ملخص
بين تحميل عدد من الصيادلة لمن وصفوهم بالدخلاء على المهنة مسؤولية ارتكاب مثل هذه الممارسات بهدف التربح، واتهامات من مراقبين بوجود شبكة موازية لتداول أدوية التأمين الصحي خارج الإطار الرسمي، يوضح مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، لـ"اندبندنت عربية"، أن وجود أدوية التأمين الصحي في الصيدليات "أمر مخالف للقانون ومجرم"، وهي مخالفات تواجه بعقوبات تصل إلى 50 ألف جنيه نظير تداول أدوية غير مصرح ببيعها للجمهور.
بين الحين والآخر ترصد أدوية مخصصة لمنظومة التأمين الصحي في مصر داخل صيدليات خاصة غير مصرح لها بصرفها. وعلى رغم أنها غير مسموح بتداولها خارج الإطار الرسمي وتحمل ختم هيئة الشراء، إلا أنها تعرف طريقها للأسواق عبر مسارات مختلفة.
ومع بيانات متكررة عن ضبط وحدات دوائية مخصصة للتأمين الصحي في عدد من الصيدليات، تتبادر أسئلة ملحة: كيف تصل هذه الأدوية إلى خارج منظومة التأمين؟ وما مدى فعالية الرقابة في حماية الأدوية المدعومة التي من المفترض أن تصرف عبر القنوات الرسمية ضمن نظام حكومي يستهدف توفير العلاج لمستحقيه؟
بين تحميل عدد من الصيادلة لمن وصفوهم بدخلاء على المهنة مسؤولية ارتكاب مثل هذه الممارسات بهدف التربح، واتهامات من مراقبين بوجود شبكة موازية لتداول أدوية التأمين الصحي خارج الإطار الرسمي، يوضح مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، لـ"اندبندنت عربية"، أن وجود أدوية التأمين الصحي في الصيدليات "أمر مخالف للقانون ومجرم"، وهي مخالفات تواجه بعقوبات تصل إلى 50 ألف جنيه نظير تداول أدوية غير مصرح ببيعها للجمهور.
أشكال متعددة للتحايل
طرق التحايل المستخدمة في وصول أدوية التأمين الصحي إلى الصيدليات الخاصة متعددة، وفق فؤاد، الذي يلفت إلى أنها تتزايد غالباً في المناطق النائية، متحدثاً عن وجود مخازن أدوية لها مصادر من داخل منظومة التأمين الطبي، على حد قوله.
"بعض المخازن الصغيرة (بئر السلم) تعمل كحلقة وصل، حيث تتواصل مع صيدليات بغرض توفير أدوية خاصة بالتأمين الصحي، بالاعتماد على مصادر لها داخل منظومة التأمين"، بحسب حديثه.
ويضيف فؤاد: "قبل فترة فجرنا قضية أجريت فيها تحقيقات، وأحيل فيها عدد من الصيادلة إلى النيابة العامة بتهمة اختلاس أموال في بني سويف، بعد حصولهم على أدوية من التأمين الصحي".
ورأى أن هذا التحايل يتسبب في إهدار كبير للمال العام، إذ يجرى عبر استخدام أسماء وهمية تصرف لها أدوية تأمين، مؤكداً أنه لا بديل عن الميكنة الحقيقية للتأمين الصحي في جميع المحافظات، إلى جانب تغليظ العقوبات.
وشدد على أن غالبية من يستخدمون هذه الأساليب الاحتيالية دخلاء على مهنة الصيدلة، في ظل وجود أعداد كبيرة من الصيدليات تقدر بالآلاف لا يديرها صيادلة.
وأوضح مدير المركز المصري للحق في الدواء "سجلت قضايا عديدة تتعلق بأدوية مهدرة من التأمين الصحي. والوضع الاقتصادي المتردي وأزمات الدواء تستلزم مضاعفة العقوبة، وتطبيق عقوبة الحبس، والإغلاق الكامل للصيدليات المخالفة، وشطب الصيدلي". وختم فؤاد: "حرمان المرضى من أدوية التأمين الطبي تجارة سيئة السمعة، ويجب أن تتوقف".
يتقاطع ما ذكره محمود فؤاد مع شهادة مها (اسم مستعار)، صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات الحكومية، حيث أكدت أن البعض عرض عليها الأدوية المخصصة للتأمين الصحي نظير مقابل مادي. وأشارت إلى أن أدوية الأمراض المزمنة تصرف عادة كل شهرين، معتبرة أن من بين الثغرات غياب بعض المستفيدين عن الحضور في الموعد المحدد لصرف العلاج، مما يتيح إمكانية التلاعب في الحصص الدوائية المخصصة لهم، كما أضافت أن بعض المرضى يطلبون استبدال دواء بآخر أو الحصول على مقابل نظير جزء من الأدوية المصروفة، وهو ما يعد مخالفة.
عقوبات للردع
تنص المادة 63 من القانون رقم 2 لسنة 2018 في شأن التأمين الصحي الشامل على معاقبة كل من يسهل الحصول على أدوية أو خدمات أو أجهزة تعويضية بغير وجه حق، أو يتصرف في ما تم صرفه له من تلك المستلزمات بموجب التأمين إلى الغير بمقابل، بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 75 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما تقضي المادة بمصادرة الأدوية أو الأجهزة محل المخالفة، أو رد قيمتها لمصلحة الهيئة في حال تعرضها للتلف أو الهلاك.
بسؤاله عن طرق المواجهة المتبعة حال ثبوت مثل هذه الوقائع، وتداول أدوية غير مصرح لها للبيع، يقول مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية ياسين رجائي إن أي أدوية مخالفة نضبطها في الصيدليات تحرز وتعرض على النيابة، سواء كانت أدوية تأمين صحي أو أخرى غير مصرح بتداولها في الصيدليات أو المستشفيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح رجائي في تصريح خاص أن أي أدوية تضبط في مكان غير مصرح به يتم تحريزها، وتتخذ في شأنها الإجراءات اللازمة أمام النيابة، حيث نعمل بالتعاون مع جهات التحقيق. وشدد على أنه "ليس كل أدوية التأمين الصحي تحرز، وليس كل الأدوية الخاصة بالتأمين الصحي داخل الصيدليات يتخذ في شأنها إجراءات، إذ توجد بعض الصيدليات تورد لها الأدوية من هيئة الشراء والجهات الحكومية مثل صيدلية الإسعاف، لتكون لديها أدوية متاحة يصرفها المرضى". وأضاف "أما الصيدليات الخاصة غير المصرح لها بصرف أدوية التأمين الصحي أو التي لا تربطها بها تعاقدات، فتعد مخالفة، وتتخذ الإجراءات اللازمة".
وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، تقدم عضو مجلس النواب، محمود قاسم، بطلب إحاطة دعا فيه إلى منع بيع الأدوية داخل الصيدليات إلا من خلال الصيادلة الحاصلين على شهادة جامعية في الصيدلة والمقيدين بنقابة الصيادلة، مع تأكيد عدم وجود أفراد غير مؤهلين للعمل داخل الصيدليات، وعدم صرف أي دواء إلا بوصفة طبية.
وأوضح قاسم في طلبه أن ضبط الأجهزة الأمنية لمالك صيدلية بمحافظة الإسكندرية، لتخزينه أقراصاً دوائية بغرض احتكارها ورفع أسعارها، إلى جانب التلاعب في أدوية منظومة التأمين الصحي، يستدعي تكثيف الرقابة وتكثيف الحملات التفتيشية على الصيدليات بمختلف المحافظات، لمواجهة أشكال الفساد والمخالفات فيها.
وقائع متكررة
رصدت "اندبندنت عربية" عبر مراجعة عدد من القضايا المعلنة تكرار وقائع تتعلق ببيع أدوية مخصصة لمنظومة التأمين الصحي داخل صيدليات أو منافذ غير مرخص لها، في أكثر من محافظة.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ضبطت أجهزة الأمن مالك صيدلية في منطقة كرموز بالإسكندرية لتخزينه كميات من الأدوية بقصد احتكارها ورفع أسعارها، إضافة إلى التلاعب في وحدات دوائية تابعة للتأمين الصحي، داخل مخزن غير مرخص.
كما سجلت حملة تفتيش بمحافظة الشرقية في مارس (آذار) 2023 ضبط أدوية تأمين صحي داخل محل غير مرخص، وأسفر ذلك عن تحرير المحضر رقم 2007 لسنة 2023 جنح مشتول السوق، ضد "م خ م"، بتهمة إدارة محل من دون ترخيص وحيازة أدوية ومستحضرات منتهية الصلاحية وأدوية مخصصة للمستشفيات الحكومية والتأمين الصحي، بقيمة بلغت نحو 250 ألف جنيه.
وفي وقائع سابقة، ضبطت أجهزة الأمن بالقليوبية في يونيو (حزيران) 2022 بالتنسيق مع إدارة التفتيش الصيدلي 230 عبوة دوائية مخصصة للتأمين الصحي، كما أعلنت مديرية الصحة بالفيوم في مايو (أيار) 2021 ضبط كميات من أدوية التأمين داخل محلين تجاريين بمركز إطسا، وجرى إغلاقهما بالشمع الأحمر. وفي يناير (كانون الثاني) 2020، نشرت وزارة الداخلية تفاصيل ضبط أحد الأشخاص أثناء إدارته صيدلية عثر بداخلها على أكثر من 8800 قرص من أدوية التأمين الصحي الممنوع تداولها.
دخلاء على المهنة بغرض التربح
رأى نقيب صيادلة القاهرة محمد الشيخ أن مثل هذه الممارسات لا يمكن أن تصدر سوى من دخلاء على مهنة الصيدلة بغرض التربح، مما يتطلب تشديد الرقابة على العهدة المتعلقة بأدوية التأمين الصحي، ومتابعة الجرد بشكل دائم. وقال الشيخ لـ"اندبندنت عربية" إن وجود صيدليات من دون صيدلي يمكن أن تكون مدخلاً لمثل هذه الأنشطة المحظورة.
بينما يعلق رئيس لجنة التصنيع الدوائي في نقابة صيادلة القاهرة محفوظ رمزي أن هذه الأدوية ممنوع بيعها، وأي دواء يجب أن يكون من طريق شركة توزيع. مضيفاً "توجد في مصر أكثر من 4 شركات توزيع رئيسة، وما يزيد على 1600 مخزن توزيع".
وقال رمزي إنه من الوارد أن تصل أدوية مخالفة، لكنه دافع قائلاً إن وصول أدوية التأمين الصحي إلى الصيدليات أمر مستحيل، لوجود ختم هيئة الشراء الموحد على علب الأدوية، مقترحاً أن تكون طباعة أدوية التأمين الصحي موحدة، ووضع علامات معينة، وتكون مختومة من الداخل والخارج، إضافة إلى التتبع الدوائي لعدم وصولها خارج المسار الرسمي.
الحاجة إلى الحوكمة
أشار إلى أن الأمر في حاجة إلى حوكمة من وزارة الصحة نفسها، حيث إن البعض من المرضى يحصل على كميات زائدة عن حاجته، معتبراً أن المشكلة ليست في الصيدليات، بل في عملية الرقابة داخل الوزارة.
ورأى أن الدخلاء على مهنة الصيدلة يمكنهم فعل كل شيء، بما في ذلك التعامل بأدوية التأمين الصحي، والدخيل يوجد طوال اليوم في الصيدليات في ظل غياب الصيادلة فترات طويلة، مما يستدعي اعتبار طلاب كلية الصيدلة مساعدين إلى حين تخرجهم، حتى لا يتم الاعتماد على غير المتخصصين في التعامل مع الدواء.