Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ريشون لتسيون" من هنا بدأت إسرائيل

ظلت المدينة هدفاً دائماً لصواريخ "حماس" و"حزب الله" والآن ضربات إيران

تمثل الضربات التي تلقتها ريشون لتسيون تجسيد لمستوى الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل (وسائل إعلام إسرائيلية)

ملخص

تعد ريشون لتسيون التي تأسست في الـ31 من يوليو عام 1882، أول بلدة زراعية يقيمها المهاجرون اليهود الأوائل على الأراضي الفلسطينية وحتى قيام إسرائيل.

ما إن هدأت صفارات الإنذار التي دوت في سماء إسرائيل الملبدة بدخان الحرائق، وخرج زار كينستليش (60 سنة) من ملجئه في مستوطنة "ريشون ليتسيون" بمنطقة غوش دان جنوب تل أبيب، حتى وقف مشدوهاً في مكانه، فحجم الدمار الذي طاول المدينة غير مسبوق، والدخان الكثيف المتصاعد من ناطحات السحاب والسيارات المتفحمة والطرقات المليئة بالشظايا وركام المباني المدمرة التي يبدو كأن زلزالاً ضربها.

وعلى رغم أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعترضت جزءاً كبيراً من الصواريخ الإيرانية، طوال الأيام الماضية، إلا أن حجم الضربات فاق كل التوقعات، فعشرات الصواريخ الباليستية التي اخترقت سماء إسرائيل تحطم بعضها على أهداف مدنية وعسكرية في بات يام والقدس وحيفا وبئر السبع وهرتسليا وحيفا، وكانت ريشون ليتسيون، التي تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد السكان في إسرائيل ويزيد عدد سكانها على 200 ألف نسمة، الأكثر تضرراً جراء القصف الإيراني الذي خلف عدداً من القتلى والمصابين الإسرائيليين، في هجوم هو الأوسع من نوعه منذ سنوات.

فضلاً عن قربها من تل أبيب التي لا تبعد منها سوى مسافة 15 كيلومتراً، تتميز ريشون لتسيون بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي تحيط به كل من مدن بات يام وحولون ونيس تسيونا الإسرائيلية، إلا أن السكة الحديدية الرئيسة التي تربطها بكل من اللد ويافا عبر الطريق الرئيس للسهل الساحلي، أدت دوراً كبيراً في زيادة أهميتها ومضاعفة سرعة نموها سكانياً وعمرانياً، خصوصاً أنها غنية بالمياه الجوفية والأراضي الزراعية الخصبة التي تمتد على 59 ألف متر مربع.

نشأتها الأولى

وفقاً للمكتبة الوطنية الإسرائيلية، تعتبر ريشون لتسيون، التي تأسست في الـ31 من يوليو (تموز) عام 1882، وتعني "الأول إلى صهيون"، أول بلدة زراعية يقيمها المهاجرون اليهود الأوائل الذين قدموا من شرق أوروبا في سياق الهجرة اليهودية الأولى، وذلك بعد أن قام حاييم أمزلاغ نائب القنصل البريطاني وقتها بشراء أرض عائلة الدجاني الفلسطينية في المزاد العلني إثر حجزها من الدولة العثمانية بأمر من المحكمة بعد تخلف العائلة عن تسديد الضرائب، إلا أن أمزلاغ سرعان ما التف على أمر الدولة العثمانية، الذي كان يمنع بيع أراض عربية إلى اليهود وحول ملكية الأرض التي تبلغ مساحتها 3.4 مليون متر مربع جنوب يافا إلى جمعية "أحباء صهيون" بقيادة زلمان دافيد لبونتين الذي كان برفقته 17 عائلة يهودية من شرق أوروبا، الذين سرعان ما انضم إليهم خلال أشهر قليلة شبان وشابات من حركة "بيلو" التي كانت تولي اهتماماً بتنظيم هجرة الطلاب اليهود الروس الجامعيين إلى فلسطين.

 

وما لبثت هذه العائلات أن سيطرت على مزيد من الأراضي، لا سيما في فترة الانتداب البريطاني لفلسطين، إلا أن قلة خبرتهم في الزراعة ونقص المياه وضعت العائلات اليهودية الفقيرة في مأزق اقتصادي، ودفعت الصراعات الداخلية بين السكان حينها وأحد مؤسسي البلدة للسفر إلى أوروبا من أجل جمع التبرعات، ونجح في لقاء أدموند دي روتشيلد في باريس والحصول على مساعدة مالية مكنت سكان ريشون لتسيون حينها من حفر بئر مياه، واشترط البارون الثري عام 1883 أن يتلقى سكان المستوطنة تدريباً زراعياً بتمويل منه.

وعلى رغم الفشل في الزراعة الذي لاحقهم لسنوات، تمكن المستوطنون اليهود من زراعة مئات الدونمات بكروم العنب وأقاموا عام 1989 معملاً لصناعة النبيذ، الذي سرعان ما حقق نجاحاً كبيراً ووصلت مبيعاته إلى مختلف دول العالم. وتشكل إنتاجات مبيعات المصنع إلى اليوم نحو 70 في المئة من مجمل منتوجات النبيذ والخمور في إسرائيل، وجرى تخليد ذكرى البارون روتشيلد بطرق عدة في المستوطنة، منها شارع مركزي على اسمه إلى جانب متحف ومركز تجاري.

تحول كبير

بمجرد أن اشتد عود المزارعين اليهود في ريشون لتسيون عام 1885 شيدوا كنيساً فيها الذي بات يعتبر في ما بعد، أول كنيس لليهود في الأراضي الفلسطينية، وفي عام 1886 أسسوا أول مدرسة عبرية ابتدائية سميت بمدرسة "حبيب"، التي ألحقت في ما بعد بروضة أطفال تدرس العبرية، كما عملوا في عام 1898 على تأسيس أوركسترا "ريشون لتسيون"، التي أصبحت أول فرقة للموسيقى العبرية في العالم.

 

وبادر كل من يسرائيل بلينكر وفاني مايروفيتش من سكان المستوطنة آنذاك برسم علم باللونين الكحلي والأبيض وفي وسطه نجمة داوود لرفعه في المسيرات الاحتفالية الخاصة بريشون لتسيون، الذي أصبح بمرور الوقت نموذجاً لعلم إسرائيل.

وتمكنت المستوطنة عام 1920 من تأسيس مجلس محلي خاص بها أسهم في تحويلها وتغير طابعها من الطابع الزراعي إلى العمراني لجلب مزيد من المستوطنين، إلا أن سيطرة العصابات الصهيونية على القرية كلها في حرب النكبة عام 1948، شجع اليهود من كل العالم للتوافد إليها، إلى أن تحولت في عام 1950 إلى مدينة وتوسعت أراضيها وشهدت تطوراً عمرانياً كبيراً، حتى باتت إحدى أكبر المدن في إسرائيل. ونما عدد سكانها من 500 نسمة عام 1897 إلى و10.500 نسمة عام 1948، إلى أن وصلت عام 2022 لأكثر من 260 ألف نسمة.

 

وعلى رغم تحول ريشون لتسيون تدريجاً إلى منطقة حضرية تضم عدداً من المصانع والشركات المهمة على مستوى إسرائيل، واظب مئات من اليهود على ممارسة الأنشطة الزراعية، بخاصة في إنتاج العنب اللازم لصناعة النبيذ. وفي الذكرى المئوية لتأسيس ريشون ليتسيون، عام 1982 عمدت الحكومة الإسرائيلية آنذاك على تدشين متحف خاص بالمستوطنة يمتد على مساحة 5 آلاف متر مربع، ويضم عدداً من المباني المقتنيات التاريخية للمستوطنين الأوائل الذين سكنوها في بدايات احتلالها.

عيون قارة

منذ أن استوطن يهود شرق أوروبا القادمين من خاركيف بأوكرانيا على أرض عائلة الدجاني في عيون قارة الفلسطينية المهجرة، وتحويل اسمها إلى ريشون لتسيون واستقطاب مزيد من المهاجرين اليهود، شهدت المنطقة عدداً من المعارك، كان أبرزها المعركة الشهيرة التي وقعت على أراضيها في عام 1917 بين العثمانيين والبريطانيين، التي أطلق عليها اسم "عيون قارة".

وفي الـ20 من مايو (أيار) 1990 أقدم مستوطن إسرائيلي على إعدام مجموعة من العمال الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، أثناء عملهم في المستوطنة، وبعدما قتل سبعة منهم وأصاب عشرات بجراح مختلفة، احتج الفلسطينيون في جميع أنحاء المناطق، مما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والجيش الإسرائيلي أدت إلى مقتل سبعة فلسطينيين آخرين جراء الاحتجاجات، من بينهم صبي يبلغ من العمر 14 سنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ ذلك الحين شهدت ريشون لتسيون عدداً من العمليات الفلسطينية التي أوقعت عشرات الإسرائيليين بين قتيل وجريح، فهي كثيراً ما كانت هدفاً دائماً لصواريخ "حماس" و"حزب الله" اللبناني في مختلف الحروب والعمليات العسكرية.

مراقب الدولة

مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية الهجومية الأخيرة على إيران، أكد جميع المحللين وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين أن على الجميع في إسرائيل أن يكونوا مستعدين لرد إيراني عنيف، خصوصاً بعد أن أثبتت التجربة أن رؤوس الصواريخ الإيرانية تخلف وراءها أضراراً جسيمة غير مسبوقة، مثلما كانت عليه الحال في منطقتي غوش دان في وسط إسرائيل وحيفا في شمالها.

وبحسب تقرير جديد لمراقب الدولة، فمنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى نهاية عام 2024 عاش السكان الإسرائيليون وخصوصاً من هم في مرمى النيران وعند خطوط التماس وفي الشمال، حالاً من انعدام اليقين المستمر في شأن موعد عودتهم لمنازلهم، بينما يقيمون في مواقع سكن موقتة، إذ أدى تدمير منازلهم جراء الرشقات الصاروخية المختلفة منذ أكثر من عام ونصف عام إلى تفكك المجتمعات المحلية وإضعاف المناعة المجتمعية، وإلى تضرر بالغ في مداخيلهم من العمل والمصالح التجارية. وشدد التقرير على أن كل هذه العوامل، إضافة إلى غياب مخطط شامل لإعادة تأهيل التجمعات السكنية المدمرة، قد تؤدي إلى اتخاذ عدد كبير من السكان الإسرائيليين قراراً بعدم العودة للتجمعات السكنية التي كانوا يقطنون فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير