Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجاهل مطالب المحامين المصريين يزيد حدة "أزمة الرسوم القضائية"

رفض نقابي لـ "تسليع العدالة" ودعوات إلى التصعيد واعتراضات نيابية ومخاوف من حرمان الفقراء حق التقاضي

خلال الأعوام الأخيرة شكا كثير من المحامين زيادة قيمة رسوم خدمات المحاكم (أ ف ب)

ملخص

لبحث تصعيد أزمة زيادة الرسوم القضائية، تعتزم "نقابة المحامين" تنظيم اجتماع للجمعية العمومية في الـ 21 من يونيو المقبل، في ظل وجود حال من العناد من جانب القضاة ورفضهم الجلوس للحوار مع ممثلي النقابة، إذ تواصل النقيب مع جهات في الدولة ومسؤولين في جهات أمنية وأعضاء في مجلس النواب من دون استجابة، وفق ما ذكر عضو مجلس النقابة العامة للمحامين عمرو الخشاب.

تشهد أروقة المحاكم المصرية أزمة متصاعدة منذ أسابيع بين القضاة والمحامين بعد قرار رؤساء محاكم الاستئناف زيادة الرسوم القضائية المقررة نظير الخدمات المقدمة من المحاكم بداية من مطلع مارس (آذار) الماضي، إذ يتجه المحامون إلى خطوات تصعيدية بعد تجاهل ما نظموه من وقفات وإضراب عن العمل.

وخلال الأعوام الأخيرة شكا كثير من المحامين زيادة قيمة رسوم خدمات المحاكم، بخاصة بداعي "الميكنة"، مما ألزم أطراف التقاضي استخدام نماذج إلكترونية معينة بمقابل مادي، إضافة إلى زيادة قيمة الاطلاع على ملفات الدعاوى والحصول على نسخ من أوراقها وغيرها من الإجراءات القضائية، لكن إصدار رؤساء محاكم الاستئناف قرار زيادة الرسوم بنسبة 10 في المئة فجّر حالاً من الغضب بين المحامين، والذين اعتبروا القرار غير دستوري باعتبار أن أية زيادة في الرسوم تستلزم تعديلاً تشريعياً.

وعلى سبيل المثال فإنه بموجب الزيادات الأخيرة أصبحت قيمة التصوير الضوئي للورقة الواحدة في ملفات القضايا 5.5 جنيه (0.11 دولار)، فيما تبلغ قيمة الحصول على صورة طبق الأصل من الحكم الجنائي 22 جنيهاً (0.44 دولار) عن كل ورقة، وفي ظل امتداد بعض القضايا إلى مئات وأحياناً آلاف الأوراق، فقد تتعدى كلفة الاطلاع على ملف الدعوى أو الحصول على نسخة منه آلاف الجنيهات، مما يضاف إلى رسوم رفع الدعوى وأتعاب المحامي التي من المفترض أن يدفعها المتقاضون.

"قرار غير دستوري"

ومنذ تطبيق زيادة الرسوم أصدرت نقابة المحامين كثيراً من البيانات التي وصفت القرار بـ "غير الدستوري"، لأن زيادة الرسوم تتطلب تعديلاً تشريعياً، مؤكدة أن موقفها هو الدفاع عن حق المواطن في التقاضي ولا يرتبط بمطلب فئوي، وقالت النقابة إنها تتواصل مع "جميع الجهات المعنية" لحل الأزمة.

وتنص المادة الـ 38 من الدستور على أن القانون يحدد "طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم وأية متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها في الخزانة العامة للدولة"، وجاء رد الفعل الوحيد من محاكم الاستئناف منذ بداية الأزمة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إذ أعلن مجلس رؤساء محاكم الاستئناف برئاسة المستشار محمد نصر عن خفض مقابل الخدمات بـ 50 في المئة في دعاوى وقضايا الأسرة والعمال، وأشار البيان إلى الزيادات في مستلزمات الخدمات القضائية من أوراق وأحبار وماكينات تصوير وطابعات وأوراق مؤمنة وغيرها.

تصعيد الاحتجاج

واتخذت نقابة المحامين مساراً متدرجاً في التصعيد، إذ نظمت وقفات احتجاجية أمام المحاكم مدة نصف ساعة ثم ساعة، وبعد ذلك الامتناع من توريد مبالغ مالية لخزائن المحاكم مدة يوم واحد، وبعدها الامتناع من حضور جلسات محاكم الاستئناف ثم محاكم الجنايات، وذلك بحسب تصريحات صحافية لنقيب المحامين عبدالحليم علام.

وأعدت النقابة الشهر الماضي مذكرة عن أبعاد الأزمة لتقديمها إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورؤساء الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ، وعلى رغم تواصل الاعتراضات منذ مطلع مارس الماضي فإنه لم تظهر بوادر استجابة لاعتراضات المحامين، ولم يصدر رد من جانب الحكومة أو القضاء، فيما كرر النقيب في تصريحاته عدم وجود تواصل من جانب أية جهة، سواء محاكم الاستئناف أو وزارة العدل وغيرها مع النقابة لحل الأزمة.

وأشار علام خلال لقاء تليفزيوني إلى أنه عندما تواصلت النقابة مع جهات القضاء والدولة للعدول عن الزيادة قيل إن "هناك تعليمات عليا بتطبيق الرسوم القضائية المعدلة"، متسائلاً عن مصدر تلك التعليمات.

تجاهل المطالب

وأبدى عضو مجلس النقابة العامة للمحامين عمرو الخشاب تعجبه من تجاهل "القائمين على الدولة المصرية" احتجاجات المحامين، على رغم التحذيرات من خطورة ارتفاع الرسوم القضائية على مرفق العدالة، والمناشدة بتطبيق الدستور والقانون وفتح باب الحوار دون مطالب فئوية، وطالب بسماع صوت المحامين وأكد أنهم مع الدولة ولا يريدون الدخول في صدام.

 

وجاء حديث عضو مجلس النقابة العامة للمحامين لـ "اندبندنت عربية" خلال وجوده في اعتصام للمحامين بإحدى محاكم مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، مشيراً إلى تنفيذ خمس نقابات جزئية اعتصامات في مدن مختلفة على مستوى الجمهورية، مؤكداً أن المحامين لن يتراجعوا عن مطالبهم وسيواصلون الاحتجاج حتى تلغى قرارات زيادة الرسوم القضائية، ومحذراً من تنظيم اعتصام في محاكم البلاد كافة، كما لفت إلى خطورة توسع الاحتجاجات بما يمنع النقابة العامة من السيطرة على وتيرتها.

وفي الـ 20 من مايو (أيار) الجاري حذر نقيب المحامين في بيان صادر عن النقابة من "التصرفات والقرارات المنفردة، والتصعيد غير المدروس في شأن أزمة الرسوم القضائية من قبل بعض الأفراد أو مجالس النقابات الفرعية بغير التنسيق مع مجلس النقابة العامة"، داعياً إلى "ترك أمر الخطوات التصعيدية التالية إلى قرار موحد من الجمعية العمومية".

التواصل مع جهات الدولة

وكشف الخشاب عن اعتزام نقابة المحامين تنظيم اجتماع للجمعية العمومية في الـ 21 من يونيو (حزيران) المقبل في ظل وجود ما وصفه بـ "حال من العناد" من جانب القضاة مع المحامين، ورفضهم الجلوس للحوار مع ممثلي النقابة، وقال إنه إضافة إلى تواصل النقيب مع جهات في الدولة فإنه تواصل أيضاً مع مسؤولين في جهات أمنية وأعضاء في مجلس النواب دون استجابة، كما تواصل مع بعض القضاة الذين قالوا إن "هناك تعليمات بتطبيق زيادة الرسوم القضائية".

وبحسب الخشاب فإن الرسوم المفروضة ستؤول إلى صندوق خاص بمحاكم الاستئناف لتطويرها ولا تدخل العوائد إلى الموازنة العامة للدولة، مما يجعل تلك الرسوم خارج الرقابة الحكومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال المتحدث نفسه إن ما تبرره المحاكم بأنها رسوم لتحقيق الميكنة رفعت قيمة إقامة الدعاوى القضائية خلال الأعوام الأخيرة، موضحاً أن رسوم "قضية أسرة" ستبلغ 4 آلاف جنيه (80 دولاراً) في الأقل، مما يحرم أصحاب الحقوق من حقوقهم، داعياً إلى عدم التعامل مع مرفق العدالة كمرفق استثماري، وموضحاً أنه على رغم نص القانون على إعفاء قضايا الأسرة والعمال من الرسوم لكن بعض التفاصيل مثل الاطلاع على الملفات أو تصوير الأوراق تثقل كاهل المتقاضين.

ووفق دراسة لـ "المرصد المصري للصحافة والإعلام"، فقد أدت زيادة الرسوم القضائية خلال الأعوام الأخيرة إلى تراجع عدد الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم المصرية من 15 مليوناً عام 2019 إلى ما يقارب 11 مليون دعوى عام 2022.

موقف مجتمعي

واعتبر المحامي في النقض أيمن رابح أن قرار رؤساء محاكم الاستئناف زيادة الرسوم جزء من توجه عام في الدولة برفع رسوم كل شيء، مشيراً إلى غياب أسباب فرضها وأية الجهات ستقوم بتحصيلها، وقال لـ "اندبندنت عربية" إن القضاة المنوط بهم تنفيذ العدالة أصدروا قراراً يتنافى معها في ظل الأحكام القضائية الكثيرة بأنه "لا رسم إلا بقانون". وأضاف رابح أن موقف المحامين خاص بالمجتمع لأن الموافقة على الرسوم ستزيد العبء على المواطنين الموكّلين، مشيراً إلى أن القضايا البسيطة أصبحت مكلفة خلال الأعوام الأخيرة، فيما تتجاوز رسوم قضايا الأسرة والعمال 1000 جنيه (20 دولاراً) رغم نص القانون على إعفائها من الرسوم نهائياً، موضحاً أن المحامي ليس المتضرر الأول من زيادة الرسوم التي سيتحملها في النهاية المُوكل، وحتى إذا قلت القضايا في العدد فستزداد قيمة الأتعاب، لكنه حذر من أن ابتعاد المواطنين من اللجوء إلى مرفق العدالة قد يدفعهم إلى الاستعانة بالبلطجية لاستيفاء حقوقهم، "لذا نحن نخوض حرباً نيابة عن المجتمع"، بحسب تعبيره، إذ يرى أنه يجب على رئيس الجمهورية التدخل لحل الأزمة، بخاصة أنه سبقت زيادة الرسوم مرات عدة.

وينص الدستور في المادة الـ 97 على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للكافة"، وتنص المادة التالية على أن "القانون يضمن لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم".

غياب الحكمة

وأرجع عضو "مجلس أمناء الحوار الوطني" نجاد البرعي عدم استجابة الدولة لطلبات المحامين بإلغاء قرار زيادة الرسوم القضائية إلى غياب الحكمة السياسية في إدارة الخلاف، قائلاً إن هناك حال عناد مع المحامين، وذكر أن القرار الصادر من رؤساء محاكم الاستئناف خاطئ وضد القانون والدستور، لكن لا يجرؤ أحد على الطلب من رؤساء الاستئناف أن يتراجعوا عنه، لافتاً إلى أن رفع الرسوم يعد استهانة بالمواطنين والمحامين، اعتماداً على عدم قدرة نقابة المحامين على الاستمرار في التصعيد، وسيعودون للعمل تحت ضغط "مصالح المُوكلين"، مضيفاً أن مُصدر القرار يعتبر أن المواطن المُوكل سيتحمل كلفة زيادة الرسوم وليس المحامي.

 

واعتبر البرعي أن صدور القرار هو بمثابة استقواء على نقابة المحامين ومصالح المواطنين مثلما حدث في قانوني الإجراءات الجنائية والانتخابات البرلمانية أخيراً، مستبعداً أن تقرر نقابة المحامين الإضراب الكلي في ظل الأضرار الكبيرة التي ستقع على الموكلين، ومشدداً على أهمية تقدير القضاء لمهنة المحاماة، وأن رفع الرسوم القضائية لن يؤثر في عدد القضايا في المحاكمة، فمن يريد رفع قضية سيضطر إلى اللجوء لمحاميه مجبراً.

"العدالة ليست سلعة"

ورأى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني أن عدم تدخل وزارة العدل أو البرلمان بشكل سياسي لن يحدث في ظل رؤيتهما أن القرار لن يؤثر في الأوضاع السياسية في مصر، وقال إن "رؤيتهم أن المحامي يزيد الأتعاب، لكن المحامين يدافعون عن الموكلين الفقراء"، موضحاً أن "العدالة لا يجب أن تكون سلعة بل خدمة مجانية".

ووصلت الأزمة إلى البرلمان حيث قدم عدد من أعضاء مجلس النواب طلبات إحاطة موجهة إلى رئيس الوزراء ووزير العدل، واعتبر النائب أحمد بلال أن قرار زيادة الرسوم القضائية تغول على اختصاصات البرلمان لعدم صدور قانون ينص على الزيادة، فيما حذر النائب سليمان وهدان من أن "فرض أعباء مالية جديدة على عملية التقاضي من شأنه أن يقصي شريحة واسعة من المواطنين، ولا سيما من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ويضع عوائق أمام حصولهم على حقهم في العدالة".

وأبدت أحزاب سياسية تضامنها مع مطالب "نقابة المحامين" مثل "حزب الوعي" الذي أصدر بياناً أكد فيه أنه "من واجب الجهات المعنية أن تسارع إلى إيجاد حلول عادلة لهذه القرارات التي تمس حقوق المواطنين الدستورية وتعوق حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي"، كما توافق حزب "حماة الوطن" مع النقابة على تشكيل لجنة مشتركة لتناول مقترحات المحامين في البرلمان.

وأعلنت "نقابة الصحافيين" تضامنها مع مطالب المحامين مؤكدة "وجوب ضمان ألا يتحول التقاضي إلى امتياز لمن يستطيع الدفع"، كما قالت نقابة المهندسين في بيان إن الأزمة "قضية عامة وشأن مجتمعي يمس جوهر العدالة وحقوق المواطنين كافة في التقاضي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير