يكتشف أحد الجريمة إلا بعدما عثر على جثته في العراء.

وأحدث الهجوم الدموي الذي تعرض له قسم شرطة "الغدار" بالولاية الشمالية، خلال الأسابيع الماضية من مجموعة مسلحة تسبب في مقتل شرطي وإصابة ثلاثة آخرين، صدمة واسعة في الأوساط الأمنية والشعبية بالمنطقة. وتوجهت المجموعة بعد ذلك للسطو على البنك الزراعي هناك.

وذكر بيان لحكومة الولاية أن محاولة المجموعة المسلحة التي اقتحمت قسم الشرطة لتحييد أفراده فشلت في نهب الأموال التي أودعت حديثاً في فرع البنك الزراعي، ولم تتمكن من فتح خزانة البنك بفضل الإجراءات التأمينية المحكمة.

خوف وغضب

أثارت تلك الحوادث وأخرى غيرها موجة من الغضب الشعبي إزاء تمدد وتطور عصابات "9 طويلة" كماً ونوعاً عما كان عليه أسلوبها قبل اندلاع الحرب، حين كان الساطور والسكين والعصي هو سلاحها الأخطر.

ويعيش مواطنو العاصمة حالاً من الخوف والقلق جراء تصاعد أعمال السطو والنهب والانفلات في ظل استمرار النزاع المسلح في البلاد.

يقول نور الدين النزير، من حي الثورة بأم درمان، إن عصابات "9 طويلة" التي لم تكن قد انتهت أو تلاشت نهائياً، انتعش نشاطها كواحدة من أخطر الجماعات الإجرامية التي تنشط في العاصمة الخرطوم، وهي متورطة في كثير من حوادث السطو والقتل طوال أعوام ماضية، فضلاً عن أن السلاح نفسه أصبح يباع في الأسواق الطرفية مثل "سوق القش" غرب أم درمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يستبعد النزير أن يكون كثير من المجرمين الذي أخرجتهم الميليشيات من السجون، ومن بينهم عدد كبير من المحكومين بالإعدام، حمل بعضهم السلاح مع الميليشيات من أجل ممارسة السلب والنهب، ولم يكونوا يتورعون عن إطلاق النار على ضحاياهم من أجل الحصول على هاتف سيار.

وطالب بضرورة إجراءات عاجلة وحاسمة لتقييد حمل السلاح، وتفعيل قانون الطوارئ، وتغليظ العقوبات بإجراء محاكمات ميدانية رادعة، وزيادة عدد نقاط الارتكاز الأمنية لإسهامها بصورة كبيرة في الحد من حركة المتفلتين.

واعتبر النزير انتشار العصابات المسلحة جزءاً من إرث الحرب الذي تركته الميليشيات عقب تحريرها كثيراً من المجرمين وتوزيع السلاح عليهم ليتحولوا إلى خلايا للنهب وسط الأحياء، تمارس جرائمها تحت غطاء الزي العسكري وانتحال صفة القوات النظامية.

تحرك حكومي

في مواجهة الانفلات الأمني الذي لازم العاصمة الخرطوم أطلقت الحكومة معالجات عدة كان أبرزها تكوين الطوف الأمني المشترك، الذي يضم تشكيلات من الجيش وأفرع الشرطة وجهاز الاستخبارات، كذلك أصدر القائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح البرهان لاحقاً قراراً بإخلاء العاصمة من التشكيلات العسكرية المقاتلة وأي وجود مسلح خارج القوات النظامية خلال أسبوعين، لقطع الطريق على منتحلي صفة أفراد الجيش أو الحركات المسلحة المساندة له لتصبح مهمة حفظ الأمن لقوات الشرطة.

وكانت بعض أصابع الاتهام أشارت إلى تورط أفراد من بعض التشكيلات المسلحة التي تساند الجيش والمستنفرين، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بإخلاء المناطق المأهولة بالسكان من الجماعات المسلحة.

 

في آخر مايو (أيار) العام الماضي أطلقت السلطات الطوف الأمني المشترك الذي يضم قوات من الجيش والشرطة وجهاز الاستخبارات، ويهدف إلى كبح الجريمة والتصدي للمجرمين، وشرع في تنفيذ حملات متلاحقة على المناطق المشبوهة والعشوائية.

بدأ الطوف حملة مداهمات كبيرة لأوكار الجريمة المشتبه فيها بمحلية كرري، الأكثر كثافة سكانية في ولاية الخرطوم في الوقت الراهن، التي لم تصلها الحرب.

وأكد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة أن الحملة الأمنية تأتي ضمن خطة متكاملة لحكومة الولاية لتنظيم الأسواق والطرق وضبط المخالفات التي تمثل تهديداً مباشراً للأمن والسلامة العامة بالتنسيق مع كل الأجهزة النظامية.

بحسب حمزة، فقد حققت التجربة اختراقات كبيرة لتعزيز الحال الأمنية ونشر الطمأنينة وسط المواطنين، مبيناً أن المهمة الأساسية للطوف هي تنفيذ أوامر الطوارئ ومنع حركة الدراجات النارية التي يستقلها منتحلو صفة القوات النظامية لممارسة الجريمة والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة في الأحياء بعد تطهيرها من التمرد.

شراكة مجتمعية

وطالب الوالي المكلف المواطنين بتشكيل لجان بالأحياء بالتنسيق مع الشرطة المجتمعية، والعودة لتفقد منازلهم وتأمينها، مناشداً إياهم بالعودة لتفقد منازلهم وتأمينها والتعاون مع السلطات المتخصصة والإبلاغ الفوري عن أي تجاوزات أو ممارسات تضر بالأمن والاستقرار بوصفهم شركاء في تحقيق الأمن المجتمعي.

من جانبه أوضح مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق أمير عبدالمنعم، أن إنفاذ خطة التأمين الخاصة بالمحليات وأقسام الشرطة الجنائية في ضبط المتعاونين والخلايا الإجرامية وتأمين مداخل ومخارج الجسور أسهم في استقرار الأحوال الأمنية والجنائية بالولاية.

وكشف عبدالمنعم عن تأمين أكثر من 250 موقعاً بالولاية، وضبط 3 آلاف دراجة نارية عبر الأطواف المشتركة، وإزالة ما يسمى أسواق دقلو من جميع المحليات، إلى جانب نشر 115 مركزاً مجتمعياً للحد من الظواهر السالبة، وربط رقم غرفة طوارئ النجدة 999 بجميع أقسام الشرطة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة العميد فتح الرحمن محمد التوم، عن انطلاق تنفيذ الخطة الأمنية الشاملة لتأمين ولاية الخرطوم، وذلك عقب قرار القائد العام للجيش السوداني بإخلاء العاصمة من جميع التشكيلات العسكرية خلال أسبوعين.

وأوضح التوم أن الشرطة ستتولى الدور القيادي في هذه الخطة، عبر الانتشار المكثف في المعابر والجسور، وتفعيل الأطواق الأمنية والارتكازات في مختلف محليات العاصمة، بهدف استعادة السيطرة الكاملة على الوضع الأمني.

وكشف ناطق الشرطة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، عن أن شرطة ولاية الخرطوم نفذت 15 حملة تفتيش (كردون) بإسناد أمني كبير من الجيش وكل أفرع قوات الشرطة وجهاز الاستخبارات العامة، استهدفت بها بؤر الجريمة ومناطق الهشاشة الأمنية، وأسفرت عن توقيف 254 متهماً، وضبط أكثر من 285 دراجة نارية، و135 بندقية "كلاشنكوف"، وبندقية قنص، وثلاثة مدافع "آر بي جي"، ومدفع "قرانوف"، وقنبلة "قرنيت"، وتسعة مسدسات، إلى جانب ضبط 28 من المتعاونين مع الميليشيات المتمردة و67 أجنبياً مخالفاً.

وأشار التوم إلى أن مضبوطات الحملة شملت أيضاً 15 "توك توك" من دون أوراق رسمية، و500 قندول حشيش (بنقو)، إلى جانب قطع غيار سيارات وأدوات كهربائية وأوانٍ منزلية مسروقة، وتم اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة المتهمين حسب نوع البلاغات.

وبين أن شرطة المباحث الجنائية تمكنت من تفكيك عدد من الشبكات الإجرامية، واستردت كثيراً من منهوبات المواطنين بما فيها سيارات مسروقة، كما كشفت عن دوافع وغموض بعض بلاغات جرائم القتل، وضبط كثير من المتفلتين من معتادي جرائم النهب والسرقة تحت تهديد السلاح عبر قيادة الدراجات النارية.

وكانت وزارة الداخلية من أوائل المؤسسات التي انتقلت من بورتسودان بجميع إداراتها وفروعها للعمل من مقرها بالخرطوم. وشرعت في تأمين المقار الحكومية والبعثات الدبلوماسية والأسواق إلى جانب الإسهام في جهود إعادة إعمار العاصمة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات