Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشعراء على قائمة العمالة الماهرة... صدمة لبلد شكسبير!

يسعى لي أندرسون من "حزب ريفورم" إلى طي صفحة ما يسميه "الشعراء المستوردين"، لكن ما الذي يحصل برأيه؟ هل يأتي الشعراء الأجانب إلى بلادنا ليسلبوا شعراءنا سطورهم الشعرية؟

 قد يرى البعض أن "ما نحتاج إليه بشدة الآن هو الأطباء والبناؤون ورواد الأعمال، أناس يسهمون بصورة مباشرة في اقتصادنا وخدماتنا العامة" (غوف يوكي)

ملخص

حملة السخرية التي شنها النائب اليميني لي أندرسون على إدراج الشعراء ضمن "العمالة الماهرة" تكشف ازدراءً للفنون وجهلاً بقيمتها، رغم مساهمة القطاعات الإبداعية بمليارات في الاقتصاد البريطاني. الشعر، بعيداً عن التنميط والهزل، ضرورة إنسانية وثقافية، تعبير عميق عن الذات الجماعية، وشكل من أشكال العمل الحقيقي والمنتج.

تخيلوا هذا، وزارة الداخلية البريطانية أدرجت مهنة الشاعر ضمن قائمة "العمالة الماهرة"، مما يتيح للشعراء الأجانب التقدم للحصول على تأشيرة عمل في المملكة المتحدة، فما رأيكم؟ هل يثير الأمر سخريتكم؟

لي أندرسون [النائب عن حزب "ريفورم" اليميني] لا يخفي تهكمه إطلاقاً، مقره الانتخابي في الجدار الأحمر [مجموعة من الدوائر الانتخابية في شمال ووسط إنجلترا كانت تقليدياً تصوت لحزب العمال] يكاد يتحول إلى بؤرة للسخرية والازدراء، وغضبه من وجود الشعراء على تلك القائمة لا يقل عن غضبه من وجود مسؤولي "التنوع والاندماج"، ولا يعني ذلك أن "لي 30 بنساً"، وهو لقبه بعد تصريحه بأن وجبة طعام يمكن تحضيرها بـ 30 بنساً فقط (0.4 دولار)، معاد للأدب، لا، بل هو فقط يرى أن بريطانيا "لا تحتاج إلى شعراء أجانب"، على حد تعبيره، "فنحن بلد شكسبير وبي جي وودهاوس، وأغنى أمة من حيث التقاليد الأدبية، ولسنا بحاجة إلى استيراد الشعراء"، يقول بثقة.

أشك كثيراً في أن لي أندرسون يستطيع تسمية شاعر معاصر واحد، لكني استمتعت باستخدامه لكلمة "استيراد".

تخيلت حشوداً من الشعراء محشورين في سفينة شحن يرتدون قمصاناً فضفاضة ويحملون ريشاً للكتابة ويشقون طريقهم إلى الساحل الجنوبي، وبعد عبورهم ضوابط الهجرة المرنة يُحمّلون في شاحنات ويوزعون على البلدات والأسواق المزدحمة، حيث يخرج إليهم السكان بوجوه محتقنة وخطى متعثرة، يرمشون كأنهم لم يواجهوا العالم منذ زمن: شوكة حديقة في يد، ونسخة من رواية رايت هو، جيفز لوودهاوس.

ربما كان عليّ، بوصفي شاعراً بريطانياً، أن أشكر لي 30 بنساً على هذه الحمائية الشرسة. شعراء أجانب، يأتون إلى هنا، ويسرقون سطورنا الشعرية! يجدر بي أن أكون حذراً، فإذا اجتمع مسؤولو التنوع والاندماج المستوردون مع الشعراء المستوردين فعندها سيكون أمثالي، الذكور البيض من ذوي الميول الجنسية التقليدية، في ورطة حقيقية.

وإضافة إلى ذلك يواصل ذلك الصوت المتصنع للحكمة قائلاً "ما نحتاج إليه بشدة الآن هو الأطباء والبناؤون ورواد الأعمال، أناس يسهمون بصورة مباشرة في اقتصادنا وخدماتنا العامة".

كلام يبدو معقولاً جداً، أليس كذلك؟ ماذا تريدون؟ طبيباً يجري عملية لطفلك المحتضر؟ أم شاعراً يكتب شيئاً لا تستطيع حتى أن تفهمه عن فصل الخريف؟ هكذا تسير سياسات لي 30 بنساً، يقول لنا إننا في مأزق وعلينا الاختيار. اختاروا تحت التهديد.

لكن الحياة ليست بيضاء أو سوداء، وليست سلسلة من الخيارات الثنائية، الحياة معقدة ومليئة بالتفاصيل الدقيقة ومتشابكة ومتعددة الأوجه، تماماً كأفضل القصائد، فالشعر معقّد يغوص في أعماق النفس ويلامس جوهر إنسانيتنا، والشعر وغيره من أشكال الكتابة البطيئة والمتأملة، هو الترياق الذي نحتاج إليه في وجه الصخب السياسي المزعج لأمثال لي أندرسون، بل وحتى لمقالات ساخرة مثل هذه المقالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم لنضع حداً لفكرة أن الفنون لا تسهم في اقتصادنا، إذ تصل قيمة القطاعات الإبداعية في المملكة المتحدة إلى 125 مليار جنيه إسترليني، وحتى نحن الشعراء المتواضعين نؤدي دورنا في ذلك، وقد تخطى حجم مبيعات دواوين الشعر 14.4 مليون جنيه عام 2023، وهو أعلى رقم منذ بدء تسجيل البيانات.

صحيح أنه من الممتع الاستهزاء بالشعراء وتصويرهم إما كنسخ متكلفة من بايرون أو كشخصيات ساخرة على غرار "شاعر الشعب" الذي أداه ريك مايال، لكن الحقيقة أننا نعمل بجد، فهذا عملي، أعيل أسرتي وأسدد رهني العقاري من خلال الشعر وأكتب عرضاً جديداً كل عام وأقدمه لعشرات الآلاف من الناس في مراكز فنية ومسارح ومهرجانات كبرى مثل "غلاستونبري" و"لاتيتيود"، ونعم أحياناً أحصل على تأشيرة عمل وأقوم بجولات خارج البلاد.

هذا جزء من التبادل الثقافي الكبير بين الشعراء والكتّاب الذي كان موجوداً دائماً، فالكتّاب يسافرون ليروا العالم ويلتقوا الناس ويتبادلوا الأفكار ويحتفلوا بتجاربنا الثقافية المختلفة، وبما يجمعنا كبشر، ونحن في المملكة المتحدة محظوظون بأن نستقبل شعراء من حول العالم يأتون ليبهرونا بكلماتهم وأفكارهم، ويُثروا ثقافتنا ويسهموا، نعم يسهموا، في اقتصادنا.

بالطبع يُعدّ الشعراء من أصحاب المهارات ويستحقون أن يكونوا ضمن تلك القائمة التي وضعتها وزارة الداخلية، فالشعراء أمضوا أعواماً في صقل موهبتهم والتأمل العميق في طبيعة الإنسان، ويمكن لأفضل القصائد أن تُحدث تغييراً بالغاً في نفوسنا، نحن نلجأ إلى الشعر عندما تعجز كلماتنا ونعتمد عليه في الجنازات وحفلات الزفاف وأوقات الأزمات العميقة ليقول ما نشعر به ولا نستطيع التعبير عنه، وبهذا المعنى فإن الشعراء يتحدثون باسمنا جميعاً، تماماً كما يفعل السياسيون.

لوك رايت يقوم حالياً بجولة لعرضه الجديد "بوب غرَب" Pub Grub، وسيقدم في مسرح "بليزانس" في إدنبرة بين الـ 30 من يوليو (تموز) الجاري والـ 12 من أغسطس (آب) المقبل. تابعوه على "إنستغرام" من هنا.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة