ملخص
"straw" أو "القشة الأخيرة" فيلم دراما إنسانية بتوقيع المخرج والمؤلف تايلر بيري والنجمة تاراجي بي هينسون، وتناول دراما نفسية شديدة التأثير والتشويق تعكس كيف تتحول امرأة صالحة إلى مجرمة بـ 40 دولاراً فقط
عندما يتحالف المرض والفقر والظلم الاجتماعي والقهر على شخص فحتماً ستتحول نسخته الإنسانية البريئة إلى شيء آخر مشوه، ربما مجرم محترف أو إرهابي لا يدري كيف انحرف مساره نحو هذا الطريق.
انحراف المسار
"straw" أو "القشة الأخيرة" فيلم دراما إنسانية بتوقيع المخرج والمؤلف تايلر بيري والنجمة تاراجي بي هينسون، وتناول دراما نفسية شديدة التأثير والتشويق تعكس كيف تتحول امرأة صالحة إلى مجرمة بـ 40 دولاراً فقط
قد تشعر في بداية الفيلم أنك بصدد مشاهدة مأساة امرأة فقيرة تحاول توفير حياة كريمة لابنتها المريضة، لكنك ستجد نفسك محاطاً بعشرات القضايا الإنسانية والمجتمعية مثل معاناة الأمهات العازبات، والفقر، وفساد السلطة السياسية، وتعنت أصحاب العمل، وعدم توفير الدعم المادي والعدالة الاجتماعية، وانعدام المساندة الإنسانية في كثير من الأحيان حتى ولو من أجل إنقاذ طفل أو امرأة بائسة قبل فوات الأوان.
تبدأ الأحداث في أحد الصباحات الباكرة بمدينة أتلانتا حيث تستيقظ السيدة السمراء الأربعينية جينايا في غرفة رثة، فقيرة، منعدمة الإمكانيات، وبجوارها على فراشها المتواضع ابنتها الوحيدة أريا ذات الأعوام الثمانية والتي تبدو في حالة صحية متأخرة جداً وتعاني من أمراض مزمنة سببت لها هزالاً لا تخطئه العين.
تبدأ الأم في تحضير ابنتها ليومها الدراسي فتقوم بتحميمها في حوض فقير وهي شديدة التعب والإرهاق والبؤس، وتفاجئها ابنتها بضرورة توفير 40 دولاراً لها قبل الذهاب للمدرسة لسداد ديون الغداء والوجبات المدرسية، إذ طالبتها المعلمة أمام الطلاب بتسديد تلك التكلفة مما تسبب لها في حرج شديد أزعج الأم وأثقل من همومها.
تتعهد جينايا لابنتها بأنها ستذهب للعمل وتحصل على راتبها وتسدد كل تكاليف المدرسة، وتخرج الأم لتضع ابنتها في الصف الدراسي بسيارتها المتواضعة، وفي رحلة الذهاب للعمل تتعرض جينايا لاصطدام بسيارة شرطي أبيض ينزعج منها بشدة ويتوعدها بأشد العقاب في أقرب فرصة مستخدماً سلطاته ونفوذه.
تقوم ضابطة بفك الاشتباك بين جينايا والشرطي الغاضب وفي الوقت ذاته تحرر محضراً لجينايا بعد أن تكتشف انتهاء رخصة قيادتها، وتسحب الشرطية السيارة على رغم توسلات السيدة البائسة واعتذارها عن عدم قدرتها على تجديد الترخيص بسبب نفاد مالها.
نافذة أمل
وكأنه يوم لا توجد فيه نافذة أمل حيث تتواصل رحلة جينايا مع الأمور السيئة التي تقلب حياتها عندما تذهب لعملها فتجد رئيسها القاسي غاضباً ويطالبها بالالتزام، ولا يتقبل عذرها بأنها تعيل ابنة مريضة، وهذا يزيد أعبائها ويعيقها بعض الشيء عن الالتزام المثالي المنشود.
تصل الأمور إلى منحنى قاتم عندما تتصل مدرسة الابنة بالأم أثناء نوبة عملها ويطالبونها بضرورة الحضور للأهمية، فتحاول الاستئذان من مديرها مبررة له أن الابنة تتعرض لنوبات مرضية قد تودي بحياتها ولن يستطيع أحد التصرف في المدرسة لإنقاذها، فيرفض المدير، وتنهار المرأة وبعد محاولات مضنية يقبل أن تنصرف لمدة نصف ساعة فقط.
تحاول جينايا قبل الوصول لابنتها أن تمر على المصرف المقابل لعملها لتحصل من رصيدها الموقوف على 40 دولاراً فقط لتلبي طلبات المدرسة، لكنها تفشل في ذلك أيضاً بسبب الزحام وعدم إمكانية صرف هذا الرقم الزهيد من حساب يقل فيه الحد الأدنى عن الطبيعي بالنسبة للمصرف وقوانينه.
تصل الأم للمدرسة وتكتشف أن هناك قراراً بالتحفظ على الابنة في الرعاية الاجتماعية لعدم قدرة الأم على إطعامها وتحميمها ورعايتها والإنفاق عليها، إذ تظهر الفتاة الصغيرة هزيلة وجائعة وغير نظيفة ومصابة بكدمات نتيجة سقوط متكرر وعدم اهتمام من الأم بتحركات الصغيرة.
تتوسل الأم أن تحصل على ابنتها وأن تمنحها المدرسة فرصة أخيرة لكن تبوء كل المحاولات بالفشل.
منحنى خطر
تتصاعد الأحداث نحو قمة القهر والتعقيد عندما تذهب المرأة البائسة لعملها فتجد مديرها قد قرر فصلها، وتطالبه بدفع شيك راتبها لكنه يبالغ في قسوته ويطردها ويبلغها أن بحسب القانون ستحصل على شيك الراتب عبر البريد لأنها مفصولة.
وأثناء مشاجرتها مع المدير للحصول على الشيك يهاجم المتجر الذي تعمل به لصوص ويجبرونها والمدير تحت تهديد السلاح على منحهما الأموال، وبالفعل يترك المدير المال للسارق، لكنه يتهم جينايا بالتعاون معه والتخطيط للسطو فتصاب بحالة انهيار.
يهاجم اللص جينايا فتدافع عن نفسها، وتحصل منه عنوة على السلاح، وعلى الفور ترديه قتيلاً.
يزيد المدير من حدة هجومه عليها ويتصل بالشرطة ليتهمها بالسرقة والتعاون مع اللص، فتطلق في صدره الرصاص بعد أن وصلت لمرحلة من الانهيار النفسي الناتج من الضغط والقسوة والظلم.
تترك المرأة المتجر وتحصل على الشيك الذي يخص راتبها فقط غير مهتمة بكل الأموال الأخرى الموجودة بجوار جثة مديرها، وتتجه نحو المصرف في محاولة للحصول على المال حتى تنقذ ابنتها، وفي تلك الأثناء تصل الشرطة لموقع الجريمة بالمتجر حيث جثة المدير واتهام جينايا بالقتل.
بث مباشر
وفي المصرف يشاهد الجميع في بث تلفزيوني تفاصيل جريمة القتل المتهمة بها السيدة، فيصابوا بالذعر معتقدين أنها تخطط لسطو مسلح للبنك بخاصة أنها تحمل مسدس اللص التي أطلقت منه النار على مديرها.
تتعقد الأمور بعد أن تحتجز جينايا الموجودين بالبنك خوفاً من هجوم الشرطة عليها، وزاد الطين بلة اعتقاد الشرطة والمحتجزين بالبنك أنها تحمل قنبلة حيث توجد معها لعبة تخص ابنتها وتشبه القنبلة وقد وضعتها في حقيبة ظهر شفافة.
تتعاطف الضابطة ريموند مع جينايا أثناء التحقيق وتحاول مساعدتها فتتصل بها في بث تنقله وسائل الإعلام ويشاهده الجميع، وتشرح جينايا كيف تحولت إلى مجرمة رغماً عنها بسبب الظلم والقهر و40 دولاراً فقط.
تكتسب قصة الأم البائسة تعاطف الناس ويحاولون مساندتها بعمل وقفات دعم أمام المصرف التي تحتجز فيه الرهائن.
وكذلك يتعاطف المحتجزون بخاصة مديرة المصرف نيكول مع قصة جينايا ويحاولون إثبات أنها ليست مجرمة بل ضحية قهر لا يتحمله بشر، ولو تم استخدام الرحمة ولو لمرة مع أم عازبة تعول طفلة مريضة ربما كان الجميع في حال أفضل من دون وقوع كل هذه الأحداث المخيفة.
تنتهي الأحداث بمحاولة إقناع الضابطة لجينايا بضرورة تسليم نفسها والتعهد بالدفاع عنها وتلقي عقوبة رحيمة بعد النظر لظروفها الصعبة.
وكذلك تتعهد نيكول مديرة المصرف التي صارت صديقة لجينايا أن تحتفظ بابنتها الصغيرة وسط أولادها حتى تخرج الأم من السجن بعد انقضاء العقوبة.
نهاية صادمة
يختتم الفيلم بعد سلسلة من الأحداث المبكية والحزينة شديدة التشويق والإثارة بنهاية أكثر سوداوية وجاذبية بالوقت ذاته، حيث نكتشف أن الفتاة الصغيرة توفت قبل يوم واحد فقط من الأحداث إثر نوبة ربو شديدة فشلت الأم والأطباء في التعامل معها، وتعرضت السيدة لصدمة شديدة جعلتها تتصرف على نحو غير متزن حيث تتخيل وجود ابنتها وإنها تسعى لإنقاذها والحصول على المال من أجلها فتقع في كل المشكلات التي صارت بوتيرة حادة في يوم واحد على هذا النحو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يترك الفيلم جرحاً غائراً في صدر كل من يشاهده لأنه يضع الجميع أمام مأساة تخص ملايين النساء حول العالم، وهي معاناة الأمهات العازبات، وغياب الدعم والرحمة والتعاطف مع الظروف القهرية التي تتعرض لها السيدات في مثل هذه الحالات.
ونجح المخرج تايلر بيري في تقديم فيلم إنساني مشوق بامتياز، واستطاع أن يحكم قبضته على تفاصيل مؤثرة وحقيقية وتضع الظالم أمام المظلوم في مواجهة لا تقبل المجاملة أو التدليس.
ورفع من قيمة العمل وجودته الأداء المتميز للممثلة المخضرمة تاراجي بي هينسون التي قدمت واحداً من أفضل أدوارها على الإطلاق، حيث لم يفلت الإحساس بالتعاطف ولو لحظة واحدة طوال أحداث الفيلم.
وقد يبدو العمل نسائي الطراز حيث تلعب البطلات الأدوار العظمى والأساسية، إضافة لكون الفكرة الأساسية تدور حول أم وابنتها، لكن بالنظر لتفاصيله المتشابكة هناك أبعاد أكثر عمقاً من كونه قصة نسائية، فهو عمل إنساني يشرح فكرة القهر والظلم على الإنسان الضعيف سواء كان رجلاً أو امرأة، ويركز على أن غياب الرحمة والتفهم قد يصنع من أي شخص برئ قاتلاً شرساً فقط من أجل 40 دولاراً.