Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السفر عبر الزمن... أو غواية المجهول

ما بين قوانين أينشتاين وتفسيرات ستيف هوكينغ... تبقى رغبة الرجوع إلى الماضي أو الانتقال إلى المستقبل مسألة ذهنية متأرجحة بين الحقيقة والخيال

لطالما أسر مفهوم السفر عبر الزمن خيال الناس لقرون (صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي)

ملخص

هل قصة السفر عبر الزمن، مجرد خيال يداعب مخيلة الأجيال المعاصرة، أم أن للأمر جذوراً ضاربة في الكثير من الحضارات وربما الأديان التي تعود إلى بضعة آلاف من السنين؟

حين قدم الكاتب الإنجليزي أتش جي ويلز عام 1895 روايته الشهيرة، "آلة الزمن"، كان يشاغب في حقيقة الأمر ما هو أكثر من رواية، ذلك إنه كان يتطلع إلى تحقيق حلم الأجيال الغابرة واللاحقة، بشأن فكرة السفر عبر الزمن، سواء كان ذلك بالعودة إلى الماضي، أو الانتقال إلى المستقبل، وهو مفهوم شائع وذائع في الفلسفة والروايات، وبخاصة الخيال العلمي.

يبقى السفر عبر الزمن، هاجساً راسخاً في الخيال العلمي، ولا يزال مفهوماً معقداً وغير محسوم في العلوم.

يشير القانون الثاني للديناميكا الحرارية إلى أن الزمن لا يمكن أن يتحرك إلا للأمام، بينما تظهر نظرية النسبية لأينشتاين أن الزمن نسبي بالنسبة للسرعة.

تتيح الأفكار النظرية، مثل الثقوب الدودية، أساليب محتملة، لكن التحديات والمفارقات العملية، مثل ما يعرف بـ"مقاربة الجد" تعقد من إمكانية السفر عبر الزمن فعلياً.

هل سيصبح السفر عبر الزمن ممكناً يوماً ما؟ وهل حلمت بالسفر عبر الزمن، كما تفعل شخصيات أفلام الخيال العلمي؟

لطالما أسر مفهوم السفر عبر الزمن خيال الناس لقرون. إن السفر عبر الزمن، هو مفهوم الانتقال بين نقاط زمنية مختلفة، تماماً كما تنتقل بين أماكن مختلفة في الأفلام، ربما شاهدت شخصيات تستخدم آلات خاصة، أو أدوات سحرية، أو حتى تقفز في سيارة مستقبلية للسفر عبر الزمن إلى الوراء أو إلى الأمام.

ويبقى السؤال: هل هذه مجرد فكرة ترفيهية للأفلام أم أنها تحدث بالفعل؟

يظل سؤال قابلية عكس الزمن من أكبر الأسئلة التي لم تُحل في العلوم، فإذا كان الكون يتبع قوانين الديناميكا الحرارية، فقد لا يكون ذلك ممكناً. ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الأشياء في الكون إما أن تبقى على حالها، أو أن تزداد اضطراباً بمرور الوقت.

هنا يبدو الأمر أشبه بقول: "إنه لا يمكنك فكّ البيض المخفوق بعد سلقه". وفقاً لهذا القانون، لا يمكن للكون أن يعود أبداً إلى ما كان عليه تماماً، فالزمن لا يمكن أن يمضي إلا للأمام كطريق ذي اتجاه واحد.

ومع ذلك، تشير نظرية النسبية الخاصة للفيزيائي ألبرت أينشتاين إلى أن الزمن يمر بمعدلات مختلفة باختلاف الأشخاص، فالشخص الذي ينطلق بسرعة على متن مركبة فضائية تقترب من سرعة الضوء (671 مليون ميل في الساعة) سيختبر الزمن أيضاً أبطأ من الشخص على الأرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السفر عبر الزمن والحضارات السابقة

يعن لنا أن نتساءل بداية: هل قصة السفر عبر الزمن، مجرد خيال يداعب مخيلة الأجيال المعاصرة، أم أن للأمر جذوراً ضاربة في الكثير من الحضارات وربما الأديان التي تعود إلى بضعة آلاف من السنين؟

تصور بعض الأساطير القديمة شخصية تقفز للأمام في الزمن. في الأساطير الهندوسية يذكر فيشنو بورانا، النص الهندوسي المقدس الأشهر، قصة الملك "رايفاتا كاكودمي"، الذي سافر إلى السماء لمقابلة الخالق براهما وتفاجأ عندما علم عند عودته إلى الأرض أن العديد من العصور قد مرت.

هل الديانات الإبراهيمية بدروها تحتوي على قصص وثيقة ولصيقة الصلة بفكرة السفر عبر الزمن؟

أحد التقاليد اليهودية أن الله نقل موسى إلى قاعة دراسة الحاخام عكيفا، حيث حيره التطور اللاحق للإيمان.

هناك قصة تلمودية أخرى تتعلق بـ"هوني هاميغيل"، وهو حكيم صانع معجزات من القرن الأول قبل الميلاد، وكان شخصية تاريخية ارتبطت بها العديد من الأساطير. أثناء سفره ذات يوم رأى هوني رجلاً يزرع شجرة خروب وسأله عنها. أوضح الرجل أن الشجرة ستستغرق 70 عاماً لتؤتي ثمارها، وأنه زرعها ليس لنفسه ولكن للأجيال القادمة. في وقت لاحق من ذلك اليوم، جلس هوني ليستريح لكنه نام لمدة 70 عاماً وعندما استيقظ، رأى رجلاً يقطف الفاكهة من شجرة خروب ناضجة تماماً، وعندما سئل عما إذا كان قد زرعها، أجاب الرجل أنه لم يفعل، ولكن جده هو من زرعها له.

في التراث المسيحي، توجد قصة مشابهة عن "نائمي أفسس السبعة"، التي تحكي قصة مجموعة من المسيحيين الأوائل الذين اختبأوا في كهف عام 250 ميلادية، هرباً من اضطهاد المسيحيين في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس، واستيقظوا بعد نحو 200 عام في عهد ثيؤدوسيوس الثاني، ليكتشفوا أن الإمبراطورية أصبحت مسيحية.

قصة أخرى مشابهة في التراث الإسلامي هي قصة عزيز (عادة يعرف بأنه عزرا التوراتي) الذي كان حزنه على تدمير القدس على يد البابليين عظيماً لدرجة أن الله قبض روحه وأعاده إلى الحياة بعد إعادة بناء القدس.

ركب عزيز على حماره الذي عاد إلى الحياة، ودخل موطنه، لكن الناس لم يتعرفوا إليه، ولا أهل بيته، باستثناء الخادمة التي أضحت عجوزاً عمياء، لكن الله دعا أن يشفيها من العمى وتستعيد بصرها. لاحقاً سيلتقي عزيز بابنه الذي تعرف إليه من خلال شامة بين كتفيه وكان أكبر منه سناً.

والثابت أن هناك الكثير من تلك المرويات، ومعها يقف المرء حائراً دائراً، ما بين الواقعية والخيال في الرؤى الأسطورية.

هل السفر عبر الزمن ممكن علمياً؟

على رغم أن البشر لا يستطيعون القفز إلى آلة الزمن والعودة إلى الماضي، فإننا نعلم أن الساعات الموجودة على الطائرات والأقمار الاصطناعية تسير بسرعة مختلفة عن تلك الموجودة على الأرض.

لكن الحقيقة المدهشة هي أننا جميعاً نسافر عبر الزمن. على سبيل المثال نسافر عاماً كاملاً بين أعياد ميلادنا، ونسافر جميعاً عبر الزمن بنفس السرعة تقريباً ثانية واحدة في الثانية.

تتيح لنا تلسكوبات ناسا الفضائية أيضاً النظر إلى الماضي، فهي تساعدنا على رؤية النجوم والمجرات البعيدة جداً.

يستغرق ضوء المجرات البعيدة، وقتاً طويلاً ليصل إلينا، لذا عندما ننظر إلى السماء باستخدام التلسكوب، نرى كيف كانت تبدو تلك النجوم والمجرات في الماضي البعيد.

ومع ذلك، عندما نفكر في عبارة "السفر عبر الزمن"، فإننا عادة ما نفكر في السفر بسرعة تزيد على ثانية واحدة في الثانية. يبدو هذا النوع من السفر عبر الزمن وكأنه شيء لا تراه إلا في الأفلام أو كتب الخيال العلمي.

هل يمكن أن يكون حقيقياً؟

يقول العلم نعم... لكن كيف لنا أن نعلم أن السفر عبر الزمن ممكن؟

قبل أكثر من مئة عام، طرح العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين فكرة حول آلية عمل الزمن، أسماها النسبية. تنص هذه النظرية على أن الزمان والمكان مرتبطان. كما قال أينشتاين إن لكوننا حداً أقصى للسرعة. لا شيء يستطيع السفر أسرع من سرعة الضوء (186 ألف ميل في الثانية)... ماذا يعني هذا بالنسبة للسفر عبر الزمن؟

حسناً... وفقاً لهذه النظرية، كلما زادت سرعة سفرك، تباطأ مرورك بالزمن، وقد أجرى العلماء بعض التجارب لإثبات صحة ذلك.

على سبيل المثال، أجريت تجربة استُخدمت فيها ساعتان مضبوطتان على التوقيت نفسه تماماً. إحداهما ثابتة على الأرض، بينما حلقت الأخرى في طائرة في نفس اتجاه دوران الأرض.

بعد أن دارت الطائرة حول العالم، قارن العلماء الساعتين. كانت ساعة الطائرة السريعة متأخرة قليلاً عن ساعة الأرض، ما يعني أن ساعة الطائرة تسير أبطأ قليلاً في الوقت من ثانية واحدة في الثانية.

على أنه إذا كانت فكرة السفر عبر الزمن إلى الأمام واردة بصورة أو بأخرى، فإن فكرة السفر عبر الزمن إلى الوراء أكثر تخميناً وتشويشاً من السفر عبر الزمن إلى الأمام، إذ ينطوي السفر عبر الزمن إلى الأمام على إمكانيات فيزيائية، ويؤدي إلى العديد من المشكلات المنطقية والسببية.

تشير بعض النظريات الفيزيائية إلى هذه الإمكانية، ولكن لم تثبت أي منها تجريبياً. على رغم وجود نظرية واحدة للسفر عبر الفضاء باستخدام ما يسمى بـ"الثقب الدودي"، والثقوب الدودية هي روابط أو ممرات بين مجرتين، وهي ممرات عبر المكان والزمان، إلا أن أسهل طريقة لتصورها هي تخيل جسر يربط مدينتين مختلفتين، ويمكن القول إنها انحناءات عبر المكان والزمان.

هذه جسور افتراضية بين نقطتين في "الزمكان"، إذا تحرك أحد طرفي ثقب دودي بسرعة تقارب سرعة الضوء أو إذا وضع في مجال جاذبية قوي، فقد يمر الزمن بشكل مختلف على كلا الجانبين، ما قد يسمح بالسفر إلى الوراء.

ومع ذلك يتطلب هذا وجود مادة طاقة سالبة تعرف بـ"المادة المضادة"، للحفاظ على استقرار ثقب دودي، وهو أمر نظري بحت.

ماذا عن رؤية أهم عالمين في القرن العشرين، تناولا إمكانية السفر عبر الزمن؟

أينشتاين والسماح بالسفر عبر الزمن

بالنسبة لمعظم الناس، تبدو فكرة السفر عبر الزمن فكرة محصورة في عالم الخيال، حيث يشير كل قانون من قوانين الفيزياء إلى أن الطريقة الوحيدة المسموح بها التحرك عبر الزمن، هي المضي قدماً.

من الناحية الفلسفية، هناك أيضاً مفارقة شهيرة يبدو أنها تشير إلى عبثية قدرة أي شخص على السفر إلى الوراء لفترات زمنية عشوائية.

تسمى هذه بـ"مفارقة الجد"، وهي ببساطة أنه إذا كان السفر إلى الوراء عبر الزمن ممكناً، فستتمكن من العودة وقتل جدك قبل أن يتم الحمل بوالديك، ما يجعل وجودك مستحيلاً.

لفترة طويلة بدا السفر عبر الزمن فكرة مرفوضة، ولكن بفضل بعض خصائص المكان والزمان المثيرة للاهتمام للغاية في النسبية العامة لأينشتاين، أصبح السفر عبر الزمن ممكنة فعلياً بعد كل شيء.

ولعله باختصار ومن غير الإغراق في الشرح الفيزيائي المعقد لأينشتاين، فإن المكان والزمان، كما سبق الإشارة ليسا كيانين منفصلين ومطلقين، بل منسوجان معاً في نسيج لا ينفصل.

فترة الزمكان، وتسمى أحياناً فترة أينشتاين، تمثل حركتك المجمعة عبر المكان والزمان معاً. ببساطة إذا كنت في حالة سكون، ولم يتغير موقعك المكاني، فأنت تتحرك عبر الزمن بأقصى معدل مسموح به للأمام بمعدل ثانية واحدة في الثانية. ومع ذلك، إذا كنت في حالة حركة، وتغير موقعك مع مرور الوقت، فأنت تتحرك عبر الزمن بمعدل أبطأ، حيث تتعرض الأجسام في الحركة النسبية لظاهرة تمدد الزمن.

هنا، كلما تحركت أسرع عبر الفضاء، كلما أبطأت حركتك عبر الزمن، حتى تصل إلى الحد المطلق للسرعة التي يمكن السفر بها: سرعة الضوء. وعندما تقترب من الحد الأقصى تصبح حركتك عبر الفضاء أسرع وأسرع. بينما تصبح حركتك عبر الزمن أبطأ وأبطأ.

أما إذا تمكنت بالفعل من الوصول إلى سرعة الضوء، وهو أمر مستحيل فيزيائياً إلا إذا كنت كياناً عديم الكتلة، فستجد أن الوقت يبدو وكأنه توقف بالنسبة لك. ولن يمر على الإطلاق أثناء رحلتك. من الناحية النظرية، إذا تمكنت من التحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء، فستصبح "تاكيونا"، (التاكيونات هي جزيئات من دون ذرية مشتقة من الطاقة عند درجة الصفر المطلق)، وستختبر بالفعل عودة الزمن إلى الوراء، ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال هو موقف غير مادي، لأن "التاكيونات" لا تتوافق مع أي شيء موجود في الواقع المادي.

وفي حين أن جسيمات المادة العادية والمادة المضادة لا تتحرك إلا بسرعة الضوء (إذا كانت عديمة الكتلة)، أو أقل (إذا كانت ضخمة)، فهناك احتمال آخر يتمثل في وجود حالة طاقة سالبة أو حالة كتلة وهمية.

والشاهد أنه إذا ثبت صحة هذا الاحتمال الرياضي فيزيائياً في كوننا، فإن السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، يمكن أن يضحى واقعاً فعلياً حقيقياً لا خيالياً.

ومع ذلك، فإن السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهو ما يقال إنه الطريقة التي سافر بها "سوبرمان" عبر الزمن في فيلم "سوبرمان" الأصلي، لن يكون الطريقة الوحيدة للسفر عبر الزمن.

وفقا لأينشتاين، فإن حركة أي كيان حقيقي عبر نسيج الزمكان محدودة بسرعة الضوء في الفراغ، غير أن الزمكان نفسه ليس بالضرورة أن يكون مسطحاً، وثابتاً، مثل شبكة ديكارتية ثلاثية الأبعاد. بل وفقاً لنظرية النسبية العام لأينشتاين، من الممكن أن يتطور الفضاء، وكجزء من هذا التطور، يمكن أن ينحني، أو يتمدد أو يتقلص، أو حتى يُنشئ ويحافظ على اتصال بين نقطتين مختلفتين داخله.

هوكينغ... السفر الممكن يوماً ما

كتب الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ، في كتابه "إجابات موجزة عن الأسئلة الكبرى" يقول: "لو قدم لي أحد طلباً للحصول على منحة بحثية للعمل على السفر عبر الزمن، لرُفض طلبه فوراً".

كان هوكينغ محقاً، ولكنه كان محقاً أيضاً في أن التساؤل عن إمكانية السفر عبر الزمن سؤال بالغ الأهمية، لا يزال من الممكن تناوله علمياً.

يبدو أن هوكينغ كان متفائلاً بحذر، مجادلاً بأن فهمنا الحالي لا يستبعد ذلك... أين يضعنا هذا؟ وإذا كنا غير قادرين اليوم على بناء آلة الزمن، فهل ستتمكن الإنسانية من بنائها في الغد؟

اعتقد هوكينغ أن السفر عبر الزمن أمر ممكن حدوثه بالفعل، لكن إلى المستقبل، ففي مقال له عبر صحيفة "ديلي ميل" قبل وفاته بنحو عام، اقترح عالم الكونيات الشهير ثلاث أفكار نظرية واقعية للسفر عبر الزمن.

يستخدم هوكينغ مثال قيادة السيارة: أنت تقود للأمام، إنها طريقة واحدة، إذا انعطفت يميناً أو يساراً، فهذا هو الاتجاه الثاني. أنت تقود على الطريق الجبلي، وهذا هو البعد الثالث، أما البعد الرابع فهو الوقت.

أعرب هوكينغ في حياته عن يقينه بأن فكرة السفر عبر الزمن، يمكن أن تجري بها المقادير من خلال ما يعرف بـ"الثقوب الدودية"... ماذا عن تلك الثقوب؟

هي في الحقيقة فجوات تخيلية موجودة داخل الثقوب السوداء، لكنها حتى الآن أسيرة النظرية الرياضية، فهي لم ترصد بأي طريقة وذلك لصعوبة الكشف عما يحويه الثقب الأسود.

وعند هوكينغ أنه على رغم فهمنا الحالي للسفر عبر الزمن لا يستبعد حدوثه، إلا أنه في الوقت ذاته يرى أنه غير قابل للتطبيق بنسبة عالية، ويرجع ذلك إلى فشل نظرية أينشتاين في وصف بنية الزمكان بدقة كافية، فضلاً عن كون قوانين الطبيعة متناسقة بشكل لا يسمح بحدوث مفارقات عجيبة تقوم على العبث بالسبب والتأثير بالشكل الذي يسعى السفر عبر الزمن إلى القيام به.

وبالنسبة لهوكينغ، فإننا سواء تضمن مستقبلنا آلات للسفر عبر الزمن أم لا يجب ألا ننسى أننا مسافرون عبر الزمن بطريقة ما.

يعطينا هوكينغ مثالاً نعيشه يومياً، وقد يكون غائباً، وربما غائماً عن أعيننا، ذلك أننا نعتبر قدرتنا على الاتصال بأصدقائنا وعائلاتنا أينما كانوا في العالم لمعرفة ما يفعلونه الآن أمراً مسلماً به، لكن هذا أمر لا يمكننا معرفته حقاً، إذ تنتقل الإشارات التي تحمل أصواتهم وصورهم بسرعة فائقة، لكن وصولها إلينا يستغرق وقتاً محدوداً.

آلة الزمن و"تلسكوب هابل" الفضائي

من بين أكثر الأسماء التي تتردد على أسماعنا، حين يجري الحديث عن الفضاء الخارجي، لا سيما إذا كان الأمر مرتبطاً بوكالة أبحاث الفضاء الأميركية ناسا، يأتي اسم "التلسكوب هابل" الذي أطلق عام 1990 وما زال قيد التشغيل، ويعد من أكبر وأهم التلسكوبات التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي للكرة الأرضية وأكثرها تنوعاً، وهو أحد أهم مراصد وكالة ناسا.

هل يمكن اعتبار "تلسكوب هابل" آلة الزمن التي حلم ولا يزال يحلم بها الإنسان؟

برصده الضوء القادم من الأجرام الكونية البعيدة، يشبه "تلسكوب هابل" آلة الزمن. يستغرق الضوء وقتاً للوصول إلى "هابل"، لأنه يقطع مسافات شاسعة. هذا يعني أن الصور التي يلتقطها "هابل" اليوم ظهر كيف كانت تبدو الأجرام قبل سنوات.

على سبيل المثال، يرصد "هابل" هدفاً نجمياً يُدعى "منكب الجوزاء"، يبعد نحو 700 سنة ضوئية عن الأرض. هذا يعني أيضاً أنه عندما ينظر "هابل" إلى "منكب الجوزاء"، يظهر النجم تماماً كما كان قبل 700 سنة ضوئية، وباعتباره أحد ألمع النجوم في سمائنا، يعتقد علماء الفلك أنه من المرجح أن أقدم البشر عرفوه، إذ يظهر هذا النجم في قصص ثقافات مختلفة.

بدأ هذا النجم الأحمر العملاق بالخفوت بشكل ملحوظ في خريف عام 2019، حيث فقد نحو 60% من سطوعه خلال أشهر، ولكن بحلول أبريل (نيسان) 2020، عاد سطوعه الطبيعي. درس "هابل" نجم "منكب الجوزاء" ووجد أن النجم "انفجر"، فقد مر بعملية طرد كتلة سطحية، حيث قذف النجم كمية كبيرة من مادته السطحية إلى الفضاء، وعندما بردت تلك المادة في الفضاء تحولت إلى سحابة غبار حجبت بعضاً من ضوء النجم موقتاً.

يعتقد العلماء أيضاً أن "منكب الجوزاء" على وشك التحول إلى مستعر أعظم، أو الموت في حدث انفجاري. في الواقع ربما يكون قد حدث ذلك بالفعل، لكن ضوء الانفجار لم يصل إلينا بعد. وهناك احتمال كبير أن "منكب الجوزاء"، لم يعد موجوداً، مع أننا لا نزال نراه من الأرض.

هل يعني ذلك أن السفر عبر الزمن حقيقة علمية بالنسبة للكواكب والأجرام السماوية؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل من إمكانية أن يجري الأمر على البشر حتى ولو في قادم الأيام، لا سيما إذا توافرت تقنيات تكنولوجية متقدمة، ربما توفرها عوالم الذكاءات الاصطناعية التي يتزايد حضورها حتى الساعة يوماً بعد يوم، وربما عما قريب تحتل مكانة متقدمة تيسر حل الكثير من الألغاز التي تعيشها بشريتنا في حاضرات أيامها.

ملامح من السفر عبر الزمن

تبدو المكتبات العالمية زاخرة بالكثير من القصص والروايات عن الذين سافروا عبر الزمن، غير أن الأكثر من الكتب والروايات الكثيرة المروية، هناك علامات لا تزال حاضرة فوق جدران معابد، وفي صخور وآثار حضارات بشرية معروفة عبر التاريخ.

من أكثر الأشياء التي لا تزال تثير شهية الباحثين في هذا السياق بعض من الصور التي لا تزال حاضرة في الكثير من تراث حضارات سابقة، لا سيما الحضارتين السومرية والمصرية القديمة، عطفاً على حضارة المايا في أميركا اللاتينية عامة، والمكسيك بنوع خاص.

هل أتاك حديث رجل بوابة الشمس؟

إنه مشهد عصراني لرجل من زماننا، بالسترة التقليدية، وربطة العنق المعروفة حديثاً، عطفاً على النظارة الطبية، والقبعة.

كيف سافر هذا الرجل وانطبعت صورته على "حجر بوابة الشمس في المكسيك"، هذا الذي يرجع إلى نحو ستة آلاف عام، وهل استطاع السفر عبر الزمن إلى الوراء؟

لا يزال الأمر لغزاً عصياً على فك شفراته حتى الساعة.

أما عن الحضارة السومرية الضاربة جذورها في القدم، فهذه تحتاج بدورها إلى قراءات معمقة، لا سيما في ظل ما يتردد عن سفر مؤكد عبر الزمن، من حضارة الأنوناكي، المتقدمة، في كواكب أخرى، وصولاً إلى كوكب الأرض، وكيف أن هؤلاء هم من علموا الإنسان المعاصر، كافة العلوم التي انتقلت به من العصر الحجري إلى ميدان الحضارة.

أما الذين سيقدر لهم السفر إلى بعض معابد مصر القديمة، لا سيما في منطقة الأقصر على بعد نحو ألف كيلومتر، جنوب القاهرة، فسوف تفاجئهم صور لطائرات هليوكوبتر، وغواصات ورموز حداثية لأدوات ربما لم نعرف حتى الساعة استخداماتها تكنولوجياً، فهل كان هناك من سافر إلى خارج كوكب الأرض عبر الزمن من أبناء الفراعنة، قبل أن يعودوا ثانية من حيث أتوا؟

لا تزال الصور حاضرة، واللغز قائماً من دون أدنى مقدرة على إيجاد جواب، وعلى رغم أن علم الفلك يتقدم يوماً تلو الآخر، إلا أن ذلك التقدم لم يقدر أن يقدم جواباً شافياً وافياً عن قصة السفر عبر الزمن.

المؤكد أن النظر في إمكانيات ومفارقات السفر عبر الزمن أصبح واضحاً اليوم في العلم وكذلك في مجال الترفيه، وبات السؤال: لماذا يهتم المجتمع الحديث بمفهوم بناء آلة الزمن، وبالتالي السماح بتداخل الماضي والحاضر والمستقبل؟

قد تكون إحدى الإجابات هي حاجتنا إلى الهروب من إيقاع العصر الحديث السريع لمعرفة كيف يمكن لرد الفعل على المفاهيم الاجتماعية للزمن، أن يندرج ضمن نطاق الأساطير، ومن هنا ربما يتحتم علينا أن ننظر إلى التفسيرات المتغيرة للزمن عبر التاريخ وتمثيلها في الدين والقصص.

لقد اعتبرت بعض الثقافات كاليونانية، الزمن دورة، فكل شيء يولد من جديد، وكل حدث يتكرر. لا نهاية له. لهذا السبب يختلف مفهومهم عن الخلود، حيث تسكن الآلهة، اختلافاً جذرياً عن مفهوم الجنة المسيحي، فالجنة هي نهاية الحياة، كما نعرفها، وهي انتقال الروح إلى مكان أبدي تكافأ فيه.

ذات مرة قال أرسطو ما هو أبدي فهو دائري، وما هو دائري فهو أبدي.

يذكر جيه بي بريستلي، مؤلف كتاب "الإنسان والزمن"، أن أساطير اليوم تدور في إطار الخيال العلمي، ومن أكثر المواضيع تمثيلاً في الخيال العلمي موضوع السفر عبر الزمن.

هل تقدم أسطورة اليوم قصة للهروب من الزمن الحديث والتمرد عليه؟

ربما يكون هذا وارداً بالفعل، لا سيما أنه يسمح بنوع من العودة الذهنية إلى الزمن الدائري، حيث لا يموت الفرد، بل يكون خالداً، كما قد يكون خطيراً إذا فقدنا الدافع لاستخدام الوقت الذي لدينا بطريقة مفيدة، حيث نسعى بدلاً من ذلك بشكل فردي إلى الابتعاد منه.

المزيد من تحقيقات ومطولات