ملخص
رفض منصب رئيس إسرائيل وكان أول من طالب بتفاهم بين اليهود والعرب ونظريته النسبية أسست لكشوفات العلم الحديث ودماغه تعرض للتشريح
يصعب على المرء أن يحيط بأبعاد هذا العقل الفذ، غير المسبوق في القرن الـ20، ومن غير مصادرة على حركة التاريخ، لا يدري العالم ما إذا كان سيظهر في المدى المنظور نظير له، لا سيما أن كل نظرياته، وإن نال بعضها انتقادات، تظل تتحدى أمهر العقول الفيزيائية، لا سيما ما يتعلق بنظرية النسبية.
كيف لهذا الطفل الذي تنقل بين موطنه الأصلي في ألمانيا ودول أوروبية عدة، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، أن يترك هذه البصمة الهائلة من الاختراعات العملية والنظريات، على واقع علم الفيزياء؟
ثم وقد يبدو هذا علامة استفهام مثيرة بدورها، ما الذي يدعوه إلى أن يستحث الرئاسة الأميركية، لكي تمضي قدماً في طريق حيازة القنبلة الذرية؟
أينشتاين اليهودي رفض أن يكون أول رئيس لدولة إسرائيل، فهل كان ذلك بسبب عدم إيمانه، مما يعني أنه لم يكن يهودياً مؤمناً ذات يوم، وربما غير ملحد، في الوقت ذاته، فقد أعلن مراراً وتكراراً أنه على دين "إله إسبينوزا".
تبدو حياة أينشتاين قصة طويلة، مركبة غير بسيطة، لعالم لا يزال يحير العالم كلما تعمق العلم في إرثه التاريخي، وغالباً بالاتفاق من حوله والقليل المختلف معه.
ألماني الأصل... سويسري وأميركي الجنسية
لأسرة يهودية ذات طابع علماني، أي بعيدة من التشدد الديني الأصولي، ولد الطفل ألبرت في الـ14 من مارس (آذار) عام 1879، في مدينة أولم في مقاطعة فورتمبيرغ بألمانيا.
والده هيرمان أينشتاين كان ينتمي إلى الطبقة المتوسطة، ويعمل في إدارة مصنع صغير، فيما والدته بولين كوخ ربة منزل، ولم يكن له سوى أخت واحدة هي ماجا التي ولدت بعده بعامين.
تنقل ألبرت مع أسرته بين دول أوروبية عدة منها إيطاليا وسويسرا التي استقر بها، قبل أن يولي وجهه شطر الولايات المتحدة لاحقاً، ليبرع هناك بصورة غير مسبوقة.
هل بدت على محيا أينشتاين العبقرية في وقت مبكر؟
الجواب يحمل كثيراً من الإثارة في واقع الأمر، ذلك أنه برع بالفعل في الرياضيات والفيزياء منذ صغره، ووصل إلى مستوى عال قبل سنوات من أقرانه. تعلم أينشتاين ذو الـ12 سنة الجبر والهندسة الإقليدية في صيف واحد.
يذكر معلم العائلة ماكس تالمود أنه خلال وقت قصير بعدما أعطى ألبرت البالغ 12 سنة كتاباً في الهندسة: "عمل أينشتاين على الكتاب بأكمله. ومن ثم كرس نفسه للرياضيات العليا. وسرعان ما بدأت الرحلة العلمية التي سيقدر لها أن تغير كثيراً جداً من شكل العالم الفيزيائي بنوع خاص".
يصفه معلمه بالقول "كانت عبقريته في الرياضيات عالية، لدرجة أنني لم أتمكن من متابعته، وقد أدى شغفه بالهندسة والجبر إلى اقتناع الطفل ذي الـ12 سنة بأن الطبيعة يمكن فهمها على أنها بنية رياضية".
في ذلك الوقت بدأ أينشتاين بتعليم نفسه حساب التفاضل والتكامل، وحين بلغ الـ14 من عمره قال إنه "أتقن هذا النوع من الرياضيات".
على أن القارئ يدهش حين يدرك أن أينشتاين منع من أن يكون طالباً رسمياً في الجامعة، أما السبب فهو عجيب كل العجب، ذلك أنه رسب في كل المواد، ما عدا الفيزياء والكيمياء والرياضيات. ولكن بعض الأساتذة سمحوا له بالحضور بشرط الالتزام كأي طالب، ولكن من دون الحصول على شهادة منهم في النهاية.
الطريق إلى الإبداع الفائق
سوف تفرض عبقرية أينشتاين ذاتها على الجميع لاحقاً، ليتخرج في المعهد الفيدرالي السويسري في زيورخ عام 1900، وبعد خمس سنوات يحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء بإشراف طائفة من العلماء النابغين أمثال ألفريد كلاينر وهاينريش بوركهاردت وهاينريش فريدريش.
في ذلك العام نشرت ورقة أينشتاين البحثية بعنوان "استنتاجات من ظاهرة الشعيرات"، التي كانت طريقه للإبداع الفيزيائي بنوع خاص.
في عام 1905، ذاك الذي أطلق عليه العام المعجزة، نشر أينشتاين أربع ورقات بحثية رائدة حول التأثير الكهروضوئي والحركة البراونية والنسبية الخاصة وتكافؤ الكتلة والطاقة، التي كان من شأنها أن تلفت العالم الأكاديمي له وهو في سن الـ26.
بحلول عام 1908 اعترفت الأوساط العلمية الأوروبية بأينشتاين كعالم رائد وعين محاضراً في جامعة برن، وفي العام التالي وبعدما ألقى محاضرة عن الديناميكا الكهربائية ومبدأ النسبية في جامعة زيورخ، دفعه ألفريد كلاينر ليحصل على درجة أستاذ في الفيزياء النظرية، وليعين أستاذاً مشاركاً في عام 1909.
أصبح أينشتاين أستاذاً متفرغاً في جامعة تشارلز فرديناند في براغ في أبريل (نيسان) 1911، ووافق على الحصول على الجنسية النمسوية في الإمبراطورية النمسوية المجرية للقيام بذلك. وخلال إقامته في براغ كتب 11 عملاً علمياً، خمسة منها في الرياضيات الإشعاعية ونظرية الكم للمواد الصلبة.
زار أينشتاين الولايات المتحدة مرتين في ثلاثينيات القرن الماضي، وهناك وجد رحابة واضحة في مجالات البحث العلمي، لا سيما في معهد كاليفورنيا للتقنية، أحد أهم المراكز البحثية العلمية الأميركية.
هل ساقت الأقدار أينشتاين للبقاء في الداخل الأميركي حتى وفاته؟
غالب الظن أن الأمر جرى بالفعل على هذا النحو، لا سيما بعد صعود النازية إلى السلطة، ومن ثم نشوب الحرب العالمية الثانية، وقبلها كانت حكومة هتلر قد أصدرت قوانين تمنع اليهود من تولي أي مناصب رسمية، بما في ذلك التدريس في الجامعات.
يصف المؤرخ جيرالد هولتون كيف أنه "مع عدم قيام زملائهم فعلياً بإثارة أي احتجاج مسموع"، أجبر آلاف العلماء اليهود فجأة على التخلي عن مناصبهم الجامعية وحذفت أسماؤهم من قوائم المؤسسات التي كانوا يعملون فيها.
كاد أينشتاين أن يعاني نفس المآلات الصعبة التي فرضتها عليه ظروف وصول النازية للحكم، غير أن عرضاً من جامعة برينستون الشهيرة في ولاية نيوجيرسي الأميركية، وفر له ظروف الإقامة في الولايات المتحدة، ليصبح باحثاً مقيماً، ومن هناك كانت بداية جديدة للعالم الفذ.
النسبية وهل كان أينشتاين على خطأ؟
من دون الغوص في العمق الفيزيائي المفاهيمي لنظرية النسبية، التي نشرها أينشتاين عام 1915، والتي أطلقت ثورة علمية لا تزال تعتاش عليها البشرية إلى يومنا هذا... فإن هذه النظرية أدخلت تعديلات على قوانين إسحاق نيوتن، أبو علم الفيزياء عبر العصور، حيث حولت المبدأ الأساس للكون من قوة بين الأجسام ذات الكتلة إلى تزييف المكان والزمان.
عبر أكثر من 100 عام، ونسبية أينشتاين تعد الأساس العلمي الثابت لكثير من المكتشفات والاختراعات، أرضاً وبحراً وجواً، ويكفي أن يدرك القارئ كيف أن مشغلي الأقمار الاصطناعية، وأصحاب نظام الـGPS يضبطون أجهزتهم عالية الدقة وفقاً للمبادئ التي حددها أينشتاين منذ أكثر من قرن.
اعتبر أينشتاين منذ ذلك الوقت "الأب الثالث" لنظرية الكم، متبعاً أعمال الفيزيائيين نيلز بور وماكس بلانك.
غير أنه وفي عالم "به قوانين تضمن حدوث الأشياء دائماً، في ظل الظروف نفسها"، على حد تعبيره، كان أينشتاين على وشك مواجهة عالم جديد تماماً من الفيزياء التي هددت بقلب كل ما كان يعتقد أنه يعرفه عن الكون رأساً على عقب.
حين وضع أينشتاين نظرية النسبية كان تفسيره لحركة الأجسام واضحاً جداً، إذ بين أنها تسير بسرعات قريبة من سرعة الضوء، أي 300 ألف كيلومتر في الثانية، وبحيث لا يمكن لأي جسم أن يسافر بسرعة أسرع من ذلك.
وعلى رغم أن نظرية النسبية ليست مما يمكننا أن ندركه في حياتنا العادية السريعة الإيقاع بسهولة، فإن بعض العلماء يشككون اليوم بهذه النظرية بعد أن كشف تلسكوب "هابل"، التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عن آلاف الأجسام التي تسير بأكثر من خمسة أضعاف هذه السرعة في مجرة بعيدة.
في عام 1995 اكتشف عالم الفلك روبرت ويليامز هذه الظاهرة في مجرة معروفة باسم "ميسييه 87"، وهي مجرة إهليليجية ضخمة تعد من أشد المجرات لمعاناً في الجزء الشمالي من تجمع مجرات العذراء وتقع على بعد 55 مليون سنة ضوئية من مجرتنا.
في هذا الصدد يقول عالم الفلك الأميركي ويليامز، الذي شغل منصب مدير معهد علوم تلسكوب الفضاء من عام 1993 إلى عام 1998، عن تفاصيل هذا الاكتشاف "لم تكن هناك نجوم ساطعة، أو مصادر إذاعية معروفة، كنت أحاول فقط التقاط منطقة عشوائية من السماء لم نعلم عنها شيئاً".
مرة جديدة وفي منتصف عام 2021 بدا كأن هناك بالفعل أجزاءً جديدة من الكون لم نرها من قبل. فبحسب تقرير نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية فقد كشف فريق من علماء الفلك عن فراغات كونية شاسعة في السماء يمكن أن تتحدى نظرية النسبية لأينشتاين، بل ربما تكشف وجود خطأ ما في نظريته.
هذا الفريق من العلماء استطاع تحديد مواقع الفراغات الكونية الواسعة والشاسعة، حيث لا تنطبق القوانين التقليدية للفيزياء.
والمعروف وفقاً لعلم الكونيات أن الكون بدأ بالانفجار الأعظم ثم توسع وتطورت المادة وفقاً لنظرية أينشتاين للنسبية العامة، التي تصف الجاذبية بالقوة التي خلقت تكتلات وفراغات المادة التي تشكل الشبكة الكونية.
هل تعني تلك الاكتشافات الحديثة أن نظرية أينشتاين لم تعد صالحة بالمطلق؟
مؤكد أن تجاوزها يحتاج إلى عقود ونظريات وبراهين وإثباتات معمقة، مما يعني أنها باقية معنا لزمن بعيد.
رسالة تربطه بالقنبلة النووية
هل أسهم أينشتاين بدور فاعل في ظهور القنبلة النووية إلى الوجود؟
المؤكد أن ذلك كذلك، لا سيما بعد أن وضعته الأقدار مع روبرت أوبنهايمر، أبو القنبلة النووية، في مسار زمالة معاً من خلال جامعة برينستون.
كان الدافع لكليهما لتعجيل التوصل إلى هذا الاختراع الذي سيحدد أو يهدد مستقبل البشرية، مقدرة العلماء الألمان على الاستفادة من فكرة الانشطار النووي في إنتاج نوع من السلاح الفتاك غير المسبوق، الذي لو توافر لألمانيا النازية بضعة أشهر أبكر، لتغير مسار الحرب العالمية الثانية ولما انهزم الفوهرر والدوتشي، هتلر وموسوليني معاً.
عبر أصدقائه وزملائه من العلماء الأوروبيين اكتشف أينشتاين عمق المأساة، ولهذا أبلغ الرئيس الأميركي روزفلت في خطاب شهير بإمكانية صنع القنبلة الذرية، مما دفع سيد البيت الأبيض في ذلك الوقت إلى تشكيل ما عرف بـ"لجنة اليورانيوم الاستشارية"، ليظهر بذلك مشروع مانهاتن، الذي أسفر عن إنتاج أولى القنابل الذرية لتستخدم لاحقاً ضد اليابان أواخر الحرب العالمية الثانية.
هل اكتفى أينشتاين بالخطاب الذي وجهه إلى روزفلت فقط، أم أنه شارك بالفعل في وضع لمسات تلك القنبلة الشريرة؟
المؤكد أن أوبنهايمر لم يستشر أينشتاين في شأن تطوير ثم تفجير القنبلة النووية، وذلك على العكس مما أظهره الفيلم السينمائي الأخير الذي عرض منذ بضعة أشهر، بل استشار أرثر كرومبتون الذي كان يدير فرع مشروع مانهاتن بجامعة شيكاغو. غير أن الأخير هذا لم يكن معروفاً، فيما كانت الأضواء كلها مسلطة على أينشتاين، ولهذا اعتبر شريكاً في صناعتها وظهورها للوجود بشكل أو آخر.
كان تأخر البرنامج النووي الألماني، بعد تخريب العملاء البريطانيين له، وقلة الدعم الحكومي، سبباً لفشل ظهور القنبلة النووية الألمانية، وفتح الطريق واسعاً أمام الخيار الأميركي النووي.
على أن أينشتاين وفي عام 1947، أي قبل وفاته بسبع سنوات عام 1955، أعلن رسمياً عن ندمه على الرسالة التي كتبها للرئيس الأميركي روزفلت، مؤكداً أنه لم يكن ليكتبها ويتسبب في ظهور السلاح النووي لو علم بتأخر الألمان في هذا المجال، مما يفتح الباب للقول إنه رفض أن يكون هذا السلاح الفتاك ملكاً لجهة واحدة، من دون وازع أو رادع، وهو مما تحقق لاحقاً بعدما استطاع السوفيات الحصول على أسرار القنبلة النووية وصناعة نظير لها، مما أنشأ ما عرف بعد ذلك بـ"توازن الردع النووي".
لماذا رفض رئاسة إسرائيل؟
تبدو هذه القصة ملتبسة بصورة كبيرة، وفيها كثير من التفاصيل، وتعددت من حولها الروايات... لماذا رفض أينشتاين أن يكون أول رئيس لدولة إسرائيل بعد أن عرض عليه ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للدولة العبرية هذا المنصب؟
المؤكد أن التفكير الأولي سيمضي في طريق البحث عن إيمانيات أينشتاين، وهل كان يهودياً ممارساً مواظباً على الصلوات والشرائع ومؤدياً للطقوس اليهودية، أم أنه كان يهودياً اسماً، وعلمانياً نفساً، بمعنى أنه كان بعيداً كل البعد من الإغراق في عالم الدوغمائيات؟
المثير في الأمر، والعهدة هنا على ما جاء في مقال للكاتب الأميركي توماس تونون في مجلة "برنستون" الأسبوعية أوائل ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أن رفض أينشتاين كان من منطلق معارضته التوجهات الأيديولوجية التي قامت عليها الدولة الإسرائيلية، وقد طالب بالعمل على الوصول إلى اتفاق بين اليهود والعرب لتحقيق السلام.
في خطاب ألقاه عام 1938 قال أينشتاين "أفضل أن أرى اتفاقاً معقولاً مع العرب على أساس العيش معاً في سلام بدلاً من إنشاء دولة يهودية".
وفي اقتباس يعود تاريخه إلى أواخر عشرينيات القرن الماضي أعلن أينشتاين "إذا لم نتمكن من إيجاد طريقة للتعاون والمعاهدات الصادقة مع العرب، فإننا لم نتعلم شيئاً على الإطلاق خلال 2000 عام من المعاناة ونستحق كل ما سيحدث لنا".
هل هذه هي آراء أينشتاين فقط في قصة نشوء وارتقاء دولة إسرائيل؟
يوضح لنا الكاتب والباحث فريد جيروم، في كتابه المعنون "أينشتاين حول إسرائيل والصهيونية"، القدر الذي كان عليه رفض أينشتاين للفكرة، والاستفزاز الذي أحدثه بن غوريون في جامعة برينستون حين التقاه مطالباً إياه بأن يتبوأ المنصب، وحجة العالم الواهية بأنه "يفتقر إلى الكفاءة الطبيعية والخبرة اللازمة للتعامل بشكل صحيح مع الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل كان أينشتاين مؤمناً أم ملحداً؟
هذا التساؤل المثير شغل طويلاً كل الذين حاولوا قراءة سيرة ومسيرة هذا العالم الفذ.
"الإله لا يلعب النرد"، كانت هذه أهم وربما أخطر جملة وردت على لسان أينشتاين، لكن ما الذي كان يعنيه بها؟
على رغم أنه لم يكن يريد أي ارتباط بالدين، فإن إيمانه بالله الذي تأصل فيه من فترة تدينه القصيرة باليهودية أصبح أساساً بنى عليه فلسفته، فقد قال حين سئل عن أساس موقفه الواقعي "لا أرى خيراً من مصطلح (ديني) أصف به هذه الثقة في الطابع العقلاني للواقع وفي إمكانية استكشافه - جزئياً في الأقل - من قبل المنطق الإنساني".
ظل أينشتاين على موقفه هذا طوال سنوات عمره، وقد بدا الإله الذي يعتقد فيه إلهاً فلسفياً لا دينياً، وهو ما عبر عنه بعد سنوات عندما سئل مباشرة هل يؤمن بالله فجاء جوابه "أنا أؤمن بإله إسبينوزا (الفيلسوف اليهودي الهولندي من أعمال القرن الـ17)".
يكشف "إله إسبينوزا" عن نفسه في ما يعرف بـ"التناغم الناموسي للموجودات"، بمعنى أن روح الإله قائمة في كل موجودات الكون، وقد رفض إسبينوزا فكرة "الإله الذي ينشغل بأقدار وأفعال البشر".
كان تصور باروخ إسبينوزا عن الله والطبيعة شيئاً واحداً، ولهذا رآه معاصروه مهرطقاً خطراً، وكفره المجتمع اليهودي في أمستردام الهولندية.
من هذا المنطلق جاء إيمان أينشتاين بإله أعظم من كل شيء، لكنه غير شخصي وغير ملموس، وقد بالغ أو تمادى في الوصف بقوله "ماكر ولكنه ليس شريراً"، واعتبر وجوده أمراً حتمياً بشدة.
على حد اعتقاد أينشتاين كان "التناغم الناموسي" لإله ينشأ في الكون من التزام صارم بالمبادئ الفيزيائية للسبب والنتيجة. لذا فلا مجال في فلسفة أينشتاين للإرادة الحرة، إذ يقول "كل شيء مقدر سلفاً، البداية كما النهاية، تحددها قوة لا سلطة لنا عليها... نحن جميعاً نرقص على نغمة غامضة، يعزفها عازف خفي على بعد".
هل كان أينشتاين ملحداً، مؤمناً، لا أدرياً، أم أنه تحول إلى الإيمان بالكاثوليكية في مرحلة أخيرة من حياته؟
عام 1945 كتب جاي رانر الابن رسالة إلى أينشتاين يسأله عما إذا كان صحيحاً أن كاهناً يسوعياً تسبب في تحوله من الإلحاد. أجاب أينشتاين "لم أتحدث مطلقاً مع كاهن يسوعي في حياتي، وأنا مدهوش من جرأة البعض بقول مثل هذه الأكاذيب عني. من وجهة نظر قس يسوعي أنا ملحد بالطبع، وبالنسبة إليه كثيراً ما كنت كذلك. من المضلل دائماً استخدام مفاهيم مجسمة في التعامل مع أشياء خارج المجال البشري، إنها مقاربات صبيانية، وعلينا أن نعجب بتواضع بالتناغم الجميل لبنية هذا العالم، بقدر ما نستطيع فهمه، وهذا هو كل شيء".
ماذا عن مصير دماغ أينشتاين؟
هل امتلك أينشتاين عقلاً مثل عقول البشر العادية، أم أنه كان بدوره مختلفاً، متميزاً؟
كان من الواضح جداً أن فكرة الكشف عن عقل أينشتاين، ووضعه تحت الفحص المجهري والمخبري تتملك عقول كثير من الذين عاشوا معه وقربه، أطباء كانوا أم علماء، ولهذا كان من الطبيعي جداً أن يقوم متخصص علم الأمراض توماس هارفي، الذي أجرى تشريحاً لجثمان أينشتاين، أن يسرق دماغه بعد سبع ساعات ونصف الساعة من وفاته، إذ تم تخزينه في وعاء بقسم الأمراض في مستشفى برينستون العام.
كان وزن دماغ أينشتاين نحو 1230 جراماً، وقد قام من فوره بأخذ هذا الدماغ (المخ)، إلى مختبر جامعة بنسلفانيا حيث قام بتشريحه إلى قطع عدة، قال البعض إنها بلغت أكثر من 240 قطعة، بعضها احتفظ به لنفسه، وأعطى البعض الآخر لعلماء الأمراض الرائدة.
ادعى هارفي أنه يأمل في أن يكتشف المهندسون الإلكترونيون عن معلومات مفيدة.
السؤال مثار الخلاف: هل أوصى أينشتاين بتشريح دماغه؟
تقول سيرة رونالد كلارك عن أينشتاين التي نشرت عام 1979 "لقد أصر على أن دماغه يجب أن يستخدم للبحث وأن يتم حرقه"، لكن الأبحاث الحديثه أشارت إلى أن هذا قد لا يكون صحيحاً.
في خطاب قصير للكاتب الإيرلندي الشهير جورج برناردشو ألقاه على شرف العالم ألبرت أينشتاين عام 1930، قال فيه إن "نابليون ورجال عظماء مثله بنوا إمبراطوريات، ولكن أينشتاين وأمثاله بنوا أكواناً كاملة من غير أن يسيلوا قطرة واحدة من دم إخوانهم البشر".